السودان: هل نجاح الاعتصامات تجربة لإستعادة النقابات؟

السودان: هل نجاح الاعتصامات تجربة لإستعادة النقابات؟.

تقرير: عاين 9 مارس 2019م

الإضراب والاعتصام والعصيان المدني، أسلحة جربها السودانيون وساعدتهم على اسقاط نظامين ديكتاتوريين، (عبود 1964) و(نميري 1985)، وخلال ما يزيد عن الشهرين على الاحتجاجات الحالية التي تطالب بإسقاط نظام الحكم الحالي، والتي بدأت منتصف ديسمبر الماضي في مدينة الدمازين جنوبي البلاد، ثم تبعتها مدن أخرى مثل عطبرة والقضارف وبورتسودان حتى وصلت العاصمة الخرطوم، تم تجريب كل أدوات المقاومة السلمية الجماهيرية، بما فيها سلاح الإضراب والإعتصام في الساحات العامة بالأحياء السكنية، في مسعى لإستخدام آليات المقاومة المعروفة لدى السودانيين، لكن إلى أي مدى نجحت تلك الآليات في الضغط من أجل تحقيق المطالب التي يتطلع لها المحتجون، وكيف نجحت تلك الأدوات في حشد الجماهير وتطوير الحراك الثوري وخلق المزيد من الفعل باتجاه الهدف الذي رفعه الثوار منذ اليوم الأول للتظاهرات وهو “تسقط بس”.

وتزداد أهمية ذلك السؤال مع دعوة تجمع المهنيين لقطاعات مختلفة ببدء “الاضراب الشامل” بغية الوصول للاضراب “السياسي العام” وشل الحياة العامة على درب الخطوة الاخيرة لا سقاط النظام.

بري اسرة واحدة
السودان: هل نجاح الاعتصامات تجربة لإستعادة النقابات؟.
صلاح هو أحد سكان حي بري العتيق شرقي الخرطوم، يعتبر أن الإعتصام في ساحات الأحياء يُمثل أحد الآليات التي يعملون من خلالها على تأكيد رفضهم للوضع السياسي القائم في البلاد.  ويرى أنهم استطاعوا بالفعل إيصال رسائلهم التي تدعوا للمقاومة من خلال الحشد الذي يتم خلال الإعتصامات، وأضاف “في ساحات الإعتصام نتمكن من بث روح المقاومة، ورفع وعي سكان الحي بضرورة الإستمرار في العمل من أجل تغيير الوضع السياسي”.

لكن استمرار هذه الإعتصامات بحسب ما ذكر صلاح لـ (عاين)، لا يزيد في بعض الأحيان عن (4) ساعات، إذ تتعرض احيانا لهجوم من قبل القوات الأمنية التي لا ترغب في استمرار التجمعات، التي غالبا ما تتحول لتظاهرة داخل الحي.وفي الأيام التي يتم فيها الإعلان عن اعتصامات يختارها المحتجون، يستقبل سكان حي بري عشرات المحتجين الذين يأتون للتجمع معهم والتظاهر في الحي بحسب ما اوضح صلاح، ويقع على سكان الحي مسؤولية استضافة القادمين من خارج الحي، وتأمين دخولهم وخروجهم.

ويشير إلى أن ما يميز حي بري عن غيره من الأحياء هو الترابط الأسري الذي يجمع السكان،   سيما أن معظم الأسر يسكنون الحي منذ سنوات طويلة، وهو ما ساعدهم على التواصل والتأمين والحشد. ويؤكد بأن النجاح الذي تحققه تلك الإعتصامات يتمثل في القدرة على الحشد والتعبئة والتجهيز للمواكب الجماهيرية.

إضرابات المهنيين

على الجانب الآخر نجد أن قطاعات المهنيين التي انضوت تحت لواء “تجمع المهنيين السودانيين” الذي نال شعبية واسعة خلال الانتفاضة الراهنة، قد استخدموا سلاح الإعتصام والإضراب عن العمل والوقفات الاحتجاجية للضغط من أجل تنفيذ مطالب ترتبط بتحسين أوضاع تلك القطاعات أو اجبار الجانب الحكومي على الرضوخ لرغبات أصحاب تلك المهن مثل الأطباء والمعلمين والصحافيين وغيرهم.

السودان: هل نجاح الاعتصامات تجربة لإستعادة النقابات؟.

الأطباء يضربون

وكان الأطباء قد  نفذوإضراباً عن الحالات الباردة في معظم مستشفيات السودان، أكدوا أنه قد حقق نسبة نجاح تراوحت في معظمها بين 70 إلى 100%، وبحسب تقرير صادر عن المكتب الإعلامي الموحد  للجنة أطباء السودان المركزية،  نقابة أطباء السودان الشرعية، ولجنة الاستشاريين والاختصاصيين مطلع فبراير،   فإن الغرض من الإضراب هو الرفض التام للسياسات الحكومية في مجال الصحة، إضافة إلى الفشل في إدارة شئون البلاد وعجز الحكومة عن توفير مقومات العيش الكريم،  مشيرا إلى أن الإضراب بمثابة تعبير عن هذا الرفض ولشل حركة التحصيل التي تستخدمها في الحلول الأمنية للأزمات.

تعدد الوسائل

وبحسب الطبيبة والمتحدثة بإسم تجمع المهنيين السودانيين الذي ينسق الإحتجاجات في السودان سارة عبدالجليل، فإن سلاح الإضراب هو جزء من تعدد الآليات والوسائل التي يتبعها تجمع المهنيين في سبيل إسقاط النظام الحاكم بالإضافة إلى المواكب والتظاهرات اليومية.

وأكدت عبد الجليل أنهم يعملون على تفعيل سلاح الإضراب والاعتصام وصولًا للإضراب الشامل والعصيان المدني، وأضافت “جربنا الإضراب في عدد من القطاعات وحققنا نجاحات وما زلنا نراهن على الاضرابات خاصة مع اتساع دائرة الاحتجاجات والاجسام المهنية والنقابية التي تنضم لـ تجمع المهنيين”.

واوضحت عبدالجليل في حديث لـ (عاين)، أن ذلك يتسق مع اتساع دائرة التنسيق مع القطاعات غير المهنية مثل الحرفيين وتحالف مزارعي الجزيرة والمناقل وغيرها، وما يحدث من تحركات احتجاجية وسط العمال على نحو الذي حدث من قبل عمال الموانئ.

وتابعت: “إضراب الأطباء جزء من هذه العملية واستمراره يدل على نجاحه الكبير لكننا غير متعجلين فنحن نعمل بصبر وايقاع يومي يلامس نبض الثورة والاحتجاج والرفض اليومي”.

حق دستوري

السودان: هل نجاح الاعتصامات تجربة لإستعادة النقابات؟.

في إطار الضغط على الجانب الحكومي وتوسيع رقعة الإحتجاجات المناهضة للنظام الحاكم في السودان استجاب معلمون لدعوات إضراب كانت قد أطلقتها لجنة المعلمين خلال شهر يناير.  وبحسب عضوة لجنة المعلمين السودانيين درية محمد بابكر، فإن الإعتصام والإضراب عن العمل هو حق دستوري وقانوني في المقام الأول، وذات تأثير كبير في الحراك ثوري بموجبها يتم تعطيل دولاب العمل لحين تحقيق المكاسب التي من أجلها تم إعلان الإعتصام أو الإضراب.

وذكرت بابكر لـ (عاين)، انه بالنسبة للسودانيين فقد استخدمت كل هذه الوسائل والتي بموجبها تم إنجاز أكبر ثورتين على النطاق العربي والإفريقي في أكتوبر 1964 وأبريل 1985، وأضافت”لكنا نلاحظ غياب هذه الأسلحة طوال فترة نظام حكم الإنقاذ الحالي نسبة لغياب النقابات والاتحادات المهنية المنتخبة واستبدالها بـ نقابات واتحادات يتم تعيينها خدمة لسياسة التمكين التي انتهجها حزب المؤتمر الوطني الحاكم”.

وفي هذا السياق تقر بابكر  بغياب الدور المرتجي من النقابات والاتحادات، ولكن الآن وبعد الاحتجاجات التي بدأت في ديسمبر والثورة التي انتظمت أرجاء السودان عاد الأمل من جديد مع حراك المهنيين وما انتظم قطاعاتهم من تنظيم وقفات احتجاجية واعتصامات وإضرابات لقطاعات مختلفة منهم كالمعلمين والأطباء والصحفيين والمحامين وأساتذة الجامعات والمهندسين وغيرهم من القطاعات المهنية وحتى القطاعات الخاصة، مؤكدة أن كل ذلك يصب في مصلحة الحراك .

اعتقالات واسعة

أما بالنسبة لإضراب المعلمين والذي كان قد أعلن من قبل لجنة المعلمين، ترى انه كبداية لابأس بها خاصة بعد غياب هذه الثقافة طوال الفترة الفائتة، وتابعت:  “لاحظنا تزايدا مضطرداً في عدد المدارس التي نفذت الإضراب الثاني، الذي أعلنته لجنة المعلمين ودخول عدد مقدر من المدارس الخاصة مما عرض بعض معلمي هذه المدارس للفصل والإيقاف عن العمل اضافة للتهديد من قبل المدراء ومدراء التعليم واعتقال عدد من المعلمين”. وأوضحت بابكر أنهم في لجنة المعلمين لديهم عدد من الزملاء والقيادات في اللجنة رهن الإعتقال، دعت لإطلاق سراحهم فورا أو تقديمهم لمحاكمة عادلة .

تاثير ونجاح

السودان: هل نجاح الاعتصامات تجربة لإستعادة النقابات؟.

وترى  بابكر بأنه  لو لم تكن هذه الإضرابات والوقفات والاعتصامات مؤثرة لما تم اعتقال المعلمين خاصة وأن هناك تجاوباً من أولياء الأمور تماشيا مع الشعار الذي رفعته اللجنة “لا تعليم في وضع أليم”،  وأن هذه المقولة لم تطلقها اللجنة إعتباطاً، ولكن حتمتها ظروف الواقع المُزري الذي يعيشه المواطن السوداني والتعليم على حد وصفها.

وأضافت “هدفنا هو رسم سياسات جديدة للتعليم وتحسين شروط الخدمة للمعلم ليتفرغ لأداء رسالته العظيمة”.وقطعت بابكر بأن العصيان والإضراب يمكن أن يكون فاعلا للمقاومة بشرط أن يتم الإعداد له بصورة جيدة ومحكمة،  وأنهم في لجنة المعلمين ومن خلال آخر بياناتهم دعوا المعلمين للإضراب عن جميع أعمال شهادة الأساس والشهادة السودانية،  ويتوقعون أن تقاطع قطاعات كبيرة من المعلمين أعمال الإمتحانات هذا العام دعما للثورة.

الصحفيون

بالإضافة للأطباء والمعلمين تفذت شبكة الصحافيين السودانيين وهي كيان مواز لإتحاد الصحافيين المحسوب على الجانب الحكومي،  في العام الماضي، منسوبيها للإضراب عن العمل لمدة ثلاثة أيام، على الرغم من الواقع الصحفي المُعقد في السودان لاسيما في ظل تعرض الصحف لمضايقات متكررة من قبل جهاز الأمن السوداني الذي بدأ فرض رقابة مسبقة على المواد التي يتم نشرها وكذلك منع العديد من الصحافيين من الكتابة.

تاريخ طويل

عضو شبكة الصحافيين السودانيين خالد فتحي، أكد بأن الإضرابات هي من أفضل وأقوى الوسائل لإيصال الرسائل للجهات المختصة،  لأنها تعمل على لفت الانتباه لوجود مشكلة ما يجب أن تجد طريقها إلى الحل، وأن قوة الرسالة تأتي من امتناع الشخص او المجموعة عن فعل كان يقوم به او تقوم به الجماعة بشكل طبيعي.  واوضح فتحي لـ (عاين)، أن شبكة الصحفيين السودانيين لها عدة تجارب مع الإضراب وانها ظلت تتواجد في المنعطفات الكبرى التي تمر بها البلاد، وضرب مثلاً على ذلك بما حدث في سبتمبر من العام 2013، حينما دعت لإضراب عام للصحفيين السودانيين، استلهاما لتجربة الرمز الصحفي محجوب محمد صالح الذي اعلن حينها تعليق صدور صحيفة (الأيام) احتجاجاً على الرقابة الأمنية التي منعته من تغطية الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في ذلك الوقت.

مكونات التجمع

وأشار فتحي لما حدث  في نوفمبر من العام 2008 حينما جرى اعتقال (63) صحفياً من إمام البرلمان أثناء تنظيم وقفة احتجاجية، وأعلنت حينها (10) صحف امتناعها عن الصدور صبيحة اليوم التالي.  وكذلك ما حدث في نوفمبر من العام 2017، عندما دعت شبكة الصحفيين السودانيين للإضراب عن العمل احتجاجاً على الرقابة الأمنية ومصادرة الصحف التي تناولت اخبار العصيان المدني في 27 نوفمبر

وأضاف “في الثورة الحالية كانت شبكة الصحفيين وهي من أوائل الاجسام المهنية المكونة تجمع المهنيين السودانيين، قد نفذت اضراباً عن العمل يوم 27 ديسمبر 2018، بعد يومين فقط من أول موكب لتجمع المهنيين بالخرطوم، حيث جرى اعتقال (10) صحفيين من امام مقر جريدة التيار”.

وبحسب عضو شبكة الصحفيين فإن الإضرابات وسيلة ناجعة وسلاح خطير وفعال متى ما تم الإعداد اليها بشكل جيد، لان أي خلل في الإعداد ينعكس مباشرة على التنفيذ، وتابع: “اعتقد ان سلاح الإضراب صار ضرورة ملحة بعد اعلان حالة الطوارئ، لأن الإضرابات من الاسلحة المجربة في العمل الجماهيري وقادت لنتائج عظيمة جدا في ثورة اكتوبر 1964م وانتفاضة ابريل 1985”.

السودان: هل نجاح الاعتصامات تجربة لإستعادة النقابات؟.

تكتيكات وأخطاء

الناشط في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية محمد علي خوجلي، قال إن أهداف الاضرابات المحدودة والاعتصامات تتمثل في تنشيط الأنشطة المصاحبة في اوقات التحشيد أو وضع تقديرات تتعلق بالإمكانيات الذاتية أو التدريب على كيفية إنجاح نشاط مطلوب تحضيراً لما هو قادم أو لإختبار القوة والتصنيف واختبار أساليب العمل  ومدى نجاعتها.

واوضح خوجلي لـ (عاين)، أن هنالك اعمالاً تحتاج فقط للمبادرة مثل الوقفات الإحتجاجية أما الأعمال الكبيرة مثل الإضراب عن العمل فهو يحتاج للتنظيم والمشورة واتخاذ القرار من الأسفل أي القواعد التي سوف تنفذ الإضراب فعلياً.

ويشير الخبير في العمل النقابي محمد علي خوجلي إلى أن الأنشطة المصاحبة أو تعدد الأدوات تؤثر سلبا عند أو مع انتقال التحشيد إلى مرحلة الكثافة لانه في هذه الحالة تكون هناك حاجة لعدد كبير من الناس خلال مواكب التحشيد.

ويعتقد خوجلي بأن النجاح لم يحالف الإضرابات التي دعا لها الصحفيون والمعلمون لأن القواعد لم تقرر ذلك ولم يتم اشراكها في الأمر، ويرى بأن إضراب صحيفة (الجريدة) الذي تزامن مع إضراب الصحفيين كان الأفضل من حيث الترتيب والعدد المشارك، أما إضراب المعلمين فلم يحالفه النجاح اطلاقاً.

إستعادة النقابات

وأضاف خوجلي “بالتأكيد عدم احترام القواعد نتيجته معلومة وادعاء نجاحات لا وجود لها مسلك خطير ونتيجته الهلاك” وتابع: “من المؤسف أن كل قيادات التنظيمات السياسية ظلت ترفع شعارات نقابية، مؤكدا أن هذا لن يحولها إلى نقابات وأن صمت العاملين لشهرين في قبول الأمر الواقع هو أمر مؤقت واعتقد أن ذلك مقصود تماماً، حيث أصبح العاملين بين احتكارية النقابات الرسمية والاحتكارية الجديدة لتنظيمات لم يشاركوا في اختيارها”.

وأشار خوجلي إلى انه وعلى الرغم من أن التحشيد الذي تم كانت له عدة شعارات إلا أنه لم يطرح شعار استعادة النقابات المفقودة أو الحريات النقابية القائمة، وان ذلك وغيره هو أحد اسباب ابتعاد الكثير من العمال عما يدور، وأضاف “لن أن اقتنع بأن التغيير سينجح دون المشاركة النشطة للعمال، ودونك إضراب عمال هيئة الموانئ البحرية، أما اضرابات الأطباء فلا يمكن مجرد التعليق عليها، ومهما قدموا لن يستطيعوا التحول لعمال السودان”.