انقسامات قوى الثورة السودانية إلى أين؟

26 أبريل 2022

يستمر استيلاء الجيش على السلطة في السودان منذ 25 أكتوبر الماضي مع تدهور للأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية وتقلص رقعة الحريات ومع ذلك تستعر الانقسامات بين القوى المدنية المعنية بالتحول الديمقراطي.

وبلغت الانقسامات ذروتها الأسابيع الأخيرة في أعقاب مقترحات تقدمت بها قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” وهو إئتلاف حزبي ونقابي أطاح قائد الجيش بحكومته المدنية برئاسة عبد الله حمدوك في 25 أكتوبر بحجة وجود مخاطر تهدد وحدة البلاد ودعت هذه المقترحات لجان المقاومة إلى الانخراط في مركز مدني موحد لاسقاط الانقلاب العسكري.

بينما تطالب تنسيقيات لجان المقاومة خاصة بولاية الخرطوم قوى الحرية والتغيير بتقييم تجربتها وتقديم نقذ ذاتي لتجربتها في السلطة خلال العاميين الماضيين.

وتقول قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” إنها عكفت على تقييم التحالف وتعمل على صياغة وثيقة سياسية لتفادي الأخطاء بينما تدعو الى النظر لبعض الإيجابيات التي تحققت خلال الفترة الانتقالية.

انعدام الثقة بين المدنين

وتستعر الخلافات بين الطرفين سيما عدم ممانعة قوى الحرية والتغيير في الوصول إلى اتفاق سياسي مع العسكريين بشروط تقول إنها تتوافق مع مطالب تنسيقيات لجان المقاومة وأبرزها مغادرة العسكريين للسلطة المدنية.

فيما تشكك تنسيقيات لجان المقاومة بولاية الخرطوم وبعض الولايات في هذه الشروط وتقول إنها “ذر للرماد في العيون” وأن قوى الحرية والتغيير تحاول اعادة عقارب الساعة إلى الوراء باتفاق يعيد المشهد إلى ماقبل الانقلاب العسكري أي القبول بالشراكة مع العسكريين.

وفد الحرية والتغيير في لقاء مع فولكر 8 فبراير 2022- الصورة: يونتامس

ويقر عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير معتز صالح، في حديث لـ(عاين)، بوجود خلافات بين قوى الحرية والتغيير وتنسيقيات لجان المقاومة خاصة بولاية الخرطوم.

لكن معتز صالح يقول إن اللجان نفسها تعاني من الخلافات وكل مجموعة لديها رأي في الآخر  كما أنه يحمل وجود “عناصر حزبية” داخل لجان المقاومة من الأسباب التي تعطل الوحدة بين قوى الحرية والتغيير والأحزاب المعنية بالتحول الديمقراطي مع لجان المقاومة في كافة أنحاء البلاد.

العمل الأفقي

ومن بين الأسباب التي يراها عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير بأنها معطلة لتحقيق الوحدة بين قوى الثورة هي أن “لجان المقاومة جسم أفقي ومن الصعب الوصول إلى توافق والسرعة في اتخاذ القرارات المهمة”.

وأضاف : “نحن في قوى الحرية والتغيير لدينا اجتماعات مع المجتمع الدولي ممثلا في بعثة يونتامس والاتحاد الافريقي لكن لجان المقاومة لا يمكنها أن تتخذ خطوات في هذا الصدد وتكون لديها القدرة على التواصل لطبيعة الجسم الأفقي الذي يستغرق وقتا في الوصول إلى القرار النهائي وقد ترفض بعض الأطراف داخل اللجان هذه اللقاءات”.

ويرى معتز صالح، أنه رغم اتساع رقعة الخلافات يمكن الوصول إلى “وحدة قوى الثورة” وتكوين جبهة مدنية لاسقاط الانقلاب. ولفت إلى أن قوى الحرية والتغيير في تواصل مع لجان المقاومة التي وعدت بمناقشة الوحدة عقب إصدار ميثاق السياسي في صورته النهائية.

 ويحذر صالح، في ذات الوقت من أن صدور الميثاق السياسي للجان المقاومة على مستوى السودان دون تنظيم سياسي لأنه لن يكون عملا متكاملا لأن الإعلان السياسي يترافق معه مكتب سياسي أو تنفيذي مخول له اتخاذ القرارات وترك الجسم الأفقي.

ويؤكد صالح، أن قوى الحرية والتغيير لا تمانع من تأسيس جبهة مدنية موحدة دون التمسك باسم قوى الحرية والتغيير طالما أن الغاية وحدة القوى المدنية لمقاومة الانقلاب.

الوحدة حول الميثاق اولاً

يقول المتحدث باسم لجان مقاومة مدينة الخرطوم فضيل عمر ، إن وحدة قوى الثورة لا يمكن أن تحدث دون التوحد حول الميثاق السياسي لكنه في ذات الوقت يدعو قوى الحرية والتغيير إلى تقديم “نقد ذاتي” حول تجربتها في الفترة الانتقالية حينما كانت في السلطة المدنية.

السودان: انتهاكات جسيمة بحق المعتقلين في سجون الإنقلاب

وتدفع المحادثات التي جرت بين العسكريين وقوى الحرية والتغيير في الفترة ما بين مايو وأغسطس 2019 بعض القوى المدنية ولجان المقاومة والقوى الصاعدة حديثا إلى صرف النظر عن اعادة هذا الأمر مجددا لأن تلك المحادثات أنتجت تسوية سياسية وشراكة العسكريين في السلطة وافلات من العدالة.

وفي هذا الصدد يقول المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بالجامعات الأميركية بكري الجاك، لـ(عاين)، إن التسوية واحدة من آليات الانتقال خاصة في ظل عدم امتلاك المدنيين آليات تحقيق الثورة الجذرية.

وتحذر تنسيقيات لجان المقاومة في العاصمة السودانية وهي مجموعات شبابية تقود الحراك السلمي من أن التسوية السياسية يجب أن تؤدي إلى خروج العسكريين من السلطة المدنية والانصراف إلى مهامهم.

تفادي حرب أهلية

“بعض القوى المدنية تؤمن بالإصلاح المتدرج ووصولا الى التحول الديمقراطي عبر الانتخابات لكن هذا التيار يواجه بحملة شرسة ويتم وصمه بـ (الهبوط الناعم) وربما يعتقد بعض المدنيين أن الجيش لا يمكنه تحقيق الانحياز الكامل لأن البلاد تعج بالجيوش المتعددة وهناك قوات الدعم السريع التي يصعد قائدها الجنرال محمد حمدان دقلو بطموحات سياسية ليكون في المقعد الأول في القصر الجمهوري”. يقول المحلل السياسي مصعب عبد الله لـ(عاين).

ويعتقد عبد الله، أن بعض المدنيين واللاعبين السياسيين ربما يحاولون تفادي حرب أهلية حال اتباع الطرق الراديكالية التي ترفع اللاءات الثلاثة.

وتبرر تنسيقيات لجان المقاومة في أكثر من مدينة وتشمل العاصمة السودانية أن تجربة العامين الماضيين جعلتها على قناعة أن الأحزاب السياسية لا تضع اعتبارا للتضحيات وسقوط الشهداء خاصة في ظل بطء لازم ملف العدالة إفلات مرتكبي فض اعتصام القيادة العامة في يونيو 2019.

ويرى المتحدث باسم لجان مقاومة مدينة الخرطوم فضيل عمر ، في حديث لـ(عاين)، أن وحدة قوى الثورة لا يمكن أن تحدث دون برنامج سياسي وعلى قوى الحرية والتغيير تقييم تجربتها السابقة والإدلاء برأيها حول الميثاق السياسي المرتقب للجان المقاومة.

وتابع: “اعتقد يمكن أن يكون الميثاق السياسي المرتقب مرجعية لقوى الثورة وتوحيدها لأن لجان المقاومة غير مستعدة لاضاعة تضحيات الشهداء مرة أخرى”.

وحول عدم وجود تنظيم هرمي لتنسيقيات لجان المقاومة او مكتب سياسي يدير العملية سياسيا، يرى فضيل عمر، ان: “الجسم الأفقي لتنسيقيات لجان المقاومة يجسد الديمقراطية والمشاركة الواسعة للسودانيين في اتخاذ القرارات المهمة” مضيفا ان لجان المقاومة مستعدة للانخراط في اجتماعات مع قوى الحرية والتغيير شريطة ان تكون امام الملأ وليست في الغرف المغلقة.

شركات روسية وأمنية

بينما تُلاحق العسكريين اتهامات بالعمل على تسريب الخلافات بين القوى المدنية المعنية بالتحول الديمقراطي بالتعاقد مع شركات روسية لبث الاشاعات وتلفيق الاتهامات للناشطين السياسيين وأعضاء الأحزاب السياسية المناهضة للانقلاب العسكري.

يرجح المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بالجامعات الأميركية بكري جاك هذه الفرضية، ويقول لـ(عاين)، إن جهاز الأمن يعمل مع شركات الروسية على نشر الشائعات وخطاب الكراهية وتسميم الأجواء وتعكير مزاج الرأي العام الثوري باستمرار.

متظاهرون في الخرطوم 20 فبراير 2022- عاين

لكن في نظر بكري الجاك، هذا ليس السبب الوحيد لاستمرار الانقسامات السياسية بين القوى المدنية لأن الأطراف المعنية باستعادة مسار الانتقال لم تتفق على رؤية وعندما يحدث ذلك ليس صعبا الاتفاق على مركز مدني موحد لإنهاء استيلاء الجيش على السلطة.

ويرى الجاك، ان المشكلة الأولى حاليا انعدام الثقة بين الأطراف المدنية والقوى الصاعدة حديثا وبينها لجان المقاومة لأن تجربة التفاوض في العام 2019 أنتجت تيارين تيار يعتقد أنه مع تسوية سياسية مع النظام القديم والاصلاح المتدرج وتيار مع ثورة جذرية وهو لا يملك آلياته.

ويقول الجاك، إن انعدام الثقة جاء على خلفية التصورات التي وضعها المدنيون قبل سقوط المخلوع وهناك من كان يعتقد بحدوث تحولات اقتصادية وتنموية سريعة وآخرون رجحوا حدوث انتقال ديمقراطي سريع في ظل وجود جهاز معطوب للدولة يستغرق اصلاحه سنوات.

وتابع الجاك : “هناك أيضا تشكيك في النوايا بين القوى المعنية بالتحول الديمقراطي أكثر من المواقف السياسية والأهمية للأخيرة” ويدعو الجاك إلى ايقاف خطاب التخوين لأنه لن يقدم حلا لإنهاء الانقلاب على حد قوله.

تصورات قبل الوحدة

ويقترح الجاك وضع تصورات للتغيير وكتابتها بدلا من كتابة مواثيق انشائية مضيفا : “يجب وضع تصورات للاقتصاد والمجتمع والسياسة والتنمية وهذا يؤدي الى الاتفاق بين قوى الثورة وتلقائيا يتفرغون لتحقيقها معا”.

ويعتقد الجاك أن التصورات للتغيير من عوامل الخيبات السابقة وستكون من عوامل الخيبات القادمة إذا لم يكتب السودانيين هذه التصورات ويتوافقوا عليها ويعملوا على تنفيذها معا خاصة المعنية بالحكم المدني.

ويضيف الجاك: “غياب تصورات ما بعد سقوط العسكريين عامل من عوامل العجز إلى جانب أن المدنيين ضحايا للشائعات الممنهجة من الأجهزة الأمنية والشركات الروسية التي تعمل مع العسكريين بشكل مكثف لضرب وحدة المدنيين”.

وللوصول إلى صيغة مشتركة من الحد الادنى بين القوى المدنية والقوى الصاعدة حديثا  يقترح الجاك التنسيق بين قوى الثورة وتعدد مراكز العمل المدني عوضا عن خطاب التخوين والتشكيك في النوايا.