السودان 2024: حرب مستمرة وأزمة إنسانية تتفاقم
عاين- 1 يناير 2025
يستقبل ملايين السودانيين العام الجديد ما بين لاجئ ونازح ومفقود بسبب الحرب المستعرة منذ منتصف أبريل 2023 بين الجيش وحلفائه من جهة والدعم السريع وحلفائه من جهة أخرى. تستمر المعارك اليومية بحصد أرواح المدنيين بسبب طيران الجيش مرة أو بسبب القصف المدفعي لقوات الدعم السريع. يحاول هذا التقرير التطرق لأبرز الأحداث في الجوانب الإنسانية والسياسية والعسكرية خلال العام المنقضي.
لا تزال الحرب مستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023. مع عدم وجود بارقة لتفاوض يفضي لحلول سياسية للأزمة.
الجيش السوداني: يواصل الجيش استعادة بعض المناطق الكبرى. في الخرطوم، استعاد الجيش السيطرة على منطقة الإذاعة والتلفزيون وجزء من منطقة أمدرمان القديمة، فيما تواصل المعارك في مناطق أخرى مثل المقرن وبحري.
قوات الدعم السريع: تستمر في السيطرة على أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة وعاصمتها ود مدني، إضافة إلى سيطرتها على 4 ولايات في دارفور، بما في ذلك الحصار المستمر على مدينة الفاشر منذ مايو 2023. ورغم قرار مجلس الأمن الدولي بوقف حصار الفاشر، لم تستجب قوات الدعم السريع للمطالبة بوقف القتال.
مع مرور الأشهر، توالت المعارك العسكرية في مناطق متفرقة، مثل نيالا، دارفور، وبحري، إضافة إلى الانخراط في معارك مستمرة في أم درمان ومدن أخرى.
وفي شهر ديسمبر 2024، استعاد الجيش السوداني السيطرة على قاعدة الزرق الاستراتيجية بشمالي دارفور بعد معارك عنيفة مع قوات الدعم السريع. كما شهدت ولاية سنار، في نوفمبر 2024، استعادة الجيش السوداني لمدينة سنجة من قوات الدعم السريع بعد حصار استمر لعدة أشهر.
التطورات السياسية والجهود السلمية:
يناير 2024: “إعلان أديس أبابا
في بداية العام، وقعت قوات الدعم السريع وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” على “إعلان أديس أبابا”، الذي دعا إلى وقف فوري للحرب في السودان. وقد أبدت قوات الدعم السريع استعدادها لوقف العدائيات بشكل غير مشروط عبر التفاوض المباشر مع الجيش السوداني. ورغم هذا الإعلان، شدد عبد الفتاح البرهان على عدم إمكانية أي مفاوضات مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بسبب اتهامه بالخيانة والتمرد.
فبراير 2024: استمرار التصعيد العسكري
خلال هذا الشهر، تصاعدت الاشتباكات في عدة مدن سودانية رئيسية. أصدرت الحكومة السودانية أوامر لمواصلة العمليات العسكرية ضد قوات الدعم السريع، مما أدى إلى مزيد من المعارك والدمار في المناطق السكنية. أدت هذه العمليات إلى مقتل مئات المدنيين ودمار واسع في الأحياء، ما زاد من تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد.
مارس 2024: محادثات “غير مباشرة“
في هذا الشهر، وافق الجيش السوداني على إجراء مفاوضات غير مباشرة مع قوات الدعم السريع، تحت وساطة من ليبيا وتركيا. ومع ذلك، رفض أحد الجنرالات البارزين في القوات المسلحة السودانية اقتراح وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان، ما أدى إلى انهيار المحادثات في 11 مارس.
أبريل 2024: الأزمة الإنسانية تتفاقم مع نزوح المدنيين
في هذا الشهر، شهدت السودان أكبر موجة نزوح منذ بداية الحرب. قُدِّر عدد النازحين داخليًا بالملايين، وتوجه الكثيرون إلى مناطق نائية بحثًا عن الأمان. وقد فرض الحصار على العديد من المدن الكبرى، مما جعل وصول المساعدات الإنسانية شبه مستحيل.
وفي مايو 2024 بشكل عام كان هناك تصعيداً في القصف الجوي حيث شهدت مدن مثل نيالا ودارفور تصعيدًا كبيرًا في القصف الجوي من قبل الطيران الحربي السوداني، ما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين وتدمير الممتلكات. وفي نفس الوقت، استمرت الاشتباكات البرية بين الجيش وقوات الدعم السريع، مما أضاف إلى الأزمة الإنسانية في تلك المناطق.
في 23 مايو 2024، قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن عمليات القصف التي تنفذها قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، أدت إلى مسح منازل بالكامل فيما اعتبرته جريمة حرب مكتملة الأركان.
وفي 29 مايو 2024، أعلن نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار، رفض الحكومة السودانية دعوة واشنطن لاستئناف مباحثات جدة، مشددا على أن الحكومة السودانية لن تقبل فرض المباحثات دون التشاور معها.
في 30 مايو 2024، اختتمت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” مؤتمرها التأسيسي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بمشاركة أكثر من 600 ممثل للتنظيمات المدنية والحركات المسلحة، وأعلنت الهيئة القيادية المنتخبة لـ”تقدم” اختيار رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك رئيسا لها بالإجماع.
في 5 يوليو 2024، انطلق في العاصمة المصرية القاهرة مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية، بمشاركة واسعة للأحزاب والحركات المسلحة السودانية. ومالك عقار. وتحفظت عدد من القوى السياسية والحركات المسلحة على التوقيع على البيان الختامي للمؤتمر.
في 5 أغسطس 2024، أعلن الجيش السوداني إجلاء خمس راهبات من جمعية “الساليزيان الكاثوليكية” وقسيس من جمعية “دون بوسكو” بالإضافة إلى 20 مواطناً من دولة جنوب السودان، كانوا عالقين في منطقة الشجرة جنوب العاصمة السودانية.
في 6 سبتمبر 2024، أوصت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان، بنشر قوة مستقلة ومحايدة بتفويض لحماية المدنيين دون تأخير، مطالبة جميع الأطراف في البلاد بوقف الهجمات ضد المدنيين دون قيد أو شرط.
في 25 سبتمبر 2024، شهدت مدن العاصمة السودانية الخرطوم الثلاث – الخرطوم والخرطوم بحري وأمدرمان- فجر الخميس، عمليات عسكرية تعد الأوسع للجيش السوداني منذ اندلاع الحرب وتزامنت تلك المعارك مع خطاب رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث اتهم أطرافا إقليمية ودولية بتمويل الحرب.
يونيو 2024: دعوة مجلس الأمن لوقف القتال في الفاشر
أصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا في يونيو 2024 يطالب قوات الدعم السريع بإنهاء حصار مدينة الفاشر في دارفور. وقد أكد المجلس على ضرورة وضع حد لمعاناة المدنيين العالقين في المدينة بسبب الحصار والمعارك المستمرة. ورغم الضغوط الدولية، بقيت الاشتباكات مستمرة حول الفاشر.
أغسطس 2024: محادثات جنيف دون تمثيل حكومي
في أغسطس 2024، تم عقد محادثات في جنيف حول الأزمة السودانية، شارك فيها ممثلون عن قوات الدعم السريع، الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، الاتحاد الإفريقي، بالإضافة إلى الدول العربية مثل السعودية والإمارات. مع ذلك، لم تتمكن الحكومة السودانية أو الجيش من المشاركة في هذه المحادثات
ديسمبر 2024: دعوات دولية لإنهاء الحرب
في 13 ديسمبر 2024 كشف إعلام مجلس السيادة الانتقالي عن إجراء الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، محادثة هاتفية مع القائد العام للجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان.
وخلال ديسمبر وبعد نحو 3 أسابيع من فشل الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) برئاسة عبد الله حمدوك في التوافق على تشكيل حكومة منفى، اتفقت فصائل في التحالف مع قوات الدعم السريع على تشكيل حكومة موازية بمواقع سيطرتها. بينما رفضت قوى سياسية بارزة في “تقدم”، مثل حزب الأمة القومي وحزب المؤتمر السوداني وحزب التجمع الاتحادي، تشكيل حكومة منفى أو أي شكل من أشكال الحكومة، تبنت فصائل الجبهة الثورية تشكيل حكومة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، بما في ذلك الهادي إدريس، الطاهر حجر، وسليمان صندل.
العملة والامتحانات
أقدمت الحكومة السودانية على استبدال العملة المحلية في محاولة لمكافحة التضخم، وهو ما قوبل بانتقادات واسعة من المواطنين والسياسيين، حيث اعتبر البعض أن الخطوة ستؤدي إلى معاناة إضافية للمواطنين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. في الوقت ذاته، بدأت امتحانات الشهادة السودانية في مناطق سيطرة الجيش، مما أثار تساؤلات حول نزاهة سير الامتحانات في ظل الانقسامات السياسية والعسكرية.
في أواخر عام 2024، استمرت الضغوط الدولية على الحكومة السودانية وقوات الدعم السريع للوصول إلى اتفاق سلام. قدمت الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الدولية اقتراحات لوقف شامل لإطلاق النار. ورغم هذه الدعوات، فإن الحوار السياسي لا يزال بعيد المنال وسط تكثيف العمليات العسكرية من جميع الأطراف.
انتهاكات مروعة ضد الصحفيين السودانيين
في 10 ديسمبر 2024، وثقت نقابة الصحفيين السودانيين حجمًا مروعًا من الجرائم والانتهاكات ضد الصحفيين في البلاد. حيث تعرض ما لا يقل عن 500 صحفي وصحفية للقتل أو الاعتقال أو التعذيب أو تدمير مؤسساتهم. وقد تم قتل 15 صحفيًا وصحفية على الأقل، بينما تعرض 28 صحفيًا وصحفية لإطلاق نار مباشر. كما تم تسجيل ما يقارب 30 حالة اعتداء ونهب ممتلكات، بما في ذلك 3 صحفيات. كما شهدت البلاد ما لا يقل عن 65 حالة اختفاء قسري واختطاف واعتقال تعسفي، بالإضافة إلى 20 تهمة كيدية ضد الصحفيين بدعوى الانتماء إلى جهات عسكرية. وتم قطع الإنترنت والاتصالات عن 80% من السودان، مما فرض عزلة إعلامية خانقة وزاد من صعوبة نقل الحقائق وتوثيق الجرائم والانتهاكات. أما الصحفيون في مناطق النزوح واللجوء، فقد واجهوا معاناة متعددة الأبعاد، شملت تحديات مهنية ونفسية واجتماعية واقتصادية، بالإضافة إلى فقدان الشبكات المهنية وصعوبة التكيف مع بيئات عمل جديدة وحواجز اللغة وغياب التصاريح القانونية، مما أضاف عبئًا ثقيلًا على كواهلهم.
الوضع الإنساني
النزوح: في فبراير 2024، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن عدد النازحين في السودان ارتفع إلى 10.7 مليون شخص، منهم 9 ملايين داخل البلاد. كانت هذه أزمة نزوح داخلي هي الأكبر على مستوى العالم.
أطفال السودان:
في مارس 2024، حذرت منظمة إنقاذ الطفولة من أن نحو 230 ألف طفل وامرأة مهددون بالموت بسبب الجوع ما لم يتم توفير التمويل العاجل. كما يعاني أكثر من 2.9 مليون طفل من سوء التغذية الحاد.
شهد العام 2024 معاناة كبيرة في السودان نتيجة للقتال المستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع. تواصل المعارك العسكرية دون حل سياسي أو أفق للتفاوض، ما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية والدمار في البلاد.
العقوبات الدولية وتأثيراتها
فرضت العديد من الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عقوبات على الأفراد والكيانات المرتبطة بالحكومة السودانية وقوات الدعم السريع. هذه العقوبات شملت تجميد الأصول وحظر السفر، بهدف ممارسة ضغوط على الأطراف المتنازعة للوصول إلى حل سلمي. لكن، أثبتت العقوبات أنها لم تنجح بشكل كامل في وقف التصعيد العسكري، حيث استمرت الأطراف في تمويل عملياتها العسكرية من خلال مصادر محلية ودولية غير رسمية.
العقوبات قد أثرت أيضًا على الاقتصاد السوداني المتعثر، مما زاد من معاناة المواطنين السودانيين الذين أصبحوا يعانون من التضخم وارتفاع الأسعار، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها القوات المتصارعة.
الوضع الصحي في مناطق النزاع
الوضع الصحي في السودان يعاني من تدهور كبير، حيث تشهد المناطق المتأثرة بالنزاع تفشي الأوبئة والأمراض المعدية. من أبرز التحديات التي تواجه السكان هي الكوليرا، التي انتشرت في العديد من الولايات نتيجة لتدمير شبكة المياه والصرف الصحي في المناطق المتأثرة بالنزاع. هذه الأوبئة أدت إلى وفاة المئات من المدنيين، مما يزيد من تعقيد الوضع الصحي.
في الوقت نفسه، تعاني المستشفيات في مناطق النزاع من نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية بسبب الحصار المفروض على بعض المناطق، كما أن نقص الكوادر الطبية بسبب مغادرتهم أو تعرضهم للقتل أو الإصابة يجعل من الصعب تقديم الرعاية الصحية للمصابين.
دور الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية
في مواجهة الأزمة الإنسانية الطاحنة، تبذل الأمم المتحدة جهودًا لتقديم المساعدات الإنسانية للسكان المتضررين. مع ذلك، فإن التحديات لا تزال ضخمة، حيث كانت الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية تواجه صعوبة في الوصول إلى بعض المناطق التي تشهد اشتباكات عنيفة.
بعض وكالات الإغاثة مثل الصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية وكذلك المنظمات الإنسانية الأخرى كانت تعمل في ظل ظروف صعبة للغاية لتقديم الغذاء والمياه النقية والرعاية الطبية للمشردين والنازحين، لكن الطرق المغلقة والمخاطر الأمنية جعلت هذه العمليات أكثر تعقيدًا.
الاستجابة الدولية لمحنة اللاجئين السودانيين
تسبب النزاع في السودان في تدفق أعداد ضخمة من اللاجئين إلى الدول المجاورة مثل تشاد، جنوب السودان، وإثيوبيا. الدول المجاورة استقبلت عشرات الآلاف من اللاجئين الذين هربوا من مناطق النزاع، بينما تكافح هذه الدول لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
وتواجه تلك الدول تحديات في تقديم الدعم اللازم للاجئين، الذين يعانون من ظروف معيشية قاسية في مخيمات اللاجئين، حيث تتوفر فرص عمل محدودة وتعليم وحماية اجتماعية ضعيفة. المجتمع الدولي، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي ووكالات الأمم المتحدة، قدم بعض المساعدات، لكن تبقى الحاجة إلى المزيد من الدعم والتمويل لتلبية احتياجات اللاجئين في هذه المناطق.
إن النزاع السوداني المستمر له تداعيات كبيرة على السودان والمنطقة بأسرها. حتى الآن، لا يوجد أفق قريب لحل النزاع، في ظل انقسام المجتمع الدولي وتأثر الاقتصاد السوداني بشكل كبير.
إلى جانب أن العقوبات الدولية لم تُحقق تأثيرًا حاسمًا في وقف الحرب، بينما تتزايد الأوضاع الإنسانية سوءًا. في هذا السياق، تظل الحاجة إلى استجابة دولية منسقة وقوية من خلال دعم المفاوضات السياسية وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة أمرًا بالغ الأهمية.