لأول مرة منذ سنوات.. عزوف عن التقديم للجامعات السودانية
عاين- 24 سبتمبر 2025
لأول مرة منذ أكثر من 50 عاما تسجل نسبة القبول للطلاب في الجامعات الحكومية داخل السودان تراجعا كبيرا؛ بسبب استمرار الحرب وارتفاع تكلفة التعليم العالي وهجرة آلاف الأساتذة والتدمير الذي طال مؤسسات التعليم في العاصمة السودانية والمدن التي تشهد القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وكانت وزارة التعليم العالي ألزمت الجامعات السودانية بالانتقال إلى داخل البلاد اعتبارا من هذا العام، بينما طالت العمليات العسكرية غالبية الجامعات بالعاصمة السودانية وإقليم دارفور وكردفان وولاية الجزيرة ولا تزال تواجه مشكلة تدهور البنية التحتية التي تشمل المعامل والقاعات والسيارات والمرافق الخدمية.
من حي القلعة بمدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان غربي البلاد، رغم ظروف الحرب والحصار أحرز عمر عبد القادر 89% في امتحانات الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة من العام 2023 إلى 2024 وحصل على مقعد في كلية الصيدلة بجامعة النيلين.
يقول عمر عبد القادر لـ(عاين): “تم قبولي بكلية الصيدلة في جامعة النيلين ضمن فئة القبول العام والدراسة في أم درمان، وسأضطر إلى الانتقال من الأبيض إلى هناك”.
بالمقابل يقول عمر إن أصدقاءه الذين أحرزوا درجات عالية لم يحصلوا على القبول في الجامعات الحكومية، ويخططون للدراسة على النفقة الخاصة خارج البلاد في الهند ودول شرق أفريقيا. وتابع: “قد تكون الجامعات المصرية مناسبة، لكن هناك مشكلة في تأشيرة الدخول”.
التقديم للدراسة في الجامعات السودانية سيما الحكومية انخفض إلى نسبة 40% هذا العام
شهد التقديم للدراسة في الجامعات السودانية سيما الحكومية هذا العام انخفاضا كبيرا وصل إلى نسبة 40% بينما يقول أحمد الجيلي الباحث في شؤون التعليم الجامعي لـ(عاين): أن “الالتحاق بالجامعات الحكومية أو الخاصة في السودان لم يعد جاذبا لعشرات الآلاف من الطلاب وعائلاتهم نتيجة انعدام اليقين حول المستقبل الدراسة داخل البلاد مع استمرار الحرب وعسكرة الحياة العامة وتدني رواتب أساتذة الجامعات وارتفاع حركة النزوح واللجوء وسط السودانيين”.
ويضيف الجيلي قائلا: “هاجر قرابة 3 آلاف أستاذ جامعي خلال الحرب إلى دول الخليج وأفريقيا ودول الجوار بحثا عن العمل في الجامعات من بينهم من يتمتع بالكفاءة العالية جميعهم خسرتهم البلاد”.
وقررت جامعات حكومية أبرزها “الخرطوم” و”السودان” و”أم درمان الإسلامية” العودة إلى العاصمة السودانية منذ يونيو 2025، ولا تزال القاعات شبه خالية من الطلاب والطالبات.
نظام الساعات
ويقترح محمد طه وهو أستاذ جامعي غادر السودان بسبب الحرب، العودة إلى نظام العمل بالساعات في الجامعات داخل البلاد. مشيرا إلى أن الطلاب يفضلون الانتظام في الدراسة لوقت محدود تجنبا للأزمات التي تواجههم بسبب الحرب.
ويرى طه في حديث لـ(عاين): أن التقديم للجامعات الحكومية في السودان للدفعة المؤجلة 2023 إلى 2024 من طلاب الشهادة السودانية انخفض بنسبة 40% عما كان عليه في العام 2022 لأن حركة النزوح في السودان لا تزال مرتفعة، وبينما يتواجد 5 مليون سوداني خارج البلاد تشكل حركة النزوح الداخلية 10 مليون شخص مع عودة 2 مليون فقط إلى ديارهم مؤخرا.

وأضاف: “الحكومة تضغط الجامعات العامة لاستئناف الدراسة، حتى تعود العائلات إلى البلاد، أو من الولايات إلى العاصمة الخرطوم، وتريد تصوير الحياة وكأنها عادية، ولم تتأثر بالحرب”.
وكان عضو مجلس السيادة الانتقالي ورئيس اللجنة العليا لتهيئة البيئة بالعاصمة السودانية لعودة المواطنين الفريق إبراهيم جابر دعا الجامعات إلى العودة إلى مقارها بالخرطوم واستئناف الدراسة في تصريحات الخميس 18 سبتمبر 2025.
تدهور مؤسسات التعليم
وتقول الأستاذة الجامعية رؤى فتح الرحمن لـ(عاين): إن “عدد الطلاب الذين جلسوا لامتحانات الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة من 2023 حوالي 343 ألف طالب من جملة 644 ألف طالب لظروف الحرب لم يتمكن أكثر من 340 ألف طالب من الوصول إلى مراكز الامتحانات في مناطق سيطرة الجيش السوداني في ديسمبر 2024”.
وتشير رؤى فتح الرحمن، إلى أن عدد الذين تقدموا لطلب الالتحاق بالجامعات السودانية حوالي 88 ألف طالب للعام 2025 و2026 للجامعات والمعاهد والكليات في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش السوداني.
وتابعت: “التقديم للجامعات بدأ من تدهور التعليم العالي في البلاد وهجرة قرابة 13 ألف أستاذ جامعي إلى خارج السودان بسبب تدني الرواتب والمخصصات والظروف الأمنية خلال الحرب”.
وظلت الحكومة السودانية طوال السنوات الماضية تفخر بنظام التعليم الجامعي الموزع في جميع الولايات ومع ذلك فإن شبح الانقسام يطال هذا القطاع بانقسام البلاد ما بين سيطرة الجيش وقوات الدعم السريع.
وتقول فتح الرحمن التي غادرت إلى السعودية بحثا عن عمل جديد: إن “الجامعات الحكومية في السودان تسعى إلى استئناف نشاطها، لكن الحياة العامة لا تسمح بنجاح الأنشطة الأكاديمية بالجامعات في الوقت الراهن”.
وتضيف: “يشترط مكتب القبول التابع لوزارة التعليم العالي على الطلاب الحاصلين على الشهادات من الدول العربية بسداد 100 دولار أميركي للتقديم للجامعات دون مراعاة أوضاع عائلاتهم مع اللجوء وفقدان العمل”.
الوضع الأمني يؤثر في الطلاب
وتقول الباحثة في مركز دراسات السلام والتنمية بجامعة النيل الأزرق هنادي المك لـ(عاين): إن” الوضع الأمني والاقتصادي والنزوح واللجوء من العوامل أدت إلى انخفاض التقديم للجامعات السودانية”. وتابعت: “آلاف الطلاب السودانيين يدرسون في مصر ودول شرق أفريقيا التي تشمل كينيا وأوغندا ورواندا وتتراوح قيمة الرسوم من 2.5 إلى 5 آلاف دولار سنويا حسب التخصصات”.
وترى المك، أن العائلات لا تفضل إرسال الطلاب إلى السودان للدراسة لتفشي الأمراض وتدهور الوضع الأمني والمعيشي وعدم وجود أماكن مهيأة بالجامعات.
بينما يعزو أحمد محمد عثمان الأستاذ الجامعي العاطل عن العمل بدولة مصر، انخفاض نسبة القبول في الجامعات السودانية إلى استمرار الحرب وعدم وجود يقين لدى العائلات بأن الأمور ستكون على ما يرام خلال الفترة القادمة.
وأردف عثمان: “من جملة 180 ألف طالب مؤهل لدراسة الجامعة تقدم فقط 88 ألف طالب ما يعني أن مائة ألف طالب فضلوا عدم الدراسة في السودان لأسباب متفاوتة تتعلق بالهجرة والحصول على منح أو الدراسة على النفقة الخاصة في مصر وشرق أفريقيا وتركيا ودول المغرب وتونس وأوروبا والغالبية صرفوا النظر عن التعليم الجامعي”.

ويصف عثمان الوضع في الجامعات السودانية بالانهيار قائلا إن المدخل الحقيقي لمعالجة الأزمة إيقاف الحرب وعودة المواطنين إلى بلادهم وتحسين الاقتصاد والخدمات الأساسية مشيرا إلى أن جبهات القتال في السودان تضم آلاف الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 إلى 23 عاما يتوزعون بين الجيش والقوة المشتركة والدعم السريع وقوات درع السودان وكتيبة البراء بن مالك.
يواجه آلاف الطلاب السودانيين الذين حصلوا على قبول مبدئي للدراسة في الجامعات المصرية تأخر التأشيرات، رغم دفعهم مبالغ مالية كبيرة عبر منصة ادرس في مصر.
ومع اقتراب انطلاقة العام الدراسي الجديد في الجامعات المصرية في 20 سبتمبر الجاري، يواجه آلاف الطلاب السودانيين الذين حصلوا على قبول مبدئي معضلة تأخر الموافقات الأمنية والتأشيرات، رغم دفعهم مبالغ مالية كبيرة عبر منصة ادرس في مصر.
وخلال حديثهم لـ(عاين)، عبّر عدد من أولياء الأمور عن قلقهم من ضياع العام الدراسي؛ بسبب تأخر صدور الموافقات الأمنية والتأشيرات، وقال عمر عابدين، والد طالبة قُبلت في كلية الصيدلة بجامعة القاهرة، إنهم مروا بسلسلة طويلة من الإجراءات: “في البداية دفعنا 170 دولاراً كرسوم تقديم عبر المنصة، ثم 2550 دولاراً بعد القبول المبدئي للوافدين، وبعدها 19 دولاراً للموافقة الأمنية. واستلمنا إيصالات الدفع، لكننا ما زلنا ننتظر الموافقة الأمنية حتى الآن”، مبيناً أن القبول النهائي لا يتم إلا بعد تسليم النسخ الأصلية من الشهادات للجامعة في القاهرة، وهو أمر لا يمكن إنجازه إلا من خلال الطالبة نفسها أو أحد أقاربها من الدرجة الأولى. وأضاف: “إذا لم يتمكن الطلاب من السفر في الوقت المحدد، فهناك احتمال كبير أن تضيع عليهم السنة الدراسية كاملة”.
أما السنهوري، وهو والد طالب يتابع القضية ضمن لجان أولياء الأمور، فأكد أن معاناة الطلاب ليست جديدة: “هناك طلاب من العام الماضي لم يحصلوا على تأشيرات حتى اليوم. مصر بالنسبة لنا هي خيار الدراسة الأقل تكلفة، لكنه مليء بالمشكلات”. وأوضح أن الإجراءات عبر المنصة تفتقر إلى الشفافية: “نبدأ بدفع 171 دولاراً لاختيار الجامعة، وبعد القبول المبدئي نُطالب بسداد نحو 2000 دولار كرسوم لشؤون الوافدين غير قابلة للاسترداد، ثم رسوم إضافية حتى تصل المبالغ إلى ثلاثة آلاف دولار بالدولار لا بالجنيه المصري. بعد ذلك تبدأ معاناة التأشيرات والموافقات الأمنية التي كان يفترض إنجازها منذ البداية”، مضيفاً أن عدداً قليلاً فقط حصل على تأشيرات منذ أغسطس.
وأشار السنهوري في مقابلة مع عاين إلى أن مجموعات من أولياء الأمور في دون أخرى يعانون ذات المشكلة، وقد كونوا لجاناً تواصلت مع القنصلية المصرية في السعودية، ومع السفير السوداني والمستشار الثقافي في القاهرة، وكذلك مع مدير شؤون الوافدين، غير أن اللقاءات انتهت بوعود بتسريع الإجراءات، لكن شيئاً لم يتحقق. الطلاب يعيشون حالة من القلق والتوتر مع اقتراب موعد الدراسة- بحسب قوله.