سودانيون بعد عام من القتال.. “أي بلد ذرته رياح الحرب”
عاين – 15 أبريل 2024
“انتهى كل شيء” بهذا يلخص المواطن السوداني، شرف الدين إبراهيم، الضرر الذي لحق به نتيجة عام من القتال المتواصل بين الجيش وقوات الدعم السريع، ورغم استمرار مأساته يأمل “شرف الدين” في تجاوز المحنة خلال مدى قريب من الآن، ويعم السلام ربوع البلاد.
تكمل الحرب في السودان عامها الأول، والذي كان مليئاً بالفقد والأحزان والجراح، وشتى ضروب المعاناة، وهي محصلة قاسية للقتال يرويها الضحايا المنكوبون بألسنتهم خلال مقابلات منفصلة مع (عاين).
تمنيات وآمال بتوقف الحرب تحكم المشهد السوداني، لكن في مقابل أحلام السلام التي تراود جميع سكان البلاد ترتفع الأصوات الداعية للعنف واستمرار القتال الشيء الذي دفع البعض للتكهن بتواصل الحرب لسنوات قادمة.
نزح شرف الدين إبراهيم الذي تحدث لـ(عاين) من منزله في مدينة أمدرمان إلى مدينة كسلا شرقي السودان بعد مضي نحو 10 أشهر على اندلاع الحرب، وهو يعيش حالياً تحت ظروف النزوح القاسية في مخيم يفتقد للعديد من الاحتياجات، بينما تتوقف حياته وآخرون في المركز الذي يأوي إليه على مجهود شباب متطوعين يجمعون الأكل والشرب من الخيرين في غياب كامل للدولة.
يقول إنه “فقد الكثير من ما يملك بسبب الحرب المدمرة، وظل مرض السكري يحاصره في المخيم وهو بعيد عن دفء بيته لأشهر، لكنه متفاءل بانتهاء القتال، وأن ينعم الجيل القادم بسودان معافى حافل بالأمن والرخاء”. ويرى أن الحل الأمثل لهذا الصراع هو نبذ القبلية والجهوية وسن قوانين تجرمها وتعاقب كل من يتباهى بالقبلية، وأن يكون الانتساب إلى الوطن السودان دون غيره.
آلاف الضحايا
وخلّفت الحرب في السودان خلال عام مضى أكثر من 8 ملايين شخص بين نازح ولاجئ، ومقتل نحو 14 ألف شخص من المدنيين، بينما وضعت 25 مليون شخص على حافة الجوع وهم بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، ويهدد الصراع بضياع جيل بأكمله بعد أن ظل حوالي 19 مليون طفل خارج المدارس، وذلك وفق إحصائيات الأمم المتحدة.
التأثيرات الواسعة للحرب تمتد إلى محمد جابر وهو مهندس معماري اضطر لمغادرة منزله في مدينة أمدرمان إلى ولاية غرب كردفان في رحلة البحث عن الأمن، وهو بذلك فقد فرص عمله الكبيرة ومصالحه التي كان يكتسبها في العاصمة السودانية.
لم يجد جابر الذي تحدث لـ(عاين) الأمن الكافي الذي غادر الخرطوم لأجله في ظل اضطرابات أمنية كبيرة يشهدها إقليم كردفان، في حين تحاصره الأزمة الاقتصادية الطاحنة كغيره من سكان هذا البلد، لكن وجد نفسه مجبراً للتكيف مع هذه المتغيرات في حياته من خلال إيجاد وسائل بديلة للكسب المالي والتأقلم مع حياة الريف.
كان محمد يتوقع أن تنتهي الحرب في غضون أيام بعد اندلاعها، فاستمرت لعام كامل، فمن واقع التعقيدات الماثلة يصعب التكهن بالسقف الزمني لتوقف هذا الصراع، فمن الأجدى دخول الطرفين في مفاوضات مباشر وبإرادة قوية؛ لأنها السبيل الوحيد لإنهاء القتال والحفاظ على ما تبقى من السودان ومواطنيه.
يحيى آدم هو الآخر كان يظن أن حرباً صبيحة الـ”15″ أبريل مجرد كابوس سيتوقف في غضون يومين على أسوأ الفروض على نحو ما حدث عند اقتحام حركة العدل والمساواة لمدينة أمدرمان في العام 2008م، وظل بقايا في منزله بالعاصمة السودانية متشبثاً بأمل نهاية سريعة لأعمال القتال، لكن سرعان ما اصطدم بتطاول أمد الصراع، وفقد كثير من فرص النجاة بعائلته وممتلكاته.
مضت شهور، وتيقن آدم الذي تحدث لـ(عاين) بأن الحرب ستطول لأعوام قادمة مثلما جرى في سوريا واليمن وليبيا وغيرها من البلدان المضطربة، فنقل عائلته إلى ولاية النيل الأبيض، ثم أسس جزءاً من الأعمال هناك، وعاد مجدداً إلى أمدرمان، وأقام في منزله تحت كل هذه الظروف الصعبة، وهو يمني نفسه بتوقف هذا القتال.
ورغم تمنياته وآماله في توقف القتال، لكنه يتوقع أن يستمر الصراع عامين إلى خمسة أعوام قادمة، ويرى أن الطريق الأمثل لإنهاء الحرب يجب أن يكون عبر انتصار حاسم للقوات المسلحة على ما وصفها بمليشيا الدعم السريع.
لا منتصر في الحرب
بالنسبة إلى آدم إسحق وهو مواطن من نيالا، وما زال مقيما بها، فإنه لا سبيل لوقف هذه الحرب ما لم يقتنع طرفاها بحقيقة عدم وجود منتصر في القتال استناداً إلى التجارب السابقة في السودان، ومن بينها حرب الجنوب ودارفور فجميعها انتهت إلى طاولة التفاوض، البندقية لن تحقق سلاماً، وأن الخاسر الأكبر هو الوطن والمواطن.
ويأمل اسحق خلال حديثه لـ(عاين) في محادثات جادة بين الجيش وقوات الدعم السريع توقف القتال الدائر، والاكتفاء بحصيلة عام من المآسي، فلم يعد هناك طاقة لاحتمال مزيد من الاستمرار في الحرب.
يقول آدم، إنه فقد أعزاء له بسبب الحرب اللعينة، وتوقفت مصالحه فتحول من شخص منتج إلى عاطل، لكنه استطاع الصبر على كل هذه المعاناة، فليس بيده حيلة ليفعلها غير الاستسلام والبقاء تحت النيران ينتظر أجله.
وفشلت كافة المساعي الدولية والإقليمية في وقف الحرب في السودان بعد رفض الجيش الدخول في مفاوضات مع قوات الدعم السريع، كما لم تلتزم الأطراف بقرار أصدره مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان، وظل المدنيون على مدار عام تحت القصف المتواصل في جبهات القتال.
ومن بورتسودان يُعرب حسين أزرق، عن حزنه الشديد لما أصابه جراء الحرب، التي فرّقت أفراد عائلته، وجعلتهم بين نازحين ولاجئين، بينما يفقد الأمل في العودة إلى منزله في العاصمة الخرطوم، فالقتال الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع لم يتوقف خلال المدى القريب نتيجة لعمق الخلاف بين الطرفين – وفق تقديره.
ويقول أزرق في مقابلة مع (عاين): “تشردنا وتقطعت بنا السبل، وقد اشتقت إلى منزلي وجيراني وأصدقائي، حان الوقت لأن تتوقف هذه الحرب، ويجب على الطرفين مراعاة المعاناة التي نعيشها ويذهبوا إلى طاولة مفاوضات بشكل عاجل من أجل الوصول إلى اتفاق سلام ينهي هذا الصراع العبثي الذي لم نكن نتوقع أن يستمر كل هذه المدة”.
تطاول متوقع
لم يكن استمرار الحرب لمدة عام كامل بالأمر المفاجئ إلى الصحفية السودانية هاجر حماد حيث كانت تتوقع نشوب قتال عنيف بين الجيش وقوات الدعم السريع؛ نظراً للخلافات الحادة بين الجنرالين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان حميدتي وسباقهما نحو الاستيلاء على السلطة، بينما توحي المؤشرات بمزيد من تطاول أمد الصراع.
دفعت حماد فاتورة باهظة نتيجة الحرب، فهي اضطرت لمغادرة مَنْزِلُها في الخرطوم بكل ما يحتويه من مقتنيات إلى الولاية الشمالية، وترتب على ذلك فقدانها لعملها الصحفي، وهي تشعر بأسى شديد لما لحق بها، وتحاول جاهدة للتأقلم مع بيئة النزوح وما تحمله من قسوة وانقلاب كامل في حياتها جعلها تشعر كأنها ولدت مجددا وفق ما ترويه لـ(عاين).
وبدت المخاوف حاضرة عند هاجر حماد، من تطاول في أمد الحرب نتيجة لرفض الأطراف للحلول السلمية، وما سيترتب على ذلك من تهديد وجودي للسودان، فاستمرار الصراع يفتح الباب أمام مزيد من التدخلات الدولية المضرة، مما يستوجب على الجيش وقوات الدعم السريع الدخول في مفاوضات جادة كسبيل وحيد لإنهاء الحرب.
وتمتد المخاوف نفسها إلى أم كلثوم التاج وهي طالبة جامعية وناشطة في منظمات المجتمع المدني بمدينة القضارف، إذ دفعتها المؤشرات الماثلة إلى توقع أكثر تشاؤماً وهو استمرار الحرب لـ15 عاماً قادمة على الأقل.
مواطنة سودانية: الحرب يجب أن تتوقف وفق اشتراطات الناس الذين تضرروا منها مع ضمان العدالة والإنصاف لهم، وليس أن ينتهي القتال بمنظار النخب السياسية.
وتقول التاج في مقابلة مع (عاين): “للأسف كثرت أطراف الحرب إلى جانب تدخلات واسعة من جهات دولية وإقليمية تعمل على تغذية القتال بإدخال السلاح، كما نشأت مليشيات جديدة، ويوجد توسع في عمليات التجنيد، أيضاً عاد منسوبو حزب المؤتمر الوطني البائد إلى المشهد، وهم يرفعون شعارات داعية للعنف، فكل ذلك يرجح استمرار القتال، بخلاف ما كنت أتوقع بنهاية الصراع في أيام معدودة، ويجلس الجيش والدعم السريع يتقاسمون كيكة السلطة مجدداً”.
وتضررت أم كلثوم من الحرب الحالية التي أعاقت تعليمها الجامعي حيث تتوقف الدراسة في منطقتها القضارف مع كل تهديدات أمنية، كما حدت قوانين الطواري المفروضة وتقييد الحريات على نشاطها ودورها المأمول في منظمات المجتمع المدني.
ضمان العدالة
وترى التاج، أن الحرب يجب أن تتوقف وفق اشتراطات الناس الذين تضرروا منها مع ضمان العدالة والإنصاف لهم، حتى يتمكنوا من تجاوز المرارات التي عاشوها، وليس أن ينتهي القتال بمنظار النخب السياسية، ومن الضروري أن تتوحد القوى السياسية المؤمنة بالثورة ومنظمات المجتمع المدني على برنامج حد أدنى يرضي الجميع وإنهاء حالة الشتات الحالية كطريق قوي لوقف القتال الحالي.
من جهته، يبدي عمر أبكر وهو طالب دراسات عليا حسرته على ضياع مجهود بحث معملي عكف عليه لسنوات من أجل نيل درجة الماجستير في الإنتاج الحيواني، وبعد أن شارف على الانتهاء اندلعت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، فتبددت أحلامه وفشلت خططه الحياتية، وفر بنفسه من العاصمة الخرطوم إلى مدينة الضعين بولاية شرق دارفور.
ونتيجة الحرب تحول أبكر من باحث إلى صاحب متجر في إحدى أسواق مدينة الضعين بعد أن أسسه عقب وصوله إليها نازحاً برفقة عائلته، وهو ضرر كبير يصعب تعويضه، حسبما يرويه لـ(عاين).
ويضيف “لا يوجد سبيل لتوقف الحرب غير التفاوض؛ لأن لغة السلاح لن تأتي بالسلام الذي يتوق له المدنيون الذين يعيشون أوضاعا قاسية في كل أنحاء السودان، وحان لهذه المأساة أن تنتهي”.