“مخاض عسير”.. ولادة السودانيات على يد القابلات وأضواء الشموع

عاين- 20 يناير 2024

حينما أنهت “أم مدينة” وهي قابلة قانونية في ضاحية أمبدة بمدينة أم درمان غرب العاصمة السودانية، عملية ولادة طبيعية في عيادتها بالمنزل كانت أصوات المدافع ترتفع والطيران الحربي يحلق بكثافة في سماء المدينة إثر الحرب الدائرة منذ منتصف أبريل الماضي بين الجيش والدعم السريع.

وضعت “أم مدينة” المولودة القادمة إلى الحياة في أثناء حرب عنيفة تدور في بلادها على صدر أمها التي عانت مضاعفات الولادة والحمل، وكادت أن تدخل في غيبوبة بسبب نقص المحاليل وبالكاد تمكنت من الحصول على محلول من الملح والسكر، وأُنقذت في اللحظات الأخيرة.

الولادة على ضوء الشموع

في العاصمة السودانية منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل 2023 لا يمكن الحديث بسهولة عن مستشفيات تستقبل النساء الحوامل عندما تداهمهن آلام المخاض بالنسبة إليهن تكون الأولوية للمتابعة مع قابلة قانونية تقطن في المنطقة نتيجة تقلبات الأوضاع الأمنية وتعرض المستشفيات إلى هجمات من طرفي النزاع خاصة الدعم السريع.

وتقول أمل وهي ممرضة تعمل مع هذه القابلة التي تعمل في العيادة المنزلية بمدينة أم درمان غربي العاصمة لـ(عاين)، إن “هذا الوضع هو السائد منذ اندلاع الحرب، لقد تكيفنا معه، ولم يعد بالإمكان صنع أي شيء مختلف”.

وتضيف:  “تنتظر  اللائي يأتين إلى المنزل وهي قلقة من حدوث مضاعفات؛ لأن بعضهن بحاجة إلى المستشفى، وترى أن بعض النساء وضعن المواليد على يد قابلات في مناطق لا توجد فيها كهرباء، وعلى ضوء الشموع”.

نساء سودانيات: سلاح الاغتصاب لن يرهبنا
تقول أمل: إن “إحدى أكثر المآسي تعرض سيدة على وشك الولادة إلى الرصاص الحي في أثناء نقلها إلى المستشفى في أم درمان لم تتمكن من الولادة، لقد فارقت الحياة مع الجنين.

ولمقابلة متطلبات الولادة على يد القابلات في الأحياء السكنية في العاصمة السودانية ومناطق الحرب تلجأ النساء الحوامل، ومن هن على وشك الولادة إلى توفير بعض الأدوية بشق الأنفس إما عن طريق بعض المتعاملين في هذا المجال بأسعار مضاعفة أو الشراء المباشر من الصيدليات العاملة في المنطقة.

قبل أسابيع قليلة من الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع كانت نحو 200 ألف سيدة حامل بينهن 24 ألف حالة على وشك البلاد في الأسابيع الأولى للحرب حسب إحصائيات صندوق الأمم المتحدة للسكان.

تقول أمل: إن “إحدى أكثر المآسي تعرض سيدة على وشك الولادة إلى الرصاص الحي في أثناء نقلها إلى المستشفى في أم درمان لم تتمكن من الولادة، لقد فارقت الحياة مع الجنين.

بيئة خطرة على الأمهات

وتضيف أمل: “النساء الحوامل عندما يحين موعد المخاض يشترين لوازم مثل الأدوية والمضاد الحيوي؛ لأن البيئة التي تخضع فيها السيدة قد تكون مهددة لحياتها بسبب البكتيريا يجب أن تأخذ جرعة مضادًا حيوياً لحماية نفسها والجنين”.

 وتستدرك بالقول: “في بعض الأحيان قد تعرض أصوات المدافع والغارات الجوية صحة الأمهات والجنين إلى الخطر؛ لأن هذه الأصوات تجعلن يشعرن بالرعب بالتالي تنفصل المشيمة، وتحدث مضاعفات تقضي على حياة الاثنين معا – الأم والجنين.

ولا توجد ممرات آمنة لإجلاء المرضى والمدنيين في المناطق الساخنة التي تشهد اشتباكات شبه يومية بين الطرفين المتحاربين، وفي إحدى المرات القلائل التي تمكنت خلالها اللجنة الدولية للصليب الأحمر من تأمين مسار لإجلاء مائة مدني من منطقة الشجرة جنوب العاصمة السودانية قامت عناصر من الجيش السوداني بإطلاق وابل من الرصاص على القافلة الإنسانية في أثناء عملية الإجلاء بحجة أن مركبة عسكرية تتبع للدعم السريع كانت تسير خلفها.

ومنذ نوفمبر الماضي تمنع القوات المسلحة إدخال الإمدادات العلاجية إلى مناطق في العاصمة السودانية تقع فيها مستشفيات من بينها هذه الإمدادات أدوات جراحية تساعد النساء على الولادة القيصرية بحجة أن واقعة تحت سيطرة الدعم السريع.

مختصة في صحة الأمهات:  الأوضاع الصحية التي تواجه الأمهات الحوامل في غاية الخطورة على حياتهن وهناك نساء فارقن الحياة في أثناء عمليات المخاض لأسباب متعلقة بنقص الدم والعلاج والمستشفيات

ويقول مسؤول في إحدى وكالات الأمم المتحدة العاملة في السودان مشترطا عدم نشر اسمه في حديث لـ(عاين)، إن “المنظمات الدولية تضطر للعمل مع الشركاء على الأرض لتوفير المعينات الصحية سواء للقابلات القانونيات أو المراكز الصحية العاملة خاصة في العاصمة السودانية التي تأوي نحو سبعة ملايين من المدنيين ما زالوا عالقين بين خطوط القتال”.

نزوح لوضع المواليد

فيما تقول  العاملة في مجال صحة الأمهات في منظمة وطنية بالسودان ليلى حامد لـ(عاين): إن “الأوضاع الصحية التي تواجه الأمهات الحوامل في غاية الخطورة على حياتهن وهناك نساء فارقن الحياة في أثناء عمليات المخاض لأسباب متعلقة بنقص الدم والعلاج والمستشفيات خاصة في العاصمة السودانية ومدن مثل نيالا في ولاية جنوب دارفور وزالنجي في ولاية وسط دارفور؛ لأن العمليات القيصرية بحاجة إلى أطباء ومستشفيات وهناك نساء نزحن إلى الولايات بسبب الحمل إلى الولايات البعيدة نسبيا عن نطاق الحرب”.

وأضافت حامد: “في كل شهر من المتوقع أن تخضع نحو عشرة آلاف سيدة إلى العمليات القيصرية أو الولادة الطبيعية هن بحاجة إلى المستشفيات لا يمكن ترك الأمور إلى القابلات في الأحياء السكنية؛ لأن البيئة الصحية أيضا من متطلبات إنقاذ حياة الأمهات والمواليد”.

وترى ليلى حامد، أن الحوامل اللائي يخضعن لولادة طبيعية على يد قابلة يضطررن للتنسيق مع القابلة قبل وقت كاف، وفي بعض الأحيان لا يمكن لهن موعد الولادة على نحو دقيق لذلك تخضعن للاختبارات التقليدية على يد القابلة لطالما لا تتوفر عيادات وأجهزة طبية لمعرفة المعلومات الدقيقة بسبب الحرب.