حرب أعنف على أجساد السودانيات
عاين- 1 فبراير 2024
“الحرب على أجساد السودانيات”، وقائع وروايات شهود وناجيات موثقة تتحدث عن انتهاكات جسيمة بحق النساء ترتكبها أطراف القتال المستمر منذ الخامس عشر من أبريل الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع.
روايات الناجيات والشهود تفيد بانتهاكات جسيمة بحق النساء في مناطق النزاع، وتتمركز حول الاغتصاب والعنف الجنسي والاختطاف. الشهادات التي جمعتها (عاين) شملت العديد من المناطق التي شهدت أعنف المعارك لاسيما العاصمة السودانية وإقليم دارفور.
“قتلت رجالاً، وجلبت أموالاً وغنائم، وسيارات من الخرطوم؛ أحتاج فقط إلى امرأة“.
الخاطف يخاطب رهينته
تقول ناجية من الاختطاف على يد قوات الدعم السريع ببلدة طويلة في شمال دارفور لـ(عاين) “حاولنا الابتعاد عنه، لكنه أصر على أخذنا. وكان يرتدي ملابس عسكرية تشبه زي قوات الدعم السريع. وكان مسلحا ويحمل ما يقرب من 7 مخازن ذخيرة. بدأ يهددنا ويحاول الإمساك بي بينما كنت أحاول الهرب. طاردني على حصانه، وعندما أمسك بي حاولت المقاومة؛ عرضت عليه حماري والعربة، وكل ما عليها ليتركني وشأني؛ لكنه أخبرني أنه يريدني أيضًا، وليس فقط متعلقاتي“.
واحتجز المهاجم و3 من زملائه الشابة لعدة أيام في معسكر كبير لقوات الدعم السريع في شمال دارفور. وهددوها وجلدوها بعنف إلى حد إصابتها بجروح خطيرة. قال لها: “قتلت رجالاً، وجلبت أموالاً وغنائم، وجلبت سيارات من الخرطوم؛ أحتاج فقط إلى امرأة”، وأنها ستتزوجه، وسيأخذها لتعيش مع عائلته في تشاد، وأنه سيقتل أي فرد من عائلتها يحاول إنقاذها.
“أخبروني أنهم سيغادرون للقاء قيادة معسكرهم، وأمرني بالاستحمام وتغيير ملابسي والبقاء هناك. لقد هددني بالقتل إذا حاولت الهرب. أعطاني حقيبة مليئة بالمال، كانت كلها من فئة 1000 جنيه سوداني. وقال إن هناك المزيد. وأضافت أنه كان بحوزته ذهب وأسلحة نارية و5 سيارات ودراجتان ناريتان وأثاث وأدوات منزلية ومؤن غذائية“.
“كنت في حالة سيئة، وقد ضربني الأربعة جميعهم بلا رحمة، ونزفت بغزارة“
ناجية
“[….] لم أتمكن من الفرار إلا عندما غادروا لحضور اجتماعهم، لكن لم يكن الهروب سهلاً، “كنت في حالة سيئة، وقد ضربني الأربعة جميعهم بلا رحمة، وكنت أنزف بغزارة“.
وتضيف الناجية من الاختطاف: “ملابسي ممزقة“، وتشير إلى أنهم رأوها تحاول الهرب، فركضت إلى الجبل القريب، واختبأت تحت الصخور وخلف الأشجار؛ “أمضيت يومين مختبئة في الجبل، دون طعام أو ماء، حافية القدمين. كنت أنزف“.
“وفي اليوم الثاني لم أقدر أن أقوم وأصابني عطش، ولكني نزلت من الجبل في اليوم الثالث. كنت أرى أفراد قوات الدعم السريع نائمين في معسكرهم، لقد نهبوا بلدة طويلة، وأخذوا سيارات من هناك، وأحضروها إلى ذلك المعسكر وأحرقوها. كان هناك الكثير من قوات الدعم السريع… مشيت على رؤوس أصابعي، ولم يروني هذه المرة؛ لقد كنت في حيرة من أمري، ولم أتمكن حتى من تحديد الاتجاهات. لقد تسللت توا خارج المنطقة، وركضت، والدم يقطر من ملابسي. لقد ظللت أهرب من هذا المكان“.
“عندما وصلت إلى منطقة زراعية بعيدة، تمكنت من الحصول على مساعدة فورية من المزارعين الذين قدموا لها الماء، وعالجوا جروحها، وألبسوها، ورافقوها في رحلتها للم شملها مع عائلتها. وقالت: “كانت ملابسي مليئة بالأشواك، جافة، وملتصقة بجسدي، واضطروا إلى سكب الماء فوقي لخلعها“، مستذكرة كفاحها، مضيفة أنه مكان خطير للغاية لا يمكن لأحد الهروب منه. وأنها الآن تعاني صدمة شديدة، ولا تستطيع حتى الخروج إلى الشارع بمفردها.
“اغتصبوا ثلاثة من أخواتي، وتعرضن للضرب وأخذوا ما بين (10-15) فتاة لعدة أيام“.
شاهدة
وفي شهادة أخرى تدلي بها سمية موسى عبد الرحمن لـ(عاين) من شمال دارفور “اغتصبوا ثلاثة من أخواتي، وتعرضن للضرب وكسرت يد أختي، وأخذوهن لعدة أيام، وعلمت لاحقاً إنهن في مستشفى الفاشر ومعهن ما بين (10-15) فتاة أخرى“.
عبد الرحمن تشير إلى مداهمتهن بالسيارات المسلحة والدراجات النارية والجمال والحصين من قبل قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها. وتقول “نهبوا ممتلكاتنا من ماشية ومقتنيات توجهنا نحو جبل (مرتال) وهناك أيضا لاحقونا“.
تروي فتاة أخرى (15) عاماً، من منطقة طويلة، لـ(عاين)، ما تعرضت له عقب عودتها إلى منزلها في البلدة بعد أن هدأ القتال. وبعد أن أخذت بعض الأغراض ولحظة خروجها من المنزل وجدت رجلين وامرأة يمتطون الجمال سألوها عن اسمها واسم والدها، وبعدها عصبوا عينيها، وقيدوها بالحبل ووضعوها على صندوق عربة الكارو، وساروا ناحية الجبل، وعندما حل الظلام توقفوا هناك، لتطلب الفتاة منهم أن تقضي حاجتها، وبعد أن سمحوا لها بذلك تمكنت من الهرب، ووصلت إلى منطقة وجدت بها جارة لهم من منطقة طويلة أخبرتها أن تسير في اتجاه منطقة (زمزم) حيث أسرتها نزحت إلى هناك.
“لدينا جارة اغتصبوها عشرة أفراد مسلحين، وما واجهته النساء في طريق الهروب من مدينة الجنينة كان مرعبا“.
شاهدة وباحثة اجتماعية- الجنينة، غرب دارفور
في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، والتي شهدت أعنف معارك الحرب الدائرة، والتي سرعان ما تحولت فيها أعمال العنف إلى اقتتال أهلي، شاهدت نورا عبد الرحمن، وهي ناشطة حقوقية وباحثة في مجال حماية الطفل، عربات محملة بجنود الدعم السريع ومعهم رجال مليشيات أخرى يجرون الفتيات من الشارع وأخريات من أمام ذويهن، ويتم اغتصابهن إمامهن.
“بعد أحداث الجنينة لم أتمكن من الفرار أنا وعائلتي، وبقينا في المدينة لأشهر، كانت قوات الدعم السريع ومليشياتها يدخلون البيوت، ويبحثون عن السلاح والرجال والنساء والفتيات“. تقول جلال الدين لـ(عاين).
وتضيف: “عرفت من سيدات أخريات أنه تم خطف بناتهن، ولا يعلمن إلى أين أخذوهن، وعندما نزح أهالي المنطقة، ما واجهوه في الشارع كان أسوأ من السابق تعرضوا للقتل وترويع الأطفال والتحرش بالنساء، ورصدت عدد من حالات الاعتداء الجنسي جزء منها تحرش وأخرى اغتصاب كامل“.
ولايات أخرى في دارفور شهدت احداث عنف جنسي منذ اندلاع الحرب، كما ورد في تقرير المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام الذي نشر في يناير 2024، يشير الى ان 51 حادثة عنف جنسي ضد النساء والفتيات حدثت في محليتي زالنجي وقارسيلا بوسط دارفور. “وتعرف الضحايا/الناجون على رجال يرتدون زي قوات الدعم السريع، والميليشيات العربية المتحالفة، وفي بعض الحالات رجال يرتدون زي القوات المسلحة السودانية، باعتبارهم الجناة” كما ورد في التقرير.
التقرير التالي من ارشيف (عاين) ونشر في نوفمبر 2019 ويعتمد على افادات شهود عيان من معسكر شنقل طوباي، بولاية شمال دارفور، ما يشير الى ان نمط العنف الجنسي من قبل المليشيات تعاني منه مجتمعات النازحين حتى في الفترة الانتقالية.
“أبشع الحالات التي دخلت المستشفى كانت لطفلة عمرها أربع سنوات تم اغتصابها من قبل قوات الدعم السريع”.
متطوعة بمستشفى في الخرطوم
متطوعة لتقديم الخدمات الطبيبة في مستشفى رئيسي بالعاصمة السودانية، تحصي (31) حالة اغتصاب رصدت في المستشفى، وهي ليست كل الحالات لأن عدداً من ضحايا الاغتصاب دخلوا المستشفى، لكنهم لا يعلمون وجود وحدة تقدم العلاج؛ لأنها كانت غير معلنة بسبب سيطرة الدعم السريع على المنطقة التي يقع بها المستشفى في الخرطوم.
تقول المتطوعة التي فضلت حجب اسمها لـ(عاين) “أبشع الحالات التي دخلت المستشفى هي لطفلة عمرها أربع سنوات تم اغتصابها من قبل قوات الدعم السريع، وعندما أحضروها للمشفى قالوا إن شخصاً معهم اغتصبها“.
وتتابع: “أيضا هناك حالة أخرى كانت لصبي اعتدوا عليه جنسيا؛ لأن والده يعمل في الجيش، وفتاة أخرى مغتصبة وهي في حالة صدمة لا تعرف أين هي ولا اسمها“.
90% من حالات الاغتصاب كانت عن طريق الدعم السريع والباقي من محيط الأسرة – بحسب المتطوعة.
“في مستشفى واحد بالخرطوم أُجريت 76 عملية ولادة مبكرة”.
مسعفة طبية
في مستشفى آخر بالخرطوم، تقول مسعفة عاملة بالمشفى: “أحصينا (13) حالة اغتصاب، ومعظم المغتصبات لا يفصحن عن الأشخاص الذين اعتدوا عليهن ربما بسبب التهديد من الجناة“.
وتكشف المسعفة التي فضلت (عاين) حجب هويتها واسم المستشفى الذي تعمل به عن (76) حالة ولادة المبكرة بجانب عمليات إجهاض عديدة؛ بسبب الصدمات الناتجة عن رؤيتهن مشاهد الحرب.
“بعد أشهر من الحرب أصبح الوضع أسوأ؛ مما كان عليه في البداية، إذ تزايدت الاعتداءات والتهديدات داخل المنازل..“. تقول المسعفة في مقابلة مع (عاين) وتضيف: “نحاول أن نقوم بعملنا رغم التهديدات.. نقدم للمغتصبات الدعم النفسي والعلاجي، البرتوكول متوفر لدينا، ونعطيه للمغتصبات فوق سن البلوغ“.
صورة تقريبية صُممت عبر الذكاء الاصطناعي
حالات العنف المرصودة من قبل الوحدة الحكومية المختصة لا تتجاوز الـ2%
رصد وحدة العنف ضد المرأة والطفل الحكومية لا يتجاوز 2% بحسب مديرة الوحدة، د. سليمي اسحق، التي قدرت حالات الاعتداء الجنسي من بداية الحرب بحوالي (136) اغتصاباً في كل أنحاء السودان منها (16) حالة لفتيات دون سن الثامنة عشرة، و(29) حالة استرقاق جنسي تم خطفهم وإعادتهم بعد فترة. وأضافت اسحق في مقابلة مع (عاين): “نحن نعتبر أن العنف الجنسي ممنهج من قبل قوات الدعم السريع؛ لأن أغلب الحالات تم الاعتداء عليهن داخل البيوت، وهذه أوامر وسياسة يتبعها النظاميون بممارسة العنف الجنسي ضد النساء“.
اسحق تتحدث عن أكثر من (3) مليون سودانية يمكن أن يتعرضن للعنف الجنسي مع ضعف الخدمات وانعدامها في بعض المناطق، ويمكن أن تكون هناك من حملن عدوى الإيدز والكبد الوبائي؛ لأنهن لم يتمكن من أخذ البرتوكول الخاص بالاعتداء الجنسي، ولم يتحدثن عن الأمر، وتشير سليمى إلى أماكن لا يستطيعون الوصول إليها.
وتعتبر سليمى، أن توثيق حالات الانتهاكات التي يتعرضن لها النساء والأطفال في الحرب مهم لارتباطه بالعدالة وعدم الإفلات من العقاب، وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استخدام النساء كأداة حرب، ونحن نعتقد كنساء “لدينا دور في خلق سرديات مختلفة“. وتنوه بأن الجهات المتهمة تلجأ إلى الإنكار، وتقول إننا نكذب، ولكن الجريمة تتحدث عن نفسها مثل جريمة بيع البنات وأسواق الرق، وعادة يقع اللوم على الضحية فيما يوجد للجاني الإعذار، وتؤكد أن في حملة الـ(16) يوم توجه الجهود لسد احتياجات النساء في النزوح حيث لا تزال النساء مواجهات بمخاطر كبيرة بتفعيل آليات الحماية ورفع قدرات مقدمي الخدمات، والاستمرار في الرصد من كل السودان، ولكن فقدوا الاتصال ببعض الأشخاص بسبب انقطاع الاتصالات خاصة في دارفور.
“ما يحدث في السودان ضد النساء يفوق أي تصور“. تقول المديرة الإقليمية لشبكة نساء القرن الأفريقي، هالة الكارب. وتضيف في مقابلة مع (عاين) “أفظع أنواع الانتهاكات التي تتعرض لها النساء هي العنف الجنسي، وفي واقع الأمر إن النساء تعرضن لهجمات من العنف الجنسي في قلب مناطق النزاع والأرياف خلال العشرين عاما الماضية“.
وتنوه الكارب، إلى حالة الصمت المتواصلة عن العنف الجنسي، على الرغم من أنه في وقع دارفور بالفترة ما بين (2003- 2008)، والحملات التي نظمها المدافعون والمدافعات عن حقوق الإنسان للكشف عن حجم جرائم العنف الجنسي التي حدثت للنساء في أرياف دارفور والتدمير من قبل قوات الدعم السريع نيابة عن نظام المؤتمر الوطني المعزول، لكن بعد ثورة ديسمبر “لم يكن هناك شهية لمناقشة هذا الملف سوى من قبل السياسيين السودانيين أو المجتمع الدولي، وفي تقديري هذا قدر عال من الإهمال“.
“النساء أفقرن في هذه الحرب بشكل مريع“.
هالة الكارب
ووفقا لهالة، فإن جرائم العنف الجنسي في السودان لم تتوقف، وحادثة فض الاعتصام أثبتت أن نفس المجموعات التي تمارس العنف الجنسي في دارفور انتهجت ذات النهج، وهذا كان بمثابة إنذار واضح على أساسه تحصل خطوات جادة، ولكن لم يتم التصدي للانتهاكات التي حدثت في مجزرة فض الاعتصام، كما أننا سجلنا عدداً من جرائم العنف الجنسي، بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021.
وتنوه الكارب، إلى أن الحملة الواسعة للعنف الجنسي التي بدأت منذ الخامس من أبريل ومستمرة إلى الآن لم تحدث في الفراغ وهي أصلا موجودة، لكن أصبحت كبيرة جداً لجهة حجم العنف الجنسي المهول، وما نعتبره تكتيكاً حربياً، ونفس ما حدث في دارفور يحدث في الخرطوم. وأن 70% من جرائم العنف الجنسي تمت بشكل جماعي، وتحدث بشكل منتظم ما يعني أنها تتم بعلم القيادة العسكرية.
وفيما تتوسع رقعة الحرب لا توجد آليات لحماية المدنيين في مناطق معزولة، ولكن عندما تعود الاتصالات ستظهر جرائم العنف الجنسي، وهناك أشخاص لا يتحدثون عن ما تعرضوا له، إلا بعد شهر أو شهرين- بحسب هالة الكارب.
وتتابع: “النساء أُفقرن في هذه الحرب بشكل مريع بعد أن دخل الدعم السريع، ونهب الممتلكات والمقتنيات، وحولوا الأسر المتعففة إلى نازحين على حد الكفاف“.