الإسلاميون في حرب السودان.. أيادٍ على زناد الأزمة
عاين -19 مارس 2024
تلاحق إسلاميو السودان الاتهامات بالتورط في إشعال الحرب الدائرة الآن ضمن مخطط يرمي لقطع الطريق أمام التحول الديمقراطي في البلاد، لكنهم ظلوا يفندون تلك التهمة باستمرار، لكن مع قرب دخول الصراع عامه الثاني، بدأت الأقنعة تتكشف وتفصح عن أيادي هذا التنظيم في القتال الحالي.
ومع اندلاع الحرب كانت أصوات الإسلاميين ترتفع منادية باستمرارها حتى هزيمة قوات الدعم السريع، وكان لنشاط الإسلاميين في فشل العديد من المبادرات الإقليمية والدولية الساعية لحل الصراع عبر التفاوض دون الحسم العسكري، وسط مخاوف من استمرار هذا النشاط الذي من شأنه أن يشكل عقبة أمام المساعي المستقبلية.
تصدّر التنظيم الإسلامي المشهد السياسي والعسكري مع استخدام مؤسسات الدولة، لا سيما وزارة الخارجية لتبني رؤيتهم السياسية وتسويقها عالمياً بما في ذلك مناهضة جهود وقف الحرب، وهو ما يقود إلى مزيد من التعقيد في الأزمة وإطالة أمد الصراع. بجانب نشاط مجموعات إسلامية تقاتل مع الجيش ابرزها “كتائب البراء“.
وبعد 11 شهراً من القتال، وصل الحال في السودان إلى وضع إنساني كارثي مع تحذيرات أممية من أكبر أزمة جوع في العالم، كما أدى الصراع إلى مقتل 13 ألفاً من المدنيين ونزوح 7.1 ملايين شخص، وفق الأمم المتحدة.
“برزت عدة شواهد تظهر صلة الإسلاميين باندلاع الحرب، سواء كانت شهادات أو إفادات، أبرزها ما ذكره نائب الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي محمد بدر الدين حول اتصالات أجراها علي كرتي مع أمين عام المؤتمر الشعبي علي الحاج لإقناعه باشتراكهم في الحرب قبل اندلاعها”. يقول القيادي في حزب التحالف السوداني وعضو المجلس المركزي لقوى الحرب والتغيير، ماهر أبو الجوخ خلال مقابلة مع (عاين).
وبحسب أبو الجوخ، فإن ثمة شواهد أخرى تمثلت في التهديد بإشعال الحرب أو خلالها بظهور المجموعات العسكرية المرتبطة بالإسلاميين مع تزايد خروجهم للعلن في منتصف الشهر الجاري وإشرافهم على معسكرات الاستنفار لصالح الجيش في الولايات.
ويضيف: “كل هذه وقائع وشواهد تؤكد بشكل واضح أن هذه حرب الإسلاميين التي يخوضونها للعودة إلى السلطة، وإن أدى ذلك لتدمير السودان، فالمهم بالنسبة لهم الاستيلاء على السلطة مجدداً وتقويض ثورة ديسمبر المجيدة وتصفية القوى الديمقراطية والمدنية”.
رفض التهدئة
وعشية سيطرة الجيش على مقر الإذاعة، صرح الأمين العام للحركة الإسلامية علي كرتي لصحيفة الشرق الأوسط بأنهم لن يقبلوا أي هدنة مع قوات الدعم السريع، وذلك رداُ على مشروع قرار بريطاني وافق عليه مجلس الأمن الدولي، يطلب من طرفي الحرب في السودان وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان الحالي، وتزامن ذلك مع ظهور مكثف للعناصر الإخوانية في المشهد العسكري.
ويقول ماهر أبو الجوخ إن “عناصر تنظيم الإخوان المحلول تعمدوا الظهور في هذا التوقيت بغرض الترويج لأنفسهم بأنهم العامل الحاسم والمرجح في الحرب من أجل خلق وضع سياسي وجماهيري شعبي، وحتى وضع عسكري بالضغط على قيادة الجيش لعدم تجاوزهم في أي إجراءات، وهو ما وضح جلياً في إعاقتهم لمفاوضات جدة ووساطة الإيقاد، ومحادثات المنامة التي توصلت بالفعل لاتفاق في قضايا محددة ومشركة”.
وشدد أن الإخوان يسعون إلى تعقيد المشهد أكثر ببعض التحالفات الإقليمية خاصة مع إيران، ويرغبون في تحويل القتال إلى حرب أهلية شاملة، لكن هذا السيناريو سيرتد عليهم؛ لأن الحرب الشاملة سيكون فيها أكثر من مركز قيادة وقرار، فبالتالي لن يكونوا القوة الفاعلة، بل جزء من القوى المسيطرة على المشهد والصراع، على نحو الصراع في الصومال الذي بدأ بطرفين، وانتهى بأكثر من 20 طرفاً ومجموعة مسلحة.
وتحولت وزارة الخارجية إلى ما يشبه المؤسسة الخاصة بتنظيم الإخوان من خلال تبني خطهم السياسي والترويج له على المستويين الدولي والإقليمي، إلى جانب خلق بعض التحالفات الدولية وإعادة العلاقات الثنائية مع إيران بعد قطيعة دامت لسنوات، في صفقة غامضة تردد حصول الجيش على دعم عسكري من طهران نظير منحها قاعدة عسكرية على البحر الأحمر.
ويعول الصحفي والمحلل السياسي الجميل الفاضل، على الضغط الدولي لدفع الإسلاميين إلى التخلي عن موقفهم الرافض لاستمرار الحرب وقبول السلام حيث بلغ هذا الضغط ذروته بقرار مجلس الأمن الدولي الأخير الذي طلب من طرفي الصراع وقفاً لإطلاق النار خلال شهر رمضان.
ويقول الفاضل في مقابلة مع (عاين): إن “ميزان السيطرة الميدانية لطرفي الحرب التي دخلت شهرها الحادي عشر، قد تؤدي إلى تسرب ونفاد الأمل في إمكانية حسمها عسكرياً لصالح أي من الطرفين المنهكين، ومن ثم فإن حالة توازن الرهق الراهنة، ربما يقود إلى ما يشبه فقدان الأعصاب لدى هذا الطرف أو ذلك، مما يدفع الإسلاميين للتخلي عن مخططهم الرامي لاستمرار الحرب”.
ويضيف: “كلما تطاول أمد الحرب، سيبدأ صبر القوى الإقليمية والدولية في النفاد لتمارس مزيداً من الضغط، حينها لن يجد الإسلاميون مناصاً من إسقاط ما تبقى من أقنعة، كما أن تحركات تنسيقية القوى المدنية والإقليمية ستدفعهم دفعاً لإبراز بصمتهم الخاصة لمنع تجاوزهم، ولكيلا يفوتهم قطار أي تسوية سياسية محتملة ترسم مستقبل البلاد”.
انهيار تام
وفشلت العديد من المبادرات الدولية والإقليمية في تهدئة الأوضاع في السودان بما في ذلك منبر جدة ووساطة إيقاد، ومنبر جدة، وقرار مجلس الأمن الدولي الذي طلب من الطرفين وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان، بينما تتصاعد وتيرة المعارك التي يتقدمها فلول الإخوان.
وبحسب أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية البروفيسور صلاح الدومة، فإن ارتفاع صوت الإسلاميين يعقد المسرح؛ لأنه يوحي للمراقبين والمحللين بأنهم مسيطرون على السلطة، وسوف يستمرون فيها بالنهج نفسه، لكن في الواقع الوضع يمضي بنهايتهم، فالدولة في حالة انهيار تام ولا يمتلكوا قوة عسكرية واقتصادية، وليس لهم حلفاء على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.
ويشير الدومة في مقابلة مع (عاين) إلى أن الإسلاميين ليس لهم سند جماهيري، ولا عسكري حتى كتائبهم هذه من السهل كسر بندقيتها إذا هب السودانيون ضدهم وجاروهم بنفس منطق قوة السلاح، بينما كان لديهم حليف إقليمي واحد وهي مصر، والتي بدأت في التنصل عنهم بعد قناعتها بعدم جدوى دعم الفاشل بشكل لا نهائي، فأدارت ظهرها “للفلول والدولة العميقة”.