اتفاق قسمة السلطة بين قحت والعسكر زخم جماهيري و تحديات متعاظمة
تقرير: عاين 17 أغسطس 2019م
خرج مئات الآلاف من السودانيين في احتفالات ضخمة بتوقيع الاتفاق النهائي على اقتسام السلطة بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري في البلاد، الذي حوى التوقيع على وثيقتي الإعلان الدستوري والسياسي الذي سينظم الحكم طوال الفترة الانتقالية. لكن شركاء سياسيون آخرون مثل الجبهة الثورية وحركات مسلحة أخرى مثل حركة تحرير السودان جناح عبدالواحد محمد نور والحركة الشعبية بقيادة عبالعزيز الحلو والحزب الشيوعي السوداني وغيرهم وجهوا انتقادات للاتفاق الامر الذي يضع مصاعب جمة أمام امكانية تنفيذ الاتفاق علي مستوياته السياسية والقانونية.
ذلك فيما حذر قانونيون ومراقبون وخبراء من وجود ما وصفوه بالقنابل الموقوتة في الوثائق لاسيما فيما يتعلق بالاختصاصات ووضعية القوات الحكومية وامكانية تحقيق المحاسبة وغيرها من التحديات التي لم تخاطبها الاتفاقية بصورة واضحة.
اعلان مليء بالثقوب
يرى الخبير القانوني د. محمد عبد السلام ان الاعلان الدستوري جاء مليئا ما وصفه بـ الإشكالات المحورية التي لابد أن يتم تعديلها ، موضحا ان الاشكالات تتمثل في تتمثل في أن الاعلان الدستوري بشكله الحالي لا يمكن أن يؤسس الى الانتقال لحكم مدني. ويشير عبدالسلام إلى ان صلاحيات مجلس السيادة في المادة (15) تتنافى مع مبدأ النظم الديمقراطية البرلمانية ، الأمر الذي يتناقض مع ما تم اعلانه من اعتماد نظام برلماني للفترة الانتقالية.
وفي ذات الاتجاه يذهب القانوني عبد الخالق شايب في قراءة عبر الوسائط،، مشيرا الى بعض النقاط الجوهرية والنواقص التي اعترت الوثيقة الدستورية تتمثل في هياكل الحكم. مبينا إن أهم النقاط هي تشكيل لجنة تحقيق وطنية التي من احد مهامها وفق المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية تقوم بالتحقيق حول أحداث الثالث من يونيو. ويبين الشايب ان أجزاء واسعة من الوثيقة جاءت شفافة، حيث أكدت التزام اجهزة الدولة بنفاذ المهام دون تحديد اختصاصات نطاق عمل اللجنة وصلاحياتها، مشيرا ان تداخل الاختصاصات وعدم دقتها سيكون من أكبر النقاط الخلافية للحكومة خاصة وأن المجلس العسكري هو المتهم بارتكاب هذه الجرائم وهو الذي لم يفسح المجال للجنة تحقيق.
نقاط خلاف جوهرية
يمضى كل من الشايب وعبد السلام الى مجلس السيادية الذي تتخذ فيه القرارات بأغلبية الثلثين ويتفقان ان هذه النقطة تمثل عقبة أخرى في سبيل انسجام مجلس السيادة.. “أحد مكامن الضعف في ان الأغلبية يجب أن تكون من سبعة أعضاء يعني لإجازة القرار بنسبة اتخاذ القرار تكون في غاية الصعوبة خاصة وأن الصلاحيات واسعة تشمل اتخاذ قرارات هامة. هذه الآلية تخلق نوع من التوتر والمشاكسة السياسية داخل اروقة المجلس السيادي لأن التمثيل المدني لن يكون غالب على العسكري”. مضيفا “أن الأفضل حالاً في هذه الحالة هو النصاب القانوني. الذي يجب ان يضم ثلاثة عسكريين وثلاثة مدنيين وهو ما لم يضمن في الوثيقة الدستورية”.
ويقول الخبيرين ان مسالة رئاسة المجلس العسكري تعد ايضاً قنبلة موقوتة، مشيرين إلى أن الرئيس سيكون عسكريا بحكم رئاسة الجمهورية وهنا يحتاج الى الامر الى نائب رئيس مدني خاصة للتمثيل الخارجي. “هذه نقطة تم الصمت عنها وهي نقطة ستكون خلافية كبيرة حال تغول الرئيس ونائبه على سلطات مجلس الوزراء”. اضافة الى ذلك نص الحصانة الذي ينص على أن لا يجوز اتخاذ إجراءات جنائية ضد اي من اعضاء المجلس السيادي او الوزراء او التشريعي دون اخذ اذن من المجلس التشريعي “. يقرأ الجيلي هذا النص بأنه حصانة مطلقة في ظل غياب الاجهزة التي ترفع الحصانة في الفترة الأولى. وتم اقتراح نص لم يقبل من اللجنة الفنية .
تحديات السلام
كبرى الخلافات التي طرأت على السطح هي موقف الجبهة الثورية الرافض للتوقيع على الوثيقة الدستورية، متمسكاً ببعض النقاط التي اوردها تضمين اتفاقهما مع قوى اعلان الحرية والتغيير. وقالت الجبهة الثورية انها متمسكة بتضمين وثيقة السلام في الميثاق الدستوري، وأعلنت الجبهة الثورية التي تضم فصائل مسلحة في تنظمين مختلفين باسم الجبهة الثورية تمسكها بإضافة وثيقة السلام التي خرجت بها مباحثات أديس أبابا، موضحة أن الوثيقة هي الصيغة المتفق عليها لإنهاء الحروب في السودان. وقال القيادي بالجبهة الثورية الهادي ادريس لـ(عاين) انهم ابلغوا المجلس العسكري برفض الوثيقة النهائية ما لم يتم تضمين مطالبهم. متهماً قوى الحرية والتغيير بالانفراد بالقرارات المصيرية التي سوف تقود البلاد الى مزيد من التعقيد.
جيش وطني جديد
ذلك فيما تمسكت كل من الحركة الشعبية لتحرير السودان قيادة عبد العزيز الحلو، بموقفها الرافض للوثيقة الدستورية ووصف الحلو في حوار صحفي أن الاتفاق بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري بـ”الانتكاسة في مسار المد الثوري وهو محاولة من قوى السودان القديم بجناحيها العسكري والمدني لإعادة إنتاج السودان القديم القائم على التهميش والعنصرية” مؤكداً في ذات الحوار أنه ” لن يكون هناك اتفاق شامل لا يشمل تأسيس جيش وطني جديد، بعقيدة قتالية جديدة؛ ومهام جديدة، وقيادة جديدة”. من جهتها تمسكت حركة وجيش تحرير السودان بموقفها الرافض للوثيقة الدستورية، بل رفضت الاعتراف بالمجلس العسكري وقوى اعلان الحرية والتغيير معاً وقالت في بيان لها أن رفضها للاتفاق جاء لأنه يمثل خيانة الثورة ودماء الشهداء وقالت في ذات البيان أن الاتفاق الموقع هو مساومة اختطاف الثورة لإعادة انتاج ما وصفته بالانظمة التي وصفتها بالصفوية“.
طرف أصيل
من جهتها أقرت قوى إعلان الحرية والتغيير بخلافات جوهرية مع الجبهة الثورية حول ترتيبات وإجراءات السلطة الانتقالية. ولدى مخاطبته الاحتفال الذي أقيم السبت عقب توقيع اتفاقية اقتسام السلطة بين المجلس العسكري وقوى اعلان الحرية والتغيير، قال القيادي بقوي الحرية والتغير محمد ناجي الاصم ، ان قوى الحرية والتغيير والحكومة المقبلة تسعى بكل السبل الديمقراطية لتحقيق السلام في البلاد. مبينا ان الحكومة المقبلة تتبنى الحوار سبيلا واحدا لتحقيق السلام في البلاد، قبل أن يضيف داعيا” أرضا سلاح، قوي الكفاح المسلح ساهمتم في الثورة بالدماء والدموع وانت فصيل أصيل في الثورة”. فيما نفى المحامي وجدي صالح في تصريح صحفي وجود أي محاصصة بين الجبهة الثورية وبقية مكونات الحرية والتغيير بشأن تشكيل الحكومة المقبلة .
وعلمت مصادر لشبكة (عاين) بان الجهة الرافضة بشكل حقيقي لاضافات وثيقة السلام ضمن الاتفاق الدستوري هي المجلس العسكري الذي رفض لقوى اعلان الحرية والتغيير فتح الوثيقة مجدداً لاي اضافات. وقال ذات المصدر أن المجلس العسكري قد ابدى اعتراضه على تفاوض قوى إعلان الحرية والتغيير مع الجبهة الثورية تسميتها في الحكم. موضوحاً إن موقف المجلس العسكري من مفاوضات الجبهة الثورية مع الحرية والتغيير هو موقف الناظر لخطوات الحرية والتغيير بعطاء من لا يملك لمن لا يستحق، خاصة وان الجبهة الثورية لا تشمل جميع الحركات الحاملة للسلاح.