الحرب تقسو على عمال السودان

عاين- 5 أغسطس 2024

أثرت الحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من عام، على كل مناحي الحياة، وخلفت مشاكل كبيرة تستمر وتتفاقم يوما بعد يوم، وعطلت حياة الناس بسبب النزوح وإخلاء الخرطوم، وانعكس ذلك على توقف الإنتاج وتشتت المنتجين وانهيار الاقتصاد، وفقد ملايين العمال وظائفهم ليصبحوا أكثر فئة متضررة من آثار الحرب.

ووفقا لتقارير سابقة لوزارة المالية، فإن عدد القوى العاملة في السودان تُقدر بحوالي 25 مليون شخص من إجمالي عدد السكان المقدر بحوالي 48 مليون شخص، وبعد الحرب تشير تقارير صادرة من صندوق النقد الدولي إلى ارتفاع معدل البطالة في السودان إلى 47% ومعدل التضخم إلى 256% مما يعني شلل الاقتصاد السوداني بسبب الحرب وخسارة العملة الوطنية نسبة 50% من قيمتها قبل اندلاع الحرب.

وبعد نشوب الصراع العسكري، تعرض آلاف العمال لمجازر فصل من قبل أضخم المؤسسات الاقتصادية في البلاد بالقطاعين الخاص والعام، في حالات من الفصل التعسفي والتسريح وإيقاف الخدمة وصرف إجازات مفتوحة بدون رواتب في مخالفة صريحة لقانون العمل السوداني الذي لم يتضمن أي بنود تتحدث عن إجازات بدون مرتب للعاملين في القطاع الخاص، ومن الأمثلة العمال والموظفين ببنك فيصل وبنك الخرطوم وشركة دال للصناعات وشركة أراك، بالإضافة لعدد كبير من المصانع بولايات الخرطوم والجزيرة التي سرحت عامليها بسبب الحرب، وبررت أغلب تلك المؤسسات عمليات الفصل بالخسائر التي تكبدتها وعدم قدرتها على تسيير العمل وتحمل تكلفة رواتب الموظفين والعمال.

واحد من الناس

ويحكي مجاهد محمد لـ(عاين) قصته قائلا: “فقدت وظيفتي بسبب الحرب، حيث كنت عاملاً نقل بإحدى الشركات، اضطررت لمغادرة الخرطوم إلى الولاية الشمالية، حيث تجددت معاناتي بشكل آخر بسبب انعدام الفرص في العمل”. ويشير محمد، إلى أن الوضع ازداد سوءا بسبب البطالة وأعداد النازحين الكبيرة ممن فقدوا أعمالهم، حيث ازدادت حدة التنافس في العدد القليل من الوظائف المتوفرة في الولاية الشمالية.

عمال في ميناء بورتسودان شرقي البلاد

 ويتابع مجاهد: “عشت فترة طويلة من المعاناة؛ بسبب الحرب والنزوح، وحاولت إيجاد أي وظيفة تساعدني على احتياجاتي اليومية، حيث عملت كبائع خضار بإحدى الأسواق الكبيرة لتوفير لقمة العيش، ولكن السلطات كانت لنا بالمرصاد بالملاحقة والجبايات بحجة تنظيم الأسواق، ثم حاولت أيضا العمل كعامل في حظيرة الجمارك، ولكن لأن العدد كبير جدا من طالبي الوظائف من العمال المشردين لم أستطع الحصول على وظيفة دائمة”.

 لم تتوقف محاولات مجاهد في مواصلة الكفاح من أجل توفير الحد الأدنى من العيش الكريم، ولكن غلاء المعيشة وصعوبة الحياة في ظل الوضع الحالي ما زالت تضيق عليه الخناق كحال الآلاف من زملائه العمال المتأثرين بالحرب دون أي قدرة على مجابهة متطلبات المعيشة اليومية.

أكثر من 270 مجمعاً للورش وأكثر من 500 مصنع وأكثر من 3200 ورشة حرفيين تم فقدانها وخروجها عن العمل في الشهر الأولى لاندلاع الحرب فقط في ولاية الخرطوم

ووفقا لإحصائيات أجراها تجمع الحرفيين والعمال السودانيين، فإن أكثر من 270 مجمعاً للورش وأكثر من 500 مصنع وأكثر من 3200 ورشة حرفيين تم فقدانها وخروجها عن العمل في الشهر الأولى لاندلاع الحرب فقط في ولاية الخرطوم، وقاد هذا الدمار آلاف العمال إلى النزوح إلى الولايات الآمنة بحثا عن مصادر للدخل كالعمل في الشوارع وامتهان وظائف لسد الحاجات اليومية لهم ولأسرهم، ولكن السلطات المحلية بتلك الولايات لم تسمح بالعمل في الشوارع، ومُنِع الآلاف واعتقال المئات من الفريشة ونازحي الحرب المشردين.

الفراغ النقابي

ويعيش عمال السودان هذه المعاناة لأكثر من عام في ظل غياب النقابات والأجسام المدافعة عن حقوق العمال، حيث مرت الحركة النقابية بالكثير من العراقيل في طريق بناء النقابات العمالية، وواجهت إشكالات الجدال حول قانون النقابات، بالإضافة لتعطيل الحكومة الانتقالية، ومن بعدها الانقلاب العسكري لمسيرة تكوين النقابات المدافعة عن العمال والمهنيين.

بجانب آلاف العمال المفصولين من الخدمة من قبل الشركات الكبيرة، يعاني الآلاف من عمال القطاع العام من انقطاع مرتباتهم لأكثر من عام، في ظل الارتفاع المهول في أسعار السلع

خبير نقابي

وبهذا الصدد يقول الخبير النقابي محجوب كناري لـ(عاين): إن “هنالك جهات كثيرة عملت طوال الأربعة أعوام الماضية على تكريس الفراغ النقابي وعدم قيام نقابات عمالية، وأرجع السبب إلى التخوف من توحد العمال خلف الأجسام الممثلة لها والعمل بتنظيم لانتزاع الحقوق، ونبه إلى أن الفراغ النقابي ساعد على توسيع الهوة بين العاملين والجهات التي تمنح المساعدات نسبة لأن أغلب العمال المشردين حاليا ليسوا أعضاء في نقابات.”

مزارعون بدارفور

وأضاف كناري: أن “بجانب آلاف العمال المفصولين من الخدمة من قبل الشركات الكبيرة، يعاني الآلاف من عمال القطاع العام من انقطاع مرتباتهم لأكثر من عام، في ظل الارتفاع المهول في أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية الناتج من انهيار قيمة الجنيه السوداني وغلاء المعيشة الطاحن الذي يعيشه المشردون، ونوه بصعوبة تلقي الخدمات العلاجية بعد الارتفاع غير المسبوق في أسعار الأدوية وغياب خدمات التأمين الصحي والمرتبات وعدم القدرة على إيجاد وظائف بديلة.”

أرقام مخيفة

وبعد توسع الحرب إلى ولايتي الجزيرة وسنار وولايات دارفور، فقد السودان ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية التي كانت تغطي حوالي أكثر من 40% من الناتج الإجمالي المحلي، وبالتالي فقد الآلاف من المزارعين والعمال الزراعيين أعمالهم ومأواهم، مما سينعكس بشكل كلي على اقتصاد البلاد والسوق المحلي بغياب محاصيل كانت مهمة في خلق التوازن، وحذرت تقارير صادرة من وكالات الأمم المتحدة من وصول أكثر من 25 مليون شخص لمستوى المجاعة والانعدام الحاد في الأمن الغذائي.

وبحسب تصريحات من وزارة الزراعة السودانية، فإن حوالي 12 مليون فدان كانت تزرع بشكل سنوي فُقِدَت بسبب توسع الحرب في ولايات دارفور الخمسة وولايتي غرب وجنوب كردفان؛ بسبب فقدان القوى العاملة في الزراعة وتأثرها بالنزوح واللجوء إلى خارج السودان، كما صرحت أن حوالي 150 ألف فدان لم يُتَمَكَّن من زراعتها في مشروع الجزيرة؛ بسبب انعدام الأمن وغياب التمويل.

هجرة العمال والكوادر المؤهلة والمدربة سيكون له تأثير مستقبلي على إعادة التوازن للقطاع الزراعي.

خبير زراعي

 وحسب بيان صادر عن منصة السودان للزراعة والأمن الغذائي، فإن عدد الولايات التي خرجت من دائرة الإنتاج الزراعي وصل إلى حوالي 13 ولاية، وقال البيان: إن “نسبة 70% من محصول الذرة السنوي فُقِدَت و96% من أراضي محصول الدخن أيضا خرجت عن الإنتاج بسبب الحرب”. وحذر البيان من خطر المجاعة منبها إلى ضرورة تبني استراتيجية تقوم على زراعة كل المساحات الممكنة بما في ذلك الغابات في المناطق غير المتأثرة بالحرب.

آثار منتظرة

وفي هذا يقول الخبير الزراعي أمين خضر لـ(عاين)، إن “الوضع خطير جدا على المواطنين بدخول السودان إلى مرحلة متقدمة في تصنيف المجاعة”. وأضاف: أن “تداعيات الحرب إن لم تتوقف فسيتعدى تأثيرها الموسم الحالي للموسم القادم، في وقت ونوه بأنه ما زال هنالك وقت لتلافي الأضرار خاصة مع المؤشرات الإيجابية لتوقعات الأمطار وتوزيعها.”

وبخصوص تشرد الآلاف من المزارعين والعمال الزراعيين، أكد خضر بأن هجرة العمال والكوادر المؤهلة والمدربة سيكون له تأثير مستقبلي على إعادة التوازن للقطاع الزراعي، ودعا السلطات إلى احتساب الأمن ضمن مدخلات الإنتاج الزراعي كأحد الدروس المستفادة من الحرب.

800 وحدة سكنية للعمال الزراعيين بمشروع الجزيرة عانى أغلبها من النزوح بسبب دخولها دائرة الحرب

تحالف مزراعي الجزيرة

وفي ذات السياق كشف عضو سكرتارية تحالف المزارعين بمشروع الجزيرة عبد الرؤوف عمر لـ(عاين)، بأن المساحة المزروعة حاليا تقلصت بسبب الحرب إلى أقل من 5%، وأضاف أن عدد الوحدات السكنية للعمال الزراعيين حوالي 800 وحدة تغطي الأقسام العشرة لمشروع الجزيرة، عانى أغلبها من النزوح بسبب دخولها دائرة الحرب.

وأكد عبد الرؤوف، أن عددا قليلا من العمال الزراعيين يمثلون الشريحة الأكثر فقرا ما زالوا موجودين، وذلك بسبب عدم قدرتهم على مغادرة مناطقهم في ظل ضعف فرص العمل؛ بسبب أن أكثر من 90% من الأعمال الفلاحية في الزراعية كانت تعتمد على هؤلاء العمال. وأضاف “هذا العدد من العمال ما زال معرضا للفقر والتشرد والنزوح ومواجهة كافة تهديدات المجاعات التي يمكن أن تلحق بالإنسان”.