عُملة سودانية جديدة.. حرب أعنف على جبهة الاقتصاد
عاين- 11 نوفمبر 2024
لم يكن مفاجئًا إصدار البنك المركزي السوداني فئات نقدية ورقية جديدة للعملة المحلية مع تنامي نسبة التضخم وارتفاع الكتلة النقدية المتداولة بنسبة تفوق الـ 60%.
لكن هذا الإجراء، وفي هذه التوقيت الذي تشهد فيه البلاد حربا بين الجيش وقوات الدعم السريع مستمرة منذ أكثر من 18 شهرا، ويسيطر كل طرف على مناطق بعينها يحمل في طياته امتدادا لذات الحرب في جانبها السياسي والاقتصادي لجهة أن الجيش يريد بهذا الإجراء أن تكون العملة المتداولة في مناطق سيطرة الدعم السريع غير مبرئة للذمة في وقت يتوقع اقتصاديون أن الدعم السريع لن يقف مكتوف الأيدي تجاه هذه الخطوة لجهة سيطرته على مباني طباعة العملة في الخرطوم وحصوله على ماكينات طباعة.
الفئتان اللتان أعلن عنهما المركزي السوداني تشمل فئة الـ 1000 جنيه وفئة الـ 500 جنيه ولا زالتا قيد التجهيزات قبل طرحها في للتداول مطلع العام 2025 وفق مصادر مصرفية تحدثت لـ(عاين)
وأكد بيان صادر عن البنك المركزي إنه في إطار مسؤوليات البنك عن حماية العملة الوطنية وتحقيق استقرار سعر صرفها والمساعدة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي ، ومعالجة الآثار السلبية للحرب الدائرة بالبلاد لا سيما عمليات النهب الواسعة التي قامت بها قوات الدعم السريع لمقار بنك السودان المركزي وشركة مطابع السودان للعملة في الخرطوم قرر استبدال فئتني الـ 500 و1000 جنيه من العملة الورقية تدريجيا وسحبهما من أسواق التداول.
خياران أحلاهما مر
يقول محمد كمال المحلل الاقتصادي لـ(عاين): إن “بنك السودان كان أمام خيارين إما استبدال كامل للعملة وإلغاء المتداولة حاليا أو الإلغاء التدريجي فلجأ تفاديا للكلفة العالية إلى الخيار الأخير رغم أن الخطوة لا تشكل حلا جذريا لمشكلة التضخم وتوسع الكتلة النقدية باعتبار أن الاقتصاد الكلي يعاني من فقدان الإيرادات العامة وضربات موجعة من الحرب بين الجيش والدعم السريع ويتوقع كمال تدرج البنك المركزي استبدال جميع الفئات خلال العام 2025”.
الإجراء لتحقيق ثلاثة فوائد للحكومة القائمة في مناطق الجيش
مصرفي
يرى كمال أن الزام المركزي بايداع الفئات المتداولة من فئتي ورقة الـ (1000) جنيه والـ(500) جنيه يأتي لتمويل القطاعات الحكومية التي تعاني من العجز بينما سيحصل مودعو الفئتين الوقتين “الملغيتين تدريجيا” على مقابل مالي في المحافظ الإلكترونية ستحصل الحكومة على تمويلات إضافية من خلال امتصاص هذه الايداعات إلى البنوك وتنمية الأموال داخل المصارف.
فيما يقول الاقتصادي معتصم الأقرع، إن إصدار الفئتين الورقتين خطوة صحيحة بواسطة البنك المركزي كما إن طباعة عملات بفئات كبيرة تساعد في عمليات النقل بدلا من حمل كيس ملئ بالنقود من الفئات الصغيرة.
ويرى الأقرع في حديث لـ(عاين) أن الحكومة الانتقالية خلال فترة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك “2019- 2021 ” صرفت النظر عن تغيير العملة بحجة أن المشروع يكلف 600 مليون دولار رغم أهمية تمويل استبدال العملة الوطنية دون الوضع في الاعتبار تكلفة الطباعة.
خطوة صحيحة
ويشير الأقرع، إلى أن استبدال العملة القديمة بالجديدة أو الحصول على دفع نقدي إلكتروني سيحتم على القطاع المصرفي إلزام العملاء بدفع الضرائب المستحقة على هذه المبالغ ويجب على الحكومة أن لا تسئ استخدام الإجراءات لتصفية الحسابات السياسية وأن تكون الإجراءات في شأن إيداع الأموال للجهاز المصرفي قانونية بحتة.
الدعم السريع تمتلك ماكينات طباعة العملة لأنها سيطرت على مقارها في الخرطوم
اقتصادي
ويقول الأقرع إن قوات الدعم السريع داهمت مباني مطابع العملة في العاصمة السودانية وحملت ماكينات طباعة النقود ولديها علاقات خارجية ويمكنها نسخ الماكينات بالتالي أصبحت العملة السودانية تُطبع من جهتين جهة إصدار من جهة حكومة عبد الفتاح البرهان وجهة من مجموعة الدعم السريع.
يرجح الأقرع نجاح استبدال العملتين في الوقت الحالي في مناطق سيطرة الحكومة بينما سيكون الأمر تدريجيًا في مناطق سيطرة الدعم السريع وفي مناطق لا تقع تحت سيطرة أي طرف قد يستغرق الاستبدال وقتا أطول بعض الشئ لأن قبول الناس للعملة القديمة ستقل مع مرور الوقت.
ويعتقد الأقرع، أن إجراء استبدال الفئتين النقديتين صحيح ويحتاج إلى جودة التطبيق وأن يُوجه إلى تحسين الاقتصاد والحصول على الضرائب المستحقة والتدرج نحو ترجيح كفة الإيداع المصرفي من القطاع التقليدي أما بالنسبة لتأثيره على سعر الصرف والتضخم يحتاج إلى سياسات مالية ونقدية داعمة يؤكد الاقتصادي معتصم الأقرع.
وسيطرت قوات الدعم السريع على مناطق يقع في نطاقها مبنى مطبعة العملة جنوب العاصمة الخرطوم منذ الأسابيع الأولى للقتال منتصف أبريل 2024 ونقل مواطنون في الخرطوم ملاحظات عن العملات الورقية المزورة وهي متداولة في الأسواق.
تقسيم إداري للسودان
نقل مقر البنك المركزي إلى مدينة بورتسودان شرق البلاد منذ يونيو 2023 تحت إشراف الحكومة القائمة المدعومة من الجيش السوداني وهي العاصمة البديلة نتيجة اندلاع القتال في أجزاء واسعة من الخرطوم.
الدعم السريع ستحمل خسائرها النقدية للمواطنين في مناطق سيطرتها
اقتصادي
ويقول المحلل الاقتصادي وائل فهمي، إن فترة السماح بتداول العملة القديمة إذا كانت محدودة ستؤثر على المواطنين الذين بحوزتهم الفئات القديمة خاصة في مناطق الحرب لن يتمكنوا من الوصول إلى البنوك.
ويرى فهمي في مقابلة مع (عاين) أن القرار إذا كان يستهدف تحويل الكتلة النقدية التي بحوزة الدعم السريع من هاتين الفئتين إلى عملة غير مبرئة للذمة ستلجأ هذه القوات إلى تحميل خسائرها للمواطنين في مناطق سيطرتها بشتى الطرق المعروفة لديها.
ويضيف فهمي: “الأمر أقرب إلى تقاسم البلاد بين مناطق الجيش والدعم السريع إداريا واقتصاديا بعملية تشبه تقاسم السلطة والموارد وهو ليس تقسيما سياسيا “.
ويقول إن السودان أجرى تغييرات على العملة في العام 1992 و2007 و2011 ما يعني أن العملة الوطنية تدار بصورة غير صحيحة والإجراء الأخير لن ينقذ الحكومة القائمة في مناطق الجيش لأن استعادة سيطرة الجهاز المصرفي على الكتلة النقدية لا يمكن أن تتحقق في ظل نزوح أكثر من 13 مليون شخص أغلبهم من المدن المحركة للقطاع المصرفي.