بعد أن طفت جثث القتلى.. النيل يرفض الصمت على مجزرة فض الاعتصام
تقرير: عاين 15 اكتوبر 2019م
“كل ما تبقى من روح ابني الشهيد ياسر صورة فوتوغرافية وحيدة ومهترئة اخذها احد اصدقائه من منزلنا بغرض طباعتها بحجم أكبر لكنه لم يأت بها بعد وبالتالي غاب أي شيء نراه بأعيننا ويذكرنا بالشهيد ياسر في منزلنا”. يقول والد الشهيد، أحمد علي عبد الله ويروي المزيد لـ(عاين) عن استشهاد ابنه في أحداث فض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو الماضي.
قتل وإلقاء في النهر
وقصة الشهيد ياسر كانت واحدة من عشرات القصص المأساوية لأحداث فض الاعتصام، من بين العديد من القتلى وثقوا بالحجارة وتم رميهم في النيل. وأحصت لجنة اطباء السودان المركزية وقتها 40 جثة تم انتشالها من النيل، لكن في حالة الشهيد ياسر فإن عملية قتله تمت بطلق ناري في البدء قبل ان يتم ربطه مع كتلة خرسانية ورميه في النيل-بحسب افادات قانونين وتقارير طبية.
والد الشهيد العامل في أحد مصانع المنطقة الصناعية بصافولا جنوبي العاصمة، يقول انه تلقى اتصالا هاتفيا يوم 5 يونيو من اسرته يفيد بأن ابنه ياسر المفقود منذ يوم أحداث فض الاعتصام في الثالث من يونيو تم التعرف على جثته في مشرحة ام درمان وتابع خاله إجراءات البلاغ في قسم شرطة منطقة الازيرقاب في الخرطوم بحري. ويضيف “تابعنا إجراءات استلام الجثمان وقمنا بدفنه في نفس اليوم”.
توثيق وتقصي
إلى هنا انتهت بالنسبة لأسرة الشهيد ياسر القصة مسلمين بقضاء الله وقدره يتلقون العزاء من معارفهم في منزلهم المتواضع في منطقة دار السلام غربي مدينة ام درمان. لكن لجنة الدعم القانوني بتحالف المحامين والجبهة الديمقراطية للمحامين التي تتابع قضايا الشهداء في المحاكم بشكل يومي منذ اندلاع الثورة السودانية علمت بالبلاغين في نيابة الدروشاب وعملت على متابعتهما.
موت في ظروف غامضة
ويقول مقرر الجبهة الديمقراطية للمحامين عثمان البصري لـ(عاين)، نما إلى علمنا ان هناك بلاغ في نيابة الدروشاب مفاده أنه تم انتشال جثتين من النيل بمنطقة الازيرقاب في بحري بعد يومين من أحداث فض الاعتصام، وبعد متابعة البلاغين والتقارير الطبية، تكشف ان اسباب وفاة الجثتين طلقات نارية قبل ربطهما بالحبال مع كتل خرسانية ورميهم في النيل.وأشار البصري، الى أنه وبعد متابعة الاجراءات علمنا بان أسرة الشهيد ياسر تم التعرف عليها وجرى دفنه في اليوم الثالث لأحداث فض الاعتصام، أما الجثة الثانية التي نتابع إجراءات بلاغها هي للشهيد قصي حمدتو التي تم التعرف عليها بعد أربعة أشهر عبر فحص الحمض النووي.وكانت أسباب الوفاة القتل بطلق ناري ورميه في النيل.
ويؤكد البصري، ان الفيدو المتداول منذ وقت لجثتين انتشلتا من النيل تحملهما عربة شرطة الى مشرحة مستشفى أم درمان هو للشهيدين ياسر وقصى. وكان مدير مشرحة بشائر جنوب الخرطوم، د. عقيل سوار الذهب اكد في مقابلة مع قناة سودانية 24 ان جثة الشهيد قصي بعد ان قتل بالرصاص تم توثيقه بالطوب الخرساني ورميها في النيل.
وقال البصري، بمتابعتنا للبلاغين منذ البداية تمكنا من تحويلهما بعد إثبات التقارير الطبية وافادات الشهود الى المادة 130 من القانون الجنائي والمعنية بالقتل العمد بعد ان دونت الاجراءات الاولية تحت المادة 51 من القانون نفسه والمتعلقة بالموت في ظروف غامضة. ونوه البصري الى ان هيئة المحامين تواصل إجراءاتها في هذا الصدد مع المحكمة وآخر ما قمنا به خلال الاسبوع الماضي هو تقديم طلب إلى المحكمة التي صرحت لنا بمخاطبة احدى شركات الاتصالات التي يملك لها الشهيد ياسر رقما هاتفيا لمعرفة آخر المكالمات التي أجراها وتلقاها.
الهرب الى الماء
وتزامن تاريخ طفو جثتي ياسر وقصي في منطقة الازيرقاب شمالي الخرطوم، مع تصريح للجنة اطباء السودان المركزية أعلنت فيه انتشال 40 جثة من نهر النيل، مضيفة أن قوات الدعم السريع نقلتها إلى جهة مجهولة.عائلة الشهيد حسن عثمان ابوشنب، هي الأخرى عثرت على جثة ابنها بعد أربعة أشهر في مشرحة ام درمان بسبب وفاة موضح في التقرير الطبي هو الغرق. وقال شقيقه بكري لـ(عاين)، “لحظة ابلاغنا لمعاينة الجثة بمشرحة مستشفى أم درمان لم تبد عليها أي اثار جروح او خدوش وبعد اطلاعنا على التقرير الطبي علمنا ان سبب الوفاة هو الغرق. ويعتقد شقيقه ان الشهيد حسن كان ضمن مجموعة من الثوار لحظة فض الاعتصام أعلى جسر النيل الأزرق واجبرتهم القوات المهاجمة على القفز الى النيل. وتتطابق افادات “بكري” مع شهود من يوم فض الاعتصام تحدثت إليهم (عاين) مؤكدين بأن القوات حاصرت الكثيرين واضطر كثيرون منهم إلى القفز في النيل ما أدى لغرقهم ونجاة بعضهم لإجادتهم السباحة.
جثث مجهولة
وتحصى مبادرة مفقود التي بدأت عملها بعد التبليغ عن عدد من المفقودين في الفترة التي أعقبت فض اعتصام القيادة العامة وقطع الانترنت، 38 مفقوداً لم يتم العثور عليهم حتى الآن منذ يوم 3 يونيو الفائت تاريخ فض اعتصام القيادة العامة وآخرين فقدوا قبل وبعد تاريخ 3 يونيو في مواكب ومظاهرات بالعاصمة والولايات.وفقا لاحصائية للمبادرة اطلعت عليها (عيان).فيما قال عضو في لجنة الدعم القانوني بالمبادرة انه وخلال الأسبوعين الماضيين تحققت المبادرة من 5 جثث موجودة في مشارح مستشفيات الأكاديمي وام درمان وبشائر. لكن عضو هيئة الطب العدلي خالد محمد خالد، يشير في مقابلة اذاعية الى وجود 8 جثث لشهداء فض الاعتصام القيادة العامة 6 منها مجهولية الهوية و2 معلومات الهوية لكن مازالتا بالمشرحة لعدم استلامهما من ذويهم.
وأثير جدل في الفترة الماضية في أعقاب دفن مشرحة بشائر في 2 أكتوبر الجاري لثلاثة من جثث مجهولي الهوية لفض اعتصام القيادة العامة. وقالت المشرحة حينها ان سلطات النيابة أشرفت على دفن الجثامين التي لم يتم التعرف على هويتها بمقابر حي الصحافة جنوبي العاصمة الخرطوم، بعد ان ظلت 3 اشهر بمشرحة مستشفى بشائر الحكومي. وأخذ عينات من الجثث لوضع ملفات طبية للتعرف على عائلاتهم لاحقا.لكن هيئة الطب العدلي، عدت الأمر مخالفة واقالت مدير المشرحة بعد اتهامه بدفن الجثامين دون اذن من النيابة على حسب قولها، الأمر الذي اصدر على اثره النائب العام المكلف، عبد الله أحمد عبد الله، قرارا بتشكيل لجنة للتحقيق والتحري في دفن ثلاث جثث في 2 أكتوبر الجاري من ضحايا مجزرة فض اعتصام القيادة العامة. وحدد القرار اختصاصات اللجنة بالتحري والتحقيق في الادعاءات الخاصة بدفن جثث الشهداء من مشرحة بشائر بالمخالفة للقوانين واللوائح بتاريخ 2/ 10/ 2019، على أن ترفع تقريرها النهائي في مدة لا تتجاوز 15 يوما.
ارباك قانوني
والتحقيق حول دفن الجثث الذي دعا له النائب العام السابق المكلف من المجلس العسكري المسيطر على السلطة وقتها، لم يكن هو الاول بعد احداث فض اعتصام القيادة العامة، واعلن في 27 يوليو الماضي عن نتائج لجنة التحقيق في احداث فض الاعتصام والتي رفضتها قوى الثورة جملة وتفصيلا واشترطت لجنة مستقلة للتحقيق في ظل قضاء مستقل لاسيما بعد تعيين رئيسة القضاء والنائب العام مؤخرا.ويرى القانوني، حاتم الياس، بان اي عمل قانوني متعلق بالانتهاكات التي ارتكبها المجلس العسكري ابان حكمه ستحقق فيها لجنة التحقيق المستقلة والتي كانت من ابرز مطالب قوى الثورة في السودان. وقال الياس لـ(عاين) ” صدر قرار من مجلس الوزارء الشهر الماضي بتكوين هذه اللجنة وننتظر اعلان تشكيلها حتى تباشر مهامها في كل الانتهاكات بما فيها احداث فض اعتصام القيادة العامة”.