حرب السودان في خارطة الإقليم والتقاطعات الدولية

عاين- 6 يناير 2024  

بينما يقود التيار المتشدد داخل الحركة الإسلامية في السودان، بقيادة الأمين العام على كرتي تبني خيار الحسم العسكري في الحرب الدائرة منذ أبريل 2023 ضد قوات الدعم السريع، يتوزع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بين تقاطعات إقليمية ودولية تقترب في مرات، وتبعد في أخرى عن حلفه مع الحركة الإسلامية المؤثرة داخل الجيش.  

ويمكن ملاحظة التباين داخل مجلس السيادة الانتقالي السوداني، حول المبادرة التركية للوساطة بين السودان والإمارات، لاسيما التصريحات الأخيرة لمساعد القائد العام للقوات المسلحة وعضو مجلس السيادة الانتقالي ياسر العطا والتي شن فيها هجوما على الإمارات وجاء تصريح العطا متزامنا مع تحريك تركيا مبادرتها للحوار بين السودان والإمارات بإرسال مبعوث من الخارجية إلى بورتسودان السبت الرابع من يناير 2025.

السعودية حليف محتمل

يربط الباحث في الشؤون الدبلوماسية مصطفى بشير بين تصريحات العطا وهجومه على الإمارات وبين وجود تيار داخل الحركة الإسلامية يدفعه نحو هذا الخيار لإفشال المبادرة التركية والاستمرار في الحرب لأن الإسلاميين المتنفذين لا يرغبون في الحوار مع أبوظبي باعتبار أن هذا الأمر لن يجد نفعا كما إن أي تفاوض في نظرهم يعني إعادة قوات الدعم السريع إلى المشهد وهذا مرفوض بالنسبة للإسلاميين المتنفذين.

وأضاف: “عودة الاسلاميين إلى إيران للحصول على السلاح لا تحدث دون تنازلات وهي تتصل أيضا بدول الإقليم خاصة المملكة العربية السعودية التي لن توافق على هذه الخطوة على حساب أمن البحر الأحمر”.

وأردف في مقابلة مع (عاين): “في السعودية تحدثوا مع البرهان في نوفمبر 2024 على هامش القمة العربية الإسلامية حول دعم السودان ووعدهم بترتيب المشهد السياسي لأن الرياض تريد نظاما عسكريا شموليا في السودان بمعزل عن الحكم المدني والإسلاميين بالتالي لا يمكن الحديث عن عودة طهران إلى المشهد السودان”.

هناك خطوة منتظرة من البرهان ناحية الإسلاميين حتى يكون على تحالف مع المملكة العربية السعودية التي تؤيد نظام عسكري بمعزل عن القوى المدنية

باحث

ويرى بشير، أن “تيار كرتي وهارون” وعد البرهان بتجهيز عشرات الآلاف من المقاتلين لحسم الحرب عسكريا والبحث عن التسليح الحديث في إيران وروسيا وهي مجرد وعود فقط في ذات الوقت لا يملكون المال للشراء من الصين.

ويعتقد الباحث في الشؤون الدبلوماسية مصطفى بشير، أن التوجه القادم لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان سيما خلال العام 2025 سيكون نحو المملكة العربية السعودية لأن اللقاء الذي جرى بين البرهان وولي العهد السعودي تحدث عن دعم الرياض للجيش بمعزل عن الإسلاميين وتسويق هذا التوجه للإدارة الأميركية مع وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان

ويقول بشير، إن البرهان يعتقد أن وصول ترمب إلى البيت الأبيض يتيح للسعوديين الحصول منه على أوراق ضغط تجاه قوات الدعم السريع يمكن تصنيفها كمنظمة إرهابية إذا حركت الرياض أدواتها لدعم البرهان والجيش.

وتابع: “هناك خطوة منتظرة من البرهان ناحية الإسلاميين حتى يكون على تحالف مع المملكة العربية السعودية التي تؤيد نظام عسكري بمعزل عن القوى المدنية الديمقراطية والإسلاميين معا لذلك لن تكون إيران خيارات أمام حكومة بورتسودان بقيادة عبد الفتاح البرهان”.

طهران لن تعود إلى السودان

بينما يقول المدير السابق لمركز أبحاث السلام بجامعة الخرطوم محمد محجوب هارون، إن مايجري في غزة و لبنان، و التغيير في سوريا على النحو الذي تم به، و علاقة أطراف إقليمية و من خارج الإقليم المتوسط  بذلك مثل روسيا و إيران و تُركيا مع دور أميركي غير مُعلن خلفه عودة الرئيس الأميركي الأسبق، دونالد ترمب إلى الحُكم في البيت الأبيض ذلك يدفع باتجاه قراءة مغايرة لما هو سائد عن حالة ميزان القوة، واتجاهات السياسة الدولية في الإقليم.

ويرى هارون في حديث لـ(عاين)، أن انتخاب إيران رئيسا جديدا من تيار إصلاحي مثله مثل الرئيس الأسبق محمّد خاتَمي، هو مسعُود بزشكيان. و شرعت إيران، سلفا، في مراجعة سياستها الخارجية إقليميا، إذ اتّجهت إلى التصالح مع المملكة العربية السعودية بوساطة من الصين.

وتابع: “رغم خسارة إيران لحليفها بشّار الأسد في سوريا و ما تعرّض له حليفها حزب الله اللبناني من ضربات كبيرة من دولة الإحتلال، إسرائيل، إلا أنّ من المُحتمل أنّ يكون تخلّي طهران عن الأسد قد جاء في سياق تفاهم دولي مركّب”.

وقال هارون: “ربّما كان تقدير إيران المُسبق هو التخلي عن الأسد لتضعضع فرصه في الاستمرار في قيادة سُوريا، و تفضيلها المُضي باتّجاه مزيد من التطبيع مع دول إقليم الخليج العربي، و قبول دورٍ إقليمي أكبر لأنقرة”.

وأضاف هارون: “هذه التنازلات تفتح لروسيا مجالا أفضل لتسوية نزاعها مع أُوكرانيا مقابل تمكين التغيير في سوريا بعدم وقوف موسكو ضد تغيير نظام الأسد. هذا لا يُمكن أن يكون قد تم دون تفاهم رُباعي الأطراف بين موسكو، طهران، أنقرة و واشنطن”.

ويرى هارون، إن “طهران ربّما ترى أنّ أولويتها هي بلوغ مشروعها النووي تمامَه، و قد اقترب من هذه النقطة، بدون الدخول في مواجهات تُفسد عليها تحقيق هذا الهدف، ومن ثم انخراطها في علاقات جيدة مع أطراف الجماعتين الإقليمية و الدولية، بما يُمكّنها (طهران) من دخول نادي القوى الإقليمية ذات الأهمية والتأثير”.

وأردف: “في حال صدّق واقع التفاهمات خلف الأبواب المُغلقة فإن التفاهم السُوداني الإيراني ليس محتملا أن يكون عبئا على السُودان. ومع تحرّك أنقرة في وساطة بين الأمارات والسُودان، فالراجح أنّ الملف السُوداني ذاته ليس بعيدا عن طاولة التفاوُض ربُاعي الأطراف المشار إليها”.

تطاول أمد الحرب

يتفق الباحث والكاتب في شؤون الحركة الإسلامية ابوذر الأمين، مع هارون في بعض النقاط ويرى أن هناك حلف يجمع تركيا ومصر وإيران إلى جانب الجيش السوداني ولا يمكن النظر إلى تركيا وإيران كحليفين مختلفين داخل الأجواء السودانية.

فيما يرى الباحث في العلاقات السودانية التركية ابراهيم ناصر، بأن التأثير التركي في منطقة القرن الأفريقي يتسع عقب نجاحها في منع إثيوبيا والصومال من الذهاب نحو “صراع خشن” وتمكنت أنقرة بمعالجة الأزمة بين البلدين بالتالي انطلاقا من رغبة أنقرة في ايجاد موطئ قدم إيجابي لها في أفريقيا فإنها ساعية إلى دفع السودان والإمارات نحو الحوار على الأقل لتحييد أبوظبي من الصراع في السودان.

عودة إيران إلى السودان غير واردة لأنها اشترطت مسبقا التواجد العسكري في البحر الأحمر

خبير علاقات دولية

ويوضح ناصر، أن تركيا بدأت خطوات فعلية في هذا الصدد بابتعاث نائب وزير الخارجية التركي إلى بورتسودان ولقاء وزير الخارجية بنظيره الإماراتي والتطرق إلى الازمة السودانية.

ضغوط الإسلاميين

ويقر ناصر بوجود تيار متنفذ من الإسلاميين مؤثر على قرار السلم والحرب في السودان ومع ذلك فإن عودة إيران إلى هذا البلد غير وارد لأنها اشترطت مسبقا التواجد العسكري في البحر الأحمر إلى جانب بعض الأجندات، ورغم تراجع دور طهران في سوريا إلا أنها في ذات الوقت فقدت نسبيا حلفائها الدائمين في المنطقة كنظام بشار الأسد وحزب الله في لبنان والضربات العنيفة التي تلقتها الجماعة الحوثية في اليمن.

ويقول ناصر في مقابلة مع (عاين): إن “الدور الإيراني في الشرق الأوسط تقلص كثيرا عكس تركيا التي تعمل من خلال سياسات خارجية مقبولة لدى الأطراف وهي مؤهلة للعب دور بين السودان والإمارات وإذا قرر المتنفذون في تيار الحرب الذهاب نحو المعسكر الإيراني فإن خيارهم قد يكون ضمورا في التفكير”.

قادة أهليون واعضاء في حزب المؤتمر الوطني يستقبلون إبراهيم محمود في مطار بورتسودان أكتوبر الماضي

وأضاف: “نعم يوجد تيار متنفذ يريد حسم الحرب عسكريا لحذف أي دور لقوات الدعم السريع ما بعد الحرب في الدولة السودانية لكن الذهاب نحو إيران لن يكون خيارا صائبا لأن المشهد سيكون معقدا جدا ونحن نرى تجارب الدول التي عملت فيها طهران وعلينا أن لا ننسى أن ايران لعبت دورا تخادميا في الأزمة السورية مع الإدارة الأميركية أطيح بموجب ذلك بنظام بشار الأسد”.

تناغم إيراني تركي في السودان

يستبعد الباحث والكاتب في شؤون الحركة الإسلامية ابوذر الأمين، وجود تيارين، ويرى أن تركيا وإيران ومصر يتواجدون في مسار واحد مع الجيش وهي أطراف متمسكة بالحل العسكري او الحسم عبر التفاوض بشكل لا يمنح أي دور فعال للدعم السريع في مرحلة ما بعد الحرب.

ويرى الأمين، أن مفاوضات جنيف أثبتت انقسام القوى الدولية بين السعودية والإمارات والولايات المتحدة من جهة وتركيا وإيران ومصر من جهة أخرى إلى جانب الجيش بالتالي لا يمكن وضع طهران بمعزل عن أي دور تركي في السودان.

ويقول الأمين في مقابلة مع (عاين): إن “الجيش مصمم على حسم الحرب عسكريا ويمكن الوضع في الاعتبار أن الطرف الخارجي في حرب السودان هو الأصل من خلال محور الإمارات والولايات المتحدة وإسرائيل ومعروف أن الإمارات تدير قوات الدعم السريع كأدوات في السودان من خلال إرسال المرتزقة والأسلحة النوعية لكن هناك عوامل على الأرض لا تساعدهم”.

وأردف: “إزاء كل ما يحدث لا أرى أن القوى الدولية والإقليمية مهتمة بوقف الحرب في السودان ولا أرى أي بارقة أمل لنجاح المبادرات وذلك لانعدام التوجهات الحقيقية والصادقة”.

الرؤية محجوبة عن التيار الإسلامي المتشدد في عدم تقدير الكلفة الإنسانية والبنية التحتية لاستمرار الحرب أو حتى انقسام البلاد إلى دول فاشلة وفوضوية

باحث في الشؤون الدبلوماسية

ويعزز انقسام بائن داخل الحركة الإسلامية بين جناح يتزعمه إبراهيم محمود حامد ونافع علي نافع من جهة ضد علي كرتي وأحمد هارون على وجود تحالف بين الإسلاميين والجيش على الرغم من نفي قائد القوات المسلحة عبد الفتاح البرهان هذا الأمر أكثر من مرة.

تشير الاجتماعات التي عقدتها الحركة الاسلامية جناح علي كرتي وأحمد هارون وبمساندة الرئيس عمر البشير إلى أن هذا التيار هو الأقرب إلى خيار حسم الحرب عسكريا بالتالي الذهاب نحو عقد صفقة مع طهران بمنحها موطئ قدم في السودان مقابل توريد أسلحة إيرانية فتاكة لإضعاف قوات الدعم السريع.

ويوضح الباحث في الشؤون الدبلوماسية مصطفى بشير، أن المشهد يجب أن لا يكون بمعزل عن النظر إلى قائد الجيش الذى لديه قدرة على الاستجابة للضغوط الإقليمية والدولية وإنهاء التحالف مع التيار المتنفذ داخل الحركة الإسلامية.

يوافق بشير في الرأي المطروح حول إمكانية تحالف تيار علي كرتي وهارون مع إيران من أجل الاستمرار في الحرب ويقول في مقابلة مع (عاين): إن “الرؤية محجوبة لدى هذا التيار في عدم تقدير الكلفة الإنسانية والبنية التحتية لاستمرار الحرب أو حتى انقسام البلاد إلى دول فاشلة وفوضوية”.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *