سودانيون يقايضون مقتنياتهم من الذهب لتدارك أزمة النقد
عاين- 12 فبراير 2024
لا يقتصر توقف شبكة الاتصالات في السودان على انقطاع التواصل والمكالمات الهاتفية بين المشتركين في هذه الخدمات التي تقدمها شركات الاتصال لـ 30 مليون مستخدم، بل امتدت التأثيرات على القطاع المصرفي، ويشكو المواطنون من شح في السيولة النقدية. ما اضطر البعض لعرض مقتنياتهم لاسيما الذهب للبيع على الرغم من انخفاض أسعاره متأثرا بشح السيولة النقدية.
وقال متعاملون مع المصارف المحلية في مدينتي بورتسودان وكسلا شرق السودان إن موظفي المصارف أبلغوا العملاء بعدم ضخ كتلة نقدية في الأسواق أو صرفها للعملاء فيما أغلقت بعض المصارف أبوابها بالتزامن مع انقطاع الإتصالات الهاتفية والإنترنت منذ السادس من فبراير الجاري. فيما عاد بعضها للعمل خلال اليومين الماضيين.
تخزين النقود
إيمان البالغة من العمر 45 عاما تتلقى تحويلات مالية من زوجها خارج السودان، وتقيم مع أطفالها في مدينة كسلا قالت لـ(عاين): إن “التحويلات المالية متوقفة من زوجي نتيجة انقطاع الإنترنت، وإذا استمرت هذه المشكلة سوف أضطر إلى مغادرة السودان، ولو عن طرق غير شرعية إلى دول الجوار، حتى أتمكن من تلقي التحويلات المالية شهريا”.
جراء توقف الشبكات التي انعكست على الخدمات المصرفية بقي سعر الصرف للدولار الأمريكي في حدود 1.115 جنيها فيما انخفض اليورو بمقدار ثلاثة جنيهات وبلغ 1.118 جنيها من 1.121 جنيها في مدينة كسلا حسب إيمان.
تزامن انقطاع شبكات الاتصالات مع بوادر شح في السيولة النقدية بالأسواق والمصارف التي أحجمت عن ضخ مبالغ كبيرة إلى العملاء والمتعاملين في مجال الاستيراد.
وكان وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم صرح في سبتمبر 2023 بعد خمسة أشهر من القتال بين الجيش والدعم السريع وتوقف الحياة الاقتصادية في العاصمة السودانية وخروج 600 منشأة صناعية عن الخدمة لوقوعها في مناطق ساخنة إن الحكومة القائمة تعتزم طباعة النقود لمقابلة الاحتياجات الطارئة وصرف أجور العاملين في القطاع العام.
طباعة النقود ليست الحل
ويقول الباحث الاقتصادي أحمد بن عمر لـ(عاين): إن “الحرب أثرت في الاقتصاد كليا بالسودان وقطاع المصارف أول المتضررين منها والنتيجة المتوقعة انخفاض السيولة النقدية؛ لأن هناك عوامل تجعلها في حالة توازن مستمر هذه العوامل غير متوفرة حاليا.
ويرجح بن عمر، أن تلجأ الحكومة القائمة في ولاية البحر الأحمر إلى طباعة العملة بالاستدانة من الجهاز المصرفي تفاديا لارتفاع التضخم، وانعكس هذه الإجراءات على سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي.
وجراء المخاوف من انعدام النقود في الأسواق لجأ مواطنون إلى تخزين النقود والصرف في نطاق الضروريات في مدينة كسلا كما تقول إيمان التي تشرح كيفية تعامل المحال التجارية مع الكتلة النقدية، وفي بعض الأحيان عندما تحصل على شبكة الإنترنت، ويتلقى الشخص تحويلا ماليا لا تجد مقابل ذلك الدفع النقدي؛ لأن التجار والمتعاملين أحجموا عن صرف النقود الورقية.
بينما قال أيمن الذي يعمل في سوق مدينة بورتسودان إن ب”عض المحلات التجارية أغلقت أبوابها جراء شح السيولة النقدية وتوقف الإنترنت؛ لأن الدفع سيكون غير متاح، سواء كان إلكترونيا أو تقليديا.. عرض بعض المواطنين بيع الذهب والحلي التي بحوزتهم، لكن مع ذلك لم يحصلوا على النقود ما أدى إلى انخفاض سعر الذهب اليومين الماضيين”.
ويرى أيمن، أن الحالة السائدة في مدينة بورتسودان مع توقف الإنترنت يمكن وصفها بـ”الهلع” نتيجة خوف المواطنين من شح السيولة النقدية وصعوبة الحصول عليها بمعنى أن المصارف في حالة عجز في وضع أوراق نقدية تساعد الجمهور على عيش حياتهم اليومية.
عجز في المصرف المركزي
وقبل الحرب كان البنك المركزي السوداني يأمل بعدم تجاوز عرض النقود لدى الجمهور الـ 40% في الموازنة السنوية، لكن بعد الحرب وتعطل خطط المركزي يقول محللون اقتصاديون إن “الأوضاع خرجت عن السيطرة”.
ويعتقد الباحث الاقتصادي أحمد بن عمر، أن السيطرة على نسبة معقولة من الكتلة النقدية متداولة في الأسواق وأيدي الجمهور في الوضع الراهن صعب جدا إذا لم تعمل السلطة القائمة في بورتسودان على إيقاف الحرب.
ويقول بن عمر: إن “أي معالجة تضعها وزارة المالية المكلفة والبنك المركزي في بورتسودان لحل أزمة السيولة النقدية لن تعطي أي مفعول إذا لم تمر عبر بوابة وقف الحرب”.
معالجات مرتبطة بإيقاف الحرب
بينما يقول الباحث في الاقتصاد السياسي محمد إبراهيم لـ(عاين): إن “15% فقط من نسبة الكتلة النقدية في السودان مودعة لدى المصارف بعد الحرب؛ بسبب اختلالات الاقتصاد بعد تسعة أشهر من الحرب”.
ويرى إبراهيم، أن معدل استهلاك النقود زاد بعد الحرب نتيجة احتياج المواطن إلى النزوح وسداد تكلفة السفر وإيجار المنزل والطعام نقدا في ظل تذبذب الاتصالات وتمدد القطاع التقليدي خارج الخرطوم في ولايات النزوح التي تستضيف نحو 4 ملايين نازح.
وقال: إن “الخوف من شح الكتلة النقدية أوصلت بعض المواطنين إلى درجة العمل على تخزين العملة منذ ثلاثة أشهر لاحت هذه الأزمة في الأفق، ولا يمكن للحكومة معالجتها بعيدا عن وقف الحرب”.
وأضاف: “التفكير على حل الأزمة الاقتصادية والمصرفية بعزلها عن الحرب لا يمكن أن تفعلها الحكومة القائمة في البحر الأحمر”.