ذكرى “المجزرة “.. هل تطال التسوية ملف شهداء الثورة السودانية؟
عاين – 3 يونيو 2020م
لا شيء يتسيد المشهد السوداني في الذكرى الاولى لـ”مجزرة فض اعتصام القيادة العامة” في الثالث من يونيو 2019، سوى حالة الإحباط التي تسيطر على مناصري الثورة السودانية وذاكرتهم تستدعى المشاهد الدموية لـ”المجزرة” التي حدثت امام مقر قيادة الجيش وخلفت قتلى وجرحى ومفقودين، وسط تعثر بائن في عمل لجنة التحقيق التي شكلتها حكومة التسوية السياسية مع تصاعد المخاوف من أن تطال التسوية ملف العدالة في “المجزرة” وحقوق مئات الشهداء والجرحى والمصابين.
المجلس العسكري الانقلابي وقتها، وشريك المدنيين لاحقاً في السلطة بموجب الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية، في أكثر من تصريح صحفي لقادته العسكريين حينها، أقر بالتخطيط والترتيب لعملية فض الاعتصام وتلى صبيحة فض الاعتصام قائده ورئيس مجلس السيادة الحالي عبد الفتاح البرهان بياناً في التلفزيون الرسمي الغى بموجبه الاتفاقات المبدئية مع “قوى اعلان الحرية والتغيير” وأعلن نيته الذهاب إلى انتخابات مبكرة خلال ستة أشهر.
من هنا، تتعاظم مخاوف عثمان عبد اللطيف، وهو أحد مصابي فض الاعتصام، “مثلما، تضع السلطة الانتقالية في السودان قادة انقلاب الثلاثين من يونيو1989 – الإسلاميين- في السجون على ذمة التحقيق- ايضاً الحكومة الانتقالية الحالية مطالبة بقرار مماثل تضع بموجبه قادة المجلس العسكري في السجن للتحقيق معهم لأن فض الاعتصام وما جرى بعده كان انقلاباً عسكرياً” يوقل عبد اللطيف لـ(عاين) ويضيف، ” لا احد يمكنه ان يسبق نتائج لجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة الانتقالية للتحقيق في المجزرة”. ويزيد “هي في ورطة تماماً”.
ويفسّر عثمان عبد اللطيف، ورطة لجنة التحقيق بأنها امام خيار واحد، هو “تحقيق عدالة ناجزة او الحفاظ على استقرار السودان”. ويشير إلى ان الموقف السياسي من قرار فض اعتصام القيادة العامة ربما بدأ منقسما بين تيارات قوى إعلان الحرية والتغيير نفسها رغم هتاف السياسيين الذي يملأ الساحات بضرورة القصاص لشهداء المجزرة وتقديم المتهمين للعدالة.
يدعم “حمدان محمد احمد عبدالله” الذى تعرض للاعتداء لحظة فض الاعتصام ما سبق حول الظرف السياسي المأزوم الذي تعمل عليه لجنة التحقيق الوطنية التي شكلتها الحكومة الانتقالية ويترأسها المحامي نبيل اديب، ويقول حمدان لـ(عاين)، ” انا شخصياً تعرضت لاعتداء من قوات الدعم السريع يوم فض الاعتصام، يدي الشمال كُسرت، وأصبت في رأسي، ودونت بلاغا لدى الشرطة، و أدليت بشهادتي إلى لجنة التحقيق، ووجهت اتهامات مباشرة إلى قوات الدعم السريع”. ويزيد متسائلاً “هل تستطيع لجنة نبيل اديب توجيه اتهامات إلى المؤسسة العسكرية، و قوات الدعم السريع، وجهاز الأمن والشرطة،الجهات التي ادليت بشهادتي ضدها وانا متأكد ان مئات الشهود أدلوا بشهادات مماثلة في حقها”.
تقاعس حكومي
عائلات شهداء فض اعتصام القيادة العامة هي الاخرى تترقب بحذر شديد نتائج لجنة التحقيق سيما وانها لاتجد القبول عند بعضهم. ويقول كشة عبد السلام كشة والد الشهيد “عبد السلام” “بعد مرور عام على المجزرة لم نر نتائج تدين من قاموا باستباحة دماء أبنائنا بل ما نشاهده انحراف عن مسار الثورة وخذلان للشهداء”.
ويقول كشة لـ(عاين)، ان القصاص للشهداء يحتل الرقم قبل الأخير فى إهتمامات الحكومة الإنتقالية، سبق وان رفعنا ثلاث مذكرات تطالب بإنشاء محكمة خاصة لمحاكمة المتورطين فى فض الإعتصام، ولكن إلى الآن لم تحرك الحكومة ساكناً ولم نجد رد واضح على مطالبنا التي لازالت قائمة ونريد محاكمة عادلة ليس من الممكن ان تمر مجزرة بهذه الفظاعة البساطة.
وبدأ كشه اكثر وضوحاً، في تقديم اتهام مباشر للحكومة الانتقالية ووصفها بالتقاعس وعدم الوفاء لدماء الشهداء. واضاف، “نريد ان نعرف من الذي أرتكب هذه الجريمة وما الدافع وراء ذلك وتقديمه لمحاكمة عادلة.. وستظل مطالبنا قائمة الى ان تتحقق العدالة “.
مطالب بالاستقالة
وباكثر العبارات قسوه، ينتقد القيادي بقوى اعلان الحرية والتغيير، صديق يوسف، لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة. ويقول لـ(عاين)، “القضية الإستراتيجية ان لجنة التحقيق غير جادة، مضت حتى الآن ستة اشهر وهي مقصرة تماماً فى مهامها ولابد ان تستعجل فى انجاز مهمتها.
ويشير يوسف، إلى ان اللجنة حتى الآن لم تستجوب احداً من اعضاء المجلس العسكري، سيما انهم كانوا يحكمون البلاد فى التوقيت الذي تم فيه اتخاذ القرار الذي كان سبباً فى فض الإعتصام وهنالك مسؤولية اخلاقية وهذا قصور من اللجنة.. اقل شيء تفعله اللجنة تستقيل بسبب القصور فى اداء المهمة الموكلة لها خاصة وان الشعب السوداني ينتظر الحقائق التي توصلت اليها اللجنة”.
القانوني والقيادي في تجمع المهنيين السودانيين الذي قادة حراك الشارع السوداني خلال ثورة 19 ديسمبر- اسماعيل التاج يقول لـ(عاين)، “يجب ان لا تمر جرائم القتل دون مساءلة، ان الثالث من يونيو ليست مجرد ذكرى مجزرة القيادة، بل يجب ان يرتبط هذا اليوم بالكشف عن مرتكبي الجرائم من قبل لجان التحقيق دون التباطؤ ليعرف اسر الضحايا والشعب السوداني الحقائق، ويكون يوماً سنوياً للعدالة وتفرد فيه مؤسسات الدولة مساحة لترسيخ مفاهيم العدالة والحديث عنها ونعلي قيمها ونحتاج لمجهود كبير لترسيخها والتأكيد على عدم إفلات مرتكبي الجرائم من القانون واقرار بتضحيات الشهداء.
لا تسوية سياسية
في خضم الانتقادات العنيفة الموجه للجنة التحقيق، والضغوط الإعلامية التي تجابهها ومحاولات التأثير السياسي على عملها، يتمسك رئيس اللجنة، نبيل اديب بعدم تعرض لجنته لاي ضغوط سياسية، ويقول لـ(عاين)، “ليست هناك ضغوط من جهات سياسية مباشرة للتأثير على عمل اللجنة لكن هناك حملات ضد اللجنة من نشطاء على مواقع التواصل الإجتماعي”. ويصف اديب هذه الحملات بأنها تحمل اجندة سياسية واضحة تستهدف منع اللجنة من القيام بعملها وخلق أجواء من الإضطراب السياسي.
ويكتفي اديب، بان اللجنة ستعرض ماتوصلت اليه من نتائج فض الإعتصام بعد انقضاء فترة الحظر الذي تم تمديده لإسبوعين، ويشير إلى ان جائحة كورونا ادت الى توقف عمل اللجنة لستة اسابيع. وأضاف “ما قامت به اللجنة يفوق كثيراً ما تبقى من العمل”.
التحالف الحاكم في السودان- قوى إعلان الحرية والتغيير- يذهب ايضا نحو اي تأثير له على عمل اللجنة وفرض اي وجهة نظر سياسية على عمل اللجنة. ويقول القيادي بالتحالف، شريف محمد عثمان انه لم يدر نقاش من قبل حول عمل اللجنة، لكن التحالف يناقش داخلياً اهمية وضع رؤية للحرية والتغيير حول العدالة لتعقيداتها وارتباطها بالحرب والسلام في البلاد طيلة العقود الماضية.
ويستبعد شريف، اثارة اي نقاشات داخل الحرية والتغيير حول لجنة تحقيق فض الاعتصام، ويقول لـ(عاين)، “حسب ماهو معلوم حيثيات اللجنة تدور داخلها كلجنة مستقلة ولا توجد نية للحرية والتغيير للتدخل فيما تصدره من تهم حيال الاشخاص الذين يثبت تورطهم فى فض الاعتصام.