من هم الإسلاميون الذين يقودون معارك حرب السودان؟

عاين- 8 يناير 2025

من العاصمة الخرطوم إلى شرق وشمال ووسط السودان، جبهات قتال ملتهبة، يقف عليها قادة بارزون في نظام الحركة الإسلامية، وهم يقاتلون بضراوة إلى جانب الجيش، مع تبنيهم خطاباً داعياً إلى استمرار الحرب ورفض مطلق لأي جهود ترمي إلى تسوية النزاع سلمياً، عن طريق طاولة التفاوض.

ويرتفع صوت الإسلاميين عن قادة ومنسوبي الجيش السوداني، حيث يظهر مقاتلو الحركة الإسلامية في وسائل التواصل الاجتماعي مع أي تقدم للقوات المسلحة، رافعين شعارات التنظيم، وتوعد كل مخالفيه في الري، وكل من يدعو إلى إيقاف الحرب من القوى السياسية والمدنية، وهو ما دفع كثيرين إلى الاعتقاد بأن عناصر النظام المخلوع هم من يتحكمون في قرار القوات المسلحة.

ويفرض تصدر الإسلاميين للمشهد العسكري والسياسي واقع جديد فيما يتعلق بالجدل الدائر بشأن “من أطلق الرصاصة الأولى” في الحرب المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع لأكثر من عشرين شهراً، إذا كان الطرفان يتبادلان الاتهامات حول المتسبب الرئيسي في إشعال هذا الصراع المدمر في السودان.

مقاتلون من لواء البراء بن مالك، الصورة مواقع التواصل الاجتماعي

ويجري اتهام الإسلاميين على الدوام، بالتسبب في استمرار الحرب من خلال السيطرة على قرار الجيش، وإجهاض المبادرات الساعية لدفع الطرفين إلى طاولة التفاوض، وهم يستندون إلى تحكمهم الميداني على سير المعارك عبر كوادرهم المنتشرة في كل الجبهات، بولايات الجزيرة، سنار، النيل الأبيض، القضارف، ونهر النيل، ومدينتي الخرطوم وبحري في العاصمة السودانية، فمن هم هؤلاء العناصر الإسلامية الذين يقودون القتال؟

بالنظر إلى الجبهات الساخنة على مدار 6 أشهر ماضية، وهي الفترة التي بدأ فيها الجيش فعليا شن هجمات على قوات الدعم السريع بعدما ما كان في خانة الدفاع، أن اثنين من أبرز العناصر الإسلامية هما الناجي عبد الله، والنيل الفاضل يقودان جبهة الحرب في محور مدينة المناقل غربي ولاية الجزيرة.

“ساجد البشير”

النيل الفاضل هو أحد أكثر عناصر حزب المؤتمر الوطني، الذراع السياسي للحركة الإسلامية، إثارة للجدل في المشهد السوداني، واشتهر بسجوده أمام موكب الرئيس المخلوع عمر البشير الذي كان عائداً من رحلة استشفاء خارج البلاد، وذلك في العام 2013، كان النيل وقتها رئيساً للاتحاد العام للطلاب السودانيين.

وتروي مسيرة النيل الفاضل انتماء صارماً للحركة الإسلامية، فكان أحد أهم كوادرها في جامعة الخرطوم الذين يتميزون بالخطابة والعنف، ومنخرطاً فيما يعرف بالكتائب الجهادية، وبعد تخرجه أسندت له رئاسة الاتحاد العام للشباب السودانيين، أحد واجهات حزب المؤتمر الوطني للسيطرة على قطاع الطلاب، ومن ثم تقلد رئاسة مجلس شباب الأحزاب.

وخلال فترة توليه رئاسة الاتحاد العام للطلاب السودانيين، تبرع النيل الفاضل بمبلغ 20 الف دولار لحركة حماس، تحت ما أسماه دعماً للمقاومة الفلسطينية، ووجدت الخطوة وقتها رفضاً واسعاً، وأثارت الجدل كون هذه المبالغ كان أولى بها الطلاب السودانيون الذين يعانون الجوع في المجمعات السكنية، وذلك بحسب ما وثقته وسائل الإعلام السودانية وقتها.

وبعد اندلاع الثورة الشعبية ضد نظام الحركة الإسلامية في العام 2019 وسقوط حكم الرئيس المخلوع، توجه النيل الفاضل إلى مسقط رأسه في ولاية الجزيرة أواسط السودان، وقضى وقتاً قليلاً، قبل أن يعود إلى العاصمة الخرطوم في حركة الزحف الأخضر وهي مظاهرات تنظمها جماعة الإخوان وحلفاؤها بغرض تقويض الحكومة الانتقالية التي كان يقودها الدكتور عبد الله حمدوك.

ومع اندلاع الحرب عاد إلى ولاية الجزيرة مجددا، وانخرط في ما يسمى بالاستنفار الشعبي لصالح الجيش، وبعد سقوط عاصمة الولاية ود مدني ذهب إلى المناقل، وصار مقاتلا في هذه الجبهة، وظل يخرج في مقاطع مصورة بشكل دوري يؤكد فيها عزمهم القضاء على قوات الدعم السريع واستعادة السيطرة على مدني، وإلى جانبه عدد من العناصر الإخوانية، بينهم القيادي في حزب المؤتمر الشعبي، الناجي عبد الله، الذي كان فاعلاً في مظاهرات “الزحف الأخضر”.

تصاعد أعمدة الدخان جراء المعارك العسكرية من شارع فرعي في أحد احياء مدينة أم درمان

 وفي شرق السودان، ينخرط القيادي الإسلامي ناجي مصطفى بدوي في جبهة القتال مع الجيش في محور الفاو بولاية القضارف، وبمعيته وفق متابعات مراسل (عاين) شباب وعناصر في جهاز الأمن وهيئة العمليات ذوي الولاء الشديد للحركة الإسلامية، كما يتولى مهمة تنسيق الاستنفار الشعبي للقتال بجانب الجيش.

اعتصام القصر

ولم يكن لناجي مصطفى بدوي مسيرة واضحة مع الحركة الإسلامية، وبرز إلى المشهد كقيادي بخلفية تنظيم الإخوان بعد سقوط الرئيس عمر البشير بثورة شعبية، وكان قبلها أكاديميا يعمل في جامعتي أمدرمان الإسلامية والقرآن الكريم، ونشط في مظاهرات الزحف الأخضر، ومن ثم ما عرف شعبياً بـ”اعتصام الموز” الذي نظمه حزب المؤتمر الوطني المحلول وبعض حلفاء العسكريين أمام القصر الرئاسي بالخرطوم، والذي أعقبه بأيام الانقلاب العسكري لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان على الحكومة الانتقالية.

وكان ناجي مصطفى من مؤسسي حركة المستقبل للإصلاح والتنمية في منتصف مارس من العام 2023م، أي قبل شهر واحد من اندلاع الحرب، وتقلد منصب الأمين السياسي لها، وهي تضم قيادات إخوانية بارزة مثل والي ولاية شمال دارفور سابقاً عبد الواحد يوسف، وهشام الشواني وغيرهم، وقد أعلن هذا التنظيم مبكراً انحيازه وولاءه للجيش، كما قامت إدارة فيس بوك بإغلاق حسابات هذه الحركة في وقت سابق.

وفي وقت سابق من ذات العام الذي تأسست فيه حركة المستقبل للإصلاح والتنمية، قضت محكمة مكافحة الإرهاب في الخرطوم بالسجن 20 عاماً على ناجي مصطفى؛ بسبب نشره مقطعاً مصوراً، وخلفه مسلحون ملثمون، وهو يهدد ويتوعد الحكومة الانتقالية حال مضت في إقامة علاقات ثنائية مع إسرائيل.

ويظهر الناجي مصطفى باستمرار في مقاطع مصورة مرتديا الزي العسكري للجيش من محور القتال في الفاو بولاية القضارف، وهو يتوعد باستعادة مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، وما يسميه بتحرير السودان من قوات الدعم السريع.

وعلى محور ولاية سنار يقف معمر موسى، صاحب الخلفية الإسلامية وهو يتزعم ما يعرف بـ”نداء الوسط” الذي يتولى عملية الاستنفار للقتال إلى جانب الجيش في معاركه ضد قوات الدعم السريع، ومن الحين إلى الآخر يستعرض نداء الوسط على صفحته الرسمية بفيس بوك مقاطع مصورة لقوات عسكرية تتبع له، وهي تتأهب للقتال مع الجيش.

نشاط معادٍ

برز معمر موسى في المشهد السياسي في السوداني بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير بالثورة الشعبية في العام 2019م، وهو يقود خطاً مناهضاً للحكومة الانتقالية، قبل أن يُعْتَقَل في العام 2020 على خلفية دخوله مقر لجنة إزالة التمكين ومكافحة الفساد في الخرطوم وقيامه بتصوير لوحات سيارات مسؤولي اللجنة، بحسب رواية الشرطة، بينما ينفي هو هذه التهمة، وقال وقتها إنه زار اللجنة للاستفسار عن بعض الأمور، وأُطْلِق سراحه بعد محاكمة استمرت عدة أشهر.

وبعد ذلك وفق متابعات (عاين) انخرط معمر موسى في مخطط مظاهرات الزحف الأخضر التي يقودها الإسلاميون بهدف إسقاط الحكومة الانتقالية، ومن ثم أسس مع عناصر آخرين في تنظيم الإخوان ما عُرف بتحالف الحراك الشعبي الموحد، وكان فاعلاً في كيانات ذات خلفية إخوانية مثل تيار المستقبل، والتيار الإسلامي العريض، وجميعها كانت تعمل ضد التحول المدني الديمقراطي.

مقاتلون من لواء البراء بن مالك، الصورة مواقع التواصل الاجتماعي

ومع اندلاع الحرب أعلن معمر موسى دعمه للجيش، وهو يرى في ذلك توجهاً يضمن حماية الأرض والعرض والوطن، وذهب لاحقاً إلى ولاية سنار، وأسس نداء الوسط الذي يتولى منصب المنسق الرئيسي له حالياً، وهو تنظيم يستنفر لصالح القوات المسلحة والقتال معها في هذه الجبهة الساخنة.

الكادر الإخواني شهاب برج، هو الآخر يقود المعارك إلى جانب الجيش في محور النيل الأبيض وسنار، وظهر في مقاطع مصورة خلال معارك الجيش مع الدعم السريع في منطقة جبل مويا، وفي معارك غرب وجنوب ولاية النيل الأبيض.

وبرج هو عنصر يتبع للحركة الإسلامية، وكان أحد كوادرها في جامعة الخرطوم، وكان يقود الاستنفار لما تسميه الحركة بالجهاد، وقاتل في صفوف الجيش ضد الحركة الشعبية في دولة جنوب السودان قبل استقلالها، وفي العام 2013 أُسِر من قبل الحركة الشعبية قطاع الشمال خلال معارك في منطقة أبو كرشولا في ولاية جنوب كردفان، وأُفْرِج عنه بمبادرة حسن النوايا من الشعبية في العام 2017م.

وأعلن برج الذي ينحدر من منطقة الجبلين في ولاية النيل الأبيض بعد وصوله من الأسر، أنه سيكون رسولاً للسلام ورفض الحرب، لكنه بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير انخرط في تنظيم مظاهرات الزحف الأخضر الرامية لإسقاط الحكومة الانتقالية، وبعد اندلاع الحرب ارتدى الزي العسكري، وهو يقود المعارك في محوري النيل الأبيض وسنار حالياً.

تحكم القتال

ويشير المحلل السياسي صلاح حسن جمعة، إلى أن الإسلاميين موجودون في كل المحاور، وهو ما دفع عبد الحي يوسف للحديث من مصدر قوة عندما تحدى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بعدم قدرته على إقصاء الإسلاميين، وأنهم موجودون حتى داخل مكتبه.

ويقول جمعة في مقابلة مع (عاين) إن رد البرهان على عبد الحي الذي كان فحواه بأن كل جهة لها مقاتلون مع الجيش تسحبهم، أدى إلى تعطيل العمل في مختلف الجبهات، خاصة محور المناقل الذي يقوده الناجي عبد الله والنعمان عبد الحليم والنيل الفاضل، ومحور الفاو، الذي يقوده ناجي مصطفى، والنيل الأبيض – سنار، والذي يوجد به شهاب برج وفرحات ود العمدة، وتبقى محور واحد فقط نشط في بحري تقوده كتائب البراء بإشراف مباشر من ياسر العطا.

ويضيف:”كل هذه المحاور كانت متجهة نحو مدني، لكنها توقفت بعد ملاسنات البرهان وعبد الحي، وأصبح الجيش يعمل فقط بدرع البطانة الذي يقوده أبو عاقلة كيكل، القائد المنشق عن قوات الدعم السريع، وهو ما يؤكد قيادة الإسلاميين لهذه الحرب والتحكم في مجرياتها”.

من جهته، يقول المحلل السياسي الجميل الفاضل لـ(عاين): إن “الإسلاميين يخوضون هذه الحرب، بمنطق أن هذه الحرب هي حربهم هم أولا وأخيرا، وليست حرب أي جهة أخرى تحارب إلى جانبهم، سواء كانت هذه الجهة هي الجيش أو الحركات المسلحة أو المستنفرين”.

ما المصلحة؟

ويقول الفاضل: “يرى الإسلاميون أن هذه حرب وجود وبقاء، حرب حياة أو موت لتنظيمهم، وقد اعترف قادة كبار في التنظيم الإسلامي منهم أمين حسن عمر والشيخ عبد الحي يوسف بدور الإخوان الكبير جدا في المعارك الجارية على الأرض، والتي فقدوا فيها أرواح ألفين من شبابهم وفق أمين حسن عمر. ومن واقع الحرب هذا يبدو الإسلاميين هم من يتحكمون ميدانيا في إدارة الحرب. ومن هنا نشأت معضلة أن القوات المسلحة لا تمتلك قرار وقف الحرب”.

وليس ببعيد من ذلك يقول الصحفي المتخصص في الجماعات الإسلامية عبد الواحد إبراهيم لـ(عاين): إن “المسؤول الأساسي عن إشعال الحرب الحالية هم الإسلاميون، وهم من دفعوا عبد الفتاح البرهان لاتخاذ قرار الحرب، فقد كانوا رافضين للفترة الانتقالية ومحاسبتهم، ولن يسمحوا بإيقاف القتال إلا بموجب إتفاق يضمن عودتهم إلى السلطة لمواصلة مشروع التمكين، والحماية من المحاكمة”.

وشدد أن وجود الإسلاميين على قيادة المعارك سيؤدي إلى استمرار الحرب لأطول فترة ممكنة إلى حين ضمان مصالحهم وعودتهم إلى الحكم، فهذا ديدن هذه العصابة المجرمة التي يمثل وجودها عار على الجيش الذي أجبره الإخوان على الحرب من خلال استغلالهم لعلاقات اسرية وغرائبية مع قيادته، البرهان وغيره.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *