“قتل وتشريد ودمار”.. عامان على حرب السودان

عاين- 15 أبريل 2024

عامان من الحرب في السودان، وضعت ملايين السودانيين على حافة الجوع، وقتلت الآلاف وشردت الملايين بين نازح ولاجئ وسط أزمة إنسانية تعتبر الأسوأ في العالم، وتكاد تنعدم فرص السلام.

لا توجد بارقة أمل لبلوغ حرب السودان نهايتها عبر طاولة المفاوضات وفق المعطيات الراهنة قياسا بتراجع دعوات الوسطاء طوال الشهور الماضية ومع ذلك يعبر الناشطون في المجال الإنساني والمدني عن وجود مخرج للأزمة حال اعتلاء القوى المدنية المشهد داخل البلاد ومقاومة الترسانة الأمنية والعسكرية.

عندما انطلقت العمليات الحربية من مدينة مروي شمال البلاد والعاصمة السودانية والأبيض وبعض مدن إقليم دارفور صباح السبت 15 أبريل 2025 كانت الآمال مرتفعة بتوقف الحرب سريعا بواسطة المجتمع الدولي، وعلى ما يبدو بعد مرور عامين أصبحت “دعوات السلام” وكأنها تُجرم داخل البلاد من قبل سلطات الأمن التابعة لحكومة بورتسودان المدعومة من الجيش السوداني.

الأسوأ لم يبدأ بعد

هاني عثمان الباحث في العلوم السياسية يشير إلى أن “فصول المعاناة” لم تبدأ بعد في حرب السودان ويقول لـ(عاين): “السودان على أعتاب فصل جديد من الحرب، فالجولة الأولى كسبها الدعم السريع بالسيطرة على أجزاء واسعة من العاصمة وولايات وسط البلاد والجولة الثانية كسبها الجيش باستعادة هذه المناطق والجولة الثالثة في مرحلة التجهيز حاليا بنقل الصدام بين الطرفين من وسط البلاد إلى إقليم دارفور”. ويعضد عثمان توقعاته يضعف القوى المدنية داخل البلاد مقابل الترسانة الأمنية والعسكرية وتراجع أدوار المجتمع الدولي لصالح ملفات أخرى حول العالم أكثر أولوية بالنسبة له من الملف السوداني.

بعد عامين من الحرب لم تحن بعد فرصة قوية لإقناع الجنرالات بوقف القتال مع تراجع المجتمع الدولي حتى عن إيجاد مخرج للأزمة الإنسانية وغض الطرف عن مسؤولياته الأخلاقية والقانونية والإنسانية بنقل الإغاثة

باحث في العلوم السياسية

ويضيف عثمان: “في اجتماع جرى بمدينة أنطاليا التركية السبت 12 أبريل 2025 بين قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان جلس إلى جانب الأخير مسؤولين عسكريين وأمنيين واقتصاديين وأعضاء بارزين من الحزب الحاكم في أنقرة هذه التحولات تشير إلى طلب البرهان التعاون العسكري مقابل التعدين مع تركيا للاندفاع نحو المزيد من الأراضي الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع؛ لأن البرهان يستعد لجولة أخرى من الحرب مستغلا حالة السيولة التي يمر بها المجتمع الدولي”.

وتابع: “بعد عامين من الحرب لم تحن بعد فرصة قوية لإقناع الجنرالات بوقف القتال مع تراجع المجتمع الدولي حتى عن إيجاد مخرج للأزمة الإنسانية وغض الطرف عن مسؤولياته الأخلاقية والقانونية والإنسانية عن نقل الإغاثة إلى مناطق النزاع المسلح في السودان وحماية المدنيين”.

بصيص أمل

قبل وقت قصير من حلول الذكرى الثانية لاندلاع الحرب في البلاد توعد قائد ثاني قوات الدعم السريع الفريق عبد الرحيم دقلو القائد إلى شمال السودان. وقال: “إنه كان من الخطأ عدم القتال هناك”.

ويقول المتحدث باسم الحزب الشيوعي فتحي فضل لـ(عاين): “فرص السلام أحيانا تبدو وكأنها مستحيلة لتكالب قوى داخلية وخارجية تعمل على تدمير ما تبقى من السودان”.

من المهم بناء أدوات السلام والمقاومة وفرض السلم؛ لأن الجيش والدعم السريع وجها الأسلحة ضد ثورة ديسمبر وقوى الثورة هي المؤهلة لصنع السلام

متحدث باسم الحزب الشيوعي السوداني

ويضيف فضل: “من المهم بناء أدوات السلام والمقاومة وفرض السلم؛ لأن الجيش والدعم السريع وجها الأسلحة ضد ثورة ديسمبر منذ بداية الحرب وقوى الثورة هي المؤهلة لصنع السلام”.

ويرى فضل، أنه بعد مرور عامين من الحرب هناك حراك عالمي لوقف الصراعات المسلحة حول العالم؛ وبالتالي هناك احتمالات وصول السلام إلى السودان.

وأردف: “في الوقت ذاته من المهم الاستفادة من الزخم العالمي من قبل قوى الثورة المؤهلة لصنع السلام للاستفادة من هذا الحراك العالمي والتحرك داخليا وخارجيا عبر بناء جبهة قاعدية داخل البلاد تتكامل مع الحركة الوطنية خارج السودان”.

ويقول متحدث الحزب الشيوعي فتحي فضل، إن “الحراك العالمي الداعي لوقف الصراعات المسلحة يمكن أن يوقف الحرب في السودان، ويعيد الوضع إلى ما قبل 15 أبريل 2023 لذلك من المهم التقاط هذه السانحة إذا حدثت لفرض سلام عادل يجني مصالحه السودانيين”.

التعويل على الخارج

وسط ارتفاع أصوات البنادق تتراجع مطالب السلام التي تتمسك بها القوى المدنية، بينما يُجمل الباحث في مجال السلام والديمقراطية حافظ جمعة، أزمة القوى المدنية وفشلها في عدم تحقيق اختراق لصالح وقف القتال إلى نقطتين وعدم حلها بطريقة جدية الأولى الانسياق وراء المجتمع الدولي والإيمان التام بما يطرحه حتى وإن لم يتسق مع مصالح السودانيين. أما النقطة الثانية في نظر جمعة حالة الانقسام بناء على موقف أي طرف من الجيش والدعم السريع بدلا من الطريق الثالث.

الأحزاب السياسية ضيقت الخناق على نفسها بخلق مسافة كبيرة بينها وبين المواطنين، وتعتقد أن المقترحات التي تطرحها المنظمات الدولية أو بعض الدول المهتمة بالملف السوداني يجب التعامل معها بقداسة

باحث في مجال السلام والديمقراطية

ويقول جمعة: إن “القوى المدنية والأحزاب السياسية ضيقت الخناق على نفسها بخلق مسافة كبيرة بينها وبين المواطنين، وتعتقد أن المقترحات التي تطرحها المنظمات الدولية أو بعض الدول المهتمة بالملف السوداني يجب التعامل معها بقداسة والدليل على ذلك أنها تعتقد أن السعودية والولايات المتحدة ستجلبان السلام إلى السودان دون تأثير من القوى المدنية والسياسية على الأرض”.

وأضاف حافظ جمعة في مقابلة مع (عاين): “الدول الفاعلة في الملف السوداني لا تعمل لوقف الحرب لأن مصالحها غير موجودة في أي تسوية سياسية بين الجيش والدعم السريع بالتالي لم تتحرك حتى الآن بشكل جاد لوقف القتال”.

ويشير إلى أن غياب التأثير المدني على المجتمعات في السودان يعود إلى عدم تقديم القوى السياسية والمدنية طرح واضح لهذه المجتمعات.

ويرى الباحث في مجال الديمقراطية والسلام حافظ جمعة، أن الأزمة التي تواجه القوى المدنية السودانية لا مخرج منها إلا بالإيمان أولا بوحدة البلاد، حتى تتمكن من تقديم نفسها بشكل مختلف والانخراط في العمل الجماعي بمعزل عن التخوين وتبادل الاتهامات.

وأضاف: “السودان تحول إلى ساحة مليئة بتجار الحرب وجنرالات لا يجدون مصلحة في أجواء السلم مقابل قوى مدنية منقسمة بالتالي لا حل سوى نهوض الجماعات المدنية والسياسية الحريصة على مستقبل البلاد”.

الخارطة العسكرية لصالح من؟

في الخارطة العسكرية المُتقاسمة بين الجيش وقوات الدعم السريع تطورت الأوضاع عما كانت عليها في صبيحة اندلاع القتال في 15 أبريل 2023 بعد مرور 730 يوما على النزاع المسلح، واستعاد الجيش السوداني ولايات الوسط الجزيرة وسنار والخرطوم “العاصمة” ومدينة القطينة بالنيل الأبيض وأجزاء من شمال كردفان وفك الحصار جزئيا عن عاصمتها الأُبيض واستعادة مدن أم روابة والرهد وجبل الدائر في ذات الولاية.

هذه التطورات جعلت قوات الدعم السريع وفق المحلل العسكري حسن إدريس، تركز على معارك إقليم دارفور بالانتشار الموسع في شمال دارفور ومدينة نيالا جنوب دارفور عكس ما كان عليه الوضع قبل عامين.

وحول مستقبل الصراع، يجيب إدريس في مقابلة مع (عاين) قائلا: “الجيش لا يحرص على الغرق في فوضى إقليم دارفور لأن التحكم في العاصمة السودانية وشمال كردفان يضمن له بقاء السلطة المركزية ومدن آمنة بالتالي سيتعامل مع الوضع في إقليم دارفور باستراتيجية إنهاك الدعم السريع”.

الراجح أن الجيش لا يريد المغامرة في دارفور والاندفاع نحو المدن الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع

محلل عسكري

ويضيف إدريس:”لا توجد خطة واضحة بالنسبة لصناع القرار في حكومة بورتسودان التي يقودها الجنرال عبد الفتاح البرهان، لكنهم على الأقل لا يريدون المغامرة في إقليم دارفور والاندفاع نحو المدن الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع وهي الجنينة ونيالا وزالنجي والضعين مع الوضع في الاعتبار أن الوضع في الفاشر قد لا يستمر بهذه الوتيرة”.

بالنسبة لضيق فرص السلام بين السودانيين يعزو إدريس، استمرار الحرب إلى “تكييف” دول الجوار وضعها مع الصراع المسلح في السودان إلى جانب القوى الإقليمية والدولية التي لا تجد مصالحها في أي تسوية تعيد المدنيين والانتقال الديمقراطي إلى السودان بالتالي غضت الطرف عن بؤرة الحرب خلال العامين الماضيين.

وأضاف: “فعل المجتمع الدولي جميع أدوات الضغط في حرب إثيوبيا التي شارفت على الانتقال إلى أديس أبابا في العام 2021، وأوقف الحرب وبنفس القدر كان يمكن تحقيق ذلك في السودان، لكنهم لم يفعلوا، أرادوا إنهاك الجيش والدعم السريع، حتى يصلا مرحلة توازن الضعف على حساب ملايين المواطنين الذين تعرضوا للقتل والنزوح وفقدان الممتلكات والمأوى والمستقبل والحاضر”.

ينصح المحلل العسكري والاستراتيجي حسن إدريس، القوى المدنية بمخاطبة مصالح المجتمع الدولي بشكل مباشر ووضعها في الاعتبار عند حدوث أي تسوية سياسية للحرب التي تدور منذ عامين.

وأردف: “على القوى المدنية السودانية والأحزاب السياسية ولجان المقاومة والتنظيمات المؤيدة للديمقراطية أن تعلم أن الدول تتحرك من منطلق المصالح لا الصراخ عن الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد المدنيين، لقد حدثت العديد من هذه الأفعال في السودان خلال الحرب ولم يتحرك العالم”.

لم نفقد الأمل

“لم نفقد الأمل” يجيب المعز محمد وهو فاعل في لجان المقاومة بالعاصمة، على أسئلة حول إمكانية عودة السلام والحكم المدني إلى السودان الغارق في الصراع المسلح والعنف الذي يلاحق نحو 25 مليون شخص، ويعزو المعز عدم فقدان الأمل إلى رغبة السودانيين في مقاومة كافة أشكال العنف.

الجيش والدعم السريع عملا على إخلاء البلاد من النشاط المدني والسياسي المقاوم

 عضو لجنة مقاومة

ويعتقد المعز محمد، إن الجيش السوداني باعتباره الطرف المُمسك بالدولة في الوقت الراهن طرد الحياة المدنية والسياسية غير الموالية له وأفرغ المدن من أي نشاط سياسي يناهض الحرب.

وأضاف: “مع ذلك لا يمكن أن يُترك الجيش هكذا سيقاوم السودانيون هذا الأمر، على الرغم من حالة اليأس التي تنتابهم هم قادرون على ذلك”.

وتابع في مقابلة مع (عاين): “بمجرد عودة الحياة إلى العاصمة السودانية ستعود الوقفات الاحتجاجية والحركات المطلبية سواء من العمال أو المجموعات المؤيدة للديمقراطية، لقد قاومنا فترات أسوأ من هذه الحقب، ولن يحدث تراجع عن الحكم المدني والانتقال نحو الديمقراطية”.

غرف ترعى أصوات الحرب

“دعوات السلام منذ اندلاع القتال منتصف أبريل 2023 تغرق وسط أصوات دعاة الحرب على الرغم من أن مطالب السلام تعبر عن غالبية السودانيين”. تقول عضوة هيئة محامي دارفور نفيسة حجر لـ(عاين).

وتشير حجر، إلى أن الغرف الإعلامية المؤيدة للحرب وجدت رسائلها صدى وسط الجماهير لدرجة التشكيك حول مواقف الجماعات السياسية والمدنية التي تتبنى دعوات السلام رغم صدق نواياها.

وأضافت: “الخطاب الإعلامي من قبل دعاة الحرب لديه تأثير فيما يتعلق بحسابات الانتصار والهزيمة عسكريا من خلال عبارات شعبية مستخدمة بين المعسكرين مقابل لا للحرب”.

كما تحمل حجر، المجتمع الدولي بصمته المسؤولية في حرب السودان إزاء المذابح التي طالت المدنيين خلال الحرب سواء من الجيش أو قوات الدعم السريع.

وتضيف حجر: “القوى المدنية يتعين عليها لعب دور أكبر ونشر ثقافة السلام من خلال التوعية بالحقوق ونبذ الحرب ودعم المبادرات الداعية للجلوس في تفاوض يقود إلى إيجاد حلول جذرية للأزمة”.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *