تداول شبه علني للعملة المزيفة بولايات دارفور
عاين- 4 أغسطس 2024
تصاعدت شكاوى المواطنين في إقليم دارفور غربي السودان، من انتشار كثيف للعملات المزيفة في الأسواق بالولايات المختلفة والتي تخضع معظمها لسيطرة الدعم السريع.
ويُتهم مسلحو قوات الدعم السريع بالتورط في تزوير العملات وضخها في مناطق سيطرتهم وهي 4 ولايات من أصل 5 ولايات في إقليم دارفور، ورُصِد العديد من الفئات النقدية خاصة الورقتين النقديتين فئة الـ500 والـ1000 جنيه سوداني، مزيفة وتُتَدَاوَل في أسواق مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، كما وقع مدنيون ضحايا لمعاملات بها أوراق مزيفة.
وتمضي الأوضاع في إقليم دارفور على نحو ما تشهده مناطق سيطرة قوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، خاصة جنوب وشرق العاصمة والتي تنتشر فيها العملات السودانية المزيفة بكثافة، ويمثل مصدرها الأساسي عناصر قوات الدعم السريع، وفق ما وثقه مراسل لـ”عاين” في تقرير نُشِر في وقت سابق.
ويتزامن انتشار النقود المزيفة في دارفور مع ارتفاع كبير في أسعار السلع الاستهلاكية بصورة تفوق مقدرة السكان المتأثرين بالحرب، وبات الإقليم على شفاء المجاعة الشاملة، كما يشهد شح في السيولة النقدية، حيث أغلقت المصارف كلها منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل من العام الماضي.
غرق الأسواق
ويقول حامد جبريل وهو تاجر في سوق المواشي بمدينة نيالا لـ(عاين): إن “أوراق نقدية من فئتي الخمسمائة والألف جنيه سوداني، غزت سوق المواشي بكثافة، وصارت جزءا من التعاملات اليومية في بيع وشراء المواشي، فقد استهدفت هذه العناصر سوق المواشي؛ لأن المتعاملين فيه أقل وعياً بتزييف العملات، ولا يستطيعون تمييز المزورة من القانونية”.
ويضيف: “هناك كميات كبيرة من النقود المزيفة دخلت السوق خلال الأشهر الأولى لاندلاع القتال بين الجيش والدعم السريع في أبريل من العام الماضي، بالتوازي مع عمليات شراء واسعة للمواشي والعقارات بأسعار عالية، وقد اختلطت الأوراق المزيفة مع الأصلية وكثير من الناس لا يستطيعون التمييز بينهما، ويجري تداولها بأعداد كبيرة بشكل يومي في عمليات الشراء والبيع، خاصة في العمليات التجارية الكبيرة؛ لأنها لا تخضع للتفتيش الدقيق”.
من جهتها، تقول حليمة جمعة وهي بائعة خضروات في سوق الملجة بمدينة نيالا لـ(عاين): إن “شح السيولة النقدية وحاجة المواطنين لها، ساعد على انتشار العملات المزيفة، فالسكان والتجار خبأوا الأوراق النقدية بسبب خوفهم من نهبها تحت تهديد السلاح، الأمر الذي أدى إلى نقصان الكاش في الأسواق، وبذلك ساهموا بلا قصد في تفشي النقد المزور”.
وتشير حليمة، إلى انتشار واسع للعملات المزورة، ووقع العديد من المواطنين ضحايا لها، وتتم معظم المعاملات بعلم التجار والمواطنين الذين لم يعترضوا على استلامها طالما يوجد من يقبلها منهم مجددا كنقد مبرئ للذمة.
ويعقد الكثيرون أن محاربة العملة المزيفة أمر غاية الصعوبة في ظل الوضع الأمني والاقتصادي المعقد الذي تمر به البلاد، نتيجة لوجود 97 بالمئة من الكتلة النقدية خارج سيطرة النظام المصرفي، وسط إغلاق تام للمصارف في معظم أنحاء السودان منذ اندلاع الحرب.
تعاملات علنية
وفي ظل أوضاع موغلة في الفوضى، صار التعامل بالعملات المزيفة يتم بطريقة علنية وبعلم أطراف العملية التجارية في إقليم دارفور غربي البلاد الذي تسيطر قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة منه. كما تتصاعد أسعار السلع الاستهلاكية بشكل جنوبي في الإقليم نتيجة تراجع قيمة العملة الوطنية، الجنيه إذ وصل الدولار حاجز الـ2500 جنيه سوداني.
خروج النظام المصرفي بسبب الحرب حفز على نشاط غير مسبوق للعملة المزيفة وتداولها
خبير مصرفي
ويرى الخبير المصرفي شريف محمود أن خروج النظام المصرفي بسبب الحرب حفز على نشاط غير مسبوق للعملة المزيفة وتداولها، في إقليم دارفور، حيث تعرضت فروع البنوك في كل من نيالا وزالنجي والجنينة إلى عمليات نهب واسعة.
ويقول محمود في مقابلة مع (عاين): إن “الخروج المبكر للمصارف عن الخدمة في إقليمي كردفان ودارفور، أدى إلى عدم خضوع الأوراق النقدية للرقابة والفحص البنكي، فحتى الأوراق النقدية القانونية صارت تستخدم بطرق سيئة حيث يتم تخزينها وتداولها عبر الجولات وطرق بدائية، مما تسبب في تلفها”.
وشدد أن عناصر قوات الدعم السريع نهبوا العملات التي كانت قيد الطبع، ولم تكتمل من مطابع العملة في الخرطوم بعد أن سيطروا عليها، ويجري تداولها في إقليم دارفور ودارفور بكثافة، رغم أن بعضها لا يحمل أرقاما متسلسلة وتوقيع محافظ بنك السودان المركزي كما ينبغي، وهو ما فتح الطريق لعمليات تزييف جديدة وتغذية السوق.
وحذر من أن يقود التزييف الكثيف في الأوراق النقدية إلى انهيار العملة الوطنية بالكامل، وتصبح غير مبرئة للذمة، ويلجأ الناس للتعامل بالنقد الحر كالدولار وغيره، مثلما حدث في بلدان أخرى، فبالتالي يكون انهياراً في الاقتصاد الكلي للبلاد.
وفي ظل هذه الأوضاع نشطت تحويلات محلية عبر تجار وأشخاص، كمنفذِ وحيد لمساعدة المواطنين في الحصول على مصاريفهم الضرورية، إلى جانب تطبيقات إلكترونية، لأن حركة الأموال أصبحت في خطورة عالية؛ بسبب انتشار النهب داخل وخارج المدن.
أصابع الاتهام
وفي دارفور توجه أصابع الاتهام إلى عناصر قوات الدعم السريع والمجموعات المسلحة التي تقاتل إلى جانبه، بتزييف العملات السودانية، سواء كانت زيفتها بنفسها، أو جلبتها من الخرطوم، وفق ما ذهب إليه أحد التجار في مدينة الضعين بولاية شرق دارفور تحدث مع (عاين).
شاهدت عناصر من الدعم السريع، يضخون مبالغ نقدية مزيفة، واستخدموها في شراء العقارات والماشية بأسعار مضاعفة
تاجر- الضعين
وقال التاجر الذي طلب عدم ذكر اسمه، “شاهدت عناصر من قوات الدعم السريع، وهم يضخون مبالغ نقدية مزيفة لا تحمل أرقاماً متسلسلة ولا توقيع محافظ بنك السودان المركزي، واستخدموها في شراء العقارات والماشية بأسعار مضاعفة، وكان ذلك سبيلاً لانتشار العملات المزورة إلى أيدي المواطنين.
ويفسر تاجر آخر من نيالا، النشاط الكثيف في تزييف العملات بأنه رغبة من جماعات إجرامية في كسب الأموال، مستغلة حالة الفوضى وغياب الدولة، وهي لا تفكر في العواقب السلبية على الاقتصاد السوداني، مستبعدا في حديثه لـ(عاين) أن يكون ما يجري نشاطاً منظماً من جهات لتدمير اقتصاد السودان.
ولم تجري قوات الدعم السريع التي تسيطر على 4 ولايات في إقليم دارفور ولها إدارات مدنية في بعض المناطق، أي عمليات لمحاصرة انتشار العملات المزيفة.
رئيس الإدارة المدنية لقوات الدعم السريع بجنوب دارفور يقر بتداول العملات المزيفة ويعزو ذلك لغياب النظام المصرفي
وأقر رئيس الإدارة المدنية لقوات الدعم السريع في جنوب دارفور محمد أحمد حسن، في حديثه لـ(عاين) بوجود كبيرة أن العملات المزورة في حاضرة الولاية نيالا، وقال إن ذلك كان نتيجة إلى غياب النظام المصرفي في الإقليم.
ويشهد الاقتصاد السوداني تراجع مستمراً في كل مؤشراته، وتفاقم تدهوره بعد اندلاع الحرب الحالية بين الجيش وقوات الدعم السريع، ويمثل التزييف الواسع للعملة الوطنية مسمار آخر في نعش الاقتصاد المنهار، وفق ما يراه اقتصاديون في البلاد.
تداول مبرر
ويجد مسؤول في الغرفة التجارية بولاية جنوب دارفور، مبررات للتعامل بالأوراق النقدية المزورة في منطقته نتيجة لشح السيولة النقدية وخروج المصارف كلها عن الخدمة، ولم يعد هناك سبيل للوصول إلى النقد المبرئ للذمة، فبالتالي الجميع يتداولون النقد المزيف مضطرين.
وقال المسؤول بالغرفة التجارية في حديثه لـ(عاين) مفضلا حجب اسمه، إن حركة نقل وتبادل الأوراق النقدية بين أنحاء السودان المختلفة تعطلت بسبب الحرب، فقد أصبح وصول النقد من العاصمة الإدارية بورتسودان إلى غرب البلاد مهمة مستحيلة، مما خلق شح في السيولة النقدية، ولا يمكن للبنك المركزي التدخل لاحتواء أزمة الكاش مثلما كان يفعل في الأوقات السابقة لاندلاع القتال، نظرا لعدم وجود مسارات آمنة.
وأضاف: “الإدارات المدنية في ولايات دارفور التي كونها الدعم السريع في مناطق سيطرته في دارفور، لا تتدخل في مكافحة الظاهرة، بل منحت التجار والمواطنين الضوء الأخضر للتعامل مع أي ورقة نقدية بغض النظر عن أنها أصلية أو مزورة، وتركت الأمر لرغبة المتعاملين”.
وتابع: “هناك أموالاً كبيرة تحول عبر التطبيقات المصرفية إلى أشخاص في دارفور، لكن معظم التعامل يتم عبر الكاش ومن الصعب، إقناع الناس على التعامل عبر التطبيقات البنكية، وتحولت الأرصدة في (بنكك) تبدل بالكاش في دارفور تتراوح بين 5 – 10 بالمئة نسبة خصم”.
وفي وقت سابق طلب الخبير الاقتصادي د. محمد الناير خلال حديث لـ(عاين) من بنك السودان المركزي إعلان فئتي الـ1000 والـ500 جنيه، كأوراق نقدية غير مبرئة للذمة وحظر تداولها في المعاملات التجارية، وأن يتم قبولها فقط لدى المصارف؛ لأن موظفي المصارف يملكون الخبرة الكافية والآليات الخاصة بكشف التزوير.
وذكر: أن “التزييف الذي يتعرض له الجنيه بهذا الحجم له آثار اقتصادية كارثية، ويزيد تدهور قيمة العملة الوطنية الجنيه، فمن الواجب حظر تداول الفئات الكبيرة وهي الأكثر عرضة للتزوير كعلاج وقتي لهذه الأزمة، لأن تغيير العملة أمر غير ممكن في الوقت الراهن، وربما يتم بعد توقف الحرب، ليكون حل جذرياً للأزمة”.
ووفق تقديره، فإن مثل هذا القرار سيمكن كذلك من إعادة الكتلة النقدية للنظام المصرفي، وتشجع التداول الإلكتروني للعملات، مما يحقق ما يعرف بالشمول المالي، وقد كان قرار بنك السودان المركزي الأخير، والذي قضى بتحجيم السحب النقدي، وتوسيع التحويل عبر التطبيقات، يصب في هذا الاتجاه.