إسلاميو السودان.. إبعاد من الجيش وتمثيل في حكومة الأمل

عاين- 26 أغسطس 2025

بدا واضحاً أن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، وهو رئيس مجلس السيادة أيضاً في حكومة بورتسودان، الأكثر قدرة على التعامل مع “المطلوبات الأميركية” بخفض وجود الضباط الموالين للإسلاميين داخل القوات المسلحة، وفق الروح التي سادت في الاجتماع الذي جرى بينه وبين المستشار الأميركي مسعد بولس مؤخرا- حسب إفادات دبلوماسي سوداني سابق بالاتحاد الأفريقي لـ(عاين).

وفي 11 أغسطس 2025 التقى قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان بمستشار البيت الأبيض مسعد بولس خلال اجتماع استغرق ثلاث ساعات سويسرا، ولم يعلن الطرفان اللقاء على نحو رسمي. قبل أن تكشف عنه وسائل إعلام دولية.

إذا نجح البرهان في مهمته قد يكون رجل المصالح الأميركية في السودان

دبلوماسي سوداني

يضيف الدبلوماسي السوداني السابق بالاتحاد الأفريقي: “المنخرطون في الملف السوداني من قبل الإدارة الأميركية يعتقدون أن الكرة في ملعب عبد الفتاح البرهان حيال تنفيذ المطلوبات الأميركية لوقف الحرب في السودان”.

ويزيد الدبلوماسي الذي فضل عدم ذكر اسمه: “اللقاء السوداني الأميركي في سويسرا وضع خارطة طريق لا تعني بالضرورة الاستمرار على طريقة الحكومتين غربا وشرقا، وفي الوقت ذاته واشنطن ليست على عُجالة لإطلاق عملية سياسية قبل ضمان وقف إطلاق النار على نحو دائم، والذي ناقشه الجانبان باستفاضة في سويسرا”.

قرارات بعد لقاء سويسرا

وعقب عودته بطائرة تتبع لدولة قطر من سويسرا، شرع قائد الجيش السوداني، في إزالة ما أسماه المحلل العسكري، محمد جاد الله “البيئة المحيطة بالقوات المسلحة” والتي تشمل كبار الضباط الذين لديهم ارتباط بشكل أو بآخر مع الإسلاميين خاصة علي كرتي الأمين العام للحركة الإسلامية الرجل الذي خلف البشير في التعامل مع بعض الضباط داخل الجيش السوداني- وفق جاد الله.

جنود من الجيش السوداني امام القصر الجمهوري وسط الخرطوم- الجمعة 21 مارس 2024- الصورة مواقع التواصل الاجتماعي

وحول قرارات قائد الجيش يعلق المحلل العسكري محمد جاد الله قائلا: “اللقاء الذي جرى بين البرهان ومستشار البيت الأبيض مسعد بولس في سويسرا في 11 أغسطس 2025 ناقش خطة عمل لخفض هيمنة تيارات سياسية على الجيش وقرارات الإقالة والترفيع جاءت ضمن الطلب الأميركي”.

ويضيف جاد الله في مقابلة مع (عاين): “مستندا على نتائج الاجتماع مع المستشار الأميركي تمكن البرهان من تنفيذ قرارات الترقية والإحالة إلى التقاعد، والتي تعطلت منذ شهرين بسبب خلافات داخلية”.

تفاهمات سبقت اجتماع سويسرا

وأبلغ مصدر حكومي من مجلس الوزراء السوداني في بورتسودان (عاين) أن اللقاء الذي جرى بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي والمستشار الأميركي يعتبر الثالث من نوعه بعد اجتماعيين افتراضيين سبقا لقاء سويسرا.

وكشف المصدر الحكومي، أن الاجتماعين الافتراضييين بين قائد الجيش السوداني والمستشار الأميركي عقدا خلال يوليو 2025، ثم أكمله الطرفان بلقاء سويسرا بشكل مباشر بمشاركة مسؤولي القطاع الأمني والمخابرات من الجانبين.

وأردف: “البرهان ناقش مع مسعد بولس خارطة طريق لوقف الحرب في السودان وإحياء العملية السياسية بمعزل عن قيام حكومتين في السودان”.

الإبقاء على التيار الناعم

ويعتقد الباحث في الشؤون الاستراتيجية والعلاقات الدولية، أمير الحاج، أن لقاء سويسرا بين البرهان وبولس ناقش “خفض نفوذ الإسلاميين” داخل الجيش السوداني، لكن ليست بطريقة “راديكالية” ولن يستطيع قائد الجيش تنفيذ هذه المهمة دون تحييد مجموعة الحمائم من الإسلاميين مقابل خفض نفوذ “مجموعة علي كرتي وأحمد هارون”.

وأوضح أمير الحاج لـ(عاين)، أن الأمين العام للحركة الإسلامية علي كرتي ورئيس حزب المؤتمر الوطني “المحلول” أحمد هارون لم يتصدرا المشهد السياسي بشكل مباشر خلال الحرب بين القوات السودانية والدعم السريع، لكنهما يؤثران بشكل كبير في محيط الجيش السوداني.

ويضيف: “أبقى البرهان على رئيس هيئة الأركان محمد عثمان الحسين، ولم تشمله قرارات الإحالة؛ لأنه مقرب من قائد الجيش وشخصيته غير مستقلة، ولا يفضل الدخول في مواجهات أو بناء طموح سياسي عبر انقلاب عسكري”.

وأردف أمير الحاج قائلا: “بإحالة قرابة 35 من كبار الضباط إلى التقاعد تمكن البرهان من تقليل نفوذ كرتي وهارون بنسبة كبيرة داخل الجيش السوداني”.

وتابع: “هذا لا يعني أن قائد الجيش السوداني سيتخلص من جميع الإسلاميين في وقت واحد هذا الأمر صعب جدا دون مساندة عسكرية من قوات متحالفة مع القوات المسلحة”. مشيرا إلى أن الإسلاميين لا يمكنهم مواجهة البرهان عسكريا لعوامل كثيرة أبرزها تآكل شعبيتهم وقدرة قائد الجيش على التحالفات العسكرية.

ويرى الحاج، أن لقاء سويسرا جعل الاجتماع بين قائدي الجيش والدعم السريع قابلا للحدوث أكثر من أي وقت مضى؛ لأن الولايات المتحدة وصلت إلى تفاهمات جيدة مع البرهان، وتعتمد على قدرة الأخير في حسم التيارات الرافضة لوقف الحرب.

ويقول الباحث في الشؤون الاستراتيجية والعلاقة الدولية أمير الحاج: إن “الاجتماع بين البرهان وبولس في سويسرا لم يأت دون مقدمات، بل كانت هناك تفاهمات أولية تمت عبر القنوات المباشرة والاتفاق على الخطوط العريضة”.

مراسل لـ(عاين) يعايش الحرب لعام كامل ويكتب من جنوب الخرطوم: (1 – 2)
مركبة عسكرية في الخرطوم

والأحد الماضي، توعد قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة الانتقالي بالمضي قدما في المعارك العسكرية وإنهاء وجود قوات الدعم السريع قائلا إن “التعايش مع المتمردين غير ممكن” وذلك في خطاب مرتجل أثناء مشاركته في عزاء مسؤول العمليات بكتيبة البراء بن مالك مهند إبراهيم في أم درمان”.

تصريحات البرهان بالقضاء على “المتمردين” جاءت بعد أقل من أسبوعين من الاجتماع مع المستشار الأميركي مسعد بولس، الأمر الذي فُسر سياسيا أنه “محاولة ترضية داخل كابينة التحالفات السياسية من بينهم تيار إسلامي يشدد على الاستمرار في المعارك العسكرية وعدم إلقاء البنادق”.

ويقول الباحث في الديمقراطية والسلام مجاهد أحمد: إن “اللقاء الذي جرى بين البرهان والمستشار الأميركي لا يعني بالضرورة استعداد قائد الجيش السوداني لتنفيذ (المطلوبات الأميركية) أو (خارطة الطريق الشفاهية) التي نُقلت له في سويسرا”.

إسلاميون في حكومة إدريس

وبينما ابتدر رئيس الوزراء المعين حديثا من قبل البرهان، كامل إدريس، مهمته بإكمال الحقائب الوزارية بتعيين 22 وزيرًا وإكمالها بتعيين أحمد التجاني المنصوري للثروة الحيوانية وترفيع هيثم إبراهيم من منصب وكيل وزارة الصحة إلى الوزير نهاية أغسطس 2025 يظهر رئيس الوزراء قلقا حيال عدم وجود تمويل مالي من المؤسسات الدولية لإنقاذ الاقتصاد الذي يشهد تدهورا كبيرا في العملة الوطنية وارتفاع الإنفاق العسكري على الحرب.

وتابع الباحث في الديمقراطية والسلام مجاهد أحمد في مقابلة مع (عاين): “الإسلاميون لن يقفوا متفرجين على قرارات البرهان بإحالة عناصر من الجيش لديها تنسيق معهم، وربما تمكن البرهان من عزل ثلاثة من كبار الضباط الذين لديهم ارتباط مع تيار كرتي وهارون، لكن هذا لا يعني انتهاء فك الارتباط”. ويتابع:”وجود الإسلاميين لا يقتصر على الجيش فقط، بل من خلال تركيزهم على المؤسسات المدنية في وزارات الخارجية والعدل سيما في حكومة كامل إدريس”.

الإسلاميون حصلوا على وزارتين في حكومة كامل إدريس

مصدر حكومي

ويقول أحمد: “وزير الدولة بوزارة الخارجية عمر صديق الذي عينه كامل إدريس في حكومته تم رفضه من قبل لجنة الترشيحات بقوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي- لأنه على صلة بحزب المؤتمر الوطني بعد أن رشحه حزب سياسي داخل الائتلاف السياسي آنذاك لتولي حقيبة الخارجية نهاية العام 2019 ضمن حكومة عبد الله حمدوك”.

رئيس حزب المؤتمر الوطني “المحلول”أحمد هارون- الصورة، وكالات

وأضاف مجاهد أحمد المهتم بالديمقراطية والسلام في السودان: “حرص الإسلاميين – تيار علي كرتي- على وضع عبد الله درف ضمن حكومة كامل إدريس وزيرا للعدل لضمان تشريعات تضمن حماية الإسلاميين والمصالح السياسية والاقتصادية بما في ذلك التجارة الخارجية من خلال القوانين التي تقدم لهم الحماية الكاملة”.

انحناء للعاصفة إلى حين

فيما يقر مصدر حكومي ضمن فريق حكومة كامل إدريس في حديث لـ(عاين) بوجود الإسلاميين في المؤسسات المدنية ضمن مفاصل الوحدات الحكومية، يشير إلى أن الإسلاميين قرروا الاكتفاء بكوادر لا تتصدر المشهد إلى حين الوصول إلى مرحلة إعلان عودتهم على نحو رسمي.

وأردف: “في اعتقادي تم اختيار وزير العدل من الشرق، حتى يتم الضغط عبر القيادات القبلية ليكون ضمن حكومة كامل إدريس، وفي الوقت ذاته لديه صلات وتنسيق مع الإسلاميين”.

ويكشف المصدر الحكومي عن معلومات أخرى حول قرارات البرهان التي جاءت ضمن سياق التقارب مع المجتمع الدولي باختيار أحد القضاة لرئاسة المحكمة الدستورية لا ينتمي إلى أي تيار سياسي. وزاد بالقول: “قرار تعيين نائب عام جديد على وشك المصادقة من رئيس مجلس السيادة الانتقالي ضمن سياق التقارب مع المجتمع الدولي لخفض التوتر في القضايا التي تلاحق بعض القيادات المدنية والتي قيدها النائب العام الفاتح طيفور”.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *