السودانيون وكأس العالم.. متاعب المشاهدة  

11 ديسمبر 2022

بتركيز عالٍ وحواس مُتيقِّظة وأنظار متوجِّهة نحو  شاشة التلفاز المثبتة على الحائط، جلس المشاهد، حامد مبارك في مقدمة عدد من المشاهدين السودانيين في باحة ناد للمشاهدة في العاصمة الخرطوم. ينفعل حامد غاضباً بعد إضاعة المنتخب المغربي لهدف وشيك، لكن لحظات وتتحول مشاعر غضبه إلى فرح عقب إعلان حكم المباراة نهاية اللقاء بفوز وتأهل المنتخب المغربي إلى الدور الثاني.

“حامد مبارك ” واحد من بين ملايين السودانيين الذين يقاومون ظروفهم الاقتصادية الصعبة لمتابعة الحدث الكروي الأبرز والنسخة الأولي من كأس العالم التي تُقام في الوطن العربي وتستضيفها دولة قطر منذ 20 نوفمبر الماضي.

ومع انطلاق البطولة تضاعفت أسعار تذاكر دخول اندية المشاهدة الشعبية في العاصمة السودانية لجهة النقل الحصري للمونديال عبر قناة مشفرة يتطلب الحصول عليها إنفاق قدر كبير من المال  يتراوح ما بين  ٢٥٠ إلى ٢٦٠ الف جنيه سوداني – حوالي 400 دولار.

تنتشر اندية المشاهدة في مناطق واسعة من العاصمة السودانية الخرطوم، وتكتظ بالجماهير الغفيرة خلال مباريات الفترة المسائية، وتختلف تذكرة الدخول لهذه الأندية باختلاف المناطق السكنية، فمثلاً في المناطق الشعبية يتراوح سعر تذكرة الدخول بين ثلاثمائة إلى خمسمائة جنيهاً، بينما في مناطق وسط الخرطوم يصل سعر التذكرة إلى ألفي جنيه.

وفقاً لمفوضية الضمان الاجتماعي فإن ٧٧٪ من السودانيين يعيشون تحت خط الفقر، وأن دخل الفرد منهم لا يتجاوز ١.٢٥ دولار يومياً. لكن على الرغم ذلك؛ لم تؤثر حياة الكفاف هذه على حب السودانيين لكرة القدم وتتبعهم أكبر بطولة عالمية.

“تدنِّي مستوى المعيشة والهموم الحياتية التي يُعايشها السودانيين تجعل من متابعة المباريات مُتنفساً وملاذاً لمن أنهكته الخيبات ومصاعب الحياة. لكن الحياة بكل جبروتها تُصر على سلب عُشَّاق اللعبة متعة المشاهدة التي ينتظرونها كل أربع سنوات”. يقول المهتم بالشأن الرياضي، عبد الرحمن محمد الطيب لـ(عاين). ويضيف متساءلاً : “هل تحوَّلت كرة القدم التي عُرفت بأنها لعبة الفقراء من كونها لعبة شعبية إلى رفاهية اجتماعية تنحصر مشاهدتها في طبقات اجتماعية دون الأخرى؟”.

مشاهدون امام محل تجاري على شارع رئيسي -ام درمان

 من وجهة نظر عبد الرحمن محمد الطيب، فإن الإنتشار الواسع لرياضة كرة القدم أغرى رأس المال بالاستثمار فيها، إلا أنها ستظل اللعبة الشعبية الأولى، وعلى الرغم من هيمنة رؤوس الأموال؛ إلا أن هنالك الكثير من المجتمعات تعتبر كرة القدم رافعة من الروافع الاجتماعية ووسيلة للتخلص من حياة المسغبة عبر ممارسة اللعبة، بجانب طموح أبناء هذه المجتمعات في النهوض بأنفسهم وبلدانهم. كما أن اللعبة كغيرها من الرياضات تُعد لغة عالمية الجميع يعرفها، لذلك لن تحول سيطرة التجارة على اللعبة بين الجماهير ومعشوقتهم المستديرة.

مبادرات..تبرعات

 في خضم حياة المسغبة التي يعيشها السودانيين -بحسب وصف عبد الرحمن-  نشطت العديد من المبادرات والتبرعات الشعبية لمجانية مشاهدة البطولة الكروية الأهم.

أمام مقر وكالة لبيع أجهزة البث على شارع الوادي في مدينة ام درمان يتجمهر عدد كبير من المشاهدين أمام شاشة ضخمة تقوم بعرض مباريات كأس العالم، وتضم هذه التجمهرات قطاعات واسعة من الذين ليس بمقدورهم دخول اندية المشاهدة مدفوعة الأجر.

“كنا نود عرض افتتاح مونديال كأس العالم مجاناً، فوضعنا شاشة بحجم 65 بوصة أمام المحل، لكن اصبح الاقبال واسعاً من المارة وسكان الحي، حتى رُكاب المواصلات العامة عند مرورهم بالشاشة ينزلون لمشاهدة المباريات، ثم قررنا بعد ذلك عرض كل المباريات مجاناً، وأصبح لدينا جمهور مواظب من المشاهدين”. يقول مستنير صلاح الدين الذي يعمل في هذه الوكالة لـ(عاين).

ويعتبر صلاح الدين، إن الإشتراك في هذه النسخة من كأس العالم غالٍ جداً مقارنةً بالسنين الماضية، ورغم الغلاء فإن قطاعات واسعة من السودانيين تحصلوا على إشتراك القناة.

متابعون للمونديال في ام درمان

كذلك، أطلق شباب في الحارة الخامسة بالثورة-امدرمان مبادرة من عدة أهداف لمشاهدة مباريات البطولة في نادي الحي. ويشير كرار حامد، وهو احد المبادرين لـ(عاين)، إلى أنهم كأبناء حي جمعوا اشتراكات نقدية وقاموا بشراء شاشة عرض، ثم تحصَّلوا على بث قناة الخرطوم، ويشاهدون كل مباريات كأس العالم في هذا النادي منذ انطلاقته.

ويضيف كرار: “الهدف الأول من المبادرة احتواء أطفال الحي وتربيتهم تربية رياضية وإبعادهم عن المخاطر المنتشرة، بجانب ترسيخ العلاقات الاجتماعية، والابتعاد عن هموم الحياة”. 

المسؤول الاداري في نادي الأحرار الرياضي بأم درمان، وهيب بخيت يقول أنهم جهزوا لبطولة كأس بشاشات العرض، وزيادة أعداد كراسي الجلوس نسبةً لخصوصية البطولة.

 يؤكد وهيب في مقابلة مع (عاين)، أن أعداد الجماهير تزداد بشكل كبير خلال مباريات المنتخبات الكبيرة بجانب المنتخبات العربية والإفريقية، ويقدر عدد الحاضرين بـ ١٣٠ إلى ١٤٠ مشاهداً. 

في هذه البطولة من كأس العالم قررت دولة قطر بث إثنان وعشرون مباراة مجاناً عبر القنوات غير المشفَّرة، مما أتاح فُرص مشاهدة أكبر، أما المباريات غير المنقولة في القنوات المفتوحة فإن خيارات مشاهدتها تبقى محصورة في متابعتها عبر الإنترنت أو عبر القناة الناقلة، أو بالتحايل وفك تشفير القنوات الناقلة.

جدل أخلاقي

حينما وجد المشاهد الشغوف بمتابعة مباريات كأس العالم أن المتعة تُشترى شراءً مثل أي سلعة سوقية، وكل الطرق المشروعة لإشباع الشغف مسدودة، لجأ إلى طرق بديلة تتيح له المشاهدة.

فهنالك بعض الجهات تعمل على اقتباس البث وفك تشفير القنوات الناقلة، هذا الأمر مثل مثار جدل أخلاقي متباين، حيث يرى البعض أن من حق الجميع الاستمتاع بمتابعة اللعبة، وأن احتكار البث ما هو إلا تسليع للرياضة الأكثر شعبية في العالم، بينما يرى البعض الآخر أن القنوات الناقلة تعمل على تنظيم البث وتقنينه.

المهتم بالشأن الرياضي عبد الرحمن محمد الطيب، ينحاز لأحقية كل فرد في ممارسة هواية التشجيع بكل سهولة دون اللجوء لدفع مبالغ طائلة للإشتراك في قنوات تحتكر البث، ويقول لـ(عاين): “لهذا الأمر تبعاته القانونية والأخلاقية”. لكنه يعود ويبرر بأن فك تشفير القنوات الناقلة جاء كرد فعل لاحتكار البث الذي فُرض على محبي اللعبة.

السودانيات يُشجِّعن

تقطع سلمى كَفِتْ مسافة طويلة من منزلها الكائن بالحلة الجديدة الخرطوم، لتصل إلى مقر منظَّمة الحارسات بمدينة بحري لتحظى بمشاهدة وتشجيع منتخباتها المفضَّلة، تنضم سلمى في المشاهدة إلى عدد من النساء اللواتي لديهن اهتمام بالرياضة ووجدن أن دار الحارسات ملاذاً ملائماً، حيث تُوفر المنظمة صالة مهيأة لعرض المباريات محصورة على النساء.

سودانيات يتابعن مباراة في كأس العالم من مقر منظمة الحارسات- الخرطوم بحري

تقول سلمى في مقابلة مع (عاين) إنها كانت تنوي السفر وحضور البطولة بقطر، إلا أنها لم توفق في ذلك، وبحثت عن الكثير من الاندية لمتابعة البطولة إلى أن وجدت ضالتها في دار منظمة الحارسات الذي وصفته بأنه مساحة آمنة للنساء لممارسة هواية التشجيع.

وإلى جانب قيود كثيرة تواجه النساء السودانيات عقبات اجتماعية في ممارسة الرياضة وحتى تشجيعها-بحسب ما تقول ميامن حاتم لـ(عاين)، وتضيف: ” اواجه بعض المضايقات من العائلة عندما أخبرهم نيتي في الذهاب لمشاهدة المباريات لأن هنالك مفهوم راسخ بأن كرة القدم حكراً على الذكور”. ميامن تقول انها لتغيير هذا المفهوم بتوعية من حولها بأن الرياضة للجميع.