تجدد القتل في ذكرى المجزرة.. استمرار إفلات “البنادق” من العقاب؟
3 يونيو 2022
فتحت القوات الأمنية اليوم الجمعة النار على المتظاهرين في العاصمة السودانية بالتزامن مع إحياء الذكرى الثالثة لمجزرة فض اعتصام القيادة العامة، ما أسفر عن مقتل متظاهر عشريني واصابة آخرين.
وبحلول الثالث من يونيو تمر الذكرى الثالثة لفض اعتصام السودانيين أمام محيط القيادة العامة للجيش السوداني، دون أن يُعاقب الجناة المتورطين، فيما يستمر السودانيون في المطالبة المُلحة بتحقيق العدالة ومنع الإفلات من العقاب.
“رأينا الموت يترصد أرواحنا، رأينا كيف يُراق الدم وتُهدر الأرواح وتزهق بلا رحمة، لا لأي شيء عدا أن تستمر الدولة البوليسية التي أنشأها المخلوع البشير في في نهب ثروات البلاد، ضاربةً بالحائط آمال ملايين السودانيين في الحق في الحياة والحرية والسلام والعدالة” يقول علي أحمد لـ(عاين)، وهو أحد الناجين من المجزرة.
“رأينا الموت يترصد أرواحنا، رأينا كيف يُراق الدم وتُهدر الأرواح وتزهق بلا رحمة، لا لأي شيء عدا أن تستمر الدولة البوليسية التي أنشأها المخلوع البشير في في نهب ثروات البلاد، ضاربةً بالحائط آمال ملايين السودانيين في الحق في الحياة والحرية والسلام والعدالة” يقول علي أحمد لـ(عاين)، وهو أحد الناجين من المجزرة. التي نفذها مئات المحسوبين على الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وخليط من الأجهزة الأمنية الأخرى.
منذ انطلاق الثورة في ديسمبر 2019 يشارك “علي” رفاقه الثوار في المواكب والمليونيات التي تدعو لها الأجسام المقاومة، مؤكداً أن الانتهاكات التي أُرتكبت في الثالث من يونيو ترقى لجرائم ضد الإنسانية. “لقد كُنا ولا نزال ثواراً سلميين نناضل بصدورنا العارية لتحقيق الدولة المدنية الكاملة”.
ومثّل الإعتصام في محيط القيادة العامة للجيش السوداني، ذروة الفعل السياسي المقاوم، بعد نحو أربعة أشهر، من المقاومة الشعبية،عبر المواكب والوقفات الاحتجاجية، الأمر الذي عجل بسقوط رأس النظام البائد عمر البشير في الحادي عشر من أبريل 2019.
خلّفت مجزرة القيادة العامة عشرات القتلى والمفقودين والمصابين، الذين نظموا إعتصاماً مثالياً من ناحية سلميته ومطالبه المشروعة، خاصة عندما أبرز الوحدة غير المسبوقة لكل تشكلات الواقع السوداني سياسياً وثقافياً واجتماعيا، وبات يُنظر للاعتصام أمام محيط القيادة العامة للجيش السوداني كتجربة سودانية غير مألوفة لإثبات جدوى فاعلية العمل السلمي المُقاوم.
وفي نهاية سبتمبر 2019 كون رئيس مجلس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، لجنة للتحقيق في عملية فض الاعتصام التي وقعت في 3 يونيو 2019، أبان تولي المجلس العسكري حكم البلاد.
ويختص تفويض اللجنة الوطنية المستقلة في التحقيق في انتهاكات فض الاعتصام، بتحديد الجهات المسؤولة عن تدبير وتنفيذ عملية فض الإعتصام، التي إعتبرت ضمن الجرائم البشعة التي ظلت تُرتكب في أوقات وظروف متباينة ضد سودانيين منذ الإستقلال.
وعلى الرغم من الظروف الجديدة التي يشهدها الواقع السياسي في السودان في أعقاب إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، تتجدد الاتهامات للجنة التحقيق في مجزرة فض الاعتصام، بممارسة التسويف في الوصول للجناة الذين أمروا ونفذوا المجزرة.
ودفع عدم الكشف على الجناة الذين تورطوا في ارتكاب المجزرة من قبل سلطات الحكومة الانتقالية، بعض أسر الشهداء للمطالبة بتكوين لجنة دولية تتولى التحقيق في ملابسات فض الاعتصام.
ويرى مدير معهد السودان للديمقراطية، الصادق علي حسن، أن لجنة التحقيق مارست التسويف وأدخلت الملف في دائرة الجدل الضار ولفت إلى أن الملف صار خاضعاً للأجندات السياسية والمساومات.
وبهذا الصدد قال رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق في إنتهاكات فض الاعتصام، نبيل أديب، في أكثر من مناسبة، أن البعض يعمل على دفع اللجنة للاستعجال في مجريات التحقيق، كما يدفعون بالجنة لارتكاب أخطاء عن طريق تقديم بينات غير قانونية أو غير متماسكة، ويرى أنه حالة حدوث ذلك، سيتم شطب الدعوى أمام المحكمة.
لكن مدير معهد السودان للديمقراطية، يشير في مقابلة مع عاين،إلى عدم الحاجة لوثائق لتحديد المتورطين في مجزرة القيادة العامة، لافتاً إلى أن المجزرة أُرتكبت كنتيجة لقرار صادر من السلطة العسكرية الحاكمة في ذلك الوقت، لافتاً إلى أن الأمر يتصل بتوقيف من أصدروا القرار ونفذوا قرار فض الاعتصام ومساءلتهم قانونياً وجنائياً.
وفور مرور عام على المجزرة طالبت الأمم المتحدة الحكومة الانتقالية السودانية وقتها بتقديم المسؤولين عن فض إعتصام القيادة العامة إلى العدالة.
ومنذ أعقاب تنفيذ المجزرة، لا يزال آلاف المتظاهرين يُحيون الذكرى الأشد وطأةً على قلوبهم و يهدفون إلى إنشاء دولة لا يُفلت المجرمون فيها من العقاب.
علي أحمد، الناجي من المجزرة، يقول أن آلام ملايين الثوار تجدد كل عام بشكل أكبر، خاصة وأن آلة القتل التي أراقت دماء السودانيين في محيط القيادة العامة، تستمر في نهج حصد الأرواح في العاصمة الخرطوم وفي دارفور وأقاليم السودان الأخرى، دون مساءلة أو عقاب.
فيما يرهن مدير معهد السودان للديمقراطية، توقف القتل ومحاسبة المجرمين الذين يرتكبون المجازر في حق الشعب السوداني، بوجود الإرادة الوطنية الحرة الغير مرتبطة بالمحاور الاقليمية والدولية.
من جهته يرى القانوني والناشط الحقوقي عبد الباسط الحاج، إن جريمة فض الاعتصام تُعد ضمن الجرائم العظيمة التي أرتكبت فيها أعمال عنف واسعة النطاق مثل القتل المتعمد و حالات الاغتصاب و الاعتداءات الجنسية بالإضافة إلى نهب الممتلكات.
وأشار الحاج إلى أنه من المؤكد أن هذه أعمال القتل والحرق والاغتصاب كانت مُدبرة بواسطة المجلس العسكري الحاكم في ذلك الوقت، لافتاً إلى أن المجلس يتحمل كامل المسؤولية عن هذه الجريمة الشنيعة.
ولفت الحاج في مقابلة مع (عاين) إلى أن الأنظمة الاستبدادية اعتادت طوال تاريخها على ارتكاب فظائع و بشكل متكرر، مشيراً إلى أن الإفلات الدائم من العقاب وعدم المساءلة والمحاسبة مَثّل أحد أسباب إستمرار إرتكاب هذه الجرائم.
وأشار الحاج، إلى مسألة الإفلات من العقاب سببها فساد الجهاز العدلي وضعف الجهاز القضائي وعدم قدرته على محاسبة المتورطين في جرائم تُعتبر خطيرة تصل إلي درجة المطالبة بتدخل المجتمع الإقليمي و الدولي للمساهمة في تحقيق العدالة.
وإعتبر أن مجزرة القيادة العامة لا تقل خطورة عن بقية الجرائم التي ظل يرتكبها نظام الإنقاذ طوال الثلاثين عاماً الماضية، من حيث الفظاعة والأثر النفسي البالغ الذي تركته في نفوس السودانيين، لجهة أن الجريمة أُرتكبت على نطاق واسع و بطريقة منظمة ترقى لأن تكون ضمن الجرائم ضد الإنسانية.
ومنذ تكوينها سارعت الحكومة الانتقالية في تكوين العديد من لجان التحقيق في ملابسات إنتهاكات جرت خلال تولي الاسلاميين للحكم، فبالإضافة إلى اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق في مجزرة إعتصام القيادة العامة، التي كونها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، أنشأ النائب العام في نوفمبر 2019 لجنة لجنة تحقيق في إعدام 28 ضابطاً سودانياً أعدموا في العام 1990. كما أنشأ النائب العام لجنة للتحقيق في أحداث مجزرة العيلفون التي وقعت في العام 2005
وبالنسبة لمجزرة إعتصام القيادة العامة، فإن عبد الباسط الحاج يرى أن الحكومة الإنتقالية المدنية التي تم الانقضاض عليها حاولت الوصول للحقائق و كشف طبيعة الجرائم التي أُرتكبت عن طريق وضعها في الإطار القانوني عبر اللجنة التي أنشئت بهذا الخصوص.
ولفت الحاج إلى أن لجنة التحقيق في مجزرة القيادة العامة، لم تسطيع إعلان نتائجها إلى أن قام المجلس العسكري مجدداً بإعلان انقلابه على الحكومة المدنية الانتقالية، موضحاً أن انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، يُعد سبباً كافياً لإيقاف عمل اللجنة و تجميد التحقيق في تلك المجزرة البشعة، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن تكون هناك محاولات من قبل العسكريين لإخفاء الأدلة أو التخلص منها والعمل على تسوية هذه القضية سياسياً، مؤكداً على ضرورة الوقوف ضد أي إتجاه يتيح للجناة الإفلات من المحاسبة والعقاب.