غضب في كسلا على مقتل مواطن تحت التعذيب في معتقلات الأمن

عاين- 1 سبتمبر 2024

تفجر غضب واسع في مدينة كسلا شرقي السودان، واطلقت الشرطة النار لتفريق محتجين على مقتل أحد شباب المنطقة داخل معتقلات جهاز الأمن والمخابرات في المدينة نتيجة التعذيب.

وتوفي الأمين محمد نور أمس السبت بعد يوم من اعتقاله بواسطة جهاز الأمن والمخابرات، وهو شاب نزح من مدني بعد سقوطها  على يد الدعم السريع، وفتح متجرا في مدينة ود ريفي بولاية كسلا، وأثار مقتله غضب وسط السودانيين، وسكان كسلا الذين يقودون تصعيداً ضد السلطات الأمنية، للمطالبة بتقديم الجناة إلى العدالة.

وتجمع المئات من مواطني كسلا وذوي القتيل أمام مكتب جهاز الأمن والمخابرات مع إغلاق طرق حيوية والسوق الرئيسي في المدينة، مطلبين بتسليم الجناة إلى الشرطة وبدء إجراءات عدلية ناجزة، بينما رفضوا استلام الجثمان من المشرحة قبل توقيف المتورطين في الجريمة من عناصر جهاز الأمن والمخابرات العامة.

وقال أحد منظمي الحراك لـ(عاين): إن “الأمين محمد نور توفي نتيجة التعذيب، وقد أثبت التشريح والطبيب الشرعي ذلك، فقد أغلقنا غالبية الطرق الحيوية في كسلا اليوم الأحد، خاصة شارع المحكمة، ومكتب جهاز الأمن والمخابرات مع النيابة العامة، كما أغلق السوق أبوابه تضامنا مع قضية شهيد المنطقة”.

وأضاف: “إذا لم يستجب جهاز الأمن إلى مطالبنا، وتعاطت حكومة الأمر الواقع في ولاية كسلا بحكمة مع هذه القضية، سوف نستمر في التصعيد المطلبي والعادل، وربما تشهد المدينة أزمة أمنية واسعة”.

وبعد ظهر يوم الأحد، انتشرت الشرطة وقوات أمنية مختلفة في السوق الرئيسي وبعض الطرق، وأطلقت الرصاص والغاز المسيل للدموع على محتجين أمام مقر جهاز الأمن وشارع النيابة العامة في محاولة لتفريقهم، وفق شهود، تحدثوا مع (عاين).

 وأغلق محتجون غاضبون طرق حيوية في مدينة كسلا بالحجارة مع إشعال النيران مع الإطارات القديمة، في مشاهد غاضبة، وهم يطالبون بالعدالة إلى الأمين.

إدانة وشروط

من جهته، قال تجمع شباب أهليتي البني عامر والحباب في ولاية كسلا في تعميم صحفي، إنهم “ببالغ الحزن تلقوا نبأ وفاة الشاب الأمين محمد نور، من قبل مجموعة تابعة إلى جهاز الأمن والمخابرات ولاية كسلا في مدينة ود ريفي، ورُحِّل إلى كسلا، وفارق الحياة نتيجة التعذيب الذي تعرض له، كما أكد التشريح بمستشفى كسلا، والذي أظهر وجود كدمات على أجزاء واسعة من جسده”.

وشدد التجمع أنه “أُبْلِغ ناظر البني عامر دقلل، بخبر الوفاة من قبل مدير جهاز الأمن والمخابرات في كسلا العميد رضوان، والذي حاول تضليل الحقائق باختلاق رواية درامية خيالية من خياله المريض، زاعما وجود علاقة بين الفقيد الأمين وقوات الدعم السريع، وادعى أن وفاته كانت نتيجة لضيق في التنفس، إلا أن تقرير الطب الشرعي فند هذه الادعاءات، وكشف حقيقة التعذيب”.

كسلا
احتجاجات في كسلا بعد مقتل مواطن تحت التعذيب في معتقل أمني- الصورة: وسائل التواصل الاجتماعي

ويضيف: “لم تكن هذه الممارسات القمعية سابقة، فقد استشهد من قبل في ذات المكتب سيئ السمعة، جمال فقاريا، والمعلم أحمد الخير، ونتيجة لتباطؤ الإجراءات القانونية، أغلقنا طريق النيابة العامة منذ عصر السبت، مع إغلاق سوق كسلا لليوم الأحد، وعدم استلام الجثمان، وإقالة مدير جهاز الأمن والمخابرات في كسلا لتحمله المسؤولية من وجهة نظرنا”.

وحث التجمع، شباب المنطقة على ضبط النفس والتعبير بطريقة سلمية للوصول إلى العدالة والحفاظ على الممتلكات العامة، وذلك من أجل الحفاظ على أمن وسلامة ولاية كسلا.

ولم يعلق جهاز الأمن والمخابرات العامة حتى لحظة نشر التقرير على الحادثة، واتهامه بقتل الشاب الأمين محمد نور، لكنه بحسب مصادر تحدثت لـ(عاين) انخرط في مشاورات مع ناظر قبيلة البني عامر والحباب دقلل، بشأن القضية التي أثارت غضباً واسعاً، وتوترات عالية في مدينة كسلا شرقي السودان.

وحُكم بالإعدام على 29 عنصرا في جهاز الأمن المخابرات في كسلا بعد إدانتهم بقتل المعلم أحمد الخير داخل معتقلاتهم تحت التعذيب في العام 2019م، لكن لم ينفذ عليهم الحكم حتى اندلعت الحرب، واستطاعوا مغادرة السجن، والعودة إلى الخدمة في صفوف الجهاز مجدداً، بحسب ما قاله مؤتمر البجا المعارض في بيان صحفي الأحد.

عودة البطش

وقال مؤتمر البجا “مرة أخرى أبت نفس قطاع العمليات المحلول في جهاز الأمن، والذي أعادته شرذمة الفلول مع الحرب إلى العمل بنفس كوادره الذين قتلوا فقاريا تحت التعذيب بدم بارد منذ سنوات، وبعده كرروا جريمة المعلم أحمد الخير، واليوم ذات المجرمين المحميين من رأس السلطة، والذين أطلق سراحهم، وأعيدوا إلى العمل بعد أن كان محكوما عليهم بالإعدام”.

وشدد أن الفريق نفسه عاد لينفذ جريمة بشعة ليس لها مسوق بتعذيب الأمين محمد نور حتى الموت، “في جريمة ندينها ونستنكرها، ونطالب بفتح تحقيق عاجل وتقديم الجناة إلى العدالة بمبدأ عدم الإفلات من العقاب، رغم شكنا في ظل سيطرة الفلول”.

وحملت لجان مقاومة كسلا خلال تعميم اطلعت عليه (عاين) “المسؤولية كاملة إلى جهاز الأمن والمخابرات عن هذا الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان، والذي يتعارض مع كافة المواثيق الدولية والقوانين المحلية، ونحن نرفض هذه الممارسات القمعية التي لفظها الشعب، وتمرد على عهدها، وهو العهد الذي أذاق السودانيين والسودانيات مرارات الذل والاضطهاد”.

وطالبت ما أسمته “سلطة الأمر الواقع بتسليم المتهمين إلى الجهات العدلية فورا، وتطبيق القانون دونما تحيز “، وأضافت لجان المقاومة في كسلا “تؤكد هذه الحادثة ما حذرنا منه سابقاً، وهو أن سلطة انقلاب 25 أكتوبر 2021م، قد أعادت صلاحيات الاعتقال والتوقيف لجهاز المخابرات، مما سمح له باستعادة إرثه في التعسف والتعذيب دون رقيب”.

وقلصت الحكومة الانتقالية التي تشكلت بعد إزاحة الرئيس المخلوع عمر البشير بثورة ديسمبر، سلطات جهاز الأمن والمخابرات، وحصرت مهامه في جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها إلى جهات الاختصاص، بجانب حل هيئة العمليات القتالية التابعة له، لكن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أعاد للأمن كل صلاحياته عقب انقضاضه على كامل السلطة بانقلاب عسكري، كما أعاد هيئة العمليات إلى الخدمة.