السودان: أسباب تدفع القطاع الصحي للانهيار التام

عاين- 10 أكتوبر 2023

لا يزال الغموض يكتنف الوضع في السودان مع استمرار القتال بين الجيش والدعم السريع حيث يواجه ملايين الأشخاص صعوبة في الحصول على الرعاية الصحية مع إغلاق 80% من المستشفيات في مناطق النزاع وشبه توقف للمستشفيات العمومية في الولايات التي فرّ إليها ملايين النازحين.

في المستشفى الحكومي الذي يقدم الرعاية الصحية لمليوني شخص بمدينة القضارف توقف العاملون والأطباء الشهر الماضي عن العمل بسبب عدم صرف الأجور واضطرت وكالات الأمم المتحدة مع تفشي الحميات والكوليرا إلى التكفل بسداد رواتب الأطباء والكوادر الطبية لتشغيل مركز العزل وعلاج المصابين بالحميات.

عجز في الأجور

“عمر” أحد الأطباء الذين يعملون في مستشفى عمومي بالقضارف، يقول إن “الأجور تدفعها منظمة الصحة العالمية بعد أن عجزت وزارة الصحة الإتحادية في سدادها خلال ستة أشهر”.

ويؤكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة إن ملايين السودانيين لا يمكنهم الحصول على الرعاية الصحية عقب اندلاع الحرب في البلاد، وهناك 350 ألف مولود يتوقع ولادتهم خلال هذا العام.

ذكر المستشار السابق في منظمة دولية أحمد الحاج لـ(عاين)، أن الوضع الصحي في حالة انهيار ولا يمكن معالجته قبل توقف الحرب قائلا إنه كان بالإمكان إنشاء مستشفيات ميدانية بواسطة الصحة العالمية لكن الحكومة في مناطق سيطرتها تفرض القيود الأمنية على حركة المنظمات.

مستشفى العباسية تقلي بجنوب كردفان.. زحام للمرضى ونقص في المعينات

وأردف : “ربما نرى تحسنا طفيفاً في أقسام الطوارئ بعد اتفاق جدة والسماح للمنظمات بالعمل في المناطق الساخنة ومناطق سيطرة كل طرف لكن العمل لن يتجاوز الطوارئ إلى خلق قطاع صحي معافى”.

تقاعس الصحة العالمية

الشهر الماضي، عقد وفد من منظمة الصحة العالمية اجتماعا مشتركا مع وزارة الصحة الاتحادية بمدينة القضارف شرق السودان. وقال الخبير في منظمة الصحة العالمية بابكر المقبول، وهو المدير الأسبق لإدارة الطوارئ بوزارة الصحة السودانية، “المنظمة تعمل على دعم المراكز الحكومية وإيقاف تفشي الوبائيات”.

فيما يقول طبيب في مستشفى حكومي من مدينة القضارف لـ(عاين):”منظمة الصحة العالمية لا تقدم الدعم المطلوب بشكل واسع وعملي وهم يعملون بالتنسيق مع وزارة الصحة السودانية التي تهددهم بالطرد أو فرض قيود أمنية على حركتهم لذلك لا يكشفون المعلومات الحقيقية عن الوبائيات والحميات ولا ينفذون الخطط المناط تنفيذها بواسطة الوكالات الدولية”.

من بين 70 مستشفى عمومي في 18 ولاية سودانية تعمل 50% منها في ظروف حرجة ما بين انعدام المعينات ونقص الأطباء وتوسع القطاع الخاص في الولايات التي فرّ إليها ملايين النازحين.

في مدينة ودمدني بولاية الجزيرة والتي تستضيف نحو 1.5 مليون نازح أغلبهم من العاصمة السودانية تعمل المستشفيات الحكومية بطاقة قليلة من الكوادر الطبية وفي ذات الوقت توسعت المراكز الطبية الخاصة والتي تفرض آلاف الجنيهات على المرضى.

قال إبراهيم الذي يقيم في مدينة ود مدني لـ(عاين) إن “الحميات والكوليرا كانت حتمية نظرا لتدهور صحة البيئة وتراجع القطاع الصحي العمومي في الولاية على الرغم من أن الولاية تستضيف ملايين النازحين مع بداية فصل الخريف لم يفعلوا شيئا لمحاربة الوبائيات”.

وأردف إبراهيم: “إذا ذهبت إلى أي مركز طبي خاص تنفق آلاف الجنيهات لمقابلة الطبيب لشخص نزح من منزله تاركا عمله لا يمكن أن يتمكن الوفاء بهذه التكاليف خاصة إذا كان يقوم برعاية اشخاص مصابون بأمراض مزمنة”.

قيود حكومية

وبعد مرور أكثر من ستة أشهر على الحرب في السودان تدير الصحة السودانية ومنظمة الصحة العالمية الوضع في البلاد بما يشبه “التحالف في الخطط” -حسب أحمد الحاج المستشار السابق في منظمة دولية.

يقول الحاج، إن “طريقة عمل منظمة الصحة العالمية في السودان خاطئة لأنها تقف خلف وزارة الصحة السودانية ولا تعمل باستقلالية خوفا من فرض قيود أمنية إلى جانب انتداب معظم الكوادر التي كانت تعمل في الوزارة إلى المنظمة لذلك يعملون وفق خطط تراعي مصالحهم”.

وتابع : “لا ينبغي أن تعمل منظمة الصحة العالمية خلف وزارة الصحة السودانية حتى في الإحصائيات والمعلومات يجب أن تكون مستقلة”.

فيما يقول وهو مسؤول سابق وزارة الصحة السودانية سامر الحسن لـ(عاين)، إن “وزارة الصحة الحكومية والوكالات الأممية بدلا من مكافحة الوبائيات وفق عمل ميداني يستغرق ثلاثة أشهر يعملون على تنظيم ورش بآلاف الدولارات وعلى الأرض لم ينفذ شيئا”.

أزدحام في مستشفى بمدينة الفاشر – أطباء بلا حدود

وقال إن “إرسال بعثة لإجراء الفحص الميداني الشامل مع أخذ العينات من المناطق السكنية وتنقية مياه الشرب والعمل وسط المجتمع يكلف آلاف الدولارات هذا التمويل يفضلون صرفها على الاجتماعات الروتينية”.

 وأشار إلى إن منظمة الصحة العالمية لا تترك للعمل بحرية في السودان إذا أرادت مثلا تشغيل أقسام الطوارئ في المستشفيات العامة فإن وزارة الصحة السودانية سترفع إليها قوائم موظفين مختلفة لا علاقة لها بتدريب الكوادر وتشغيل أقسام الطوارئ.

الصحة: نحن نعمل

بالمقابل قال مصدر حكومي من وزارة الصحة السودانية لـ(عاين)، إن “الوزارة وفرت 200 ألف عملية غسيل كلى لثمانية آلاف مريض مجانا لمدة أربعة أشهر”. واضاف: “هذه الجهود يجب أن لا تجعل من ينتقدون القطاع الحكومي يغضون الطرف عنها”.

ويقر هذا المصدر بأن وزارة الصحة السودانية تعمل في ظروف حرجة للغاية ولا تحصل على تمويلات مناسبة لإنعاش القطاع الصحي وهي تعمل على التنسيق واستقطاب الدعم من دول الإقليم ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.

وأشار إلى أن الوزارة خلال ستة أشهر قامت بمجهودات كبيرة في توزيع المعينات الصحية التي وصلت البلاد عبر الجسر الجوي للمساعدات الإنسانية كما ظلت تحث منظمة الصحة العالمية على تقديم الدعم للمستشفيات في مناطق النازحين.