ماذا قال إسلاميو السودان عن الحكومة الموازية؟
عاين- 2 يناير 2025
منذ إعلان قوى سياسية وحركات مسلحة عزمها تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع في السودان، لم يتوقف الجدل في المشهد السياسي، وسط تباين واسع في وجهات النظر والمواقف بشأنها، إذ يرى البعض أنها ستشكل ضغطاً على سلطة الجيش في بورتسودان ودفعها نحو السلام، بينما يرفضها آخرون بوصفها مدخلاً لتقسيم البلاد.
ومع تسارع خطى هذه المكونات في تكوين الحكومة، بدت الحاجة ملحة لكسر جدار الصمت الذي يخيم على الحكومة التي يقودها الجيش، وحلفاؤها الإسلاميون، تجاه هذه الحركات التي ربما تشكل نقطة تحول كبيرة في مسار الأزمة التي تعيشها البلاد، وذلك بغرض التعرف على وجهات نظرهم حول مساعي تأسيس سلطة موازية، من أول مهامها – بحسب القائمين على أمرها – ما وصفوه بسحب الشرعية عن الحكومة التي تتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها.
وفي أول رد فعل رسمي قال عضو مجلس السيادة السوداني عبد الله يحيى في تصريح لـ(عاين)، إنهم في الحكومة غير مهتمين بما يجري الحديث عنه بشأن تكوين حكومة موازية وغيرها، فهي لا تعدو في تقديرهم عن كونها فرقعة إعلامية.
وتساءل يحيى، عن حجم القوى التي تروج لذلك وما إن كانت تمثل أحزاباً سياسية تحظى بتأييد الشعب السوداني، وأضاف “ما اُتُّخِذ من قرارات لا سيما تغيير العملة وعقد امتحانات الشهادة الثانوية هي من صميم واجبات الدولة”.
وشدد بعدم وجود أي مناطق نفوذ لقوات الدعم السريع التي وصفها في نص حديثه بـ”المليشيا”، “نحن نخوض حرباً ونتقدم يومياً والدعم السريع تفقد وتنهار، ولن يكون لها وجود في السودان خلال المدى القريب”.
ويقود عبد الله يحيى تجمع قوى تحرير السودان، والذي انحاز إلى الجيش، وانخرط في القتال إلى جانبه، وذلك بعد خلاف مع رئيس التحالف الطاهر حجر، وعُيِّن عضواً في مجلس السيادة في أغسطس الماضي، بديلاً لحجر الذي أعلن حياده حيال الحرب الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع لما يقارب الـ20 شهراً.
سلاح سياسي
بينما يقود رئيس قوى تجمع تحرير السودان الذي انشق لفصيلين، الطاهر حجر، مع بعض مكونات الجبهة الثورية بما فيهم رئيسها الدكتور الهادي إدريس، وسليمان صندل، مساعي مكثفة لتكوين حكومة موازية تعمل من الأرض في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وهي جزء من العاصمة الخرطوم وكردفان ودارفور والجزيرة، وتجد هذه الخطوات الدعم من قوات الدعم السريع.
وتبرر هذه القوى خطوتها، برفض الحكومة التي يقودها الجيش من بورتسودان لكل مبادرات السلام، ومع تطاول أمد الحرب تفاقمت معاناة السكان في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع؛ مما حتم وجود سلطة تطلع بمسؤولياتها تجاه المدنيين، إلى جانب شروع الجيش فيما وصفوها بإجراءات انفصالية مثل استبدال العملة وعقد امتحانات الشهادة السودانية في مناطق سيطرته وحرمان الطلاب الآخرين من هذا الحق، الأمر الذي استوجب وجود حكومة تدعم السلام ووحدة البلاد، حسب رأيهم.
ويقول الأمين السياسي لحركة المستقبل للإصلاح والتنمية، هشام الشواني في مقابلة مع (عاين): إن “التحركات لإعلان حكومة من بعض الجهات، سواء كانت في بعض مناطق قوات الدعم السريع -أسماها (المليشيا) – أو حكومة منفى، كل تلك الدعوات هي جزء من أدوات الحرب نفسها على السودان، ونحن لا ننظر إليها كنتيجة للحرب، بل ننظر إليها كسلاح سياسي وإعلامي يستخدم في الحرب نفسها، ويستهدف به السودان نفسه كدولة وكوجود”.
وشدد أمين الحركة ذات التوجهات الإسلامية، على أنهم “يرونها تحركات مشبوهة، وتنشط فيها دوائر الدعم السريع ودول إقليمية تستهدف السودان وقوى سياسية متحالفة مع الدعم السريع. بالمعنى العملي أثبتت التجربة أن الدعم السريع ضد الدولة نفسها، ضد حالة الدولة من حيث هي دولة ونظام وقانون عام. تركيبة هذه القوات ومنطقها هو نفسه ضد الدولة”.
وأضاف الشواني: “وجهة نظرنا واضحة أن المهم اليوم لنا كسودانيين أن نحافظ على الدولة ومؤسساتها، ولا يمكن بأي حال تبرير خطاب تفكيك الدولة وهزيمتها؛ لأن المشاكل الداخلية تحل بالإصلاح والتدرج، وهذه ليست مجرد حكمة فقط، بل هي ضرورة موضوعية في إقليم مضطرب وجغرافي خطرة من حولنا”.
ويشير إلى عدم وجود أي إجراءات انفصالية قامت بها الحكومة، أن أصحاب هذا الخطاب من قوات الدعم السريع أو جماعة داخل تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” مخطئين تماماً. ويضيف: “من ناحية الشرعية هناك حكومة واحدة، مع وجود مناطق تشتد فيها المعارك، ونزح أهلها إلى مناطق سيطرة الجيش، ومن تبقى منهم يدرك أن الدعم السريع لا تملك شرعية حقيقية، من جانبنا كقوى سياسية مدنية سنعمل على مواجهة مخطط الدعم السريع السياسي وتضليل حلفائها السياسيين، وفي كل الحالات، فإن أفقنا منفتح لكل ما يخدم السودان”.
تفتيت السودان
وتخطط هذه القوى إلى تكوين حكومة بكامل السلطات والصلاحيات، بما فيها سلطة إصدار العملة واستخراج الأوراق الثبوتية للمواطنين، على أن يكون لها ترتيبات دستورية مستقلة، وثلاثة مستويات للسلطة، سيادي، تنفيذي تشريعي، بحسب ما أكده قيادي بالتحالف لـ(عاين) في وقت سابق.
وفي السياق نفسه، يقول الصحفي المنتمي للإسلاميين، عبد الماجد عبد الحميد، إن قوات الدعم السريع والقوى السياسية المتحالفة معها هما أدوات للقوى الدولية الكبرى التي تنيب عنها دولة الإمارات، لتفتيت السودان تحت ذرائع واهية، وضعيفة.
وشدد عبد الحميد خلال مقابلة مع (عاين)، أن كل ما تقوم به الحكومة من إجراءات هو صميم عملها فهي حكومة السودان وما سواها تمرد صريح، والذين يفكرون في إقامة حكومة مستقلة عليهم استفتاء الشعب السوداني، وسيجدون كيف سيرفض هذه الخطوة الانفصالية.
ويضيف عبد الحميد: “هذه الخطوة تأتي رغما عن أصحاب المصلحة وهي مرفوضة ومبرراتها واهية، طباعة العملة وامتحان الشهادة الثانوية من أعمال السيادة، فهناك أكثر من 5 آلاف طالب وطالبة خرجوا من مناطق سيطرة الدعم السريع، ووصلوا وجلسوا إلى الامتحان في الولايات التي يسيطر عليها الجيش، وهذا دلالة على أن ما يجري لا علاقة له برغبات السودانيين”.
وتوعد عبد الماجد، بأن الإسلاميين، وكل السودانيين سيقامون فكرة تكوين حكومة موازية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، بتحرير كل المناطق وطرد ما وصفها بالمجموعات العميلة، وهي تجربة لن تصمد؛ لأنها لن تضيف أي شيء لهذه المناطق.
من جهته، يقول الأمين العام لحركة الإصلاح الآن راشد تاج السر، في مقابلة مع (عاين)، إنهم “غير مهتمين بالتحركات الساعية لتشكيل حكومة موازية، ولن يشغلوا بالهم بها”. وحسب تقديره “فهو أمر محكوم عليه بالفشل، ولنا في تجربة الإدارة المدنية التي أنشأها الدعم السريع بالتعاون مع ذات القوى السياسية في ولاية الجزيرة وجزء من ولاية الخرطوم وغرب دارفور وجنوب دارفور خير شاهد على فشلهم”.
وشدد تاج السر، أن “ما يجري مناورة سياسية فارغة المضمون والمحتوى، وستوضح من الساعي إلى وحدة البلاد ومن الذي يعمل على تقسيم البلاد، وستفضح بقية الدول الداعمة والمساندة لمشروع تقسيم السودان، وستفضي إلى تعرية بعض الأسماء الكبيرة في الساحة السياسية، والتي تستعد الآن لتولي المناصب في مجلس سيادة الدعم السريع ومجلس وزراء القتلة والمجرمين”.
وتابع: “ستكشف الخطوة عن سوءات الأحزاب التي تدعي الوطنية، وهي تفاوض الآن سرا حتى تجد لها موطئ قدم في حكومة الدعم السريع”.
إيقاف الحرب
وينفي تحالف القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” على الدوام أي صلة تربطه مع قوات الدعم السريع، كما رفض مقترح تكوين حكومة منفى خلال اجتماعات عقدها مطلع ديسمبر الجاري في مدينة عنتيبي الأوغندية، لكن بعض مكوناته مضت بشكل مستقل في فكرة تكوين حكومة تعمل من الأرض في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع.
ورغم حالة الرفض المطلق من الإسلاميين لفكرة تكوين حكومة موازية في مناطق الدعم السريع، فإن بعضهم يرى وجود مبررات لهذا التوجه، ويتوجب وقف الحرب للحيلولة دون إنفاذه حفاظاً على وحدة البلاد.
ويقول القيادي في حزب المؤتمر الشعبي المحامي، كمال عمر، إن “حكومة الأمر الواقع في بورتسودان، هي التي دفعت الجبهة الثورية والقوى التي معها إلى المضي في فكرة تكوين حكومة موازية، وفي الأصل لا توجد شرعية في البلاد، فهي انتهت منذ كتابة الوثيقة الدستورية، وعزز هذه الفوضى انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، والحرب قضت على كل شيء، فالسودان فقد الشرعية الدستورية”.
ويضيف عمر في مقابلة مع (عاين): “السودان يعيش احتراب أشبه بالحرب الأهلية، ففكرت هذه القوى مناهضة الحكومة في بورتسودان، بإجراء سياسي يخصهم، ونحن لا نتفق معهم، ونقوم مع عدد من القوى بالسعي لتوحيد القوى المدنية للعمل في اتجاه السلام، لمنع انزلاق البلاد في أتون التقسيم، أو في حرب أهلية شاملة”.
وتابع: “دعاة الحرب يريدون الحكم، فكل من يدعو إلى القتال لديه برنامج يريد أن يحكم به السودان، لكن في الواقع أن الحرب لا تأتي بالحكم، وإنما تجلب الدمار والخراب والقتل، كما تأتي بالمحكمة الجنائية الدولية، لذلك نحن من دعاة إيقافها والدخول في عملية سياسية تفضي إلى توحيد أهل السودان”.