نساء سودانيات: “ما أقسى الحياة تحت الخوف وفقدان الأمان”
عاين- 21 مارس 2024
في مركز لإيواء النازحين بمدينة دنقلا شمال السودان لا تكف “ن-م، 32 عاما” التي نزحت من العاصمة السودانية بعد خمسة أشهر من الحرب عن السؤال حول وصول المساعدات الإنسانية وموعد جلب السلام والأمان إلى بلادها.
السؤالان يلخصان حياة هذه السيدة التي بدا عليها فقدان الأمان والخوف من تكرار مشاهد عاشتها في الخرطوم حينما اندلعت المعارك العسكرية بين الجيش والدعم السريع منتصف أبريل 2023 روايات عن حوادث اغتصاب ارتكبت كانت كافية بأن تحول حياتها إلى حتى اليوم.
قطعت “ن” طرقات شاقة للوصول إلى دنقلا غادرت شرق العاصمة السودانية إلى مدينة ودمدني، ومن هناك إلى كسلا ثم بورتسودان شرق البلاد وأخيرا وصلت إلى هذه المدينة التي تمثل عاصمة الولاية الشمالية الحدودية مع دولة مصر.
السؤال الذي وجهته (عاين) إلى “ن” وهي أم لطفلين، هل تشعرين بالأمان؟ أجابت لا واستدركت: “أشعر وكأن الحرب تطاردني حتى هنا وكأن الجنود سيأتون في أي لحظة، ويفعلون ما فعلوه في مدن أخرى … لا أريد أن أقول ماذا يفعلون.. عدم الشعور بالأمان يدفعني للتخطيط للسفر إلى مصر عبر عملية التهريب بدفع مبلغ مالي للشاحنات التي تنقل المسافرين عبر الطرق الصحراوية بين البلدين”.
خائفات طوال الوقت
وتقول منسقة منظمة بنت السودان مكتب الولاية الشمالية خادم الله عبد الرزاق، إن “بعض النازحات يواجهن آثاراً نفسية وخيمة جراء تعرضهن إلى العنف الجنسي والضرب خلال الحرب منذ مغادرتهن المنازل الآمنة في العاصمة السودانية أو المناطق الساخنة التي تشهد القتال بين الجيش والدعم السريع وكأن 11 شهرا من البقاء في مراكز الإيواء أو مدن النزوح لم يكن كافيا لتضميد آلامهن النفسية “. وقالت: إن “الخوف تراكم لدى البعض في مدن النزوح أكثر من مناطق الحرب نتيجة تعرضهن إلى معاملة قاسية من بعض الأشخاص وصلت حدود الاغتصاب”.
وأردفت عبد الرزاق: “الاستغلال الجنسي أحد العوامل التي سببت الآثار النفسية السيئة لدى بعض النساء؛ لأنهن يشعرن بالعجز عندما يفكرن أن بعض الناس استغلوا حاجتهن إلى السكن والطعام والشراب مقابل الجنس … حالتهن النفسية في غاية السوء خاصة عندما يعجزون عن عدم قدرتهن اتخاذ إجراءات قانونية ضد أشخاص قاموا بهذه الأفعال”.
وتقول خادم عبد الرزاق لـ(عاين): “نلاحظ عدم الشعور بالأمان لدى النساء داخل مراكز الإيواء من خلال لغة الجسد أو السؤال بإلحاح عن الدعم النفسي والإغاثة … يسألون بطريقة مهزوزة خائفات طوال الوقت”.
وتضيف عبد الرزاق: “المعلومات التي حصلنا عليها من بعض النساء كانت بعضها صادمة حصلنا عليها بطريقة حجب الأسماء لذلك كتبن الملاحظات بحرية وسردن روايات عن تعرضهن إلى العنف الجنسي حتى في مراكز الإيواء لذلك أول شيء يطلبنه الأمان؛ لأنه مفقود تماما”.
وتقدر الأمم المتحدة عدد النساء والأطفال من يقتربون من حالة الجوع بـ 270 ألف طفل وسيدة بينهن سيدات خضعن إلى حالات الولادة في أثناء فترة الحرب في السودان في ظروف إنسانية وصحية بالغة التعقيد.
العالم يشيح بوجهه
ومن بين عشر نساء، فإن ثمانية يشعرن بعدم الأمان في حرب السودان وفقا للباحثة في المجال الإنساني نهلة حسن التي تقول إن العالم وقف مكتوف الأيدي حيال حرب السودان، وأشاح بوجهه عن معاناة السودانيين والسودانيات، ولم تجد حملات المناصرة أو السلام في السودان موقفا من المجتمع الدولي بما في ذلك الأمم المتحدة ووكالاتها التي تعمل بتنسيق تام مع الحكومة السودانية خشية الطرد بالتالي انعدمت لديها الاستقلالية؛ لأن الطرفين المتحاربين يرتكبان الانتهاكات بحق النساء بشكل مريع والدعم السريع بشكل أسوأ.
وأردف نهلة حسن: “تعيش ملايين النساء السودانيات لحظات عصيبة خلال الحرب سواء في المناطق الساخنة مثل العاصمة السودانية وزالنجي والجنينة ونيالا والجزيرة، أو في مراكز الإيواء بالولايات والخدمات التي يحصلن عليها لا تعادل قطرة في محيط من المعاناة … العشرات تنتهي حياتهن ببطء شديد”.
التعويض بالعدالة
وترى المدافعة عن حقوق الإنسان أميرة عثمان، أن الأمان مقدم على كل شيء في الحياة لذلك يقدم الأمان على الغذاء؛ لأن فقدان الأمان ينتهك الحق الأساسي لحياة النساء.
وتقول أميرة عثمان لـ(عاين): إن “الأوضاع الحالية بقدر حاجتها إلى إسهامات فعالة من منظمات المجتمع المدني، لكنها دورها تحول إلى (مسكن للآلام)”.
وتابعت: “لجان المقاومة والتنظيمات النسوية الثورية يجب أن نعول عليها؛ لأنها مؤمنة بشعارات ثورة ديسمبر، ولا تحمل أجندات وهي متحررة من عطب الأحزاب السياسية السودانية إلى حين استعادة القوى السياسية وعيها وقدرتها في تعامل مع مآسي الحرب، ومن بينها مأساة ملايين السودانيات”.
وتربط المدافعة عن حقوق النساء في السودان، بين إعادة الأمل والأمان لدى ملايين السودانيات وبين أهمية تحقيق العدالة لهن.
وتضيف: “بالعدالة تكون الحياة لذلك لابد من إحياء الأمل من خلالها … لمن تعرضن إلى العنف والانتهاكات خلال الحرب في السودان وفقدن الأمان، وهذا يتحقق بالعدالة الناجزة بالشرعية الثورية”.
وأردفت عثمان: “يجب تحقيق العدالة بالشرعية الثورة لكل من ارتكب الانتهاكات ضد النساء في الحرب ومبادرة لا لقهر النساء تدعم هذا التوجه عندما يذهب كل منتهك بحق النساء إلى العدالة ستشعر النساء بالأمان، وأن الأشياء السيئة التي حدثت لهن لن تكرر من جديد”.
أقصى درجات الخوف
طوال رحلة النزوح من المناطق الساخنة التي تدور فيها العمليات العسكرية، بما في ذلك العاصمة الخرطوم كان الشعور الذي ينتاب النساء والرجال والأطفال “الخوف” وتبلغ أقصى درجات الخوف عندما تشعر إحداهن وهي على نقطة تفتيش عسكرية أن جنديا قد يشهر السلاح بوجهها، ويطلب منها الترجل من السيارة.
لا توجد إحصائية دقيقة بشأن النساء اللائي تعرضن إلى العنف الجنسي، بجانب الملايين اللائي تعرضن إلى الصدمات وعدم الشعور بالأمان في مدن النزوح. مثلا هناك تقارير عن سوء وضع النساء في مدن خارج دائرة الحرب؛ بسبب الوضع الاقتصادي وعدم الحصول على الطعام والشراب أو تعرضهن إلى العنف المنزلي.
تقول نهال الطيب وهي طبيبة صيدلانية وناشطة في تجمعات نقابية في مجال قضايا الأدوية: “عدم الأمان يتفاوت من سيدة إلى أخرى على سبيل المثال سيدة كانت مستقلة بحياتها وعملها، ويتحول وضعها رأسا على عقب، فإن هذا التحول يولد شعورا بالخوف من القادم”، وتتابع: “تدور الأسئلة المتعلقة بالأمان حول مصير حياتك وعملك ودخلك المالي بالتالي تعتبر هذه تحولات كبيرة وسلبية في أغلبها”.
وأردفت الطيب: “كنت أسكن في منزل يبعد 500 متر عن محيط المعارك العسكرية حينما اندلعت الحرب في منتصف نيسان/أبريل 2023 والأسئلة التي تدور في ذهنك لا تتوقف ماذا سيحدث إذا اقتحم الجنود منزلك كيف يتعاملون؟ جميع هذه الأسئلة مخيفة جدا، وتجعل الشخص فاقدا للأمان”.
وتسرد نهال الطيب مشاعر سيئة انتابتها وهي تغادر العاصمة الخرطوم خلال اندلاع الحرب في الأسابيع الأولى وكيفية عبورها بالسيارة رفقة عائلتها من أقصى غربي العاصمة إلى جنوبها وسط المعارك العسكرية والخنادق التي شيدها الجنود في الشوارع- تصف كل هذه الأشياء بـ “المخيفة”.
وتقول نهال الطيب: “عبرنا منطقة الاستراتيجية في الخرطوم شهدت معارك عنيفة بعد عبورنا بدقائق فقط … حتى الجيش لم يحسن التعامل معنا في نقاط التفتيش كانوا يتحدثون بشكل غير لائق”.
وتضيف نهال الطيب قائلة: “حتى عندما تشاهد الناس ينهبون المحلات التجارية والمنازل تشعر بالخوف وعدم الأمان وكأن الحياة لن تعود إلى هنا.. أعتقد أنه مرعب جدا أن تشاهد أحدا ينهب ويسرق أمامك هذا يعني الفوضى بالتالي الخوف، وأنت تغادر الفوضى أن لا تعود مجددا خوفا منها”.
ضمن سلسلة من المشاهد التي لازمتها في الشارع، وأدخلت الرعب في نفسها طوال رحلة نزوحها من العاصمة إلى ولاية سنار تقول نهال الطيب: “أثناء مغادرتنا حدود ولاية الخرطوم في منطقة الباقير طلب أحد جنود الدعم السريع مرافقته في السيارة إلى حاجز عسكري آخر في طريقنا، وكان يجلس معنا في السيارة، لقد كانت لحظات عصيبة جدا، لقد شعرت بعدم الأمان”.
وتعزو نهال الطيب، الخوف الذي قد يبدو ظاهريا في عيون النساء خلال الحرب نتيجة اعتمادهن على أنفسهن في حالات كثيرة مثل إعالة الأطفال والعائلة والتفكير المستمر بشأن المستقبل في بلد يعج بالاضطرابات الأمنية والمسلحة منذ سنوات طويلة وعدم وجود سقف لدى الأطراف العسكرية في ارتكاب الانتهاكات ضد النساء حتى الانتهاكات تقع على الرجال تضرهن.
وتردف قائلة: أن تكون شخصاً مستقلاً لديك عملك، وتفقد كل هذه الأشياء، وتقلل من تأثيرك الاجتماعي الذي لم يعد كما كان في بلدك أو مدينتك التي عشت فيها”.
غرفة الجثث
في شرق العاصمة السودانية تعرضت فتاة إلى الصدمة بعد أن اقتيدت عن طريق قوات الدعم السريع في الأسابيع الأولى من الحرب إلى غرفة داخل مبنى سكني مهجور حيث كانت الغرفة مليئة بالجثث من قتلى المعارك.
دفعت الفتاة 11 شهرا من عمرها للتعافي من هذه الصدمة، ورغم انخراطها في الحياة العامة بشكل مبدئي، لكنها لا تزال تعاني تبعات هذه المشاهد التي ألقت عليها بآثار نفسية وخيمة كما وصف ذلك معالجو المركز الذي قدم لها الخدمات النفسية والاجتماعية.
وتقول المعالجة النفسية مروة إبراهيم لـ(عاين): إن “عبارة (حرب) نفسها مخيفة، وتحيل ملايين النساء إلى حالة من عدم الأمان؛ لأن هذا الشعور يتطلب خلق مساحات آمنة من خلال المجتمع”.
وتضيف: “لتخطي حالة عدم الشعور بالأمان لابد من خلق مجتمعات صديقة بالنسبة لضحايا العنف من النساء عن طريق خلق المساحات الآمنة يمكن مساعدة ملايين النساء الناجيات من الحرب”.
وتقول مروة إبراهيم: إن “خلق المساحات الآمنة يكون بالاستماع إلى تجربة الناجيات من العنف وتفريغ ما يدور داخلهن من خوف وعدم الشعور بالأمان بأن ما حدث لهن قد يتكرر من جديد”.
وتشير إبراهيم، إلى أن مخاطبة هوايات النساء من الوسائل الناجعة مثل الرسم والذهاب إلى مجلس القهوة وتوفير تمويلات مالية لتقديم الخدمات النفسية أو الاجتماعية للنساء الناجيات من الحرب.
وتردف مروة: “أنا مع سودنة بعض جوانب العلاج النفسي للناجيات واللائي يشعرن بعدم الأمان من خلال الاندماج في المجتمع ومشاركتهن في المناسبات الاجتماعية أو الذهاب إلى شيوخ الدين لبعض النساء اللائي يفضلن التعويض الروحي لمشاكلهن وخوفهن”.
وترى مروة إبراهيم أن النساء اللائي يشعرن بالخوف بحاجة إلى خدمات الدعم النفسي، وأن يشمل ذلك المجتمع الذي تعيش فيه النساء؛ لأن المجتمعات في بعض الأحيان تلجأ إلى الوصمة بحق النساء اللائي تعرضن إلى العنف الجنسي والأولوية هنا في كيفية جعل المجتمع يتقبل الناجيات.
تلاحظ خلال حرب السودان تجنيد اطراف القتال اطفال للمشاركة في العمليات العسكرية، يبحث التقرير في الجوانب القانونية المحلية والدولية الملزمة، وماهي اشكال العدالة التي يمكن تحقيقها للاطفال الضحايا.