“مع تلويحة الحرب”.. شرق السودان يترقب نقاشاً مسؤولاً حول قضاياه

 7 يناير 2023   

أمام مخاطر وتهديدات داخلية بالحرب وإقليمية بالسيطرة على موانئ السودان الرئيسية، يأمل السودانيون أن تُناقش قضايا إقليم شرق السودان في المرحلة القادمة بأكبر قدر من المسئولية، مع أصحاب المصلحة الحقيقيين.

والأحد الماضي، جدد رئيس فصيل في المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، محمد الأمين ترك، رفضه للاتفاق الإطاري، الذى جرى التوقيع عليه بين بعض من القوى السياسية المدنية والعسكريين.

ولدى مخاطبته حشداً جماهيرياً في منطقة “مويتة” بولاية كسلا الحدودية، أرسل الزعيم القبلي إشارات بإعلان الحرب في شرق السودان، حال رفضت السلطات السودانية منح المنطقة منبراً تفاوضياً منفصلاً.

ويتقلد ترك منصب نائب رئيس الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية التي تضم الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل وبعض الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام.

وترفض الكتلة الاتفاق الإطاري الذي أبرمه قادة الجيش في الخامس من ديسمبر المنصرم مع أحزاب سياسية وقوى مهنية منضوية تحت تحالف الحرية والتغيير -المجلس المركزي-. 

وأعلن الزعيم القبلي، رفضه القاطع المُشاركة في ورشة شرق السودان التي تعتزم القوى السياسية الموقعة على الاتفاق الإطاري إقامتها  خلال الفترة القليلة المقبلة.

وطوال السنوات السابقة، يتصدر ترك، المشهد السياسي في شرق البلاد، سواء عن طريق قفل موانئ البلاد الرئيسية، أو عبر مولاة العسكريين، مع الأخذ في الإعتبار علاقاته مع زعماء النظام البائد من الإسلاميين.

جانب من مدينة بروتسودان

ويناقض الزعيم القبلي نفسه برفض مسار شرق السودان المضمن في إتفاق جوبا لسلام السودان التي أبرمتها الحكومة الانتقالية خلال العام 2020 مع بعض حركات الكفاح المسلح من جهة، بينما يتحالف مع المكونات الأساسية للاتفاق من جهة أخرى.

وفي سبتمبر من العام 2021، قام ترك بحث مناصريه على شرق السودان الذي يضم إغلاق الموانئ الرئيسية في البلاد والطريق الرابط بين العاصمة الخرطوم وولاية البحر الأحمر للمطالبة بإسقاط حكومة الفترة الحكومة الانتقالية التي ترأسها، عبد الله حمدوك وإلغاء مسار الشرق.

في نهاية أكتوبر 2021 ، أي بعد خمسة أيام فقط، من الانقلاب العسكري على الحكومة الانتقالية، الذي قاده القائد العام للجيش، أعلن “ترك” تراجعه عن إغلاق الشرق.

وقال وقتها إنه يؤيد الجيش في استلام السلطة وتصحيح مسار الحكومة الانتقالية، وهو الموقف الذي قابلته مجموعات شبابية داخل المجلس الأعلى لنظارات البجا و العموديات المستقلة بالرفض وقادها للدخول في خلافات معه.

تهديد الحرب

تهديد الزعيم القبلي بإشعال الحرب في شرق السودان يراه والي ولاية كسلا السابق صالح عمار،  حديثا للاستهلاك السياسي. ولفت إلى أن الناظر القبلي، لا يملك القوة العسكرية كما أنه ليس له سند في أرض الواقع.

واعتبر عمار في مقابلة مع (عاين)، أن سكان الشرق لديهم القدرة للدفاع سلمياً عن حقوق الإقليم وقضاياه المتمثلة في التنمية ورفع التهميش التاريخي.

“أحاط الزعيم القبلي، خلال الثلاث سنوات الماضية نفسه بعدد من السياسيين، بدلاً عن القيادات الأهلية الذين بدورهم انفضوا عنه بسبب تبنيه لخطاب لا يتسق مع مهام وطبيعة الإدارة الأهلية”. يقول عمار. 

Governor of Kassala State, Saleh Ammar
والي ولاية كسلا السابق صالح عمار

وينوه الوالي السابق، إلى السياسيين الذين يحيطون بـالزعيم القبلي هم من الذين شاركوا النظام البائد بالعضوية المباشرة في المؤتمر الوطني المحلول، أو عن طريق تقلد المناصب الدستورية أو عبر أحزاب سبق وشاركت المؤتمر الوطني في الحكم، قبل إنطلاق ثورة ديسمبر المجيدة.

وأشار عمار، إلى أن هؤلاء السياسيين لهم أجندتهم الخاصة، المتمثلة في الرغبة في  الحصول على الحماية من المحاسبة، أو إيجاد موطئ قدم في سلطة ما بعد الثورة.

وأوضح أن الزعيم القبلي، وجد نفسه تحت “أحضان” شبكات الحركة الاسلامية والنظام البائد في العاصمة الخرطوم، وبات يعبر عن مصالحها بالكامل، بينما يمتنع عن الحديث في القضايا الأساسية التي تخص شرق السودان، المتمثلة في التنمية والمشاركة في السلطة وغيرها من القضايا المُلحة.

نقاش جامع

تحالف الحرية والتغيير – المجلس المركزي- الذي وقعت أحزابه الاتفاق الإطاري مع المكون العسكري ينأى بنفسه عن تهديدات الحرب التي يطلقها الزعيم القبلي المؤثر في شرق السودان محمد الأمين ترك، ويقول الناطق الرسمي بأسم التحالف، شهاب الدين إبراهيم الطيب، أن قضايا ملف شرق السودان ليست معقدة، لكنها بحاجة إلى عمل سياسي أكبر للوصول إلى إتفاق حول قضايا الإقليم الاستراتيجية وعلاقته مع الخرطوم العاصمة.

ولفت الطيب في حديث لـ(عاين)، إلى أن قوى الحرية والتغيير، وضعت تصوراً كاملاً للتواصل المباشر مع أصحاب المصلحة في الإقليم، ممثلين في القيادات الأهلية “عمد الساحل وعموديات ونظارات الجبال”، للتفاهم حول ملف الشرق المهم.

وأكد الطيب، أن الحرية والتغيير، لن تستنثى أحد من النقاشات المتصلة بإقليم السودان، كما إنها تعتبر أن الحوار هو الذي سيكشف الذين يعملون من أجل مصلحة الإقليم وأولئك الذين يعملون ضده.

متحدث الحرية والتغيير “المجلس المركزي” شهاب الطيب – الصورة ارشيف

وكان التحالف حدد التاسع من يناير الجاري بدء نقاش القضايا الخمسة المؤجلة في الاتفاق الإطاري تباعاً، وتتضمن آليات عملها المشاورات والورش والمؤتمرات بناءً على جداول زمنية محددة.

وتتألف القضايا الخمسة من العدالة والعدالة الانتقالية، والإصلاح الأمني والعسكري وإتفاق جوبا لسلام السودان وإكمال السلام و تفكيك نظام 30 يونيو، والالتزام بحل أزمة الشرق بوضع الترتيبات المناسبة لاستقرار شرق السودان، وبما يحقق السلام العادل، والمشاركة في السلطة والثروة والتنمية، ضمن الحقوق الدستورية لمواطني الاقليم، ومشاركة جميع أصحاب المصلحة في شرق السودان ضمن العملية السياسية الجارية.

وإعتبر والي ولاية كسلا السابق، صالح عمار، أن المدخل السليم لحل مشكلة شرق السودان هي معالجة قضايا التنمية والتهميش التاريخي الذي تعرض له الاقليم في ظل الحكومات المتعاقبة.

ودعا عمار خلال مقابلة مع (عاين)، لإقامة نظام حكم مستقر عن طريق التمثيل العادل في السلطة لضمان تنمية الإقليم. ولفت إلى أن الدولة لم تكن على مسافة واحدة من الجميع في شرق السودان، وطالب بتأهيل أجهزتها الأمنية والعسكرية والعدلية. وأكد أن هذه القطاعات بحاجة لكوادر مهنية.

ورأى عمار، أن قضية تحقيق العدالة يجب أن تكون اللبنة الأولى لحل مشكلة شرق السودان، ودعا إلى معالجة الملفات العدلية المتمثلة في تعويض المتضررين وكشف الحقيقة وجبر الضرر.

وأوضح الوالي السابق، أن “ورشة الشرق” التي تعقدها قوى الحرية والتغيير، يناط بها وضع خارطة طريق واضحة المعالم لحل أزمة الشرق تقوم بتنفيذها الحكومة المدنية المقبلة. قبل ان يطالب “الحرية والتغيير” بالارتقاء إلى مستوى المسئولية، كما دعاها  للاستفادة من تجاربها خلال الثلاثة سنوات السابقة في شرق السودان.

قاعدة شعبية

ويرى رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة القومي، محمد المهدي الحسن، أن “ورشة شرق السودان” المقبلة ستنعقد وفقاً لمفهوم قومي بمشاركة جميع السودانيين.

وأشار المهدي الذي وقع حزبه على الاتفاق الاطاري في حديث مع (عاين)، إلى أن قوى الحرية والتغيير ترغب في أن يجد أهل شرق السودان أنفسهم مشاركون بطريقة أو بأخرى في ترتيب أوضاع شرق السودان دون إهمال أي رأي وصولاً إلى وضع رؤية كاملة تقود في النهاية إلى إستقرار الإقليم.

ميناء بورتسودان

ولفت الحسن، إلى أن إستقرار إقليم شرق السودان كما يهم أهله فإنه يهم بقية السودانيين، خاصة أنه منفذهم الوحيد الى العالم.

وأكد أن القضايا الخمسة التي تأجلت من الإتفاق الإطاري، لأنها قضايا كبيرة وأساسية، فضلاً عن وجود  تباين حول كيفية التعامل معها، الأمر الذي دعا لمزيد من التداول حولها بإشراك أكبر قاعدة شعبية في مناقشتها، وضرورة استيعاب رؤى الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري.

تقاطعات

وبينما يتجه قادة القوى السياسية لمناقشة أوسع لقضايا شرق السودان، ينوه والي كسلا السابق صالح عمار إلى أن التقاطعات الاقليمية متوقعة في شرق السودان، بسبب أن إقليم الشرق يجاور عدداً من البلدان الكبرى في المنطقة، كما أنه يمتلك ساحل طويل على البحر الأحمر.

ويوضح أن الحراك الذي قاده الانقلابيين، في شرق السودان أثناء حكومة الفترة الانتقالية، الذي أُغلقت بموجبه الموانئ الرئيسية، لفت إنتباه  الدول المجاورة لإحدى ثغرات البلاد الاستراتيجية.

وأكد عمار، أنهم طوال الفترة الماضية لم يتوقفوا عن إبداء الملاحظات المستمرة، حول ما يصفه بـ “المجموعات التخريبية” التي تتحرك في شرق السودان، ذات صلة بدولة مصر.

جانب من مدينة بورتسودان

وأشار إلى أن عدد كبير من أفراد المجلس الأعلى لنظارات البجا يتنقلون بين مصر والسودان، كما أن عدد منهم مقيم في مصر بصورة دائمة، مثل “محمد طاهر أيلا”  آخر رئيس وزراء في حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير.

ودعا الوالي السابق، إلى ضرورة أن تنتبه مصر إلى أن السودانيين يتطلعون إلى بناء علاقات جيدة وإستراتيجية معها. وطالب دولة مصر بإحترام السودان والنأي عن تصدير الأزمات، بواسطة أشخاص يخططون إلى خلق الفتن في شرق السودان.

وأكد عمار، على أن إدارة ملف السودان بمعزل عن التأثيرات الخارجية ممكن إذا ما استعادت الدولة السودانية عافيتها وهيبتها وقدرتها على خدمة إنسان شرق السودان وخدمة المواطن السوداني ككل.