إطلاق يد المليشيات بدارفور رغم سقوط النظام

إطلاق يد المليشيات في دارفور رغم سقوط النظام

تقرير: عاين 19مايو 2019م

حالة العنف التي اجتاحت ساحة الاعتصام وما حولها في العاصمة الخرطوم وأدت لمقتل وجرح العشرات خلال الثامن من رمضان، بدأت بالفعل قبل اسبوع في مدينة نيالا بجنوب دارفور، حيث أدي اعتداء ذات المليشيات المسمى بالدعم السريع على المعتصمين الي مقتل أحد الثوار وجرح آخرين. وفي استطلاع أجرته ((عاين) في عدد من مدن دارفور، أكد الجميع التزامهم بالسلمية رغم العنف المفرط الذي قابل به المجلس العسكري والمليشيات الاعتصامات السلمية في مدن دارفور الثلاث.

وحذر بعض الأهالي من انفلات كامل للامن في كافة أنحاء الإقليم جراء ارتفاع وتيرة العنف من قبل مليشيات الدعم السريع التي أعطيت المزيد من الصلاحيات في ظل غياب المحاسبة، بل وازدياد الحصانة الممنوحة لهم واستمرار حالة الإفلات من العقاب. وقال مواطنون ان الأوضاع لم تتغير في دارفور عقب سقوط البشير، اذ تستمر المليشيات في اضطهاد وضرب المواطنين في المدن وفي معسكرات النازحين والقري المختلفة.

أحداث نيالا

إطلاق يد المليشيات في دارفور رغم سقوط النظام

تروي الناشطة في حقوق المعاقين بمدينة نيالا، زينب صالح ادم شين، ما حدث في يوم الرابع من مايو، ضد المعتصمين في مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور،وتصفه بـ غير الأخلاقي.

تقول زينب لـ(عاين) ان كافة القوات النظامية شاركت في فض اعتصام نيالا بجانب قوات الدعم السريع الامر الذي يفضح تواطؤ الجيش والشرطة والدعم السريع ضد الثوار. وتؤكد “أن العمل الذي تم ضد المتظاهرين والطريقة العنيفة التي تم بها فض الاعتصام وظهور عناصر القوات النظامية بجانب الدعم السريع يفضح بما بما لا يدع مجالا للشك، أن نظام الرئيس المخلوع البشير لم يسقط بكامله”، وتمضي للقول بأن ” ما يحدث ليس دليلا فقط على وجود طرف ثالث بل دليلا على تنصل المجلس العسكري عن تعهده بحماية المدنيين بل وتورطه في قتلهم بالصمت وبالاشتراك الجنائي المباشر”.

وكان الطفل سعد محمد (17 عاما) لقي مصرعه على أيدي الميليشيات التي حاولت فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في نيالا قبل نحو أسبوعين. وفي رد فعل وصفه الكثيرون بـ المستفز، اتهم المجلس العسكري المواطنين المعتصمين بمحاولة سرقة المخازن. وقال الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري، الفريق الركن شمس الدين الكباشي، ان بعض المتظاهرين حاولوا الاعتداء علي المخازن، والشرطة منعتهم، وآخرين حاولوا الاستيلاء علي بعض عربات القوات النظامية.

وفي ذات السياق نبه الفريق ياسر عطار عضو المجلس في هذا الخصوص المواطنين بعدم الوصول إلى عربات الجيش او الشرطة او الاجهزة النظامية الاخري، حتي لا يعرضوا حياتهم للخطر، مبينا أي اعتداء على الاجهزة الرسمية ممنوع في كل دول العالم.

 

ظهور جهاز الأمن
إطلاق يد المليشيات في دارفور رغم سقوط النظام
بينما يروي شاهد العيان في نفس يوم الاعتصام، محمد المعتصم حيدر، أن هناك عدد من المصابين  في يوم التظاهر، واختناق البعض، جراء استخدام القوات النظامية للغاز المسيل للدموع لتفريقهم، ويوجه محمد أصابع الاتهام إلى قوات الدعم السريع واعتدائها على المعتصمين السلميين، واستخدام القوة المفرطة لتفريقهم، يقول محمد لـ(عاين) حدث في ذات اليوم فوضى، تكسير ونهب لعدد من المحلات التجارية في المدينة، ويكشف عن رصد حركة مريبة من مكتب جهاز الأمن في المدينة. ويمضي بالقول “شاهدنا عساكر يرتدون زي مدني، وعربات محملة بأعداد كبيرة من السلاح الثقيل والخفيف تخرج من مكتب جهاز الأمن”. ويضيف ” كان الاعتصام سلميا للغاية، لكن بعض الأيادي بدأت العبث ومهدت الطرق لقوي الثورة المضادة لضرب المتظاهرين واستخدام العنف ضدهم بل وقتل الاطفال”.

ونبه حيدر الى اهمية تفعيل دور لجنة المقاومة في الولاية ، لأنها قامت بالفعل بدور كبير ومقدر في الحفاظ على سلمية الاعتصام. محذرا في ذات الوقت  “أن ما حدث في نيالا يمكن أن يحدث في بقية مدن الاقليم مثل الفاشر، زالنجي، الجنينة، لا سيما أن ممثلي المجلس العسكري في الولاية بدأوا في بث نفس خطاب النظام السابق باتهام قوات تتبع لحركة تحرير السودان جناح عبدالواحد محمد نور بالتورط في القيام بالعنف في ساحة الميدان.كما دعا حيدر قوي إعلان الحرية والتغيير ولجان المقاومة، القيام بتوعية، وايضا مراقبة تحركات منسوبي النظام السابق لا سيما افراد جهاز الامن.

إطلاق يد المليشيات في دارفور رغم سقوط النظام

الدعم السريع تضرب المارة بالسياط

بينما ينتقد عضو لجنة المقاومة بمدينة نيالا، الغاية احمد حمودة، سلوك السلطات العنيف في مواجهة الاعتصام السلمي، مؤكدا إن عمل لجنة المقاومة كان منظماً  للاعتصام أمام قيادة الفرقة 16 مشاة نيالا، ودورها التنسيق مع اللجان والمواكب، يقول حمودة ل(عاين) وفي ذات اليوم كان هناك موكب قادم من معسكر عطاش للنازحين، للتضامن مع الاعتصام السلمي، مشيرا الي وجود بعض منسوبي النظام السابق الذين يعرفهم أهل المعسكر جيدا قاموا بالوقيعة بين النازحين الذين جاءوا للتضامن والاعتصام وبين قوات الجيش المرابطة حول ساحة الاعتصام. ويضيف حمودة أن مشادات كبيرة و شجار نشب بين منسوبي النظام السابق وممثلي النازحين والنازحات من معسكر عطاش الامر الذي مهد لتدخل قوات الدعم السريع المدعومة من قبل جهاز الأمن وبقية الاجهزة النظامية.

وقال نازحون من معسكر عطاش ان قوات الدعم السريع أغلقت الطرق ومنعت موكب النازحين من الانضمام للاعتصام، فيما اعتقلت أجهزة أمن النظام السابق بعض شيوخ المعسكر واقتادتهم لجهة غير معلومة. ويتهم بيان أصدره الحزب الشيوعي بمدينة نيالا فلول النظام السابق بتدبير مؤامرة ضد النازحين تمهيدا لضربهم واستخدام العنف المفرط ضدهم. ويقول بيان الحزب الشيوعي الذي تلقت (عاين) نسخة منه ان الاحداث التي دارت في معسكر عطاش للنازحين، وحرق منازل النازحين وتدمير ممتلكاتهم، وكذلك ما واجهته المسيرة السلمية للاعتصام قبالة الفرقة 16 كان أمرا مدبرا من قوى الثورة المضادة.

وكشف بيان الحزب أن العناصر الموالية لحزب المؤتمر الوطني، وبعض حلفائه من المعسكر، قاموا بسلوك استفزازي تجاه المعتصمين، وشوهد قوات نظامية تصطحب شيوخ المعسكر لأماكن غير معلومة، واعتبره البيان، أنه عمل متعمد، لإثارة غضب المحتجين، وأدان البيان الطريقة التي تعاملت بها الشرطة مع المعتصمين، مشددة على أنها تشير بوضوح الى أن الأمر مرتب، هدفه فض الاعتصام بالقوة، من جانب الثورة المضادة التي يقف على رأسها المؤتمر الوطني في الولاية وخلفه عناصر جهاز الأمن.

في غضون ذلك، وجهت المجموعة السودانية للديمقراطية أولا، انتقادات حادة  للقوات المسلحة، وقوات الأمن، وقوات الدعم السريع، باستخدامها العنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين، بمدينة نيالا، يوم الرابع من مايو، 2019. وتمضي  المجموعة إلى أن هذا السلوك يدل على أن العقلية الأمنية، والقمع الوحشي  الذي مورس ضد المواطنين العزل السلميين، خاصة في دارفور، خلال الثلاثة عقود الماضية ما تزال مستمرة. وتؤكد مجموعة الديمقراطية أولاً في أحدث تقرير لها أطلعت عليه (عاين) ان نفس العقلية القديمة للنظام السابق ما زالت تسيطر على دوائر اتخاذ القرار، رغم التغيير الذي وصمته ب الشكلي في سدة الحكم.

ويضيف التقرير ” أن مثل هذا السلوك غير المسؤول من القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، والامن، والشرطة، والإفراط في استعمال القوة ضد المتظاهرين، حتى عند حالة، وجود بعض التفلتات، يؤكد اننا لم نخطو خطوة ايجابية  في اتجاه بذل الحريات الاساسية، وصيانة حقوق الانسان”. وطالبت المجموعة السودانية للديمقراطية بتقييد السلطات شبه المطلقة للقوات المسلحة والامنية وقوات الدعم السريع، مشيرة الي ان هذه التداعيات ترسل رسالة ان المجلس العسكري الانتقالي، غير راغب في تغيير سلطات اجهزته المسلحة، ولا يأبه بمطالب الشعب السوداني، والعمل على ازالة مخلفات الانقاذ.

نهب معسكرات الأمم المتحدة
إطلاق يد المليشيات في دارفور رغم سقوط النظام
مثالا آخر  للحالة الامنية الخطيرة في إقليم دارفور بسبب سلوكيات وتفلتات كافة القوات النظامية بما في ذلك قوات الجيش والدعم السريع، فقد كشفت بعثة الأمم المتحدة في دارفور عن قيام قوات الجيش والشرطة بنهب معسكر الامم المتحدة في مدينة الجنينة بغرب دارفور.

ويقول البيان الذي تحصلت (عاين) على نسخة منه إن مجموعة ترتدي زي الشرطة والجيش قامت باقتحام معسكر الامم المتحدة معرضين حياة كافة الموظفين الموجودين داخل المعسكر للخطر، كما قامت بنهب كافة الممتلكات الموجودة في المعسكر. ويضيف البيان ” تدين اليوناميد هذه الأعمال بأقوى العبارات الممكنة لأنها تشكل انتهاكا صارخا للمعايير الدولية التي تحكم وجود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جميع أنحاء العالم.

كما تأسفت البعثة بشدة لهذه الأعمال التي تتعارض مع السلوك السوي، وما يؤسف له بشكل خاص هو انضمام أفراد الجيش والشرطة السودانية الذين تم استدعاؤهم لمساعدة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في تأمين المعسكر لأعمال النهب والتخريب”.