نازحو حرب جنوب كردفان.. عودة للأرض تنقصها أساسيات الحياة
9 ديسمبر 2021
على وقع ذكريات أليمة عاشتها مئات العائلات في بلدة تاجيلبو القريبة من مدينة العباسية تقلي بولاية جنوب كردفان ابان اشتداد الحرب الجيش الحكومي وقوات الحركة الشعبية، يعود سكان المنطقة يملؤهم الحماس لتعمير أرضهم وفلاحتها بعد غياب اضطراري لسنوات.
“بعزيمة كبيرة قررنا ان نعود الى مناطقنا ونستقر ونزرع، ومصممين على تعميرها ولن نذهب الى اي مكان، يكفي ما تعرضنا له من اهانات اثناء تواجدنا في معسكرات النزوح، و نشعر بالحرية بعد العودة الى قرانا رغم اننا نسكن في بيوت شيدناها بالمواد المحلية”. يقول المعلم بمدارس منطقة تاجيلبو شمال محلية رشاد والتى تتبع ادراياً للعباسية تقلى المنطقة حجر مصطفى إلياس.
وبحسب إلياس، يصل عدد سكان المنطقة حوالي (12) ألف نسمة، قبل نزوحهم إبان الحرب في أبريل 2014، ويقول انه في ذلك الوقت تعرضوا للضرب بالطيران ولم يكن هناك حل غير النزوح وترك أرضهم وممتلكاتهم.
وأضاف في مقابلة مع (عاين)، “بقينا في المعسكرات التى لم تكن بأي حال تشبه مناطقنا التى ولدنا ونشأنا فيها، لكن بعد ثورة ديسمبر شعرنا بالراحة وبدأت العودة في خريف 2020 بأعداد قليلة، وزاد العدد في خريف 2021 واستقرت حوالي (89) اسرة في خمس مواقع هي “حلة جديد، ايرلندا، فور، ام حجيل، وحلة حسن”.
يستدعي يوسف حسن عبد الوهاب، من سكان منطقة تاجيلبو، تفاصيل الحياة قبل النزوح ومدى ثراء المنطقة بالخيرات والزراعة إلى أن بدأ إرهاصات الحرب في جبال توما، وكانت تاجيلبو منطقة عبور للجيش الشعبي للمناطق الأخرى. وقال عبد الوهاب “نحن لم نعرف الحرب ولم نعيشها قبل ذلك خرجنا من منازلنا وقطعنا مسافات بعيدة و استقرينا في الجبال، تعرضنا لارهاب شديد جراء الضرب العشوائي من الجيش السوداني ومليشيا الدفاع الشعبي ، واستولوا على الماشية، وحدثت لنا أضرار كبيرة من مليشيات الدفاع الشعبي”.
ولا ينسى عبد الوهاب، واقعة مؤلمة حين قرر النزول الى القرية لأخذ الماشية، حيث قام اثنين من أفراد الدفاع الشعبي بنهب المال والسلاح الأبيض الذي كان يحمله ولم يكتفوا بذلك واعتقلوه وحجز لليوم الثاني في المدرسة التى كان يستقلها افراد الاستخبارات مكان للاقامة واطلق سراحه في اليوم الثاني.
ويضيف حسن في مقابلة مع (عاين)، ” بعد الاعتقال أصبح الوضع لا يحتمل، واضطررت للذهاب سيرا على الأقدام وسط الجبال لمدة سبعة ايام الى ان وصلو منطقة رشاد بصحبة أبنائي وتم تسجيلنا كنازحي”. واضطر عبد الوهاب للعمل في مهن هامشية للحصول على الطعام، ويقول انه كان يتعرض للنهب من القوات في بعض الاحيان الى ان جاءت انتخابات العام 2015 التي أجبر حزب المؤتمر الوطني المحلول النازحين على التصويت له وقتها”.
أمل في توفير الخدمات
“نحن عدنا بارادتنا إلى قرانا لتعميرها مجددا” تقول النازحة العائدة، خديجة محمد احمد ابراهيم لـ(عاين)، وتشير إلى انه مع إصرارهم على العودة لايزالون في توفير الخدمات الاساسية إلى بلدتها الصغيرة بعد أن دمرتها الحرب.
وكذلك، يشعر المعلم إلياس بحسرة كبيرة على مدرسة المنطقة التى تأسست منذ العام 1956 وكانت موجودة الى حين نزوحهم في العام 2014 بعد أن تعرضت للتشليع والنهب وتوقفت الدراسة فيها لثلاثة أعوام. ويشير إلياس إلى المدرسة كانت عبارة اربعة فصول وبقية الفصول مشيدة من المواد المحلية، ويأمل ان تتم اعادة تأهيل المدرسة لانه يرى ان الحل في التعليم .
ومحلية رشاد واحدة من المناطق التى تأثرت بالحرب في ولاية جنوب كردفان، والتى أدت إلى نزوح أكثر من (31) ألف شخص منتشرين في الوحدات الإدارية الأربعة داخل المحلية في مناطق رشاد وكانديك وكابوس، ويعيشون في ظروف صعبة جدا يحتاجون الإيواء والخدمات التي أدى نقصها الى عودة بعضهم الى قراهم الاصلية بحثاً عن وضع أفضل، بحسب مسؤول العون الانساني بمحلية رشاد، أبكر آدم محمد في مقابلة مع (عاين).
ويقول آدم أنه من بين هذه المناطق، الزلطيات، راوة، كالوبا، الحوتة، البويرة ،رشاد ومناطق اخرى ، ويصف الظروف المعيشية داخل معسكرات النزوح بالصعبة للغاية، وكذلك في مناطقهم التي عادوا إليها مؤخراً تنقصهم بعض الخدمات من صحة وتعليم ومياه فقد دمرت المرافق تماما بعد النزوح .
ويؤكد آدم معظم النازحين يعودن الى مناطقهم الاصلية عودة اضطرارية بحثاً عن الخدمات، بسبب تدخلات المنظمات شبه القليلة. واضاف “نناشد المنظمات الانسانية بالتدخل حتى يتمكن النازحين من الحصول على الخدمات الأساسية”.
وخلال الأشهر الماضية شهدت هذه المناطق نزوح إضافي بسبب الصراعات القبلية التى حدثت في محلية كالوقي يقدر عددهم بحوالي (3000) الف نازح داخل محلية رشاد وهم في امس الحاجة لتقديم الخدمات ولكن حتى اللحظة لم تقدم لهم المساعدات، وتوجد منظمة واحدة تعمل على اصحاح البيئة. ويقول آدم، أن المناطق التى تعرضت للنزوح كبيرة جداً والعبء على محلية رشاد كبير وقدمت القرى والمحليات والغرف التجارية بمحلية رشاد ماتستطيع من دعم للنازحين، ويقوم بعض النازحين بالعمل في الاحتطاب وجني الثمار .
ووفقا لـ أبكر آدم، “جراء ذلك الدمار قيد بعض المواطنين بلاغات ضد مجهول والآن شرعوا في تعمير قراهم التى كانوا يقومون بالعودة اليها من حين لأخر في محاولة للاستفادة من الموارد، و ومن ثم بدأ الناس بالعودة تباعا وزادت اعداد العائدين طوعياً، وفي الوقت الحالي عاد حوالي (70%) من النازحين تنقصهم الخدمات الأساسية سيما المياه”.