السودان : استهداف المرضى والأطباء جريمة تمارسها السلطات
تقرير: عاين 5 مارس 2019م
مع اتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية في العاصمة الخرطوم ومواجهتها بآلة قمعية وحشية من قبل قوات الأمن السودانية، تجمّع العشرات من النشطاء في المجال الصحي للتطوع بجمع أكبر قدر من معينات الاسعافات الاولية، وأدار عدد من المتطوعين الإنسانيين الذين يعرفون بعضهم من قبل في عدة اعمال انسانية اجتماعات تحت ظلال الأشجار في وسط العاصمة إلى أن استطاعوا جمع معينات الإسعافات الأولية، وشكلو غرفا عديدة للعمل أثناء التظاهرات للاسعافات الاولية.
غير ان هؤلاء المتطوعين والمتطوعات اصبحوا هدفا للاجهزة الأمنية التي تعاملت معهم بشراسة، وهاجمت المستشفيات واعتدت على عشرات الأطباء، أسفر عن مقتل الطبيب بابكر عبد الحميد الذي أحدثت اغتياله غضبا عارما دفع مئات الاطباء للاعتصام لأيام فيما عرف بـ “اعتصام كافوري” الشهير أمام منزل أسرة القتيل د. بابكر.
غُرف الطوارىء
مع تزايد الإصابات بالرصاص والغاز المسيل للدموع، شكلت لجنة الأطباء غُرف طوارىء لإسعاف الجرحى. ويشرح أحد أطباء غُرف الطوارىء لـ(عاين) كيفية تكوين الغُرف قائلاً: “يوم الخميس 17 يناير نحنا كان في منطقة بري ميدان الدرايسه، كنا كوادر طبية يصل عددنا 16 طبيب وطبيبة، تم تكوين غرفة من أدوات بسيطة جداً. الغرفه كانت موجودة في ميدان الدرايسه و كنا بنعمل على استقبال المصابين في الخارج لكن بعدة فترة زاد عدد المصابين إصاباتهم خطرة شديد. استقبلنا أكثر من 15 حالة بين الساعة 1- 5 وكلها إصابات خطرة “. ويضيف ذات الطبيب الذي فضل حجب اسمه بالقول: بعد ساعة من عملية إسعاف المصابين في المظاهرة كنا جزء من التيم من ضمنهم دكتور بابكر، في ذات الأثناء كان العمل يجري على احدى الحالات الخطرة لمتظاهر تمت اصابته بعيار ناري في الصدر.
ويضيف ذات المصدر “أثناء ما كنا بنعمل كنا محميين من المتظاهرين لانو الغرفة في مكان خطر شديد بعد البكاسي والتأشيرات مسافة شارع. ولخطورة المكان تمت حمايتنا من المتظاهرين لزمن طويل”. ويزيد فجأة حصلت حاجه ما كنا متوقعينها لأننا كنا بداخل الغرفة، وكل المتظاهرين اتحركوا الناحية الجنوبية للميدان عدا المصابين و يصل عددهم إلى8 جزء منهم تم تحويلهم إلى المستشفيات القريبة مثل رويال كير.
إسعافات أولية
كان عدد من المتطوعين قد نشطوا في إسعاف الجرحى أثناء الاصابات الصغير منهم المتطوعة في مجال العمل الإنساني- أسيل عبدو التي قالت لـ(عاين) ” انا لا اخرج من منزلي الى مكان اي مظاهرة إلا بعد التأكد من أن حقيبتي اليدوية بها معينات اسعافات اولية من شاش وكمامات وشاش مضغوط وان هذه الأدوات يجب أن تكون كافية لإسعاف شخصين على الأقل. وتضيف عبدو “ايضا كل الرفاق المتطوعين يفعلون كما افعل وهذا اتفاق مسبق بيننا.. لأننا سنتواجد في ميادين وموجهين بآلة قمعية كبيرة من قبل قوات الأمن والشرطة وغيرها من القوات التي تقوم بقمع المظاهرات”.
قمع و اصابات
تروي أسيل عبدو، انه وبعد فض مظاهرات في وسط الخرطوم أنها اتجهت مع مجموعة من رفاقها الى منطقة بري، وهناك اشتدت التظاهرات عند الساعة الثالثة ظهرا عمليات القمع و الاصابات بين المتظاهرين، قبل أن يلجأ من يقومون بعمليات الاسعاف المصابين إلى منزل فتح ابوابه صاحبه لإيواء المصابين، فتجمع في وقت قليل مجموعة من الأطباء والمسعفين. وقالت اسيل لـ(عاين)، “دخلنا الى المنزل بعد أن فتح صاحبه ابوابه وحمل المتظاهرون احد المصابين برصاصة في الكتف وهناك قمنا بعملية اسعاف اولية وتضميد الجروح وإيقاف النزيف المستمر من كتف الشاب الذي كان في العقد العشرين”.
سبعة مصابين
وتشير عبدو الى انه وبعد هذه الحالة اخذ المتظاهرين في حمل المزيد من المصابين الى المنزل، وعندها قررنا اتخاذ احد غرفه الطرفية بعد موافقة صاحب المنزل لتجميع أدوات الإسعافات الأولية وحضر عدد من الأطباء الى المكان بالفعل وأخذوا في عمليات اسعافات اولية لعدد من المصابين المنقولين الى المنزل ومعظم الإصابات كانت إما بالرصاص الحي والمطاطي او اصابات بعبوات الغاز المسيل للدموع”.
واضافت “في كل مرة نغسل ارضية الغرفة من الدماء وننتظر اصابة جديدة”. استقبلنا خلال اقل من ساعة نحو سبع إصابات نقلت الى المستشفى بعد تلقيها اسعافات أولية.
قتل د.بابكر
احد الطبيبات اللائي انضمننا دون تنسيق الى غرفة الطوارئ في منطقة بري تروي لـ(عاين) لحظة اقتحام القوات الامنية للمنزل الذي اتخذ الأطباء جزءا منه غرفة للطوارئ، وتقول الطبيبة التي فضلت حجب اسمها، انه واثناء عمليات الاسعافات الاولية وتزايد المصابين القادمين الى المكان لاحظ افراد الامن ان هناك غرفة طوارئ بالداخل. وتقول “كنت بداخل الغرفة ولم يكن بيننا تنسيق مسبق للعمل في عمليات الإسعافات.. حضرت الى منطقة بري كواحدة من المتظاهرات وعند تزايد الإصابات اشتغلت في عمليات الإسعافات الى جانب الأطباء والمسعفين الموجودين في الغرفة”.
“مشهد لا يُنسى“
تشير ذات الطبيبة إلى أنه في نفس المنزل كان الطبيب القتيل د. بابكر يعمل الى جانبنا في عمليات الإسعافات ونقل المصابين الى المستشفيات بعد توفير سيارات تقلهم. وقالت “اطلقت القوات الامنية الغاز المسيل للدموع بكثافة على المنزل قبل أن يتم اقتحامه واقتياد كل الأطباء والمسعفين الموجودين بداخله”. وتضيف الطبيبة التي فضلت حجب اسمها ” على اثر اطلاق البمبان بكثافة سالت دموعي بغزارة وبدأ التنفس يضيق.. لكن المشهد الذي لا يمكنني أن أنساه قبل لحظات من فقداني الوعي هو أن الطبيب القتيل د. بابكر كان يطلب من رجال الأمن خارج المنزل بأن كل من بالداخل هم أطباء ومسعفين وسمعته يقول مخاطبا رجال الأمن “يا جنابو نحن أطباء ونسعف جرحى ونريد أن نقلهم إلى المستشفيات”. وتضيف بعدها لم ادري ما الذي حدث في المنزل، لكن استفقت تماما وانا أعلى كوبري كوبر في اتجاهي على ظهر عربة تاتشر مع مجموعة أخري من المعتقلين ويحيط بنا رجال الأمن.. مظهري العام كان بائسا سقطت نظارتي الطبية وتمزق القميص الذي ارتديه ولم اجد غطاء رأسي”.
أسيل عبدو، كانت هي الأخرى من شهود عملية الاقتحام التي تصفها بالوحشية بعد تعرضها لكافة أشكال العنف. وتقول عبدو لـ(عاين)، ” القوات الامنية التي اقتحمت المنزل الذي نتواجد فيه ونقوم بعمليات الاسعافات للمصابين كانت مزهوة بالقبض علينا نحن المجموعة المسعفة. تعدوا علينا جميعا بالضرب والاهانات ود. بابكر الذي الذي قتل حول المنزل كان يقوم معنا بعمليات الإسعاف وهو احد الذين كانوا يقومون بنقل المصابين الى السيارات المتوفرة لنقلهم إلى المستشفيات.
“ الحالة الثالثة“
تضيف اسيل عبدو: اذكر انه في الحالة الثالثة لمصاب كنا نود نقله الى المستشفى قال لنا د. بابكر ” نحن لا نريد ان ننقل المصابين الى مستشفى الشرطة لان كل الذين اسعفوا هناك تم التحفظ عليهم، علينا نقل المصابين الى مستشفى رويال كير”. وخرج بعد ان قال لنا هذا الحديث ليأتي هو الآخر مصابا الى نفس الغرفة التي كان يساعد فيها الجرحى وبعدها تم نقله الى المستشفى التي توفى فيها لاحقا.
كان غرض رجال الأمن المهاجمين لغرفة الطوارئ الميدانية بحسب أسيل عبدو، هو عدم إسعاف المصاب بنية موته. وقالت عندما تهجمت علينا القوات الامنية وبعد ضربنا قالوا لنا “عاملين غرفة طوارئ.. عايزين تعالجوا المتظاهرين” وكان واضحا أن لديهم علم مسبق بأن ما بداخل المنزل غرفة طوارئ وربما هذا كان واضحا بالنسبة لهم بالنظر الى ان اي حالة مصاب ترد الى المنزل يتبعها عدد كبير من المتظاهرين.
قتل عمد
ما يعزز نية القوات الامنية في استهدافها بالنسبة لطبيب غرف الطوارىء قول شاهد عيان ” كنا قاعدين في غرفة عادية تصل مساحتها إلى 4-3 أمتار بعد ما استقرينا ضربوا الأبواب ضرب شديد وكان من الواضح انو في زول بحاول يفتح الباب من الخارج. حاول دكتور بابكر يتكلم مع الناس الموجودين في الغرفة انو ما يفتحو الباب لكن فجاءة ونحنا بنتكلم شعر دكتور بابكر بي حاجة وقال للناس داخل الغرفة كلهم انبطحوا في الأرض. ضُرب رصاص حي بغزارة على البوابة، ثم انفتحت البوابة على الفور.
و يمضي ذات الطبيب واصفاً تعمد استهداف الاطباء “رموا علينا 3 عبوات غاز مُسيل للدموع (بمبان) مباشر من البوابة الغربية حاول الناس الموجودين في الداخل الخروج بالبوابة الشرقية لكن ما استطعنا اننا نطلع لما أفتح البوابة الشرقية لقينا أنها مقفلة ببوكس تباع جهاز الأمن فيها عدد أفراد وصلوا ل 12 – 13 فرد نزلوا علينا بالعصي والخراطيش و البمبان ورموا علينا عدد من عبوات البمبان وقفلوا أبواب الغرفة أغمى على كل الحالات الموجودة إضافة للمصابين اللي كانوا قاعدين.
تخلص كامل
والحديث لذات الطبيب كان الناس بتطلع عليهم بكُرعينهم أثناء الاجتياح و الاقتحام الحاصل من القوات الامنية . تقريباً لمدة دقيقة كنا مقفولين داخل الغرفة” ويزيد كل الموجودين في الغرفة وما مصدقين انو ممكن نطلع احياء كل واحد كان بعاين لجسد ويشوف لو أضرب رصاص ما مصدقين نهائياً انو في زول ممكن يكون عندو القدرة يتعامل مع غرفة ذى دى ومن الواضح انو الناس اجتاحوا الغرفة هدفهم انهم مش يفضوا المظاهرات هدفهم يتخلصوا من كل الناس الموجودين داخل الغرفة.
في ذات الاتجاه تروس اَسيل عبدو، مشهد لـ(عاين) وهي معتقلة على ظهر عربة “تاتشر” و محاطة برجال الأمن أمام المنزل الذي كانت به غرفة الطوارئ، وقالت “لمن احنا كنا في التاتشر كان في ولد مضروب رصاصة في كتفو وواضح انه نقل من غرفة الطوارئ المجاورة في منطقة بري الدرايسة لأن الإصابة كانت ملفوفة بشاش عليه أثار دماء وهذا يؤكد ايضا اقتحام الغرفة الاخرى”. وأضافت ” لما جابوهو عايزين يرفعوه معانا في التاتشر كان المسؤول في العربة عن المعتقلين ينادي على رجال الأمن الذين أتوا به أن يفكوا عشان ما يموت لينا في يدنا..” لكن رجل أمن آخر “أمر بأن يتم إنُزالنا من السيارة الأمنية التي نحن عليها ويرفعونه لوحده لكن الضابط رفض وأمر بأن تأتي له عربية لوحدة.. أثناء هذا الجدال أغمي على الشاب سريعا اتحركت العربية التي نحن عليها وترك الشاب لوحده على الارض ولا أعلم حتى اللحظة ما الذي جرى له..”.
استهداف المستشفيات
قالت فرعية أطباء مستشفى أم درمان إن المستشفى شهد إطلاق الغاز المسيل للدموع داخل قسم الحوادث، وبث ناشطون فيديوهات وصوراً من داخل مستشفى أم درمان، تظهر إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص داخل فناء مستشفى أم درمان. وتؤكد لجنة أطباء السودان المركزية في بيانات لاحقا أنه تم استهداف مستشفيات فضيل وحوادث بحري اضافة لمستشفي رويال كير بل وأطلقت الشرطة والاجهزة الامنية الغاز المسيل للدموع في فناء مستشفى السلاح الطبي التابع للقوات المسلحة، اضافة الى منع سيارات الإسعاف من دخول مناطق التظاهرات مثل بري والعباسية وغيرهما.
جريمة إنسانية
عضو نقابة أطباء السودان الشرعية، سيد قنات يستنكر في حديث لـ(عاين) مهاجمة غرف الطوارئ التي أقامها الأطباء لعلاج جرحى الاحتجاجات، مشيرا إلى أن استخدام القوة المادية يعد جريمة مخالفة للإنسانية، وهو نوع من أنواع العنف تلجأ إليها الأنظمة الديكتاتورية لبسط هيمنتها وسيطرتها على الشعوب بصورة لا تتماشى مع القانون ولا الدستور ولا أخلاقيات الإنسان.