«مهمة مستحيلة».. الحرب تحاصر صحافيي السودان  

عاين- 3 يوليو 2023 

احتمل الصحافي “عمار حسن” الذي يعمل مراسلاً صحفياً، أربعة أيام من نقص الماء والطعام وانعدام التيار الكهربائي في حبسه الاضطراري بمقر عمله وسط العاصمة السودانية بعد اندلاع حرب 15 أبريل المنصرم، لكن اختراق قذيفة لمقر إقامته جعله يستشعر الخطر ويقرر المغادرة على الفور.  

“عمار” كان من بين عشرات الصحافيين السودانيين ومراسلي القنوات التلفزيونية يؤدون أعمالهم من مقرات متجاورة وسط العاصمة وقريبة من خطوط النار وأعنف الاشتباكات بين الجيش السوداني والدعم السريع حول مراكز حيوية من بينها مقر قيادة وحدات الجيش السوداني وقصر الرئاسة. 

منذ اندلاع المعارك، واجه العاملون في الإعلام بمختلف قطاعاته عدداً من التحديات التي تُعيق سير عملهم، ويعتبر التحدي الأمني في مقدمتها، إذ تقع معظم مكاتب الإعلام في مناطق حيوية بوسط الخرطوم، وهي البؤر التي بدأ فيها الصدام المسلح ثم انتقل لاحقاً إلى باقي مناطق العاصمة.

مباني تحت القصف

غير المخاطر التي واجهها العاملون في حقل الإعلام، فإن مباني المؤسسات الإعلامية كذلك كانت عُرضة لسقوط القذائف والشظايا، وذلك لوقوعها في محيط الاقتتال، حيث تعرَّض مبنى صحيفة الجريدة لمرتين على التوالي لسقوط مقذوفات عليه تسببت في أضرار مادية، كما أصابت قذيفة أخرى مقر قنوات (العربية، الحدث والعربي) بوسط الخرطوم.

وظلَّت مباني الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الواقعة بأم درمان ميداناً للتعارك المستمر بين الجيش والدعم السريع اللذان يسعى كل طرف منهما لفرض سيطرته عليها.

وأظهر فيديو تم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي إثنين من أفراد الدعم السريع داخل استديو إذاعة هلا ٩٦ بعد اقتحامه، وهما يلبسان سماعة الراديو، ويحملان لافتة تظهر شعار الإذاعة.

حركة محدودة

يقول المنتج البرامجي، مؤمن المكي لـ(عاين)  إنه وفي هذه الأيام أثناء أداءه لمهامه الوظيفة يعاني من عدة مشاكل، أهمها عدم قدرته على التصوير في الشوارع العامة لأنه ممكن أن يواجه خطر الإصابة بالقذائف الطائشة، فضلاً عن تخوفه من احتمال التعرض للاعتقال أو الاستهداف من قبل طرفي النزاع، كذلك يقول إن “المواطنين يتخوفون في هذه الأيام من الكاميرات والتصوير بسبب مناخ التوجس الذي يسود الجو العام”.

المواطنون يتخوفون في هذه الأيام التصوير والمقابلات الصحفية بسبب مناخ التوجس الذي يسود الجو العام

فيما يقول المراسل الصحفي، عمار حسن، لـ(عاين)، إنه لم يتوقف عن العمل إطلاقاً لكن حركته باتت محدودة بسبب توسع دائرة الحرب، ووصولها للمناطق التي كانت آمنة في العاصمة، ويضطر لإنجاز مهامه اليومية في إطار ضيق داخل الحي الذي يسكن فيه، لأن التنقل في مناطق واسعة أصبح خطراً وبه تهديدات كبرى.

تدهور الاتصالات

يشتكي مؤمن المكي، من التدهور المستمر لشبكة المكالمات والإنترنت، فقد تسبب الاقتتال في حدوث مشاكل تشغيلية في الشبكات، ويعتمد العاملون في حقل الإعلام بشكل أساسي على الإنترنت في الإرسال والإستقبال والبث، إضافةً لذلك؛ فقد أثرت أزمة شبكات الاتصال على تواصل الصحفيين مع مصادرهم الرسمية والشعبية.

عانت بعض مناطق إقليم دارفور غربي البلاد، من الانقطاع التام لشبكات المكالمات والإنترنت والكهرباء مما أدى لحدوث عزلة تامة وعدم وصول تحديثات أخبار الصراع من تلك المناطق.

التنقل في مناطق واسعة في العاصمة السودانية أصبح خطراً 

ومنذ بدء الاقتتال يسعى الإعلاميون لأداء مهامهم بإمكانيات متواضعة، حيث لم يتمكن عدد كبير من إخراج معداتهم من المكاتب الواقعة في محيط الصراع، وقد واجهت معظم هذه المكاتب مخاطر الاقتحام ونهب المعدات.

إيقاف إجباري

تقول الصحافية مآب الميرغني، إن عدد من المؤسسات الإعلامية قررت توقيف موظفيها عن العمل بعد اندلاع الحرب وتعزي هذه المؤسسات الأسباب إلى انعدام البيئة الآمنة، وعدم وجود حماية رسمية للمؤسسات الإعلامية ومنسوبيها خلال هذه الحرب.

وتضيف مآب في مقابلة مع (عاين): “لم تتمكن عدد من المؤسسات الإعلامية من الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه موظفيها لعدة أسباب، أهمها عدم وجود احتياطي نقدي لهذه المؤسسات، والانهيار المضطرد للنظام المصرفي.

عدد من المؤسسات الإعلامية قررت توقيف موظفيها عن العمل بعد اندلاع الحرب

كل هذه الظروف مجتمعة أدت إلى تشريد حوالي مائتان وخمسين صحفياً من المهنة، بحسب السكرتير العام لنقابة الصحفيين السودانيين، وقال لـ(عاين) إن النقابة ليست لديها مصادر مالية لتغطية إحتياجات الصحفيين، لكنها أجرت عدد من الاتصالات مع شركائها لمساعدة الصحفيين على اجتياز هذه الظروف المعقدة.

وفي هذه الظروف الإستثنائية يجد الصحفيون أنفسهم محاصرون بين خطورة الواقع وقسوة المعيشة وضرورة إيفاءهم بالتزامهم الأخلاقي تجاه مهنتهم، والذي يُحتِّم عليهم العمل على عكس الوقائع، وتبصير الناس بالحقائق، مع الحفاظ على الدور الاجتماعي للإعلام في تعزيز السلم الأهلي ومحاربة خطاب الكراهية ونبذ العنف الذي هم ليسوا بمعزلٍ عنه.

اعتداءات وانتهاكات

منذ بداية الحرب، تعرض عدد من الصحفيين والعاملين بوسائل الإعلام لانتهاكات متواصلة هددت حياتهم، حيث تعددت أشكال هذه الإنتهاكات بدءاً بالإصابات بالأعيرة النارية في مناطق النزاع بالخرطوم ودارفور.

وفقاً لتقارير وبيانات صادرة حول الإنتهاكات ـ حتى الآن ـ  فإن هنالك سبعة صحفيين تعرضوا لإصابات متفاوتة الخطورة، وخمسة من العاملين بمجال الإعلام تم اعتقالهم وتوقيفهم، كما أن عدد كبير من المنازل الخاصة بإعلاميين تم الإعتداء عليها ونهبها وتعرضت منازل أخرى للدمار جرَّاء القصف الجوي ووقوع المقذوفات عليها.

الحرب أدت إلى تشريد حوالي (250) صحفياً وصحافية 

ويقول السكرتير العام لنقابة الصحفيين السودانيين، محمد عبد العزيز، إن النقابة ومنذ اندلاع القتال وثَّقت عدد من الإنتهاكات التي حدثت للصحفيين، وقد أصدرت النقابة تقريراً أوضحت فيه أوضاع الصحفيين منذ نشوب الاقتتال، أوردت فيه الإعتداء بالضرب على مراسل بي بي سي بالخرطوم  بواسطة جنود يتبعون للقوات المسلحة أثناء محاولته الوصول لمقر عمله، كما أن هنالك (١٧) عامل بوكالة السودان للأنباء، و(٥) صحفيين من قناتي الحرة وروسيا اليوم، و(٧) صحفيين من مكتب قناة الشرق الإخبارية، وعدد من صحفيي إذاعة هلا ٩٦، بجانب عدد من صحفيي الإذاعة والتلفزيون الرسميين. كل هؤلاء قد علقوا بمقار عملهم وتم إجلاء معظمهم بعد مُضي ٧٢ ساعة، فقد أصبح بقائهم مستحيلاً لانعدام المأكل والمشرب، خاصةً وأن تلك الأيام صادفت نهاية شهر رمضان.

حظيت قضية هؤلاء العالقين بتضامن عدد من الأجسام المهنية والنقابية محلياً وخارجياً، ففي السابع عشر من أبريل الماضي، أصدرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بياناً تضامنياً مع الصحفيين السودانيين، أدانت فيه الإعتداءات التي لحقت بالصحفيين واستهداف المؤسسات الإعلامية التي تُصنَّف كمؤسسات مدنية، وقالت إن استهداف الصحفيين ومؤسساتهم يدخل في طائلة جرائم الحرب.