أول سفير أمريكي بالسودان.. منافسة في سباق الوجود “الروسي- الصيني”
12 سبتمبر 2022
بعد ما يقارب الـ25 عاما، أعلنت واشنطون وصول الدبلوماسي الأمريكي جون غودفري ليكون أول سفيرا للبلاد في السودان، في خطوة ظلت منتظرة من الأوساط المحلية والعالمية بعد عودة العلاقات السودانية الأمريكية لسابق عهدها، وأثارت الخطوة ردود أفعال واسعة وتساءل كثيرون حول توقيت تعيين سفير للولايات المتحدة في ظل موقف السلطة الأمريكية من سلطة انقلاب 25 أكتوبر وتنامي العلاقات السودانية مع روسيا والصين.
عودة المياه لمجاريها
وقررت الولايات المتحدة خفض تمثيلها الدبلواسي بالسودان في العام 1997، وفرضت عليه عقوبات اقتصادية واتهمته بدعم الإرهاب، وفي ديسمبر من العام 2019 أعلنت الخارجية الأمريكية عن اتجاهها لعودة تبادل السفراء بين البلدين بعد زيارة لرئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك لواشنطن، ووصفت الخطوة حينها بأنها تقود إلى الأمام في تعزيز العلاقات الثنائية.
وقدم جون غودفري في الأول من سبتمبر الجاري أوراق اعتماده إلى رئيس مجلس السيادة الانقلابي عبدالفتاح البرهان، وقال في بيان نشره حساب السفارة الأمريكية على “فيسبوك”: إن وصوله إلى الخرطوم يعكس التزام الولايات المتحدة بتعميق العلاقات بين الشعب السوداني والشعب الأمريكي، وشدد على ضرورة ابتعاد الجيش السوداني عن السياسة بمجرد تأسيس حكومة سودانية في البلاد، ودعا جميع القوى السياسية إلى الدخول في حوار شامل لتشكيل حكومة مدنية جديدة.
نشاط متزايد
ودشن غودفري نشاطاته في البلاد، بعدد من اللقاءات مع الفاعلين السياسيين، وقدم دعوة لقوى الحرية والتغيير للقاء تم بين الطرفين، أكد فيه السفير ثبات سياسة بلاده على دعم التحول المدني الديمقراطي، وكشف بيان للحرية والتغيير أن أمريكا ستستأنف التعاون المشترك بين البلدين حين يتم استعادة مسار التحول الديمقراطي الذي تقوده حكومة مدنية ذات مصداقية وتعبر عن قوى التحول الديمقراطي في السودان، بحسب غودفري، وأن الوفد أكد للأخير أن التحول الديمقراطي هو الضمان لاستقرار وسلام السودان وهو ما سينعكس إيجاباً على محيطه الإقليمي والدولي.
وبدأ جون غودفري حياته العملية كمساعد لمساعد وزير الخارجية لشئون الشرق الأدنى، كما شغل منصب القائم بأعمال منسق وزارة الخارجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب والمبعوث الخاص للتحالف العالمي لهزيمة تنظيم داعش في مكتب مكافحة الإرهاب في وزارة الخزانة الأمريكية، و فى الفترة من 2013 إلى 2014 كان في منصب رئيس الموظفين لنائب وزير الخارجية الأمريكي آنذاك وليام بيرنز، بجانب منصب مستشار سياسي فى السفارة الأمريكية بالمملكة العربية السعودية، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان وضع اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب.
الموقف الأمريكي
وكانت السلطة الأمريكية، أعلنت صبيحة انقلاب 25 أكتوبر، أنها تعتبر ما حدث في السودان انقلابا عسكريا قاده عبد الفتاح البرهان، وأمرت بتعليق مساعدات للخرطوم بقيمة 700 مليون دولار، وقالت في بيان رسمي إن واشنطن تطالب بعودة الحكومة المدنية في السودان، وأدانت الخطوات التي اتخذها الجيش مشيرة إلى أن أي تغيير للحكومة المدنية السودانية بالقوة يعرض مساعداتها وعلاقاتها بالخرطوم للخطر، كما شرعت في خطوات عقوبات أمريكية فردية على قادة بالجيش السوداني، وأقرت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، في مارس الماضي بالإجماع مشروع قرار، يدين الانقلاب العسكري في السودان ويدعو الإدارة الأمريكية إلى فرض عقوبات على المسؤولين عن الانقلاب.
وبرزت إلى السطح بعد قرار التعيين، تساؤلات حول جدية الولايات المتحدة في سعيها للتحول الديمقراطي في السودان، حيث رأى كثيرون أن ازدواجية أمريكا في اعتبارها لحكم البرهان انقلابا وفي نفس الوقت تقديم السفير أوراق اعتماده للسلطة الانقلابية، تسعى فقط لضمان الاستقرار بأي شكل حتى لو نأى عن التحول الديمقراطي.
دعم التحول أم الاستقرار؟!
هذه الوجهة، الأمر ينفيها المحلل السياسي ومساعد برنامج أفريقيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، كاميرون هيدسون، في مقابلة مع (عاين)، وأكد أن أولوية السفير غودفري تتمحور حول الحث على السير في العملية الديمقراطية بالسودان ودعمها من خلال كسب الثقة بدعم الحراك الديمقراطي بالبلاد، واستنكر نظرة عديدون لنشاط أمريكا باعتبارها ساعية للاستقرار السياسي بأي شكل، منبها أن السفير يعي لهذه المشكلة ويحاول حلها بتقليل اتصالاته بالجيش وعدم مقابلة حميدتي كمثال وترديده الخط الداعم للديمقراطية.
كاميرون هدسون: أولوية السفير غودفري تتمحور دعم العملية الديمقراطية بالسودان، ولا اعتراف امريكي بالسلطة الانقلابية.
كما استبعد هيدسون، أن يكون توقيت تعيين السفير أي خصوصية، ودلل بقيام إدارة بايدن بتعيين عدد من السفراء في دول أفريقية بعد تأخر تلك التعيينات لعام ونصف، وقال: “تعيينه في هذا الوقت فقط نتيجة لعملية شاقة وطويلة هدفت لوجود سفير في السودان “.
ورفض أن ينظر لتعيين السفير جون غودفري بأنه اعتراف من السلطة الأمريكية بالقيادة العسكرية في السودان، مشيرا إلى أن السفير قدم أوراق اعتماده دون أي صور بوجود الجنرال برهان وإنما قدم خطابا للشعب السوداني، منبها في الوقت ذاته لمحاولة استفادة الانقلابيين من التعيين كفرصة لتعزيز شرعيتهم بعمل فيديوهات مفصلة تحتفي بعودة سفير أمريكي للسودان لجعلها تبدو أنها إضفاء شرعية من أمريكا للبرهان وسلطته، وأشار إلى طريقة تعامل كلا البلدين لهذا اللقاء الأول بين السفير والبرهان.
مخاوف أمريكية
وبخصوص تخوفات أمريكا من التوسع الروسي الصيني في السودان، نفى هيدسون أن يكون تعيين السفير محاولة من الولايات المتحدة للحاق بركب الدول المتوسعة في السودان، ورأى أنه عمل دبلوماسي عادي كان مفقودا أيام إدارة ترمب، وزاد: ” إذا كان هناك أي شيء، فإن تعيين جون غودفري ليس محاولة للحاق بركب الفاعلين الأجانب، وإنما محاولة للحاق بأنفسنا”.
وذكرت تقارير صحفية لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، عن مسؤوليين أمريكيين، أن أمريكا تراقب عن كثب إرهاصات الصفقة الروسية مع السودان لإنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، وقال المسؤولون إن آمال روسيا في القاعدة بدأت تتضاءل نسبة للصراع الداخلي في السلطة العسكرية السودانية.
وواصل كاميرون هيدسون حديثه لـ(عاين) منتقدا عدم وجود سياسة واضحة لواشنطن تجاه السودان، مبرراً ذلك بانصباب تركيزها على أثيوبيا وانتخابات كينيا وغيرها من شؤون دول القرن الأفريقي، ومؤكدا في الوقت ذاته أن وجود سفير قادر يعطي واشنطن أداة لم تكن متاحة في الماضي وسيعزز دور الولايات المتحدة في الدفع بعملية الحوار وصولا للاستقرار السياسي والتحول الديمقراطي.
دور ملموس
ومن جانبها قالت المحللة السياسية وأستاذة العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم، د. تماضر الطيب لـ(عاين)، “إن أمريكا ككل القوى الكبرى في العالم تسعى لضمان مصالحها في المقام الأول وتركز على النظام الحاكم الذي يلبي مصالحها ويحميها ولذا تكون مواقفها غير واضحة”، ودللت على ذلك بحديث الولايات المتحدة عن أنها دعمها للتحول الديمقراطي والحكم المدني وفي نفس الوقت تحاول ان تنهي الازمة بأي شكل يضمن لها الاستقرار السياسي، وأرجعت لذلك الاتهامات التي تلاحقها لعدم قيامها بدور ملموس.
محللة سياسية: خطوة تعيين أمريكا سفير منافسة للصين اقتصاديا ليس في السودان وحسب بل في افريقيا خاصة الشرق والوسط.
واعتبرت تماضر، أن خطوة أمريكا محاولة سد الفراغ الذي تركته طوال 25 عاما، ومنافسة الصين اقتصاديا ليس في السودان وحسب بل في افريقيا خاصة الشرق والوسط، مشيرة لتطور العلاقات السودانية الصينية في فترة حكم النظام البائد التي عدت دور الصين فيها غير استراتيجي نسبة لكونها علاقات تجارية غير متوازنة خدمت الصين اكثر من السودان، وأرجع ذلك لوجود استغلال لتلك العلاقات بصورة خدمت أشخاص بعينهم أكثر من خدمة البلاد، اضافة الى الاستثمار الصيني في مجال البترول.
التنافس
وأشارت تماضر إلى التراجع في موقف البرهان من الموافقة على إنشاء القاعدة العسكرية الروسية بميناء بورتسودان على البحر الأحمر، غير مستبعدة أن يكون قد تم ذلك بضغط من أمريكا لسعيها لمنافسة روسيا في منطقة القرن الأفريقي وخوفها من تغلغلها عبر البحر الأحمر.
وفيما يخص الدور الأمريكي في تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، قالت تماضر الطيب إن العلاقات مع اسرائيل في كثير من الحالات لا تنفصل عن العلاقات مع أمريكا، مؤكدة أن أمريكا حريصة دائما على الحفاظ على أمن اسرائيل في المنطقة وبالتالي تعمد الى ضغط حلفائها في المنطقة أو الدول التي تتمتع بعلاقات طيبة معها بضرورة التطبيع مع اسرائيل مقابل حوافز ومساعدات وغيرها.
جدية أمريكا
ورهنت تماضر فاعلية دور السفير الأمريكي جون غودفري في المشهد السياسي الحالي، بمدى جدية الولايات المتحدة في دفع عملية التحول الديمقراطي ومدى إيمانها بضرورة ذلك، أضافت أن نشاط السفير منذ وصوله للبلاد ولقاءاته بالمجموعات السياسية التي تبحث عن تسوية فقط لإنهاء الازمة، هو السبب في اتهام الولايات المتحدة بعدم الجدية في دعم التحول الديمقراطي.