الحوار السوداني.. تباعد أم تقارب مواقف قوى الثورة؟
16 مايو 2022
تدخل قوى الثورة السودانية المحادثات التي أطلقتها الآلية الثلاثية بمواقف متباعدة. قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي- والتحالف الحاكم في الفترة الانتقالية قبل الانقلاب يرى ضرورة العودة للمسار الديمقراطي وإنهاء الانقلاب والتأسيس الدستوري الجديد لانتقال يتوافق مع رغبات وتطلعات الشعب السوداني، وهذا ما لا يتسق ومواقف تطرحها القوى المطالبة بالتغيير الجذري سيما لجان المقاومة رأس الرمح في قيادة الشارع السوداني المقاوم للانقلاب.
حالة التباين التي تدخل بها قوى الثورة للعملية السياسية المطروحة تنشأ على إثرها العديد من الأسئلة الملحة حول وحدة هذه القوى الثورية خاصة وأنها تتفق على الهدف الرئيس اسقاط الانقلاب، ومع بداية المحادثات التي ترعاها الآلية الثلاثية ماهي فرص الحرية والتغيير في مواصلة الحوار وما المشتركات بينها ولجان المقاومة غير الاتفاق على انهاء الانقلاب العسكري.
وبعد نحو 7 أشهر، من إستيلاء الجيش السوداني على السلطة في 25 أكتوبر الماضي، لا تزال الأوضاع في البلاد تزداد اختناقاً، على الرغم من بدء الثلاثاء الماضي محادثات تيسرها الآلية الثلاثية التي تضم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان (يونيتامس)، والاتحاد الأفريقي ومنظمة إيقاد عبر لقاءات منفصلة للآلية مع القوى السياسية ولجان المقاومة لحل الأزمة السياسية في البلاد.
موقف المجلس المركزي
وذكر تعميم صحفي أصدرته الآلية، اطلعت عليه (عاين): “إن المحادثات السودانية ـ السودانية غير المباشرة انطلقت بعقد جلسات منفصلة ضمت قوى الحرية والتغيير” الميثاق الوطني” وهي قوى داعمة لانقلاب البرهان” والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، بالإضافة إلى الحزب الإتحادي الأصل.
وشهد الخميس اجتماعا لممثلين عن قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي مع الآلية الثلاثية لحل الأزمة السياسية، التي تقدمها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للسودان فولكر بيرتس والمبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي للسودان الحسن ود لباد، والمبعوث الخاص للإيقاد إسماعيل وعيس.
وقال المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير، إنه سلّم الآلية الثلاثية رؤية تضمنت مسببات رفض صيغة الاجتماع التحضيري الذي سبق ودعت له الآلية أبريل الماضي.
وبحسب بيان للمكتب التنفيذي، فقد استمع الاجتماع لأطروحة الآلية الثلاثية المتمثلة في بداية المرحلة التحضيرية بتساؤلات حول رؤية الحرية والتغيير لإنهاء انقلاب 25 أكتوبر وطبيعة المؤسسات الانتقالية التي تتشكل وفقاً للإطار الدستوري الجديد.
وسلم ممثلو قوى الحرية والتغيير رؤية مكتوبة عن موقف قوى الحرية والتغيير حول المرحلة التحضيرية للعملية السياسية الميسرة بواسطة الآلية الثلاثية، وهي رؤية تضمنت ثلاثة محاور.
وترى قوى الحرية والتغيير، أن الأزمة الراهنة في البلاد هي نتاج مباشر لانقلاب 25 أكتوبر، وترى أن الحل الصحيح لها هو إنهاء الانقلاب والتأسيس الدستوري الجديد لانتقال يتوافق مع رغبات وتطلعات الشعب السوداني في التحول المدني الديمقراطي.
ولفتت قوى الحرية والتغيير، في رؤيتها المقدمة للآلية الثلاثية، إلى أن الحل السياسي الذي تتبناه في الوضع السياسي الراهن هو الذي يحقق مطالب الشارع المتمثلة في إنهاء الإنقلاب والتأسيس الدستوري لمسار ديمقراطي يلبي تطلعات الشعب السوداني ويقود إلى إصلاح أمني وعسكري يؤدي إلى جيش واحد مهني وقومي ينأى عن السياسة، ويعالج قضايا العدالة بمنهج شامل يكشف الجرائم وينصف الضحايا، ويقود بنهاية المرحلة الانتقالية لانتخابات حرة ونزيهة يحدد فيها الشعب السوداني خياراته دون قسر أو تزييف.
وتشدد قوى الحرية والتغيير في رؤيتها على أنه وقبل المضي قدماً في أي خطوات في العملية السياسية، يجب أن تتحقق خطوات لتهيئة المناخ تتمثل في إطلاق سراح جميع المعتقلين وإنهاء حالة الطوارئ ووقف كافة أشكال العنف تجاه المدنيين في دارفور وكافة أقاليم البلاد وفي مواجهة المتظاهرين السلميين وتجميد تنفيذ قرارات إعادة منسوبي النظام البائد والأصول المستردة منهم.
قيادي بالحرية والتغيير – المجلس المركزي- يكشف عن خلاف بين فولكر بيرتس وود لباد حول تحديد الأزمة السياسية في السودان، فبينما يرى “ود لباد” أنها أزمة دستورية، يرى “فولكر” أنها سياسية.
ويرى القيادي بقوى الحرية والتغيير، شهاب الدين الطيب، أن التحالف يرى أن اللقاء التحضيري سيكون إفراغاً لشكل العملية السياسية سواءً كانت حواراً أو تفاوض، مشيراً إلى أن ذلك تم تجاوزه عندما قدمت قوى الحرية والتغيير رؤيتها للآلية الثلاثية، لافتاً إلى ضرورة تعريف الأزمة لتحديد طبيعة الأطراف المشاركة في العملية السياسية.
وكشف الطيب لـ(عاين)، وجود خلاف بين رئيس البعثة المتكاملة لدعم الانتقال في السودان، فولكر بيرتس وممثل الاتحاد الأفريقي محمد الحسن ود لباد حول تحديد أطراف الأزمة السياسية في السودان، فبينما يرى “ود لباد” أنها أزمة دستورية، يرى “فولكر” أنها سياسية، منطلقاً من تعريف الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول الترويكا التي تنظر للأزمة السودانية كأزمة سياسية في المقام الأول.
وأشار إلى أن قوى الحرية والتغيير حددت آلياتها لاستعادة التحول المدني الديمقراطي عن طريق ثلاثة محاور، تتمثل في استمرار الحراك الشعبي المناهض للانقلاب، وحشد الضغط الدولي، بالإضافة للمضي في العملية السياسية.
وشدد على أن الحراك الجماهيري الذي تقوده لجان المقاومة وقوى الحرية والتغيير وقوى الثورة الحية، يجب ألا يتوقف حتى يشكل أداةً للضغط من أجل إسقاط الانقلاب، مشيراً إلى أن الفرصة مواتية لوجود عملية سياسية مع إستمرار المقاومة الشعبية.
ويرى الطيب، ضرورة استصحاب الموقف الدولي للضغط من أجل إسقاط الإنقلاب وإقامة التحول المدني الديمقراطي، لافتاً إلى أنه ليس من المتوقع قيام عملية سياسية بمعزل عنه، لإرتباط مصالحه مع السودان.
وأكد الطيب، أن قوى الحرية والتغيير مُطالبة بأن توضح للرأي العام الموقف السياسي الذي تعتزم الإقبال عليه، مشيراً إلى أن أي عملية سياسية بمعزل عن موقف الحركة الجماهيرية أمر غير مقبول وسيشكل تهديداً يؤخر الخطوات الرامية لإسقاط الإنقلاب.
ماذا تطرح قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي- لتوحيد قوى الثورة المناهضة للإنقلاب؟
وكثيراً ما طُرح السؤال حول كيفية توحد القوى المناهضة للانقلاب، وصار الأمر أكثر إلحاحاً عندما وقعت تنسيقيات لجان ولاية الخرطوم، على ميثاق “تأسيس سلطة الشعب الأربعاء الماضي، الذي سيتم طرحه على بقية تنسيقيات لجان المقاومة في ولايات السودان من أجل الخروج بميثاق موحد.
وفي ذلك، يرى شهاب الدين الطيب، أن استعادة مسار التحول المدني الديمقراطي يُعتبر هدفاً استراتيجياً مشتركاً بين مكونات قوى الثورة الحية، بما في ذلك لجان المقاومة والأحزاب التي خرجت من تحالف قوى الحرية والتغيير.
ويُعد الحزب الشيوعي أبرز الذين خرجوا من تحالف قوى الحرية والتغيير، بسبب الاختلاف حول الرؤى والمواقف، وهو ضمن القوى السياسية التي ترفض الدعوات المقدمة من الآلية الثلاثية للاجتماع ومناقشة سبل الخروج من الأزمة السياسية الراهنة.
ففي تصريح صحفي السبت، خاطب المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني، الآلية الثلاثية مجدداً رفضه للاجتماع مع الآلية الثلاثية.
وأشار الحزب الشيوعي إلى عدم وجود سبب جديد للاجتماع، بعدما أوضح في وقت سابق رفضه للتفاوض المباشر بين القوى السياسية والانقلاب العسكري وقوى سياسية كانت شريكة للمؤتمر الوطني حتى سقوط سلطته في أبريل 2019. موضحاً أنه يتمسك بعدم التفاوض مع السلطة الإنقلابية ومع المؤتمر الوطني وحلفائه.
وعلى الرغم من استمرار تباين القوى السياسية المناهضة للانقلاب، فإن القيادي بالحرية والتغيير شهاب الدين الطيب، يتوقع نشوء تنسيق بين هذه القوى ذات الهدف المشترك، مشيراً إلى أن الواقع يُحتم على هذه الأطراف التحالف فيما بينها من أجل إسقاط الإنقلاب، مشيراً لوجود علاقة موضوعية بين قوى الحرية والتغيير وما بين المكونات الثورية الأخرى.
تباين في موقف لجان المقاومة
مساء الأحد وعبر تصريح صحفي للمتحدث باسم الآلية الثلاثية، أعلنت اللجنة أنها عقدت عدداً من اللقاءات في إطار جولة المحادثات السودانية ـ السودانية غير المباشرة التي تسهلها الآلية والتي أعلنت عن انطلاقها الخميس الماضي.
وصرحت الآلية بأنها التقت السبت بمجموعة دعم حقوق المرأة، كما أشارت إلى إنها عقدت لقاءً إيجابياً ومثمراً صباح الأحد بحركات الجبهة الثورية السودانية وأطراف اتفاق جوبا للسلام، موضحة أنه تم إستكشاف أراء الأطراف أصحاب المصلحة حول مؤسسات الحكم الانتقالية.
وقالت الآلية إنها إلتقت ظهر الأحد بوفد من مركزيات لجان المقاومة ومستقلين ومن تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم، بإعتبار أن لجان المقاومة أحد الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية السودانية.
وفي وقت متأخر، من مساء أمس، قالت بعض تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم، عبر تصريح صحفي، أنها لبت الدعوة المقدمة من الآلية الثلاثية بخصوص تطورات الأوضاع السياسية واستطلاع آراء لجان المقاومة حول تطورات العملية السياسية بعد انقلاب 25 أكتوبر، والإجابة على تساؤلات لجان المقاومة حول المشاورات السياسية المعلنة.
وقال التصريح الصحفي الذي جاء ممهوراً بتوقيع تجمع لجان أحياء الحاج يوسف وتنسيقية شرق النيل جنوب ولجان أحياء بحري وتنسيقية لجان مقاومة أم درمان القديمة وتنسيقية لجان مقاومة جنوب الحزام وتنسيقية لجان مقاومة أم درمان جنوب، أنهم قاموا بنقل موقفهم الواضح من العملية السياسية المستند على ميثاق تأسيس سلطة الشعب الذي تم تدشينه والتوقيع عليه، وقد تم عرض الميثاق بصورة تفصيلية لمناديب الآلية الثلاثية.
وأكد التصريح الصحفي، على أن تنسيقيات لجان المقاومة تتمسك بشعارات الثورة وأهدافها السامية، كما أوضحوا أن موقفهم المبدئي من العملية السياسية المزمع عقدها أنه لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية مع السلطة الإنقلابية.
وأكدوا على أن اللقاء الذي أُبرم مع الآلية الثلاثية تم بموافقة القواعد، كما أشاروا إلى أنه يمثل موقف تنسيقيات لجان المقاومة المستقل، ولا يتأثر بأي مزايدات سياسية ومحاولة صنع سياقات موازية تؤثر على تعاطي اللجان مع المشهد الوطني.
متحدث باسم لجان مقاومة الخرطوم: بعض تنسيقيات لجان المقاومة أبدت تحفظها عن حضور إجتماع الآلية الثلاثية وهناك تباين في رؤى التنسيقيات
ويقول المتحدث الرسمي باسم لجان مقاومة مدينة الخرطوم، عثمان أحمد عبد الله، لـ(عاين) :”إن بعض تنسيقيات لجان المقاومة حضرت الاجتماع الذي دعت له الآلية الثلاثية، لافتاً إلى أن البعض الآخر أكد حضور الاجتماع إلا أنه إعتذر فيما بعد، مؤكداً أن بعض تنسيقيات لجان المقاومة أبدت تحفظها عن حضور إجتماع الآلية الثلاثية، مشيراً إلى وجود تباين في رؤى تنسيقيات لجان المقاومة، فيما يلي الموقف الموقف من الآلية الثلاثية.
محلل سياسي: المشتركات بين الحرية والتغيير ولجان المقاومة هي رفض الانقلاب لكن هناك اختلافا في الآليات والاتفاق بينهما رهين بالحوار
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين، مصعب محمد علي، إن قوى الحرية والتغيير تميل للحل السياسي للأزمة السياسية السودانية، مشيراً إلى أنها تُطالب بإنهاء انقلاب 25 أكتوبر ضمن اشتراطات أخرى، للدخول في مباحثات سياسية مع الآلية الثلاثية.
وأوضح أن إنخراط قوى الحرية والتغيير في المباحثات يرتبط بتقديم العسكريين لتنازلات وتحقيق مطالبها المتمثلة في رفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، مشيراً إلى أن هذه الشروط إذا تحققت فمن شأنها تعزيز موقفها التفاوضي.
ويعتبر أستاذ العلوم السياسية، أن المشتركات بين الحرية والتغيير ولجان المقاومة هي رفض النظام السياسي القائم بعد 25 أكتوبر، لافتاً إلى أن كلاهما يتفقان في ذلك، إلا أن هناك اختلافا في الآليات، فبينما تراهن لجان المقاومة على التظاهرات والمواكب والوقفات الاحتجاجية، تتمسك قوى الحرية والتغيير بالمتظاهرات والحل السياسي عبر الآلية الثلاثية في آن واحد.
ولفت علي، إلى أنه من الممكن حدوث اتفاق بين لجان المقاومة وقوى الحرية والتغيير في حال قيام حوار بينهما، وعدم تمسك لجان المقاومة بالمطالب المتمثلة في تقديم الأخيرة اعتذار مكتوب عن الأخطاء التي لازمت تجربتها في الحكم خلال الفترة الانتقالية التي تم الانقضاض عليها وقبول لجان المقاومة لقوى الحرية والتغيير كتحالف لا كأحزاب منفردة، الأمر الذي يمكن أن يقود إلى إعادة تشكيل المجلس المركزي للحرية والتغيير وهيكلته بإضافة ممثلي لجان المقاومة.
وأكد أستاذ العلوم السياسية، على أن أثر مشاركة لجان المقاومة، في الحوار الذي دعت له الآلية سيكون كبيراً، مشيراً إلى أن مشاركتها ستدفع بالحوار إلى الأمام، لأنها تُعد فاعلاً مهماً، كما أنها ظلت تقود الإحتجاجات الشعبية منذ صبيحة الإنقلاب.