السودان: أي مستقبل ينتظر قطاع الاتصالات؟
عاين- 1 أبريل 2024
عندما توقفت شبكة الاتصالات قسريا في السودان مطلع فبراير الماضي وجد نحو 20 مليون شخص أنفسهم في عزلة عن العالم، وتأثرت القطاعات الحيوية التي توفر الإمدادات والطعام لحوالي عشرة مليون شخص في المناطق الساخنة التي يشتد فيها القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع؛ بسبب توقف “المحافظ الإلكترونية“.
واستعادت شركات الاتصال الخدمات جزئيا بعد عزلة استمرت للملايين عن العالم الخارجي لنحو (27) يوما عقب إنشاء مراكز بيانات في مدينة بورتسودان العاصمة الإدارية للحكومة القائمة المدعومة من الجيش شرق البلاد بدلا عن الاعتماد على مقسمات رئيسية في العاصمة السودانية وأغلبها تقع في مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
أزمة ثقة
ويقول مسؤولون من شركة زين المشغل الرئيسي للهواتف والإنترنت في السودان أن مراكزها التي تزود الشبكة بالبيانات موجودة في الخرطوم والخرطوم بحري وهي تحت سيطرة الدعم السريع، ولا تزال المحادثات مستمرة بين الطرفين للوصول إلى اتفاق يسمح للشركة بالعمل في مناطق سيطرة هذه القوات فيما يصف مسؤولون المحادثات بالصعبة.
ويقول المتخصص في هندسة الاتصالات والخدمات اللوجستية عثمان عوض، إن شركات الاتصال في السودان وقعت تحت أزمة ثقة من الطرفين المتحاربين؛ لأن الشركات حاليا تعمل من مراكزها الرئيسية في بورتسودان العاصمة الإدارية للحكومة المدعومة من الجيش بالتالي لا تحظى بثقة الدعم السريع، وتعتبر الشركات حليفة للجيش، وهذه الأزمة تعقد وضع الاتصالات في البلاد.
وكان العضو المنتدب لشركة “زين” السودان الفاتح عروة قال في تصريحات سابقة، إن قوات الدعم السريع أوقفت “المقسم الرئيسي” للشركة جنوب العاصمة السودانية خلال مطلع فبراير الماضي.
فيما توقفت شركتا “سوداني” و”إم تي إن” لأسباب قسرية أيضا عن العمل قبل أن تتمكن “سوداني” المملوكة للمنظومة الصناعية الدفاعية التابعة للجيش من استعادة خدماتها في الولايات الخاضعة لسيطرة الجيش وأجزاء من إقليم دارفور خلال الشهر الماضي.
أكبر الاستثمارات
تعد الاستثمارات التشغيلية لشركات الاتصال في السودان هي الأكبر تجاريا، وتبلغ قيمتها السوقية مجتمعة نحو 14 مليار دولار حسب ما يقول عثمان عوض المتخصص في الاتصالات والخدمات اللوجستية في حديث لـ(عاين).
ويرى عوض أن هذا القطاع استعاد نفسه من الانهيار في فبراير الماضي من خلال تركيب مركز البيانات في بورتسودان الواقعة تحت سيطرة الجيش، بينما من الصعب استعادة الاتصالات في المناطق الخاضعة تحت سيطرة الدعم السريع لطبيعة تعامل هذه القوات مع الفنيين وفرق الصيانة التابعة لشركات الاتصالات والشركات اللوجستية.
فبراير الأسود
وطبقا لعوض هناك مخاوف من تدهور قطاع الاتصالات في السودان خلال الحرب، بينما تدرس شركات الاتصالات العاملة في السودان إمكانية تركيب مراكز بيانات في دول الجوار لتفادي سيناريو “فبراير الأسود” الذي عزل السودانيين عن العالم قسريا لمدة 27 يوما.
يرى المتخصص في قطاع الاتصالات أيمن الطيب في حديث لـ(عاين) إمكانية نشر مراكز بيانات بديلة واحتياطية تابعة لشركات الاتصال في دول الجوار لتفادي تكرار العزلة التي حدثت للسودانيين في فبراير الماضي.
ويقول الطيب إن قطاع الاتصالات يعتمد على توفر الطاقة؛ لأن الوصول إلى البنية التحتية “الأبراج” تتطلب الحصول على تصاريح أمنية من الطرفين لتغذية المحطات بالوقود أو صيانة الكهرباء التي تزود “البرج” بالطاقة.
وأردف: “هذه الإجراءات تتطلب الحصول على موافقة الطرفين أي الجيش والدعم السريع لتحريك الفرق الفنية في المناطق الساخنة؛ لأن بعض العمليات التي نفذتها شركات الاتصال جعلتها تفقد الكوادر الفنية ما بين الإخفاء القسري أو القتل خلال حرب السودان”.
قبيل تشييد بنية تحتية لشركات الاتصالات في مدينة بورتسودان كانت تتمركز قبيل اندلاع الحرب في العاصمة السودانية وهو خطأ فادح تعمل الشركات حاليا على معالجته يضيف الطيب.
المناطق الخضراء
ويرهن أيمن الطيب استمرار خدمة الاتصالات في السودان باستدامة المناطق الآمنة والواقعة خارج دائرة الصراع المسلح إلى جانب سماح الأطراف العسكرية لفرق الصيانة والخدمات اللوجستية بالدخول إلى المناطق الساخنة مثل الجزيرة والخرطوم إقليم كردفان وإقليم دارفور دون عوائق أو تهديدات أمنية.
ويقول إن الحرب تسببت في حركة نزوح كبيرة والعاملون في قطاع الاتصالات تأثروا بالنزوح، وفقدت شركات الآلاف من العمال وهي أيضا من أسباب تراجع الخدمات خلال فترة القتال.
وتملك شركة زين المستحوذة على قطاع الاتصالات في السودان حوالي أربعة آلاف مشغل في جميع أنحاء البلاد يقول مسؤولون في هذه الشركة التي تعد ضمن الاستثمارات الكويتية في السودان أن البنية التحتية في بعض المناطق تتعرض إلى النهب في فترة ما قبل الحرب، وزادت في الشهور الأخيرة بشكل ملحوظ.
ويرى المتخصص في قطاع الاتصالات أيمن الطيب أن سرقة المولدات وقطع الغيار والوقود من “أبراج” الاتصالات المنتشرة في البلاد أحد العوامل التي أدت إلى خروج بعض المناطق عن الشبكة نهائيا لفترات طويلة.
وقد تلجأ الشركات إلى زيادة التأمين على البنية التحتية من خلال رفع أسعار الخدمات وممارسة الضغوط على الحكومة القائمة، أو ستضطر إلى التوقف؛ لأنها ستفقد البنية التحتية كليا بسبب السرقات والنهب والوضع الأمني بالتالي لن تتمكن من ضخ الأموال في هذا القطاع يقول عثمان عوض وهو متخصص في هندسة الاتصالات.