السودان: تصاعد الحراك المطلبي ودعوات لإستكمال تكوين الهيئات النقابية

15 سبتمبر 2022

بينما أعلنت لجان المقاومة السودانية جدولها لشهر سبتمبر الجاري، الذي دعت فيه لعدد من المواكب المركزية وغير المركزية لاسقاط الانقلاب العسكري، انتظمت في البلاد حركة مطلبية تقودها عدد من اللجان التسييرية النقابية والأجسام المطلبية.

ومنذ الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، يقاوم السودانيون الطامحون في تحقيق دولة المواطنة الحرة تحت شعارات الحرية والسلام والعدالة، إنقلاباً عسكرياً دموياً قاده جنرالات الجيش ضد حكومة الفترة الانتقالية التي كان يقودها عبد الله حمدوك.

وفضلاً عن الأزمات السياسية والاجتماعية التي أفرزها حكم الحركة الإسلامية للبلاد خلال ثلاثة عقود ورثت الحكومة الإنتقالية أزمة إقتصادية طاحنة، وأثناء محاولتها الحد من التدهور الاقتصادي المريع عن طريق حزمة من الإجراءات، أدى الإنقلاب العسكري لمزيد من التدهور الإقتصادي.

وأمام إنتظام حالة الحراك المطلبي، طالبت عدد من الأجسام المهنية والنقابية بضرورة انعقاد الجمعيات العمومية من أجل استكمال تكوين الهيئات النقابية التمهيدية كخطوة أولى تقود لانعقاد الجمعيات العمومية وصولاً لتكوين نقابات منتخبة.

وأعلن العاملون بالهيئة العامة السودانية للبث الإذاعي والتلفزيوني عن إضراب مفتوح بدءً من اليوم الخميس بسبب استنفاد كل الطرق المشروعة والقانونية مع الإدارة المتعنتة.

وفي تصريح صحفي قررت الهيئة العامة إستمرار الإضراب حتى تحقيق المطالب، وأوضحت أن الخطوة تأتي نسبة للظروف الإقتصادية القاهرة التي أثرت على معاش وأوضاع العاملين المتردية والطريقة المجحفة التي تم بها تطبيق الهيكل الراتبي للعام 2022.

ويوم أمس نظمت مجموعة أجسام نسوية وحقوقية وقفة إحتجاجية أمام مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالخرطوم، رفضاً للانتهاكات ضد النساء. وسلمت الأجسام المفوض السامي مذكرة موقعة بواسطة 63 جسما تطالب بإلغاء عقوبة الرجم، التي أقرتها محكمة جنايات كوستي بحق إمرأة يونيو الماضي.

وقفة احتجاجية لتنظيمات نسوية امام مقر مفوضية حقوق الانسان بالخرطوم- 14 سبتمبر 2022

وشهد قطاع الكهرباء في البلاد حراكاً كبيراً للمطالبة بتحسين الأجور وتنفيذ الهيكل الراتبي الجديد، وأثمر إضرابهم التصاعدي عن تحقيق هدفه المتمثل في تعديل الهيكل الراتبي الذي الذي سيبدأ اعتماده بداية يناير القادم.

والثلاثاء نفذ العاملين في مستشفى المناقل التعليمي بولاية الجزيرة أواسط السودان وقفة إحتجاجية للمطالبة بزيادة الأجور. كما نفذت الكوادر الصحية بمستشفى دنقلا التخصصي شمالي البلاد وقفة إحتجاجية ومطلبية تنادي بتحسين بيئة العمل.

وفي الخامس من سبتمبر الجاري دخل عمال النظافة بمحلية الخرطوم في إضراب كامل عن العمل في كل القطاعات، للمطالبة بمراجعة عقود العمل وإدراجهم ضمن العمالة الثابتة بكامل حقوقها.

ومنذ الأحد الماضي، دخلت لجنة أطباء الإمتياز في إضراب عن العمل، إستمر لمدة ثلاثة أيام، تم تمديده لمدة 72 ساعة لحين تنفيذ مطالبهم.

ويطالب أطباء الإمتياز بصرف رواتب جميع أطباء الإمتياز لثمانية أشهر ماضية ومعالجة مشاكل الأطباء الذين سقطت أسماؤهم سهواً من قوائم الأطباء المستحقين، صرف منحة عيدي الفطر والأضحى وأي بدلات أو حوافز تمت إجازتها من قبل وزارة الصحة الاتحادية أو وزارة المالية بالإضافة لعدة مطالب أخرى.

وفي مدينة كسلا، قرر تجمع الهيئات النقابية الدخول في إضراب عام مفتوح ــ غير حضوري ــ بدءً من الأحد القادم.

وفي 8 سبتمبر الجاري دفع العاملين بورش الرافعات الجسرية والمطاطية بميناء بورتسودان بمذكرة لمدير عام هيئة الموانئ البحرية تطالب بالتدريب والتأهيل المهني وتوفير المركبات المُعينة على الأداء الممتاز بالإضافة إلى صرف الحوافز المالية.

وخلال مايو ويونيو ويوليو العام الجاري أضرب العاملون في المؤسسات الحكومية في ولايات إقليم دارفور للمطالبة بتحسين الأجور.

وقال مسؤول مكتب الاعلام بتجمع الأجسام المطلبية (تام)، خالد طه، في حديث لـ(عاين) أن معظم القضايا والموضوعات المطلبية تنشأ بسبب السياسات الخاطئة والحلول الجائرة.

وأشار طه إلى أنه عادةً ما تكون المطالب مستندة على حقوق مشروعة، مما يصبح الموضوعي منها والقابل للتحقق مُلزم لأي جهة، وفي حالة التعنت وعدم الاستجابة للمطالب فإن الإضرابات وغيرها من أشكال الإحتجاج تعد حقاً أساسياً.

“الحراك النقابي مهم وتزداد اهميته في هذه المرحلة الوطنية الحرجة بواقعها الاقتصادي المتردي والردة المتواصلة في الشأن الحقوقي وإنسداد الأفق السياسي عموما”. خالد طه-  قيادي بتجمع الاجسام المطلبية.

وأوضح طه، أن الحراك النقابي مهم في كل مرحلة بجميع أشكاله التي لا تقتصر على الاحتجاج فقط، مشيراً إلى أن الاحتجاج في هذه المرحلة الوطنية الحرجة يأتي في سياق منطقي ومطلوب باعتباره إنعكاس للواقع الإقتصادي المتردي، فضلاً عن الردة المتواصلة في الشأن الحقوقي وإنسداد الأفق السياسي عموماً.

ويرى طه، أن أهمية الحراك المهني والنقابي والفئوي يأتي من خلال أنه مضماراً للمطالب الإصلاحية المرتبطة بمعاش العاملين وإصحاح بيئة العمل وتحسين شروطه، وبالتالي ترقية الأداء وإنجاز الإصلاح المؤسسي، مشيراً إلى أن القوى السياسية في خضم صراعها لأجل السلطة غفلت عن أداء أدوارها المطلوبة عن طريق معالجة المشكلات في مستوياتها القاعدية التي تعتبر الأكثر أهمية.

ويعتبر القيادي في تجمع الاجسام المطلبية، أن الحراك النقابي الذي تشهده البلاد، يأتي تعبيراً عن مدى التردي في الجانب الحقوقي، كما يشير إلى قدرة القواعد الفئوية والمهنية والنقابية على معالجة الخلل بطرقها السلمية المجربة .

وأوضح طه، أن الحراك المطلبي النقابي والفئوي ليس معزولاً عن إهتمام القاعدة الجماهيرية العريضة لأنه مرتبط بقطاعات تقدم خدماتها لهذه القاعدة الواسعة، لكنه يبدو معزولاً من التفات السلطة الانقلابية لأنه ضدها.

 ويستغرب طه، تجاهل القوى السياسية الأخرى لهذا الحراك النقابي والحقوقي الهام، مشيراً إلى التفسير الوحيد لهذا التجاهل هو سعي بعض القوى السياسية وضع ترتيبات فوقية تضمن وجودها في مستوى السلطة بطريقة أو أخرى دون الإستناد على حقوق ومطالب الجماهير العريضة.

الأمن السوداني يقمع تظاهرات حاشدة واعتقالات وسط المحتجين
احتجاجات بالخرطوم 13 سبتمبر 2022

ووفقاً لطه فإن هذا النمط من التفكير يجعل المسافة ليست بعيدة بين السلطة الإنقلابية وتلك القوى السياسية بإعتبار أن القاسم المشترك بينهم هو تجاهل المطالب المشروعة.

ويعتبر خالد، أن الذي يميز قوى الثورة الحية بجميع مكوناتها هو الإرادة السياسية الصلبة، ووضوح الرؤية، والحصافة اللازمة لإدارة الحراك الجماهيري في مجالاته المختلفة، بما في ذلك الحراك المطلبي والحقوقي.

ويشير طه أن القضايا المطلبية لا يمكن أن تًحل إلا في أجواء ديمقراطية كاملة، لذلك  فإن التشكيلات والاجسام المطلبية كانت وما تزال جزءً من قوى الثورة الداعية للتغيير الحقيقي، بمختلف الوسائل بما في ذلك الإضراب السياسي والعصيان المدني، مرورا بالمواكب في المدن والأرياف والاعتصامات والوقفات المطلبية والاحتجاجية.

ويرى طه، أن المطلوب من قوى الثورة الحية أن تصبح وسيلة للتغيير الإيجابي الذي يحقق السلام الدائم ويكفل حقوق المواطنة، ويقيم العدالة ويعمل على إرساء الحرية بشكل مستمر، لا أن تتحول إلى مجرد أدوات ضغط مؤقتة الإستخدام.

وبحسب طه، فإن الشرط  الأساسي للمشاركة في أي عمل ميداني مشترك أو جهد إعلامي عام يجب أن يقوم بالأساس على رؤية سياسية ذات أهداف واضحة متفق عليها، مشيراً إلى أنه وفي هذه الحالة يصبح التضامن والمؤازرة والالتفاف حول الحراك النقابي والمهني والفئوي هو الأقرب والاكثر فعالية والأكثر تأثيراً من اي طرح فوقي آخر.

من جهته يقول الخبير النقابي، محجوب كناري لـ(عاين) أن الفراغ النقابي في البلاد أدى إلى نوع من عدم التنظيم. وأشار إلى أن هناك جهات كثيرة ساهمت في تأخير قيام النقابات لأسباب ترتبط بمصالحها.

“ما تشهده الساحة الآن هو بداية صعود الحركة الجماهيرية في الشق المتصل بالعمل النقابي الداعم لحقوق العاملين” محجوب كناري- خبير نقابي.

ولفت كناري إلى أن الحركة النقابية العمالية  بدأت في التحرك والتنظيم عبر تكوين لجان الإضرابات، مشيراً إلى أن الحركة النقابية ذاهبة جهة  العمل على تنظيم نفسها.

وأوضح الخبير النقابي، أن الحركة الجماهيرية عادة ما تشهد لحظات صعود وهبوط، مشيراً إلى أن ما تشهده الساحة الآن هو بداية صعود الحركة الجماهيرية في الشق المتصل بالعمل النقابي الداعم لحقوق العاملين.

ولفت كناري، إلى أهمية دخول حركة التجار في الإضرابات بسبب رفضهم الضرائب  والجبايات الجديدة التي تفرضها الدولة.

متظاهرون في الخرطوم 3 يونيو 2022 الذكرى الثالثة لمجزرة فض اعتصام القيادة العامة

وحول ما إذا كان الحراك النقابي الذي ينتظم البلاد، ربما يقود للإضراب السياسي والعصيان المدني، يؤكد كناري أن الوصول لذلك يتطلب قدر أكبر من التنظيم، مع الإعتراف بأن هناك وعياً كبيراً بأهمية العمل النقابي في كل القطاعات العمالية والمهنية.

وأشار كناري، إلى أن هناك تحركات كبيرة للعاملين في مختلف المهن والتخصصات من أجل إنشاء نقابتهم، وأوضح أن قيام النقابات عبر جمعياتها العمومية هو الذي يضمن شرعيتها وقوة تأثيرها، مشيراً إلى أن النقابة المعنية التي تجئ عبر جمعياتها العمومية من الصعب هزيمتها.

ويرى كناري، أن الحراك النقابي الواسع الذي تشهده البلاد لم يجد حظه من التناول الإعلامي على الرغم من أهميته. ودعا قوى الثورة الحية الإنتباه لأهمية هذا الحراك النقابي بدعمه المتواصل على كل المستويات بما فيها التناول الإعلامي المكثف.