حرب السودان: النساء يدفعن الثمن
منتدي الا علام السوداني : غرفة التحرير المشتركة
إعداد وتحرير: مركز الألق للخدمات الصحفية
القاهرة :8 أغسطس 2024
كان اللجوء إلى مصر واحدًا من خيارات العائلات السودانية في أعقاب الحرب التي اندلعت بالبلاد في الخامس عشر من أبريل العام الفائت، وانطوت رحلات اللجوء لا سيما النساء السودانيات إلى مصر على العديد من المخاطر أبرزها رحلات السفر القاسية عبر طرق صحراوية وعرة وبطريقة غير قانونية لمعظمهن إلى هذا البلد الذي استقبل آلاف السودانيات.
وكشفت دراسة أجراها مركز الألق للخدمات الصحفية وسط اللاجئات السودانيات في مصر، أن 68% من العينة الإحصائية دخلن مصر عن طريق التهريب، فيما حصلت 32% منهن على تأشيرات دخول قانونية. قامت 78% منهن بتسجيل أنفسهن كطالبات لجوء لدى مفوضية اللاجئين، حتى لا يتعرضن للطرد أو الملاحقة، وحصلت خمسة فقط (21%) على إقامة قانونية حتى الآن.
واستهدفت الدراسة 300 امرأة من أعمار مختلفة تتراوح بين 25 إلى 50 سنة، وغطت 4 مناطق في القاهرة الكبرى وهي: فيصل، أرض اللواء، بدر، و6 أكتوبر، وهي مناطق تتميز بوُجود أعداد كبيرة من السودانيين.
وفيما يتعلق بالحالة الاجتماعية- وفقا للدراسة- بلغت نسبة النساء المتزوجات من جملة العينة المبحوثة 67%، ونسبة غير المتزوجات 13%، والمطلقات 10%، وضمت العينة 9% من الأرامل.
قرار اللجوء:
وأشارت الدراسة إلى أن قرار الفرار إلى مصر اتخذ من قبل الأسرة بأكملها في 37% من الحالات، واتخذت القرار الزوجة بمفردها في 32% من الحالات، وكان القرار للزوج في 19% من الحالات، وقامت الأسرة الممتدة (الأشقاء والأعمام) باتخاذ القرار حسب إفادة 13% من المبحوثات.
رغم حرص هذه الفئة على التسجيل في المفوضية، تمكنت 37% منهن فقط من الحصول على الكرة الأصفر، وذلك بسبب الصعوبات التي واجهتهن في التعامل مع مفوضية اللاجئين عند التسجيل، بسبب كثرة المتقدمين والاستغلال من قبل السماسرة بدعوى تسريع عملية التسجيل، مما أدى إلى إطالة أمد المدة بين زمن التسجيل والمقابلة.
أسباب اللجوء:
أوضحت معظم المبحوثات أن أهم أسباب اللجوء إلى مصر هو الخوف من العنف والاغتصابات من قبل جنود الدعم السريع. فيما أشارت بعضهن إلى تعرضهن للطرد من منازلهن بواسطة قوات الدعم السريع. وهناك من قالت إن البحث عن الخدمات التعليمية والصحية هو سبب السفر إلى مصر لضمان مستقبل أبنائهن. وأكدت بعضهن أن ارتفاع قيمة الإيجارات في الولايات وافتقارها إلى الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وارتفاع أسعار السلع هو السبب المباشر في تركهن للسودان.
مخاطر ومخاوف
واجهت هذه المجموعة من النساء العديد من المخاطر، أبرزها المسافة الطويلة التي قُطِعَت في الصحراء مع نقص المياه والطعام، وارتفاع تكلفة التهريب، والحمولة الزائدة للركاب، وتعطل السيارات، والابتزاز من قبل المهربين، والاحتيال لإجبارهم على دفع مبالغ إضافية. كما عانت النساء من الإرهاق الجسدي والنفسي، وصعوبات للمرضى وذوي الأمراض المزمنة وذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جانب التعرض للابتزاز من قبل السلطات على الحدود السودانية ومحاولة مكافحة التهريب المصرية مطاردتهم. فقدان الحقائب والأوراق الثبوتية أعاق حصول البعض على الكرت الأصفر- اللجوء-.
كانت العديد من هؤلاء النساء يعتمدن على مصادر دخل من أعمالهن في السودان، ولكن الآن يعتمدن على مساعدات الأشقاء والأقارب خارج السودان. ونجحت 52% منهن في إلحاق أبنائهن بالمدارس، بينما عجز 48% عن ذلك؛ بسبب عدم توفر الموارد المالية.
بالنسبة للحصول على المعلومات حول الخدمات المتوفرة للاجئين السودانيين بعد الحرب، تبين من خلال الدراسة أن الاعتماد الأكبر كان على الأقارب بنسبة 58%، ثم الأصدقاء بنسبة 33%، ووسائل التواصل الاجتماعي بنسبة 28%، في حين اعتمد 7% فقط على المصادر الرسمية.
إفادات لاجئات يحاولن النجاة وتجاوز الخوف
– (م. ن): “الاندماج في المجتمع السوداني سهل وجميل، ولكن لم أندمج في المجتمع المصري لاختلاف الثقافات وعدم رغبتي في الاندماج، وإحساسي بعدم الاستقرار. أشعر أنني سأعود إلى السودان في أي وقت، فلا أشعر أنني أحتاج إلى الاندماج والعيش والتعايش.”
– (س. ع) تحكي تجربتها مع الخوف قائلة “تركنا مدينة عطبرة في منطقة سيدون، وكنا 18 راكبًا، وانتظرنا أربعة أيام حتى يكتمل عدد الركاب الذي كان مقررًا له أن يصل إلى 24 شخصًا بعربة البوكس، ثم انطلقنا إلى منطقة التخزين الأولى، ومنها إلى الحدود المصرية. انتظرنا أربعة أيام في خيمة في العراء، وسط برد وحشرات، ولا يوجد اتصال ولا حياة فيها. الحمولة الزائدة للبوكس جعلتنا في توتر طيلة الطريق خوفًا من الحوادث، بالإضافة للسرعة العالية للعربة وسوء الأحوال الجوية. التوتر الملازم للمهربين في أثناء الرحلة دفع سائق العربة إلى إخراج بندقية من درج عربته وصوبها إلى صدر شاب من الركاب لمجرد نقاش لم يتفقا فيه، ولولا تدخل الركاب لقتله.”
– (ى. ن) وهي أرملة تتحسر على ما لحق بها من جراء الحرب “كان وضعي جيدًا، لكن عند اندلاع الحرب بعت كل ممتلكاتي، وقررت الذهاب إلى مصر للحفاظ على أرواح بناتي. لكن المدخرات كلها انتهت، فاتجهت إلى العمل في المصانع باليومية، وواجهت مشكلة في الحصول على قيمة الإيجار. هناك جهة وعدتنا بدفع الإيجار، ونأمل أن تفي بوعدها.”
– (م. أ): “المعيشة في مصر صعبة جدًا. أعاني الإيجار المكلف والتنقل المستمر لإيجاد شقة، وأعاني أمراضاً مثل الغضروف وارتفاع ضغط الدم، حتى إنني لم أستطع الذهاب للطبيب بسبب ضيق ذات اليد. طُلِّقْت هنا في مصر، فقد أرسل لي زوجي ورقة الطلاق بعد أن جئت إلى مصر. طليقي الآن لا يساهم في تكاليف أبنائه من تعليم أو سكن أو علاج، ويقيم في دنقلا، وما زال يعمل موظفًا. ذهبنا لمنظمة كريتاس من أجل دعمنا، وعُمِلَت مقابلة مع موظف من المنظمة حضر إلينا في الشقة من أجل تقييم وضعنا ومنح المساعدات، ولكن حتى الآن لم نتلق أي دعم. الآن نقيم في شقة، ورفض صاحب العقار عمل عقد إيجار لنا، وطلب منا إخلاء الشقة يوم 15 من هذا الشهر، مع العلم أننا لم نكمل عامًا وعشنا في الشقة لشهرين فقط.”
– (س. ع): “في يوم من الأيام خرجت وأبنائي الثلاثة في رحلة استمرت لمدة اثنتي عشرة ساعة مشيًا على الأقدام هروبًا من الموت، عندما اشتبك الدعم السريع مع الجيش بعدما دخل الدعم السريع عمارتنا وتمركز فيها. كان خلاصنا بسبب هذا الاشتباك، حيث تسللنا خفية إلى حيث المجهول هروبًا من الموت. نزحنا إلى أربع مدن، وفي مخيلتي أحداث دخول حركة العدل والمساواة الخرطوم (ديسمبر 2011) عندما أصابت عربتنا قذيفة أدت إلى وفاة والدهم، وما زالت دماء أحشائه على يدي وأنا أجمعها قطعة قطعة. هربنا ثانية إلى مصر بحثًا عن الأمان، وتركنا خلفنا كل شيء مرغمين.
وتتابع “تجولت في المدينة أيامًا وأيامًا أبحث عن مصدر عمل وفق مؤهلاتي الأكاديمية وخبراتي، وعندما لم أجد اضطُررت أخيرًا إلى أن أضع كل مؤهلاتي وخبراتي جانبًا، وأعمل عاملة في مصنع بلاستيك كي أحفظ ماء وجهي، وأفي بالتزاماتي الأسرية، ولا أحتاج إلى أحد. كانت هذه أصعب تجربة تمر بي في حياتي، شعرت حينها بانكسار وضيق وضعف، ولكن في الكفة الأخرى كنت أحمل هم أولادي واحتياجاتهم… لا للانكسار، مثلما كنت قوية طيلة تلك السنوات الماضية فلن أضعف أمام هذا الامتحان.”
ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني
#ساندوا_السودان
#Standwithsudan