حرب النفوذ العسكري والاقتصادي.. (نيالا) في قبضة الدعم السريع
عاين- 2 نوفمبر 2023
لم تكن الهجمات العسكرية التي نفذتها قوات الدعم السريع على الحامية العسكرية للجيش السوداني بمدينة نيالا والثانية من حيث الحجم والأهمية بعد الخرطوم، مجرد هجمات روتينية لجهة التحشيد والإعداد المبكر لمهاجمة المدينة الاستراتيجية والاستيلاء عليها.
وتشن الدعم السريع هجمات لفترة امتدت لأكثر من 190 يوما دون توقف، وعقب سلسلة من الهجمات تمكنت هذه القوات التي تعتبر مدينة نيالا مناطق نفوذها العسكري الخميس الماضي من الدخول إلى مباني الحامية عقب انسحاب الجيش مضطرًا حسب مصادر عسكرية تحدثت لـ(عاين).
جاء انسحاب الجيش حسب المصادر العسكرية نتيجة صعوبة إيصال الإمداد العسكري والمؤن إلى قوات الفرقة 16 مشاه التابعة للجيش داخل حامية نيالا والحصار المتطاول لها وإغلاق قوات الدعم السريع خطوط الإمداد حول المدينة.
ماذا حدث في نيالا؟
يقول العامل في المجال الإنساني بولاية جنوب دارفور، حسن كريفو لـ(عاين): إن “الوضع في مدينة نيالا أصبح يشوبه الهدوء عقب انحسار المعارك العسكرية بعد استيلاء الدعم السريع على الحامية العسكرية (الفرقة 16 مشاة) التابعة للجيش”.
وكانت بعض الأسواق عادت إلى العمل أمام حركة طفيفة للمواطنين وأبرزها سوق الملجة وسوق الجبل وسوق الأندلس بينما بقي المستشفى الحكومي العام في مدينة نيالا مغلقًا نتيجة مغادرة الأطباء إلى مدينة الضعين بعد اشتداد المعارك العسكرية.
وفي ظل وضع أمني هش، تعمل بعض المراكز الصحية حسب -كريفو- منها المستشفى التركي ومركز شيخ موسى شرق مدينة نيالا إلى جانب الإدارة الطبية لقوات الدعم السريع.
وعلى الرغم من إعلان القائد الثاني لدى قوات الدعم السريع الفريق عبد الرحيم دقلو العمل على إعادة الحياة المدنية سريعاً إلى مدينة نيالا ، لكن وبحسب -كريفو – لا زالت الحركة متوقفة وسط المدينة مع حركة طفيفة للمواطنين في الأحياء الطرفية إلى جانب عودة بعض العائلات إلى المنازل وهي أعداد ليست كبيرة.
ابقاء الوضع على ما هو عليه
“من المتوقع أن يُدير الدعم السريع الوضع في نيالا عبر مسؤولي الصف الثاني في المؤسسات الحكومية طالما أنه من الصعب أن يُقدم على تكوين حكومة جديدة حتى لا يدخل في صدام مع المجتمع الدولي وأن ينعكس على المفاوضات في منبر جدة”. بقول كربفو.
وفي هذا الاتجاه، يبلغ مصدر عسكري مقرب من قوات الدعم السريع (عاين)، بان القوات تعتزم إبقاء الوضع في المؤسسات الحكومية كما هو عليه تجنبا للتصعيد بالتزامن مع مفاوضات جدة بين الجيش والدعم السريع منذ الخميس الماضي.
وقال المصدر: “الجنرال الثاني في قوات الدعم السريع الفريق عبد الرحيم دقلو شقيق حميدتي لا ينوي تكوين حكومة آحادية في مدينة نيالا أو الولاية”.
وأضاف: “حسب التسريبات الواردة من الدعم السريع فإنه لا يمانع في عودة والي جنوب دارفور التجاني هنون الذين يقيم حاليا في مدينة بورتسودان شرق البلاد الخاضعة تحت سيطرة الجيش .
وذكر مصدر آخر من داخل مدينة نيالا لـ(عاين)، أن الدعم السريع يرتب لإدارة الوضع في مدينة نيالا عن طريق فرض السيطرة الأمنية والعسكرية عبر قواته إلى جانب القوات المتحالفة معه.
وأضاف: “لكن في ذات الوقت من الصعب مغادرة الوالي التجاني هنون مدينة بورتسودان للعودة إلى مدينة نيالا لإدارة حكومة الولاية لأن الجيش قد لا يسمح له بذلك ولا هو يستطيع أن يغادر دون موافقة الجيش”.
وأردف المصدر: “الأمين العام للحكومة مرسال يتواجد في ولاية جنوب دارفور وهو الأقرب لإدارة الولاية في الوقت الراهن لأن الدعم السريع في حال عدم وجود الوالي أو رفضه العودة سيضطر إلى السماح للأمين العام للحكومة بالإشراف على الولاية”.
نقل تجربة الجنينة
وقال المصدر، إن الدعم السريع يتجنب في هذا الوقت تعيين حكومات في المناطق التي يسيطر عليها لأن خطاب قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو كان واضحًا قبل شهرين بأنه لن يتجه إلى تكوين حكومة أحادية اذا التزم قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بعدم تكوين حكومة في بورتسودان.
وأضاف: “الدعم السريع تجنب تكوين حكومة احادية في مدينة الجنينة التي يسيطر عليها منذ ثلاثة أشهر وأبقى على نائب الوالي كرشوم حتى الآن”.
وكان قائد ثاني قوات الدعم السريع الفريق عبد الرحيم دقلو دعا في خطاب من أمام قيادة الفرقة 16 بحامية نيالا العسكرية اللواء بشير آدم عيسى بالإشراف على الشرطة في مدينة نيالا.
وحسب المعلومات التي حصلت عليها (عاين) فان اللواء شرطة بشير آدم عيسى تقاعد عن جهاز الشرطة بينما غادر مدير الشرطة الولاية فور اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع.
أهمية نيالا للدعم السريع
تشكل ولاية جنوب دارفور حسب الباحث في شؤون إقليم دارفور ضرار آدم ضرار، نقطة رئيسية بالنسبة للدعم السريع لأنها تضم مناجم الذهب في مناطق سونقو ومحلية برام والردوم وحفرة النحاس هناك الشركات المملوكة لقوات دقلو تعمل في تنقيب الذهب وتعمل العمليات العسكرية.
عقب تراجع الإنتاج في جبل عامر منذ العام 2020 اتجهت قوات الدعم السريع للتنقيب عن الذهب في أقصى جنوب ولاية جنوب دارفور في مناطق “سونقو” و”الردوم” و”حفرة النحاس” وهذه العمليات مكنت هذه القوات من الحصول على نوعية جيدة من التسليح- وفقًا للباحث في قضايا العسكرية والأمنية. محمد آدم.
وتابع آدم : “يمكن لقوات الدعم السريع أن تقوم بتصدير الذهب مباشرة إلى الإمارات مقابل وصول شحنات من السلاح لذلك منذ بداية الحرب لم تصل قوات دقلو إلى مرحلة نفاد السلاح او الذخيرة لقد كانت الصناديق المعبأة بالسلاح تتدفق باستمرار من مطار أم جرس إلى إقليم دارفور ثم إلى قلب العاصمة “.
فيما يرى ضرار في حديث لـ(عاين) أن أهمية ولاية جنوب دارفور بالنسبة للدعم السريع جعلت قائدها الثاني يشرف على العمليات القتالية إلى حين الاستيلاء على الحامية العسكرية في مدينة نيالا نهاية هذا الشهر.
كذلك تعد مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور ثاني أكبر مدينة سودانية بعد العاصمة الخرطوم وهي تضم أسواق تعتبر ملتقى للأسواق من دول جنوب السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى كما إنها تتميز بالثروة الحيوانية والصمغ العربي.
وتجاور ولاية جنوب دارفور ثلاث ولايات من أصل خمسة في إقليم دارفور، إلى جانب حدودها التي تنتهي عند دول أفريقيا الوسطى وجنوب السودان وهناك معابر وطرق قوافل تجارية بين الولاية وهاتين الدولتين.
وقد تكون ولاية جنوب دارفور نقطة إمداد عسكري احتياطية بالنسبة لقوات الدعم السريع إذا لم تستمر نقطة الإمداد من منطقة أم جرس التشادية – حسب قول ضرار.
ويضيف قائلا : “اثنيات البني هلبا والسلامات والتعايشة والهبانية والفلاتة هي المجموعات الأهلية الأكثر بروزا في ولاية جنوب دارفور ومنذ الأسبوع الأول للحرب أعلنت تأييدها للدعم السريع وتحولت إلى حاضنة اجتماعية لهذه القوات”.
وأردف : “هذا لا يعني عدم وجود مجموعات أهلية أخرى مثل البرقد والمساليت والفور والزغاوة وهي أصيلة في ولاية جنوب دارفور ورغم التطمينات التي جاءت من قائد ثاني الدعم السريع بتنفيذ القانون وحماية المواطنين لكن هذه المجموعات حاليا في حالة نزوح إلى خارج نيالا وخارج الولاية”.
سيناريوهات متوقعة
بعد استيلاء قوات الدعم السريع على ولاية جنوب دارفور والحامية العسكرية في مدينة نيالا الأسبوع الماضي بالتزامن مع مفاوضات جدة بين الجيش والدعم السريع برعاية أميركية وسعودية فإن هناك سيناريوهات متوقعة في نظر الباحث في شؤون إقليم دارفور ضرار آدم ضرار مثل اتخاذ الدعم السريع إقليم دارفور مركزا للصراع المسلح أي نقل الصراع إلى هناك ضد الحركات المسلحة والإدعاء بأنها الممثل الوحيد لقضايا دارفور في منبر جدة.
وأضاف: “قد تنشب الحرب الأهلية داخل إقليم دارفور بين الدعم السريع والحركات المسلحة التي تمثل حواضن اجتماعية مختلفة ولديها السبق في مقاومة نظام الدولة المركزية في الخرطوم”.
وأردف ضرار : “هذا الأمر حدث في اتفاق نيفاشا عندما أعلن جون قرنق أنه يمثل قضايا جنوب السودان على الطاولة مع المؤتمر الوطني وقد يزعم الدعم السريع ذلك لأنه سارع إلى نشر رؤية سياسية أثناء الحرب”.
ويقول ضرار لـ(عاين): إن “قوات الدعم السريع حاليا تسيطر على ولايات جنوب دارفور وشرق دارفور ووسط دارفور وحصار حامية غرب دارفور وهي آخر حامية للجيش وقد تنقل قوات الدعم السريع معركتها إلى ولايات كردفان لفرض نفوذها على طاولة المفاوضات”.
لذلك يرهن ضرار، الحل في توسيع منبر جدة ليشمل جميع الحركات المسلحة – حركات جوبا – وحركتي عبد الواحد والحلو – والدعم السريع – الجيش – لتنفيذ ترتيبات أمنية تفضي إلى جيش موحد. وتابع: “هذا الحل يجعل السودان يتفادى الحرب الأهلية في إقليم دارفور وكردفان أو انفصال اقليم دارفور”.