الحرب تخنق اقتصاد السودان وتدفع بالجنيه إلى الهاوية
عاين- 5 مايو 2024
بعد عام من الحرب تكاد العملة الوطنية تُسحق تماما، وقفز الدولار الأمريكي في تعاملات هذا الأسبوع في السوق الموازي أمام الجنيه السوداني الذي سجل انخفاضا مريعا إلى 1.6 ألف جنيه وفقدت العملة المحلية 40% من قيمتها خلال هذا العام فقط وفق محللين اقتصاديين.
“لا يمكن التعويل على الجنيه السوداني إذا واصل انخفاضه شبه اليومي أمام الدولار الأمريكي في السوق الموازي في مدينة عطبرة شمالي البلاد”. يقول محمد هاشم وهو مستورد للسلع من مصر لـ(عاين).
توقف الأسواق
وينوي محمد هاشم، عقب خروج جميع مصانع الأغذية من الخدمة؛ بسبب الحرب لا سيما في العاصمة الخرطوم في وقف عملياته التجارية خوفا من تآكل أمواله التي في حدود عشرة آلاف دولار أمريكي.
تاجر : تراجع الجنيه أمام الدولار يهدد بتآكل رأس مالي التجاري
يضيف هاشم لـ(عاين): “عندما عدت بشحنة من مصر إلى السودان خسرت 20% من أموالي؛ بسبب سعر الصرف المرتفع بشكل مضطرد يوميا في بعض الأحيان”. وتابع: “بعض التجار رفضوا عمليات استلام السلع مطلع شهر مايو الجاري خوفا من تقلبات السعر كل ساعة”.
ومع صعود سعر الصرف في السوق الموازي من 1.2 ألف مطلع هذا العام إلى 1.6 ألف جنيه في تعاملات الأحد الموافق 5 مايو 2024 وضعت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي رسوم جديدة على المعابر بين الولايات كما زادت رسوم التطبيقات المالية الإلكترونية بنسبة 500%.
الجنيه لا يكفي للطعام
ويقول أحمد حسن الذي يقيم في مدينة كسلا شرق البلاد وهي ولاية خاضعة لسيطرة الجيش السوداني لـ(عاين): إن “الناس فقدوا القدرة على شراء الاحتياجات اليومية لم يعد كافيا أن تدفع آلاف الجنيهات للحصول على زجاجة زيت وعبوة طحين القمح لصنع وجبة”.
وأضاف: “إذا استمرت الأمور هكذا سيكون التعامل بالجنيه السوداني غير مقبول بالنسبة للتجار، ولن تتمكن الأسواق خاصة في ظل الوضع الأمني من إدخال قوافل تجارية؛ لأن الجنيه في حالة انهيار مستمر”. وقال: إن” سعر أسطوانة الغاز زاد من 22 ألف جنيه إلى 28 ألف نهاية الشهر الماضي ضمن سلسلة زيادات طرأت على السلع الأساسية، وأصبح الناس يلجأون إلى الحطب لطهي الوقود ما يعني القطع الجائر للأشجار وإلحاق الضرر بالبيئة”.
ونهاية الأسبوع الماضي عرض مسؤولون سودانيون مربعات نفطية وحقول محتملة من الغاز أمام منتدى في كل من قطر والسعودية، وتم إبلاغ الوفود التي شاركت في هذه المحافل الإقليمية أن السودان ليس لديه أي مشاكل سياسية في قبول استثمارات جديدة في هذا الصدد وهي خطوة يرغب من خلالها جنرالات الجيش السوداني الخروج من المأزق الاقتصادي، والذي قد يؤثر في تمويل القطاع العسكري والأمني.
باحث اقتصادي: السلطات في مناطق سيطرة الجيش ربما تتعمد توجيه عائدات الذهب إلى الإنفاق العسكري
بينما يقول الباحث في الاقتصاد السياسي محمد كمال لـ(عاين): إن “السلطات السودانية في مناطق سيطرة الجيش ربما تتعمد توجيه عائدات الذهب إلى الإنفاق العسكري إضافة للإنفاق على المؤسسات السيادية – مجلس السيادة – مجلس الوزراء – هيئة قيادة الجيش، لكنها لا تملك حلولاً ناجعة فيما يتعلق بالإنفاق على القطاع العام مثل أجور العاملين”. وزاد: إن “وزارة المالية تعتقد أن تحصيل ضرائب جديدة قد يحل هذه الأزمة وهذا غير ممكن”.
وقبل اندلاع الحرب كان الجنيه السوداني في السوق الموازي بسعر 565 جنيها مقابل واحد دولار أمريكي، لكن سرعان من انخفضت قيمته مع استمرار الحرب وتوقف الأسواق وخروج قطاعات حيوية من تمويل الإيرادات الحكومية إلى جانب توقف 52% من نشاط القطاع المصرفي.
مساعدات روسية
ويرى كمال في حديث لـ(عاين) أن روسيا قدمت وقودا للحكومة القائمة في بورتسودان، والتي يشرف عليها جنرالات الجيش وبيع هذا الوقود في السوق السوداني، وتعتبر هذه المساعدات الروسية نقطة شحيحة في بحر من الأزمات التي تواجه الحكومة القائمة.
ومع ارتفاع سعر الذهب عالميا قد تحقق مبيعات المعدن الأصفر الصادرة من السودان إلى السوق الإماراتي تقدما، لكن الإنتاج المحلي لم يعد مشجعا ما دفع الشركة الحكومية للمعادن الإعلان عن توقعات قد تبدو غير واقعية في نظر -محمد أحمد عجب الباحث في مجال الاقتصاد- بالحصول على ملياري دولار من عائدات الذهب نهاية هذا العام.
شروط وقف الحرب
يعتقد عجب في حديث لـ(عاين) أن الحكومة في بورتسودان تعاني حالة اضطراب جراء تعقيدات الوضع الاقتصادي والمالي وعدم القدرة على تسيير شؤون المواطنين، وقال إن “الضرائب المستحدثة لن تنقذ وزير المالية جبريل إبراهيم في تعويض الإيرادات المفقودة جراء الحرب، والتي بلغت ثلثي الإيرادات، وتقدر قيمتها بـ 2.5 مليار دولار خلال عام من الحرب فقط في مجال الإيرادات والضرائب من الأسواق.
اقتصادي: حكومة بورتسودان تعاني اضطراباً جراء تعقيدات الوضع الاقتصادي والمالي وعدم القدرة على تسيير شؤون المواطنين والدولار قد يصل إلى ألفي جنيه خلال شهرين.
ويتوقع عجب وصول الدولار الأمريكي إلى ألفي جنيه خلال شهرين فقط ما لم تتخذ تدابير ناجعة بالحصول على قرض دولي، وقال إن وزارة المالية ووزارة النفط طرحت مربعات جديدة للغاز والنفط على قطر والسعودية.
وأردف: “كل هذه التحركات لإنقاذ الاقتصاد الذي أوشك على الانهيار تماما، لكن قطر والسعودية تشترطان وقف الحرب”.
وفي ذات الوقت، فإن -عجب- لا يستبعد ضخ أموال مزيفة في الأسواق لشراء العملات الصعبة ما أدى إلى ارتفاع سعر الصرف، وقال: إن “هناك عملات مزورة متداولة بكثافة في ولايات سيطرة الجيش بما في ذلك العاصمة السودانية، ولا يمكن مكافحتها في ظل الأوضاع الراهنة”.