تهاني عبّاس: الجائزة للسودانيين وأنا رمزهم
الخرطوم: 12مارس 2020م
نالت تهاني عباس، الناشطة المجتمعية، والمدافعة عن حقوق الإنسان، الأحد الماضي، جائزة مارتين إنيستيت، للعام ٢٠٢٠م، في حفلٍ كبير بجنيف. اعترافاً بدورها المشهود والممتد لعشر سنوات في مجال حقوق المرأة، والدفاع عنها، ولأدوارها في المجتمع وحقوق الانسان.
ويتم منح جائزة مارتين إنيستيت سنوياً، لشخصيةٍ أثبتت بعملها وجهودها وتفكيرها الجدارة في مجال الدفاع عن حقوق الانسان. وأطلقت الجائزة في ٢٠١٥م، وأخذت إسمها من مارتين إنيستيت. وهي صحافية سويسرية، ومدافعة عن حقوق الإنسان. خُصصت الجائزة بإسمها تكريماً لأدوارها الكبيرة في مجالات الدفاع عن حقوق الإنسان.
وتستدعي تهاني عباس ذكرياتها مع الدفاع الحقوق، وهي ذكرياتٌ تكشف عن وعي مبكرٍ لها وأسرتها الصغيرة. تروي قصتها بمنطقة البطانة شرق السودان، “مسقط رأسها”، كونها أول فتاة تلتحق بالتعليم النظامي، وأول فتاةٍ تُصر على إكمال دراستها الجامعية، وهو يعني أن تنتقل من قريتها، وتُقيمُ لوحدها بالعاصمة الخرطوم. بل إنّ نضالها امتدّ لتكون أول فتاةٍ في قريتها، ترتبطُ بزوجٍ من خارج الأسرة.
وفازت تهاني عباس بالجائزة، من بين “٢٦” شخصاً، و”١٦” مؤسسةٍ ترشحوا معها لنيل الجائزة من دول العالم المختلفة. حيث رشّحتها الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان. وتشغل تهاني عبّاس الآن وظيفة المسؤولة الإعلامية لمبادرة “لا لقهر النساء”، التي تأسست في العام ٢٠٠٩م. وكان لها دورها الكبير في تسليط الضوء على معاناة المرأة من قانون النظام العام، وقانون الأحوال الشخصية. وكذلك دورها في الدفاع عن النساء العاملات في مجال الأطعمة والشاي. وتسلّمت تهاني الجائزة، ضمن الاحتفال بمهرجان الفيلم المعني بحالة حقوق الإنسان في العالم. بعدها تمّ تخصيص جلسة بالبرلمان السويسري، عن النضال النسوي السوداني، بجانب نقاش مفتوح عن التغيير والثورة في السودان، مع جمهور تجاوز الألف شخص.
تقول تهاني بأن العديد من الحضور لجلسات النقاش معها، من غير السودانيين، الذين التقتهم في البرامج المصاحبة للجائزة، أبدوا تخوّفاً على واقع الفترة الانتقالية، وكذا من مستقبل التحول والتغيير في السودان. ولخصوا مخاوفهم في: وجود العسكريين في السلطة، الديمقراطية الهشّة في السودان، ضعف الاقتصاد، والافلات من العقاب. وكذا عناصر النظام السابق ومليشياته. لكن تهاني تجزم بأنّ السودانيين سيعبروا ببلادهم رغم هذه المخاوف.
وتعتقدُ تهاني بأنّ السودانيات يستحقن هذا الفوز، وهي سعيدة بأن تكون ممثلاً ورمزاً لهن. لكن برغم سعادتها، ترى بأنّ الفوز بالجائزة ألقى عليها عبئاً إضافياً. ووضعها أمام تحدي أنْ تبذل جهداً أكبر من السابق. وهو ما ستشرع فيه عاجلاً وفوراً.
وسبق لهيئة الإذاعة البريطانية، في ٢٠١٨م، أن اختارت تهاني عبّاس، ضمن أفضل امرأة في العالم لذلك العام، اعترافاً من بي بي سي بدروها في مجال الحقوق. وتكريس وقتها وجهدها في مناصرة قضايا المرأة والأطفال في السودان. كما كان للناشطة المجتمعية تهاني عباس دور واضحٌ في قضية نورا حسين، التي شغلت السودانيين قبل سنوات، وحُكم عليها بالإعدام، لقتلها زوجها الذي أجبرها على ممارسة الجنس معه. لكن المحكمة برأتْ نورا، من تهمة القتل العنف، وخفّفت الحكم إلى خمس سنوات.
تقول تهاني عباس بأنّ فوزها انتصارٌ كبيرٌ لكل امرأةٍ سودانية. وتحديداً اللائي في مناطق النزوح والحروب، في دار فور وجنوب كردفان. وإلى كل السيدات السودانيات اللائي عانين من ظلم المجتمع وتسلطه وقهره، ومن عنف السلطة. وتضيف: “سعيدةٌ بهذا الفوز، وهو انتصارٌ للمرأة السودانية، واحتفاء منهم بالثورة السودانية، وبالحركة النسوية السودانية، ودورها الكبير في حقوق الإنسان. وهي تحية للعاملين في حقوق الإنسان”.
وترى تهاني بأنّ المرأة السودانية في مناطق النزاع، كانت عُرضة على الدوام، لكل أنواع الانتهاكات من عنف جنسي وجسدي واقتصادي واجتماعي، وتمّ استخدامها كواحدة من أسلحة الحرب. وعليه فهي ترى مسألة الإفلات من العقاب خاصة بعد التغيير في السودان أحد أكبر مخاوفها، وهو ما يحول دون العدالة الانتقالية والجندرية. وتعتقد تهاني فإنّ الحل الآن، في التشريعات الوطنية مهمة. وهو ما من شأنه حماية النساء في تلك المناطق. بجانب ضرورة المصاقة على كافة الالتزامات الزولية مثل: سيداو.
وتختم تهاني عباس بأنّ واحدة من أجمل نضالاتها في الحياة اختيارها لشريكها في الحياة وزوجها: محمد أمين، الذين يعمل محرراً بصحيفة الشرق الأوسط. تؤكد تهاني بسعادةٍ بالغةٍ: “لم أكن لأستحق هذه الجائزة، لولا محمد. فهو من منحني ثقةً وافرةً في نفسي. وإيماناً بقيمة العمل لأجل المجتمع. وكان دائم المساند لي، والمشارك الحقيقي تربية أبنائنا”.