انقسام إقليمي ينذر بإطالة أمد حرب السودان، ماذا حدث بمؤتمر لندن؟
عاين- 3 مايو 2025
منتصف شهر أبريل الفائت وبالتزامن مع ذكرى مرور عامين على الحرب في السودان استضافت وزارة الخارجية البريطانية مؤتمرا في لندن لبحث الأزمة بين الدول المنخرطة في الشأن السوداني ومستقبل الصراع المسلح والعمليات الإنسانية.
وابتدر مؤتمر لندن الذي انعقد بدعوة من وزارة الخارجية البريطانية الجلسة الأولى بالدعوة إلى إنهاء النزاع المسلح الذي يدخل عامه الثالث مع تباعد فرص الحلول السلمية وشارك في المؤتمر الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وقطر والنرويج وجنوب السودان وسويسرا وتركيا والإمارات وأوغندا والولايات المتحدة الأميركية وهيئة الإيقاد وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة ووزراء خارجية كندا ومصر وتشاد وإثيوبيا وكينيا والمملكة العربية السعودية.
خلافات إقليمية
خلص مؤتمر لندن إلى بروز الخلافات بين المملكة العربية السعودية ومصر من جهة ضد مقترح إماراتي بإطلاق عملية سياسية لتكوين حكومة مدنية مع الوضع في الاعتبار عدم الاعتراف بتمثيل الجيش والدعم السريع للشعب السوداني.
ويقول المتحدث باسم التحالف المدني لقوى الثورة “صمود” بكري الجاك الذي شارك في اجتماعات على هامش مؤتمر لندن لـ(عاين): إن “المملكة العربية السعودية ومصر اعترضتا على تكوين حكومة مدنية كشرط يعقب لإنهاء الحرب في السودان”.
وأضاف الجاك: “الامارات وجل الدول اعترضوا على حقيقة أن الجيش يمثل مؤسسات الدولة الرسمية التي يجب الدفاع عنها والمحافظة عليها حتى لا تُعطي شرعية لسلطة الأمر الواقع فى بورتسودان”.
وكانت القوى المدينة المناهضة للحرب مع تراجع الآمال في حدوث اختراق تعول على مؤتمر لندن لتسريع مبادرة رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك داخل الاتحاد الأفريقي بجمع قائدي الجيش والدعم السريع على طاولة واحدة مع المدنيين لحثهما على وقف القتال.
عودة إلى ما قبل الحرب
وأبلغ مصدر دبلوماسي مشترطا حجب اسمه (عاين) أن الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي طرحا على وفد التحالف المدني “صمود” إمكانية مشاركة الإسلاميين خاصة المعسكر الرافض للحرب في العملية السياسية التي ستنطلق خلال يونيو 2025.
وتابع المصدر الدبلوماسي المقرب من دوائر مؤتمر لندن بالقول: “وفد تحالف صمود بقيادة عبد الله حمدوك الذي شارك في اجتماعات على هامش مؤتمر لندن مع الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي لم يرد على المقترح بشأن مشاركة الإسلاميين في العملية السياسية المتوقعة خلال منتصف هذا العام وهناك تباين حول هذا المقترح داخل معسكر القوى المدنية”.
طُرح خلال مؤتمر لندن عودة الوضع في السودان إلى ما قبل 15 أبريل 2023 بما في ذلك إعادة وضعية قوات الدعم السريع كما كانت وتعيين قائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو نائبا للقائد العام للجيش
مصدر دبلوماسي
وبينما طُرح خلال مؤتمر لندن عودة الوضع في السودان إلى ما قبل 15 أبريل 2023 بما في ذلك إعادة وضعية قوات الدعم السريع كما كانت وتعيين قائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو نائبا للقائد العام للجيش ضمن مقترح نوقش في مؤتمر لندن وفق مصدر دبلوماسي تحدث لـ(عاين).
ويكشف المصدر الدبلوماسي عن عدد من النقاط التي أدت إلى تعقيد مؤتمر لندن أبرزها تزامنه مع هجوم الدعم السريع على مخيم زمزم في الفاشر ومقتل 400 نازح برصاص قوات حميدتي وفق تقرير صدر من الأمم المتحدة.
وأضاف المصدر الدبلوماسي: “رفضت بعض الدول المتقاربة مع الإمارات في المؤتمر إدراج إدانة الهجوم على مخيم زمزم في البيان الختامي لمؤتمر لندن كما فشل المؤتمر في الوصول إلى اتفاق موحد يقضي بعدم تدفق الأسلحة إلى الجيش وقوات الدعم السريع”.

وتابع المصدر الدبلوماسي: “الولايات المتحدة الأميركية ناقشت هذه النقطة خلال مؤتمر لندن مع الوفد الإماراتي ولم يتوصلا إلى تفاهمات بناءة لوقف تدفق الأسلحة إلى قوات حميدتي”.
وزاد المصدر الدبلوماسي قائلا: “الوفد الأميركي في مؤتمر لندن طلب أيضا على هامش هذه الإجتماعات من الوفد الإماراتي إنهاء حصار الفاشر بحكم قربها من قوات الدعم السريع لكن أبوظبي قالت إنها تقف على مسافة واحدة من الطرفين لذلك سارعت إلى إصدار بيان يدين الجيش والدعم السريع”.
إثارة شرعية الجيش
يعلق المتحدث باسم التحالف المدني لقوى الثورة “صمود” بكري الجاك حول مقترح العودة إلى ما قبل 15 أبريل 2023 الذي نوقش في مؤتمر لندن بالقول: “نحن نتحدث عن بناء جيش قومي مهني واحد و عمليا هذا يعني انتهاء كل التشكيلات العسكرية خارجة منظومة الجيش المهني القومي الواحد الذي لا يعمل فى السياسة والاقتصاد”.
تعدد المواقف الدولية بشأن حرب السودان قد يقود إلى إطالة أمد الحرب ويجعل الوصول إلى تفاهمات مع مرور الوقت صعبا
بكري الجاك
يلخص بكري الجاك إفادته بشأن مؤتمر لندن قائلا إن: “تعدد المواقف الدولية بشأن حرب السودان قد يقود إلى إطالة أمد الحرب بل يجعل الوصول إلى تفاهمات مع مرور الوقت صعبا”.
كان مؤتمر لندن بمثابة التحرك الأبرز دوليا خلال هذا العام بشأن إنهاء الصراع المسلح في السودان والذي تسبب في مقتل أكثر من 150 ألف من المدنيين إلى جانب تدمير هائل للبنية التحتية في العاصمة السودانية حيث يعجز نظام الجنرال عبد الفتاح البرهان في نقل السلطة إلى الخرطوم بسبب انهيار المباني العامة ومرافق الكهرباء والمياه والمراكز التجارية والمستشفيات وخزانة خاوية من الأموال.
تصدعات عميقة
ويقول رئيس مركز فكرة للدراسات والتنمية أمجد فريد لـ(عاين): إن “مؤتمر لندن الذي انعقد منتصف أبريل في الذكرى الثانية لاندلاع الحرب في السودان كشف تصدعات عميقة بين الفاعلين الدوليين حول كيفية التعامل مع الصراع المسلح في السودان”.
وتابع: “مظاهر الخلاف تتضح في فشل المؤتمر في الخروج ببيان ختامي متفق عليه بين الحاضرين الدوليين، الذين غاب عنهم تمثيل الحكومة السودانية و(قوات الدعم السريع).
وأردف: “منعت الاختلافات في المواقف الدول المشاركة، من الاتفاق على صياغة نهائية للبيان الختامي للمؤتمر، وقصرت بريطانيا البيان الختامي على عموميات”.
وتتعمق الأزمة السودانية مع اتهامات الجيش لدولة الإمارات بإرسال الأسلحة والعتاد إلى قوات الدعم السريع بينما يجد الجيش السوداني نفسه قريبا من مصر والمملكة العربية السعودية فإن القتال المتصاعد قد ينهي آمال ملايين الأشخاص في هذا البلد من الوصول إلى مرحلة الانقسام بين اقليم دارفور وبقية أجزاء البلاد.
وإزاء تصاعد القتال في السودان مع سيطرة الجيش السوداني على العاصمة تعتزم مصر التدخل بشركاتها لإعادة الإعمار وفي هذا الصدد صرح سفيرها من بورتسودان أن القاهرة تود أن تلعب دورا في تأهيل البنية التحتية خلال المرحلة القادمة بينما يقول معارضون سياسيون لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان إن القاهرة تنتظر فرصة تدفق الأموال السعودية إلى السودان لإرسال شركاتها إلى العاصمة الخرطوم.
الاعتراف بالجيش
وتشرح الباحثة المصرية في الشؤون السودانية جيهان السيد، عدة عوامل جعلت القاهرة تتبنى وجهة نظر رافضة لعملية سياسية تقود إلى حكومة مدنية لأن الخطوات التي تمهد لها تضع في الاعتبار عدم الاعتراف بمؤسسات الدولة السودانية كما إن المؤتمر تجاهل دعوة الحكومة السودانية بحجة عدم الاعتراف بها رغم أن النزاع المسلح يناقش بين الأطراف المؤثرة.
تعتقد جيهان السيد في حديث لـ(عاين) أن مؤتمر لندن واصل في ذات الطريقة الخاطئة التي انتهجتها الوساطة الأميركية في منبر جدة ومفاوضات سويسرا بين عامي 2023 و2024 بعدم اعتراف بشرعية الجيش كمؤسسة تمثل الدولة في هذا الوقت الحرج.

وتابعت: “المدخل الحقيقي لإنهاء الحرب في السودان هو الاعتراف الدولي بشرعية الجيش السوداني بعيدا عن كونه يود الانفراد بالسلطة أم لا .. لأن هذا مسار آخر يعتمد على العملية السياسية التي قد تؤدي تشكيل حكومة يقودها المدنيون”.
قد يقود الاعتراف بالجيش ممثلا لمؤسسة الدولة في المحافل الدولية إلى إثارة ذات الطلب أو الاعتراض على ذلك من قوات الدعم السريع بينما ترد الباحثة المصرية في الشؤون السودانية جيهان السيد على هذه النقطة قائلة إن: “عدم الاعتراف بالجيش السوداني ووضعه على مسافة واحدة مع قوات حميدتي ذات النواة العشائرية والعائلية لن يؤدي إلى إطفاء الحرب في السودان”.
وتضيف: “بعض دول الإقليم لديها تأثير حول هذه النقطة مع الولايات المتحدة الأميركية وأعضاء مجلس الأمن الدولي لذلك لن تنتهي الأزمة السودانية قريبا مالم تعالج هذه النقطة بصورة جذرية”.
تحرك دولي فاتر
والحرب التي اندلعت في السودان منذ 15 أبريل 2023 فاقمت من الأوضاع الإنسانية وتصنف الأمم المتحدة الوضع على أنه الاسوأ في العالم بحاجة 30 مليون شخص للمساعدة في الوقت ذاته تعهد مؤتمر لندن بجمع أكثر من 900 مليون دولار هذا العام للعمليات الإغاثية.
ويقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي فائز السليك لـ(عاين) إن المجتمع الدولي لا يضع الأولوية لحرب السودان حتى على المستوى الإنساني و يتجاهل نداءات الإستغاثة لأن الأولوية للأزمة الأوكرانية الروسية وقطاع غزة والشرق الأوسط.
ويرى السليك، أن بريطانيا تهتم بالملف السوداني باعتباره حامل القلم في مجلس الأمن الدولي إلى جانب العوامل التاريخية بالمقابل لا يمكنها أن تفعل شيئا في ظل غياب التحالف الدولي لوقف الحرب في السودان.
ويرجح فائز اتجاه الجيش والدعم السريع وحلفائهما إلى التصعيد العسكري في العام الثالث للحرب السودانية لتلاشي الأمل حول إنهاء القتال في هذا البلد الذي مزقته الأزمة الإنسانية.
انتهى مؤتمر لندن إلى بيان لم يحمل توافقا بين الأطراف الدولية المشاركة في توحيد المسار الدولي بشأن إنهاء القتال في هذا البلد فيما يصمم الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي على طرح مقترح يقضي بإشراك الإسلاميين “التيار المناهض للحرب” في العملية السياسية المتوقعة خلال منتصف هذا العام كفرصة أخيرة لإنهاء النزاع الدامي في السودان.