دولة المليشيات   النشأة.. التطور.. تحديات الاستئصال

تقرير- عاين 21 يوليو 2019م

تطورت الأوضاع السياسية في السودان بوتيرة متسارعة،  منذ العام 2003 و التي تعتبر الميلاد الرسمي لمليشيات الجنجويد بزعامة الزعيم القبلي( موسى هلال) ومشاركة عدد من النافذين في الحكومة السودانية وقيادات من الصف الأول في القوات المسلحة. وما صاحب ذلك من جرائم طالت حتى رأس النظام السابق وعدد من رجال الدولة. لم يتوقف الامر في الجرائم التي واجهها انسان دارفور، بل تطور الى الى تمدد  مليشيات الحكومة السودانية، لتصل إلى سدة الحكم. الأمر الذي جعل من السودان دولة تحكمها ميليشيات رسمية. استغلت تعديل القانون في العام 2017 في محاولة لتحويلها قوات رسمية.

توقفت شبكة عاين مع خبراء في الشأن السوداني لرؤية مستقبل السودان في ظل تمدد هذه القوات التي وصلت الى دفة الحكم، بالتنقيب حول نشأة المليشيات في السودان مستندين في ذلك على طبيعة تكوينها مؤكدين على انها اصبحت واقع نتيجة لاستقلال الحكومات لبعض المجموعات العرقية لمكافحة التمرد.

فذلكة تاريخية

 سلسلة دولة المليشيات النشأة.. التطور.. تحديات الاستئصال

 بحسب الدكتور (سليمان بلدو)، بداية استقلال هذه المليشيات كان في عهد الرئيس نميري بغرض حسم التمرد في جنوب السودان. وقد استمر تجنيد قبائل التماس  أبان فترة الحكم الديمقراطي، التي رأس وزرائها (الصادق المهدي) في كل من جنوب كردفان و دارفور. اما ( احمد حسين ادم ) فقد تطرق الى دور نظام الإنقاذ الذي أحدث قفزة وتوسع في تجنيد القبائل بحجة حسم التمرد في دارفور. ذاهباً للحديث عن تاريخ المقاومة في دارفور منذ الستينات وظهور جبهة نهضة دارفور والتي لا تتعدى مطالبها الخدمات والتنمية، قاطعاً بأنه ليست هناك  تصنيفات عرقية في دارفور إلى أن جاءت الجبهة الإسلامية في الثمانينات.  

قوات بديلة

 يزيد حسين  لـ(عاين) أن نظام الجبهة الإسلامية تمادت في رعاية وتدريب  المليشيات العرقيه، بعد أن توصلوا إلى أن الجيش غير راغب في خوض حرب أخرى لصالح نظام المركز مع نهاية الاقتتال في جنوب السودان،  مستخدمين الترغيب وتقديم الامتيازات لصالح هذه الفئات. مما أحدث تحولاً كبيراً في طبيعة تكوين المليشيات، قائلاً : بدلاً من استخدام الدواب ومحدودية استخدام الأسلحة؛ أصبحت جيوش حقيقة من حيث التسليح والأدوات. كما ارتقت مهامهم العسكرية لتصبح جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة السودانية لضرب المدنيين.  ومضى في ذات الاتجاه بلدو بالقول لـ(عاين) : “منذ العام 2004م هنالك ما يقارب 2 مليون ونصف من النازحين نتيجة لسياسة حكومة السودان في عقاب المواطنين عقاباً جمعياً”. ويخلص إلى أنها نتيجة لتبني الدولة سياسة الهجوم الغير مبرر باستخدام المليشيات. في اكبر غياب للقانون وأختراق للأعراف والمواثيق الدولية إلى حد تعبيره.

تواطؤ دولي

  في سلبية دور  المحيطين الإقليمي والدولي فيما يختص  بـ تمدد المليشيات يرى ( أحمد حسين) أن المجتمع الدولي لعب دوراً سلبياً بين الأعوام 2003 – 2004  مما قاد الى انتشار المليشيات المسلحة في دارفور!. موضحاً إن المجتمع الدولي كان منشغلاً بضرورة تحقيق السلام في جنوب السودان. فضلاً عن تداخل بعض المطامع الشخصية من قبل بعض قادة المجتمع الدولي لصالح اكتساب جوائز عالمية مثل (نوبل) حال إحقاق السلام. واستطرد : أدي ذلك لفرض سياسات حكومية في دارفور تقلل من وجود المنظمات التي يعتمد عليها النازحين بصورة أساسية في تزويدهم بالغذاء والكساء . أمر ساعد الحكومة في إخفاء أهم الأدلة؛ التي تشير إلى حقيقة الإبادة الجماعية- التطهير العرقي في دارفور.

 سلسلة دولة المليشيات النشأة.. التطور.. تحديات الاستئصال

غطاء للجريمة

يزيد آدم عطفاً على غياب الإرادة الدولية لملاحقة البشير، و أركان نظامه تواصلت الانتهاكات حتى صدور مذكرة القاء القبض عليه.  وفي العام 2013 أقدمت الحكومة على طرد أكثر من( 13 ) منظمة!  تقدم المساعدات الإنسانية في دارفور في ظل تجاهل مجلس الامن الدولي وتقديم العون لصالح ضحايا الحرب في دارفور. كما بذلت الحكومة مجهودات جبارة للتضييق على قوات اليوناميد ومحاصرة صلاحياتها،  وتفويضها لمناطق محددة في ظل انتشار مليشيات تخصصت في قتل المدنيين. واستدرك: “يعد ذلك تجاهل لكافة مواثيق وقوانين الأمم المتحدة التي تنص على وجوب حماية المدنيين”. كما أنه خرق للقرار( 1556) الصادر في العام 2004  والذي طالب بتفكيك قوات الجنجويد وتقديم قادتها للمحكمة مهما أدعوا من مسميات( حرس حدود – دعم سريع)،وغيرها من المسميات. بالمقابل قامت الحكومة باستيعاب قوات الجنجويد داخل الاجهزة النظامية ومحاولة إعطائها الصفة الشرعية بذات النهج القديمة للهروب من تنفيذ قرارات المحكمة الجنائية.

يجمع كل من  (سليمان بلدو،  احمد حسين) على أن صعود قوات الدعم السريع من مليشيا قبلية في العام 2013 بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) ومجموعة من عشيرته إلى قوات ميدانية تتبع لجهاز الامن والمخابرات. تم وبشكل مبهم قانونياً.  حيث يقول بلدو ” تم دمجها في الجيش بما يضمن تبعيتها للرئيس مباشرة”. مردفاً ” الحكومة السودانية أوفت بالتزاماتها في مكافحة الهجرة الغير شرعية مع الاتحاد الأوروبي مستعينة بقوات الدعم السريع مما أعطاها شرعية غير مباشرة من قبل الاتحاد الأوروبي”.

تفاقم الأزمة

 سلسلة دولة المليشيات النشأة.. التطور.. تحديات الاستئصال

في مايو من العام  2017 تم تجنيد( 17) الف مقاتل في صفوف الدعم السريع”، مما ساعد  في انتشار الدعم السريع، و مكنها من لعب أدوار مختلفة. والمشاركة في العديدة من الصراعات لصالح حكومة المؤتمر الوطني في مناطق  الحرب ( دارفور، جبال النوبة، النيل الازرق) واحياناً داخل المدن لقمع التظاهرات. بالاضافة لمشاركتها في حرب اليمن مع القوات الخاصة السودانية. يرى  بلدو “أن الهدف الرئيسي من المشاركة في هذه الحرب العائد المادي” لذلك أصبح الالتحاق بقوات الدعم السريع دافع للشباب الذين ليست لهم علاقة بالمليشيات للذهب إلى اليمن.

صعوبة المعالجة

 في ذات الإطار طالب  أحمد حسين آدم  “المهتمين بالشأن السياسي والاجتماعي إدراك حجم الذي حدث في دارفور”  بالنظر إلى الإبادة الجماعية كأكبر جريمة عرفها القانون الدولي. مؤكداً على ضرورة إشراك الدارفوريين كفاعلين رئيسين في أي عملية تحول  تمر بها البلاد. مرتكزاً في حديثه على الآثار السياسية والاجتماعية، والثقافية أيضاً التي خلفتها تلك الانتهاكات. مشددا على ضرورة النظر إلى دارفور ما بعد الإبادة الجماعية بصورة مغايرة.

 سلسلة دولة المليشيات النشأة.. التطور.. تحديات الاستئصال

وقد اختتم حديثه بأهمية تضافر الجهود من أجل أيقاف الإبادة الجماعية وإنهاء الحرب في (جبال النوبة ..النيل الازرق ودارفور) باعتبارها شرط التحول الأساسي لوضع أفضل للدولة. و يرى بلدو أن هذه القوات تدثرت بالا قانون ويقول:  “في نهاية الامر قوات الدعم السريع ليست بقوات نظامية، تحتكم لنظم ولوائح عسكرية. وتفتقد للعقيدة القتالية وبذلك لا تلتزم بقوانين الحرب وترتكب الفظائع ضد المدنيين” الأمر الذي يُصعب معالجة موضوع المليشيات بمواثيق التحول الديمقراطي. وهو ما أسفر عنه واقع اليوم  الذي تحولت فيه المليشيات لقوات منتشرة في كل السودان وتحكم قبضتها على البلاد وتنذر بالمواجهة.