الاقتصاد السوداني: أرقام ومؤشرات صادمة وسط تفاؤل قوى (الإطاري)
27 فبراير 2023
وسط العاصمة السودانية تجد “باعة الدولارات” يقفون على الطرقات للعمل في تجارة العملات التي انتشرت مؤخرا في أعقاب تحجيمها بواسطة لجنة التفكيك التي جمد عملها قائد الجيش بعد يومين من الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021.
لا يملك هذا البلد في نظر الخبراء الاقتصاديين الحلول القريبة لإنقاذ الوضع الاقتصادي وايقافه من التدهور هذا العام في وقت تأخرت الموازنة المالية لهذا العام شهرين عن موعدها بسبب العجز ووضع ضرائب جديدة على مستهلكي في السلع المستوردة مع زيادة مرتقبة في أسعار الكهرباء وغاز الطبخ خلال الشهر القادم -بحسب مسؤول سابق في وزارة المالية تحدث لـ(عاين).
مؤشرات سيئة
يتوقع الباحث الاقتصادي أحمد بن عمر، بأن الوضع الاقتصادي قد يزداد تدهورا مع غياب الرؤية السياسية لأن الوضع الاقتصادي انعكاس للأزمة التي تواجه السلطة الانتقالية منذ سقوط المخلوع.
وفي أحدث تصريح لوزير المالية السوداني الدكتور جبريل ابراهيم قال لـ CNBC عربية إن السودان يواجه تحديات اقتصادية كبيرة مؤكداً سعي بلاده للتصدي للتحديات في التحول إلى الاقتصاد الرقمي. وقال إن “السودان يسعى للوصول إلى الاستثمار بنسبة 40% في مجال التعليم والصحة من موازنة العامين القادمين وأن أكثر من 2.5 تريليون جنيه سوداني تحصيلات ضريبية متوقعة للعام الحالي”.
خبير اقتصادي يتوقع ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي إلى 800 جنيه هذا العام
الاقتصادي، معتصم الأقرع يقول إن الوضع بدأ في الانهيار في عهد سنوات الرئيس المخلوع عمر البشير، وعندما بلغ سعر الصرف في السوق الموازي 65 جنيها في نهاية العام 2019 كانت الحكومة الانتقالية في أول عهدها تحتاج إلى سياسات اقتصادية تحمي سعر الصرف وتتدرج في التخفيض لكنها نفذت وصفة قاسية أشبه بالصدمة الاقتصادية في العام 2020 بزيادة أسعار الوقود والسلع الإستراتيجية وهي النقطة التي انطلقت منها الأزمة الاقتصادية مجددا في فترة ما بعد المخلوع.
ويرى الأقرع، أن الأزمة الاقتصادية في السودان نتيجة أزمة سياسية ولابد من حكومة مسؤولة عن ادارة الاقتصاد والوضع السياسي بما يحقق أهداف الثورة وتطلعات السودانيين ويقلل من أي محاولات حكومية لتحسين الاقتصاد في ظل بقاء السلطة العسكرية الحاكمة.
ويرى الأقرع، أن الاقتصاد لم يختلف في عهد رئيس الوزراء الأسبق في حكومة المخلوع معتز موسى عن الوضع في عهد عبد الله حمدوك وإبراهيم البدوي وهبة محمد علي جميعهم نفذوا سياسات اقتصادية دون حماية “ظهر الشعب السوداني”.
يعتقد الأقرع أن الخرطوم صارت أكثر العواصم في ارتفاع الأسعار بكل شيء ولا يمكن مقارنتها حتى مع مدن مثل جنيف التي تصنف على أنها من المدن المُكلفة.
تفاؤل
لكن في الجانب الآخر داخل قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” والتي وقعت الاتفاق الإطاري مع المكون العسكري فإن هناك تفاؤلا بتحسن الوضع الاقتصادي حال تشكيل حكومة مدنية تستعيد المساعدات الاقتصادية من المؤسسات الدولية والتي عُلقت بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021.
اللجنة الاقتصادية بتحالف الحرية والتغيير: الحكومة القادمة يمكنها استعادة جميع المساعدات الدولية المعلقة منذ الانقلاب
ويقول عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي”، أحمد السيد لـ(عاين)، إن الانقلاب العسكري عطل منح وقروض دولية تقدر بحوالي أربعة مليار دولار كانت ستمكن السودانيين من “التقاط الأنفاس”.
يعدد السيد، جملة من القروض والمنح من المؤسسات الدولية كانت في طريقها إلى السودان مثل تمويل البنك الدولي بقيمة 165مليون للموسم الشتوي قبيل استيلاء الجيش على السلطة و700 مليون دولار دعم مباشر للموازنة و2 مليار دولار “خط تمويلي” لتشجيع الاستثمارات الخارجية للدخول في السودان مع وجود أرضية صلبة من العملات الأجنبية.
ويقول السيد، إن احتياطي البنك المركزي السوداني صبيحة الانقلاب كانت 1.2مليار دولار في خطوة نادرة تمكنت الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك من بناء هذا الاحتياطي لمنح الثقة للجنيه السوداني.
إعادة المسار الاقتصادي
ورغم ذلك جاء في تقرير صندوق النقد الدولي أن نسبة النمو ارتفعت في العام 2022 إلى 3% من 0.2% في العام 2021 في عهد حكومة حمدوك فما الذي حدث للاقتصاد العام الماضي يجيب الاقتصادي معتصم الأقرع، بأن أرقام صندوق النقد الدولي بحاجة إلى المراجعة والتحقق .
فيما يعتقد أحمد السيد عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” أن هناك استثمارات ومساعدات دولية أيضا بدأت نشاطها في السودان في عهد حكومة حمدوك أبرزها وصول فريق من شركة لوفتهانزا الألمانية لتأهيل الخطوط الجوية السودانية إلى جانب منحة من الولايات المتحدة تقدر بحوالي مليون طن قيمتها نصف مليار دولار قدمتها مجانا للسودان.
وأردف: “الاتحاد الأوروبي كان سيضخ استثمارات بقيمة 125مليون دولار في مشروع الجزيرة لتطويره إن مثل هذه المساعدات بالتأكيد تحسن الصادرات وتجعلك مثل شخص قادر على الوقوف على قدميه دون الاعتماد على الهبات”.
وتابع: “صبيحة الانقلاب يوم 25 أكتوبر 2021 كان السودان يقترب من الحصول على 375مليون دولار لدعم مشاريع الشباب من منظمة التنمية الصناعية التابعة للأمم المتحدة تعطلت بسبب الانقلاب”.
قفزات في الدولار
لا يعبر الباحث الاقتصادي أحمد بن عمر، عن تفاؤله حيال العام 2023 في الشق الاقتصادي متوقعا زيادة سعر الصرف. وقال إن الدولار الأمريكي زاد ثلاثة مرات في السوق الموازي خلال شهر فبراير من 585 جنيها إلى 595 جنيها إلى 605 جنيها واضطرت البنوك إلى ملاحقة السوق الموازي.
بن عمر: وزير المالية توقع جمع 2.4ترليون جنيه من الضرائب وهذا يعني المزيد من الأعباء على المواطنين
وأضاف بن عمر: “ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازي يعني ظهور أزمة السيولة مجددا لأن السوق الموازي يهاجم بضراوة خلال الفترة المقبلة لتوسيع الفارق مع المصارف مستغلا شح احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي بسبب توقف المزادات التي ساعدت في كبح الدولار”.
وتابع: “إذا قلت لك أن الدولار الأمريكي سيرتفع إلى 800 جنيه خلال هذا العام هذا نوع من التفاؤل لأن التوقعات اسوأ من هذا الرقم بالتالي ستعود الحكومة الى دائرة وضع ضرائب جديدة على السلع الأساسية والخدمات متأثرة بارتفاع سعر الصرف”.
ويقلل بن عمر من زيادة الأجور، ويقول إن الزيادات الأخيرة في التعرفة الجمركية أخذت من المواطنين ما منحتهم لهم الحكومة من الأجور باليمين لذلك ليس المطلوب رفع الأجور بل الأفضل تثبيت سعر الصرف وخفضه بالتدرج وضخ الحياة في الجنيه السوداني.
خبير اقتصادي: أموال الخليج الخيار الأول لأي حكومة قادمة نتيجة الإطاري
وينصح بن عمر، بالتوجه نحو دول الخليج للحصول على “الأموال الساخنة” وأيضا يمكن مغازلة الصين لتدخل في تأهيل البنية التحتية. وقال إن “هذه الخيارات هي التي يمكن أن تكون أكثر حيوية لمنع تدهور الاقتصاد”.
وأشار الباحث الاقتصادي بن عمر، إلى أن إيرادات الذهب العام 2022 بلغت 1.4مليار دولار وهو أبرز الصادرات السودانية بينما الميزان التجاري يبلغ حوالي تسعة مليار دولار فإن الصادرات السودانية بعيدة عن تحقيق تقدم لردم الهوة.
تقارير صادمة
وضع التدهور الاقتصادي وتوسع الصراعات الناتجة عن نقص الموارد نحو 11 مليون شخص في السودان حسب تقارير الأمم المتحدة ضمن المتأثرين بنقص الغذاء وسوء التغذية إلى جانب معاناة أربعة ملايين طفل سيدات حوامل من سوء التغذية.
لم تقتصر الأزمة الاقتصادية عند هذا الحد وحسب التقارير الصادرة عن وكالات الأمم المتحدة أثرت الأزمة الاقتصادية على أسعار المواد الغذائية على الرغم من انخفاض التضخم هذا الشهر إلى 82%.
محلل اقتصادي: السودان خسر تحويلات المغتربين البالغة 400 مليون دولار
يقول المحلل الاقتصادي محمد إبراهيم لـ(عاين)، إن طبقة كاملة من المدن هاجرت إلى مصر العامين الماضيين يشكلون حوالي أربعة ملايين شخص إلى جانب ذلك خسر السودان تحويلات عائلات المغتربين التي غيرت مسارها إلى مصر وتشير التقديرات حسب إبراهيم بنحو 400 مليون دولار لأن غالبية السودانيين قرروا ارسال الطلاب والطالبات للدراسة في مصر خاصة من دول الخليج.
ويحذر إبراهيم، من الانعكاسات السيئة للاقتصاد على المجتمع باللجوء إلى النزوح والهجرات نحو دول الجوار مثل مصر وإلى تركيا أو المخاطرة عبر البحر المتوسط للتسلل إلى أوروبا.