«الحركات المسلحة».. متاهة فخ تأييد الانقلاب

11 أبريل 2022

رفع اتفاق السلام الموقع بين الحركات المسلحة والحكومة الانتقالية في أكتوبر 2020 الأمل في أوساط السودانيين بإنهاء الحرب الأهلية في اقليم دارفور والمستمرة منذ 2003 إلى جانب الحرب في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان والتي اندلعت في العام 2011.

لكن عملية “سلام جوبا” عقب الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر الماضي والذي نفذه قائد الجيش أصبحت محط انتقادات المدنيين المطالبين بالتحول الديمقراطي إذ يقول مناهضو الحكم العسكري إن الحركات اختارت جانب العسكريين وتخلت عن طموحات الحكم المدني.

بالمقابل يُبرر قادة الحركات المسلحة الموقعة على السلام بقائهم إلى جانب الإجراءات العسكرية التي نفذت 25 أكتوبر بتجنب العودة إلى الحرب خاصة وأنها جنودها ينتشرون في المدن بما فيها العاصمة السودانية.

ويقول مسؤول في حركة تحرير السودان التي يقودها مني أركو مناوي وهو حاكم اقليم دارفور وفقا لاتفاق السلام لـ(عاين)، : “الحركات المسلحة لا يمكنها سوى مساندة الإجراءات التي نفذت في 25 أكتوبر”. رافضا تسميتها بالانقلاب.

مفاوضات جوبا .... صعوبات واستقطاب إقليمي
قادة حركات مسلحة- مفاوضات سلام جوبا

 ويضيف مساعد رئيس حركة تحرير السودان جمعة الوكيل في حديث لـ(عاين)، :”استأثرت قوى الحرية والتغيير بالسلطة و أبرمت اتفاقًا مع العسكريين ونحن حاليا نحاول اعادة ترتيب المشهد ولا نُسمي ما حدث بالانقلاب العسكري لأننا وقعنا السلام  وإذا رفضنا هذه الإجراءات يعني اندلاع الحرب”.

حلفاء الأمس

تواجه هذه الحركات سيما وأنها كانت حليفة للقوى المدنية المناوئة لنظام المخلوع انتقادات مكثفة عقب الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر وأصبح وضعها في السلطة الحالية يمر بسلسلة معقدة من الإجراءات ففي شهر أبريل الماضي وحينما اندلع القتال الأهلي في ولاية غرب دارفور صرح حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي بعدم وجود أجهزة امنية مستقلة لحماية المدنيين.

مناوي ذهب إلى ذات الغاية التي يطرحها المتظاهرون في الشوارع ضد الحكم العسكري مطالبا بهيكلة المؤسسة العسكرية والنظام الأمني لكن في ذات الوقت بدا هذا الحاكم الذي تولى السلطة في إقليم دارفور العام الماضي بلا صلاحيات على القوات العسكرية والأمنية ولم يتمكن من إنتزاع وعود من قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان لسن قانون خاص بالاقليم وهذا الأمر جعله يشعر بخيبة الأمل مؤخرا كما تقول مصادر بحركة مناوي لـ(عاين).

حاكم اقليم دارفور- مني اركو مناوي في لقاء جماهيري بدارفور اغسطس 2021

وعلاوة على تعقيدات خلفها الانقلاب العسكري على الوضع السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد فإن هذه الحركات التي قاتلت نظام الرئيس المخلوع لسنوات وصلت العاصمة السودانية نهاية العام 2020 وهي مشبعة بالخلافات مع قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” وعندما جاء الوقت للاطاحة بالحكومة الانتقالية التي هيمنت عليها تحالف “الحرية والتغيير” حاولت وضع نفسها كـ”حاضنة سياسية” السلطة الانتقالية لكنها مؤخرا أصبحت تشكو من انفراد العسكريين بالقرارات المصيرية.

مرارات

ويعتقد نائب رئيس المجلس الانتقالي “حركة مسلحة” يتزعمها عضو مجلس السيادة  الهادئ ادريس – صلاح أبوالسرة أن المسافة تباعد بين قوى الحرية والتغيير والحركات الموقعة على السلام طبيعي في ظل انفراد المدنيين عقب الاطاحة بالبشير بالسلطة دون إشراك الحركات المسلحة في طاولة المفاوضات مع العسكريين لذلك أصبح الوضع قاتما بين جميع الأطراف حسب ما يقول.

ويعزو أبو السرة الاضطرابات التي تصاحب أداء قادة الحركات المسلحة في السلطة الانتقالية بعد إجراءات 25 أكتوبر بوجود عناصر في مؤسسات السلطة وفي نفس الوقت لديها عناصر في القوى المناهضة للعسكريين.

إضافة إلى ذلك ينتقد أبو السرة في تصريحات لـ(عاين)، مبادرة الجبهة الثورية ويرى ان أي جهة داخل السلطة لا يمكنها أن تطلق مبادرة لأن المطلوب من هذه الجهة أن تعمل على الاصلاحات داخل السلطة نفسها.

ويستبعد أبو السرة وجود انقسامات داخل الجبهة الثورية، ويقول إن الخلافات سمة أساسية للوصول إلى التحول الديمقراطي لكن الغاية واحدة وهو ازالة التهميش وبناء جيش موحد.

لم يكن توقيع السلام الذي كان في عاصمة جنوب السودان خلال العام 2020 ميسر لوصول المدنيين إلى هناك خاصة مع هيمنة العسكريين على هذا الملف كما صرح العديد من قادة الإئتلاف الحاكم آنذاك.

أدى انفراد العسكريين خاصة قائد الدعم السريع الجنرال محمد دقلو المعروف بـ “حميدتي” إلى تنامي “تحالف خفي” بين الدعم السريع الميلشيا ذات النواة العشائرية والحركات المسلحة عزز هذا التحالف الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام المخلوع وطموحات لانتزاع حقوق اقليم دارفور من “سياسي الخرطوم”.

لكن حينما وقعت الاضطرابات القبلية المسلحة في غرب دارفور بدا ان هذا التحالف لم يكن واقعيا وفقا للتصريحات التي صدرت من بعض قادة الحركات المسلحة والتي تشارك في السلطة التنفيذية بالولاية التي فقدت نحو 200 من المدنيين في قتال أهلي وتلقت قوات الدعم السريع اتهامات علينة بمساندة طرف قبلي بالأسلحة والعتاد.

وينفي نائب رئيس المجلس الانتقالي صلاح أبو السرة وجود تحالف مع قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو. وقال إن “الحركات لديها بند الترتيبات الأمنية وقوات الدعم السريع جزء من المؤسسة العسكرية ويجب التعامل مع هذا الأمر بواقعية”.

الشعور بالحرج

وتؤدي زيادة وتيرة الاحتجاجات الشعبية خاصة في العاصمة السودانية إلى اضطراب الموقف السياسي لقادة الحركات المسلحة ولجأت إلى ادانة الانتهاكات في وضع يظهر بعدها عن اتخاذ القرارات الأمنية داخل السلطة.

وعبر مسؤولون من الحركة ويشاركون في السلطة  عن سخطهم من الانتهاكات التي تطال المتظاهرين.

ويقول المحلل العسكري حسن إدريس في حديث لـ(عاين)، إن قادة الحركات المسلحة في مأزق بسبب مشاركتها في سلطة غير معترف بها من الشارع وفي ذات الوقت لديها التزامات مع العسكريين بشأن اتفاق السلام قائلا إن “الحركات دائما تفضل التحالف مع الطرف الأقوى في السلطة”.

ويعتقد ادريس، أن اي وضع آخر عدا اصطحاب العسكريين للحركات الموقعة على السلام في الإجراءات التي نفذت في 25 أكتوبر الماضي يعني عودة البلاد إلى مربع الحرب وفي مناطق قد تدخل الدائرة اللعينة لأول مرة سيما العاصمة السودانية لذلك من الأفضل عدم ممارسة الضغط على الحركات فيما يتعلق بالوضع السياسي الراهن وإطلاق حوار سياسي بناء وشفاف وفق تنازلات كبيرة مطلوبة من المدنيين والعسكريين يقول إدريس.

ربما وقعت الجبهة الثورية التي وصلت إلى محادثات جوبا وهي موحدة في مأزق الانقسامات ويعد رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي أبرز المغادرين للجبهة الثورية وتشكيل تحالف جديد.

مظاهرات في الخرطوم ضد الانقلاب العسكري 14 فبراير 2022

أما الجبهة الثورية بقيادة الهادئ ادريس ومالك عقار والطاهر حجر لا تزال في تحالف موحد بينما ظل ياسر عرمان نائب مالك عقار رئيس الحركة الشعبية شمال متواجدا في قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” ويقول إنه يناهض الانقلاب العسكري دون أن يضطر الى مغادرة الحركة التي تشارك في السلطة الانتقالية لكن بحسب محللين تلعب التقاطعات القبلية دورا حاسما في تحديد مسار الحركات المسلحة وتجعلها تتخلى عن خيار التحول الديمقراطي والحكم المدني إلى جانب وجود نزاعات مسلحة في إقليم دارفور وهي معادلة لا تجعل هذه الحركات تغامر بالتحالف مع القوى المعنية بالتحول الديمقراطي إذ تفضل دائما الأطراف التي لديها القدرة على الوفاء بالالتزامات الموقعة في بنود السلام- يضيف ادريس لـ(عاين).

بينما يرى صلاح أبو السرة، أن الوضع الراهن سواء في السلطة الانتقالية أو خارجها يواجه تعقيدات كبيرة ويعترف بوجود أزمة تنظيمية داخل الجبهة الثورية أدت إلى بروز تصريحات متضاربة.

ويؤكد أبو السرة، أن القرارات داخل الأحزاب والحركات “مختطفة” بواسطة قياداتها ولا يمكن أن تتحلى هذه القيادات بالديمقراطية لذلك ما يحدث من اضطراب وتضارب أمر طبيعي وفقًا لأبو السرة الذي بدا ناقمًا على الوضع الراهن.

ويشير أبو السرة إلى أن تأخر الترتيبات الأمنية هي التي عقدت المشهد وأدت الى التصريحات المتضاربة.

أما جمعة الوكيل مساعد رئيس حركة تحرير السودان يقول لـ(عاين)، إن هناك “لغط” حول الترتيبات الأمنية فهو يؤكد أن هذه العملية لا يعني تذويب مقاتلي الحركات في القوات المسلحة بل المطلوب بناء جيش موحد بمشاركة جميع السودانيين.

تحالف هش

في يونيو 2019 عقد قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو اجتماعا في أنجمينا مع رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي جاء اللقاء بعد أيام قليلة من مجزرة القيادة العامة أدت هذه التطورات إلى شرخ العلاقة بين القوى المدنية والحركة رغم تأكيدات مناوي أن اللقاء بحث ترتيبات السلام فقط مع دقلو الذي تصعد طموحاته السياسية للاستيلاء على السلطة وعقد “تحالف مرحلي” مع الحركات المسلحة.

ويرى المحلل السياسي محمد احمد شقيلة في حديث لـ(عاين)، أن التصريحات المتضاربة والناقمة لقادة الحركات المسلحة انعكاس لوجود أزمة داخل “كابينة الانقلاب”.

ويقول شقيلة إن الحركات المشاركة في السلطة الانتقالية تشعر بالتهميش وكانت تعتقد أنها هُمشت من قوى الحرية والتغيير لكن العسكريون تخلوا عنهم بعد إجراءات الانقلاب.

ويشير شقيلة إلى أن الحركات المسلحة أمام خيارين إما أن تعترف بخطأ تأييد الانقلاب العسكري أو ان تعود إلى التمرد على النظام العسكري الحالي.

في ذات الوقت يؤكد شقيلة وجود أزمة حقيقية داخل الحركات المسلحة بسبب التقاطعات القبلية والطموحات السياسية والاقتصادية لقادتها بمعزل عن تحقيق السلام والأمن في إقليم دارفور.

ويستبعد شقيلة استمرار التحالف بين “الدعم السريع” والحركات المسلحة ويصفه بالهش نتيجة تخطيط محمد حمدان دقلو المعروف بـ حميدتي للاستيلاء على السلطة في البلاد بينما طموحات الحركات لا تتعدى السلطة في اقليم دارفور.

ويعزو المحلل السياسي محمد أحمد شقيلة الاضطراب والانقسام بين الحركات المسلحة داخل السلطة الانتقالية أيضا إلى عدم وجود تمويل مالي لإجراء الترتيبات الأمنية عقب إعلان المجتمع الدولي إيقاف المساعدات المالية إحتجاجًا على الانقلاب العسكري منذ 25 أكتوبر الماضي.