جزيرة توتي.. انتاجها الزراعي انحسر و”غابات الأسمنت”  تحاصر أرضها

 عاين – 13 يوليو 2021م

 يأسف المزارع بجزيرة توتي التي ترقد بالقرب من ملتقى النيلين الأبيض والأزرق في العاصمة السودانية الخرطوم، محمود يس، على إنقطاع أجيال المزارعين في الجزيرة ذات الأراضي الخصبة والتي كانت تمد أسواق العاصمة بنسبة مقدرة من الخضر والفاكهة.

ورغم قسوة هذا الانقطاع بالنسبة لـ”محمود” وزملائه من المزارعين القدامى في الجزيرة، إلا أنه يبرره معددا مجموعة من الأسباب التي جعلته واقعا معاشا بالنظر إلى تدهور واقع الزراعة في البلاد وصعود أسعار مدخلات الإنتاج الزراعي من وقود واسمدة ومبيدات وغيرها من المدخلات الضرورية.

جزيرة توتي.. انتاجها الزراعي انحسر و"غابات الأسمنت"  تحاصر أرضها

هجرة المزارع للأرض

ويقدر المزارعون في الجزيرة إلى أنه في ظل واقع التدهور الذي تعيشه الزراعة فإن إنتاج الخضروات والفواكه والليمون الذي كان يغذي نسبة مقدرة من استهلاك سكان العاصمة السودانية انخفض إلى نسبة 90%  خلال السنوات العشر الأخيرة.

“قذف منذ زمن قريب زملاء لي معاولهم الزراعية، طورية الحفر والأدوات الأخرى  ورفعوا وابورات المياه من ضفة النهر و هجروا أرضهم بعد أن ضنّت عليهم الارض العائد المجزي ودخلوا في خسائر فادحة على إثر الزيادات المتكررة في الوقود وأسعاره المدخلات الأخرى من بذور واسبيرات للوابورات الناقلة للمياه” يقول المزارع في الجزيرة على سعد لـ(عاين).

وأجرت الحكومة الانتقالية في البلاد جملة من التغييرات على أسعار الوقود خلال العام الماضي قبل أن تحرر اسعاره بالكامل مطلع شهر يونيو المنصرم، الأمر الذي ترتبت عليه زيادات كبيرة في أسعار كافة السلع. لا يملك سعد المتمسك بزراعة ارضه تحت كل الظروف الحق في لوم الآخرين على هجرتهم للزراعة، ويقول ” لديّ اثنين من الأبناء لم احفزهم مطلقا على ممارسة مهنة الزراعة في السنوات الأخيرة، كيف لي ان افعل ذلك وانا علم انني قد انتظر موسم زراعي كامل ولا يعود اليّ الا بالخسارة”.

“من هجروا مزارعهم بجواري غادروا إلى اعمال أخرى ومعظمهم اتجهوا إلى مناطق التعدين التقليدية عن الذهب في ولاية نهر النيل، مناطق ابوحمد ونوراية، وآخرين إلى ولاية جنوب كردفان”. يقول سعد، ويضيف، ” معلوم أن جزيرة توتي تتوسط مدن العاصمة المثلثة الخرطوم، وبحري، وأم درمان وبالتالي تقع في قلب العاصمة، ومعظم الهجرات تأتي إلى العاصمة لكننا هنا نتحدث عن هجرة عكسية تؤشر  إلى تردي حال الزراعة في معظم أنحاء السودان، وما نعيشه من تدهور هو نفسه الذي تعيشه بقية المناطق الزراعية في السودان”.

جزيرة توتي.. انتاجها الزراعي انحسر و"غابات الأسمنت"  تحاصر أرضها

مزارع إلى زوال

يعيش العديد من أصحاب المزارع في جزيرة توتي حالة من القلق البالغ لما وصفوه بـ”الخطر الداهم” على حقولهم الزراعة الذي يهددها بالزول والمتمثل في حالة الزحف المعماري السكني او ما يسمونه بـ”زحف غابات الاسمنت”.  ويقول بكري السيد وهو وريث في مزرعة جده لأبيه، مزارع وحقول وجنائن في توتي يتهددها الزوال بفعل عوامل عديدة يشملها في حالة التمدد السكني في الجزيرة والتي يقول السيد إن انها تزايدت بعد بناء جسر يربط الجزيرة بمدينة الخرطوم.

جزيرة توتي.. انتاجها الزراعي انحسر و"غابات الأسمنت"  تحاصر أرضها

ويضيف لـ(عاين)، “في السابق كان سكان الجزيرة يعتمدون بشكل أساسي على الزراعة ولا توجد نشاطات اقتصادية كبيرة لكنه بعد بناء الجسر وتواصل الجزيرة مع الخرطوم تغيرت العديد من ملامح الحياة بما فيها النشاط الاقتصادي في بيع وشراء الأراضي خاصة بعد إسهام الوسطاء “السماسرة” وتقديمهم اغراءات مالية لسكان الجزيرة لتحويل اغراض اراضيهم الزراعية إلى سكنية وهذا ما تم بالفعل”.

“أشعر بالألم عندما ارى احدهم يغرس منشاره لقطع شجرة مانجو عمرها أكثر من ثلاثين عاما او قطع شجرة جوافة بغرض نظافة الأرض وتهيئتها لتحل محلها اعمدة الاسمنت وتحويلها لغرض السكن” يقول بكري السيد.

حريق الأرض      

“تربة أراضي الجروف هي أخصب أنواع الأرض، لكن مع تخلي بعض اصحابها عن غرضها الاساسي في الزراعة وتحويل غرض المنفعة منها إلى صناعة الطوب وحرق الكمائن، نكون قد حرقنا ارضنا بانفسنا”، بهذه الكلمات يصف المزارع محمود يس لـ(عاين)، خطر تمدد كمائن الطوب في أراضي الجروف بالجزيرة.

ولا يجد يس، سوى الأسف على ذلك وهو الذي يعلم ان الاجابة من اصحاب الأرض التي استأجروها لصناعة الطوب صادمة وبالكاد يعلمها تماما وهي ان الزراعة لم تعد تأتي بعائد لاصحابها. ويشير محمود يس، إلى أن خطر صناعة الطوب عبر عملية الحرق المعروفة لن تنجو منه خصوبة الأرض، ونوه إلى أن الحرارة المنبعثة من الحرائق والدخان الكثيف له أثر بالغ على جذور النباتات المزروعة ويدمرها تماما.

جزيرة توتي.. انتاجها الزراعي انحسر و"غابات الأسمنت"  تحاصر أرضها

مسار العودة

“السنوات التي تقارب الثلاثين وعشتها مزراعا في الجزيرة اتسمت بالهدوء واستقرار المهنة والعائد الذي يوفر الحياة البسيطة لأي مزارع مثلي”، يقول علي سعد الذي يحدد جملة مطالب عاجلة وضرورية لعودة الزراعة لوضعها الطبيعي في الجزيرة والسودان بشكل عام والمتمثلة في استقرار أسعار المدخلات الزراعية وإنشاء أسواق وتصنيع المنتج من الخضروات وغيرها من المحاصيل التي ينتجونها”.

وللمحافظة على أرض الجزيرة من الزحف المعماري السكني والتمدد الاستثماري، يرى المزارع محمود يس وهو أحد سكان جزيرة توتي بضرورة توفير خطة اسكانية لسكان الجزيرة خارجها كبقية سكان المدن السودانية. ويشدد يس، “علينا أن نتجه إلى الزراعة هذه المياه الوفيرة التي تشف ارض السودان لا نستفيد منها كما يجب”.