الثورة السودانية تخوض مواجهة شرسة مع السلفية
تقرير: عاين 5 نوفمبر 2019م
احتدمت صراعات دينية وسياسية واسعة تقودها مجموعات سلفية محسوبة على نظام المخلوع السابق عمر البشير في مواجهة قوى الثورة الشبابية لاسيما المرأة. وامتدت النزاعات لتشمل كافة نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في البلاد، إذ نشبت الخلافات بشأن محاولة وزارة العدل الجديدة وقوى الثورة تعديل القوانين المقيدة للحريات والتي تراها المجموعات المتشددة بعتبارها قوانيناً للشريعة الاسلامية، إضافة للنزاع بسبب عدم إدراج مرجعية إسلامية في الوثيقة الدستورية لتمتد النزاعات الي كرة القدم النسائية والهجمات على معرض الخرطوم الدولي للكتاب وغيرها من المواجهات بين تيار الثورة والتيار السلفي الذي يعتقد كثيرون أنه ترعرع ونما في ظل نظام الإنقاذ.
بينما شهدت البلاد حالات تكفير عديدة وصلت إلى درجة تكفير وزيرة الشباب والرياضة ولاء البوشي، بيد ان قوى ثورية عديدة ردت بقوة وطالبت بصياغة خطاب ديني جديد يقوم على الانفتاح وقبول الآخر والنقد والتجديد.
خطاب ديني جديد
ويقول وزير الإرشاد والأوقاف نصر الدين عبد المفرح ان وزارته شرعت في خطوات اصلاحية لصياغة خطاب ديني منفتح يساعد على التأطير للسلام، والتسامح ، وترسيخ أدب الاختلاف. ويضيف الوزير في تصريح خاص لـ(عاين) إنهم يعملون على كيفية إدارة التنوع، ومحاربة الغلو والتطرف. جاء ذلك بعد تهديده باستخدام القانون في مواجهة المتطرفين، بعد ان شهدت الأوساط السودانية سجالاً محتدما بين وزيرة الشباب والرياضة ولاء البوشي والداعية عبد الحي يوسف حول لعبة كرة القدم النسائية وحرمة ممارستها بالنسبة للنساء.
وقد توج ذلك بمحاولات تفجير عبر عبوات نارية مصنوعة محلياً لعدد من منازل الناشطين في لجان الأحياء وبعض القيادات السياسية. قبل ان يقتحم متطرف معرض الخرطوم الدولي للكتاب مطالباً بحزام ناسف رفضاً لعرض، كتب زعيم الفكر الجمهوري محمود محمد طه المُعدم في ثمانينات القرن الماضي. الامر الذي جعل الجميع يتحسس امنه خاصة وان هذه الجماعات تتخذ من الاسواق والاحياء منابر لها الامر الذي سيؤثر على استقرار الأوضاع الامنية.
فقدان الحاضنة
يصف مدير المناهج والبحوث بوزارة التربية والتعليم المعين حديثاً د. عمر القراي نشاط الجماعات الاسلامية بالمتخلف والرجوع إلى العصور السحيقة في وقت تتنامى فيه البشرية بقبول الآخر وتساوي الناس في شئون الدنيا، قال القراي لـ(عاين) “الفهم السلفي متخلف ضد كل مسائل الحداثة و التقدم.. كما يرفض النظام الديمقراطي والمساواة . موضحاً ان ذلك يتعارض مع الثورة السودانية التي قامت على مطالب الـ ( حرية – سلام- عدالة) ضد النظام السابق. مشيرا الي ان الجماعات السلفية فقدت الدولة التي لهم فيها مصالح، ولا يقبلون بالنظام الجديد الذي أتت به الثورة، قائلاً لـ(عاين) ان الهجوم السلفي الأخير على الجمهوريين، هدفه ليس الجمهوريين أنفسهم، إنما لتعبئة الشارع، تحت ذريعة تطبيق الشريعة الإسلامية، للعودة إلى الحكم مرة أخرى، لأنهم مستفيدين منه، ويعتقدون انهم يمثلون الاسلام وحدهم، موضحا أن ” الجوامع اماكن للصلوات، ليست للصراعات الفكرية”. وطالب القراي الإعلام بـ فرص متساوية للجميع دون تشويش على أحد.
وقال ” يجب إعطاء فرصة متساوية للجمهوريين وغيرهم لمناقشة أفكارهم، مع من يختلفون معهم، وتبصيرهم دون تشويش”. وكان الداعية عبد الحي يوسف قد وجه نقد للفكر الجمهوري في شخص وزيرة الشباب والرياضة ولاء عصام البوشي، واصفا اياها انها جمهورية، ’’لا تؤمن بالذي يؤمن به هو عبد الحي، وغيره من المسلمين، وأنها تابعة لرجل زعم انه صاحب الرسالة الثانية للاسلام .
استراتيجيات متعددة
وزير الشؤون الدينية والأوقاف، نصرالدين مفرح، كشف لـ(عاين) استراتيجية وزارته المتعددة علي حد تعبيره، والتي ستعمل على مجابهة عدة قضايا قائلاً :” سنقيم ورش في ولاية الخرطوم، بها( 200 )من خطباء المساجد سيطرح خلالها ( 14 )ورقة من مذاهب فكرية متعددة، من الفرق والجماعات، بالاضافة الي ورقتين لجماعة أنصار السنة، ذو المنهج الوسطي المعتدل، من جماعة المركز العام، وجماعة الإصلاح،(3 )أوراق لهيئة شؤون الأنصار،( 5 )أوراق للمتصوفة” مضيفاً الى ذلك ان الورشة ستشمل أوراق لجماعة الإخوان المسلمين وبقية الأوراق لمفكرين وأدباء تتحدث كلها عن الوسطية والاعتدال وآداب الاختلاف فضلاً عن إدارة التنوع والسلام.
وقال عبد المفرح :”أن الهدف الاستراتيجي من هذا العمل إرساء أدب الاختلاف والوسطية، وقيمة الوسطية في المنابر، ابتداء من ولاية الخرطوم،ومن بعدها الاقاليم بالتركيز علي الدعاة الشباب، وهذا ما يكون عليه الواقع الجديد مشيراً لسعي وزارته نحو الاهتمام برفع قدرات الخطباء، وكيفية التفاعل مع مجتمعهم، ووضع حدا للغلو والتطرف الديني”.
انتشار و امكانيات
الباحث الإسلامي الطيب زين العابدين يعطي نبذة تاريخية عن الجماعة السلفية معتقداً أنها دخلت السودان في اواخر الثلاثينيات واوائل الاربعينيات، مشيرا إلى أنها لم تجد قبولا وسط المجتمع السوداني، بسبب أفكارها الغريبة التي لا تتماشى مع المزاج الصوفي العام البسيط، علي الرغم من أن الدعم السعودي ساهم في استمرارعملية بقاءها ومحاولات الانتشار. كما شكل حضور الحركة الاسلامية في الساحة السياسية فرصة للتيار السلفي المتشدد بالتمدد أكثر‘‘. وكان السلفي محمد مصطفي عبدالقادر قد وجه العام الماضي انتقادا حادا لبرنامج شباب توك الذي يبث علي قناة سودانية 24 بالتعاون مع القناة الالمانية DW واصفا مقدم البرنامج وقناته بالمساعده في نشر الفكر العلماني بالبلاد.
الناشط عادل موسي من ولاية جنوب دارفور، يقول:” ان التمدد السلفي له تأثير في المجتمع السوداني، منذ سنوات هذا التمدد سببه القمع الذي تتعرض له التنظيمات السياسية العلمانية في الفترة السابقة، علي حسب وصفه وعدم السماح لهم بالعمل. ويذهب الي ان السلفيين وجدوا مساحة، والنظام تعاطف معهم سابقاً وهذا سبب شرخ في المجتمع، لعدم قبول الآخر، ويؤكد ان التمدد السلفي له تأثير في هذه الفترة، كما ينصح الحكومة ان تتعامل معهم بحسم، و الا ستكون هناك عواقب، اذا لم يحدث قبول للطرف الآخر،. ويتسال عادل .. كيف يحدث السلام؟. ويريدون تحويل الصراع من حقوق ومطالب إلى صراع ديني.
من جانبه يربط الدكتور محمد خليفة الباحث في الجماعات الدينية : أسباب نمو وانتشار الفكر المتطرف بعوامل داخلية وخارجية، من ضمنها مشاركة الكثير من السودانيين في افغانستان، هذه العوامل شكلت ارضية للفكر الجهادي، وكذلك توجه البعض للقتال في البلقان والبوسنة والهرسك لاحقا، واسترسل في القول بأن التطورات التي حدثت في منطقة القرن الأفريقي، ومشاركة سودانيين مع حركتي الجهاد الإسلامي الإريتري، وحركة الشباب المجاهدين بالصومال. كما ارجع خليفة بوادر التطرف في السودان الى فترة الجهاد الأفغاني، ودخول اسامة بن لادن، زعيم القاعدة السابق، ومجاهدي الأفغان العرب، وهي الفترة التي تعالت فيها موجة العنف حسب قوله.
تقييد والزام
أما الكاتب في الشؤون السودانية، جمال الشريف، قال لـ(عاين) أن الخطاب الجهادي السلفي بدأ من منابر المساجد، وتسجيلات اشرطة الكاسيت، ثم الميادين العامة، هذه الفتاوى التكفيرية طالت أشخاصا ورموزا سياسية في البلاد، ويوضح أن الشيخ محمد عبدالكريم أصدر شريط كاسيت بعنوان (إعدام زنديق) في العام 1995 كفر فيه الزعيم السابق لحزب المؤتمر الشعبي، الدكتور حسن الترابي، وطالب بإعدامه،كما صدرت العديد من الفتاوى التي تكفر كل من ينضم الي الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة زعيمها السابق جون قرنق، وكذلك حرمة المشاركة في الانتخابات، ويضيف الشريف ” في العام 2006 قامت بعض الجماعات السلفية الجهادية بإهدار دم الصحفي محمد طه محمد احمد، ووجهت له سهام الردة والزندقة الي ان جاءت النتيجة بقتياله.
بالاضافة الي الفتاوى بشأن الشيعة، باعتبارهم خارجين عن الملة، وهذه الجماعة أهدرت دم الأستاذة البريطانية جوليان جييوتر في أوائل عام 2007م والتي كانت تعمل في إحدى المدارس السودانية، بعد اتهمها بالإساءة إلى الرسول محمد. ويؤكد جمال الشريف علي صعيد العلاقات الخارجية، أن السلفية التقليدية، جماعة أنصار السنة المحمدية، لهم علاقة قوية مع النظام السعودي، كما انه الحاضن والممول لها، وتربطهم اتصالات وتنسيق مع نظرائهم السلفيين في كافة البلاد الاسلامية، ويشرح أما السلفية الجهادية، والتي تجمع بين تيار شارك في القتال في افغانستان، وتيار اخر اخذ خلال تواجده بالخارج من مدارس سلفية متشددة. وطالب الشريف عبر (عاين) تقييد حركة قيادات وافراد النظام السابق. منتقداً الحكومة الحالية بعدم الشروع في خطوات استباقية تمكنها من مواجهة اى تحدي يبدر من الجماعات التي تعمل على تأليب الصراع المذهبي او الديني لقيادة البلاد الى الفوضى.