حرب السودان.. تحولات اقتصادية واجتماعية

عاين-28 أغسطس 2024

أدت حرب السودان لإحداث جملة من التحولات من بينها المتغيرات الاقتصادية التي أحدثت تحولات اجتماعية في مناطق النزاع.

وتراجع المستوى الاقتصادي لكثير من فقدوا أعمالهم وأموالهم، وصعدت مجموعات جديدة امتلكت أعمالاً، وتراكم رأس المال لديها، فأصبحت تدير أعمالاً تدر ثروات طائلة.

ومن ضمن المتغيرات التي شهدتها الكثير من مجتمعات مناطق النزاع، صياغة الحرب لعلاقات اجتماعية جديدة، حيث أدت الحرب إلى نزوح الملايين من السكان الذين هجروا ديارهم إما إلى مسقط رأسهم في الولايات الآمنة، أو إلى مدن آمنة قريبة من مناطقهم، كما أن هناك من أجبرتهم الظروف إلى مغادرة السودان.

تغير الحال:

أصحاب أعمال وتجار كثر فقدوا أموالهم بالنهب والسرقة. ويقول محمد عثمان، إنه غادر منزله الذي امتلكه في الخرطوم، وخسر حصاد عمره نتيجة سني غربة فاقت (٤٠) عاماً، بعد نهب كل الأثاثات والممتلكات، ومنها عربة (بوكس) موديل (٢٠١٦م) والتي تبلغ قيمتها (٢٥) مليون جنيه سوداني، كما فقد عمله الذي كان يدر له دخلاً شهرياً حيث يتراوح عائده اليومي من نشاطه التجاري بين (٢٠) إلى (٢٥) ألف جنيه.

وأضاف عثمان في مقابلة مع (عاين) أنه “اضطر لمغادرة داره بعد أن آلت السيطرة على المنطقة لقوات الدعم السريع، وسكن في منزل الأسرة الكبيرة، ولجأ إلى العيش مع من يسكنون المنطقة الواقعة (جنوب الخرطوم)، وتحولت حياته من دخله المتوسط إلى العدم”، ونبه إلى زوال الطبقة الوسطى بعد الحرب.

اعادت الحرب صياغة العلاقات الاجتماعية، وازالت الفوارق المادية بين سكان مناطق النزاع فجميعهم أو أغلبهم يعيشون وضعاً اقتصادياً مزرياً.

أحد سكان جنوب الخرطوم

وأوضح محمد، أنه اضطر إلى القيام بأعمال صغيرة والتي تعود عليه بدخلٍ شحيحٍ، لكنه يمكنه من العيش بكرامة، حيث لجأ إلى شراء دراجة هوائية عن طريق (الدين) ليحمل عليها الثلج ليبيعه في السوق الذي يبعد عنهم ما يزيد عن الكيلو متر، وأن هذا العمل يوفر له مبلغ (٣) إلى (٥) آلاف جنيه في اليوم.

سيارة عسكرية في سوق ام درمان

عائد عمل عثمان من بيع الثلج لا يكفي حاجته، وأنه يحصل على وجبة أخرى في اليوم من “التكية”- المطبخ الجماعي المقام على مقربة من منزله، ونبه في الوقت ذاته إلى أن العمل الذي يقوم به شاق ومجهد، ولا يناسب عمره البالغ (٦٥) عاماً، بالإضافة إلى كونه مريضاً، ويعاني مرض السكري.

“تحولت للعيش في منزل الأسرة الكبيرة، ولم أجد صعوبة في التعامل مع المجتمع؛ لأن له معرفة مسبقة مع أغلب السكان الموجودين حالياً”، يقول عثمان ويلفت في الوقت ذاته إلى التحولات الاقتصادية التي حدثت له من الدخل المتوسط إلى العدم، ليعيش حياة الفقر والعدم، لكنه عاد وأكد إيمانه بتصاريف الأقدار الإلهية وأمله في تحول حاله إلى الأحسن مرة أخرى.

يقول محمد عثمان، أن سكان المنطقة الذين يعيش معهم حالياً بسطاء وأن الحرب هي التي تسببت في تعرفه على الكثيرين منهم، حيث كان يعرف بعضهم من خلال نشأته في منزل الأسرة الكبيرة، وأنه لو لا الحرب لما عاش حياة التقشف التي يعيشها في الوقت الراهن، ونوه بأن الحرب إعادت صياغة العلاقات الاجتماعية، وإزالت الفوارق المادية بين سكان مناطق النزاع فجميعهم أو أغلبهم يعيشون وضعاً اقتصادياً مزرياً، ويسيطر الفقر على حياتهم بعد فقدانهم لعملهم، وتوقف دخلهم للدرجة التي جعلتهم يلجأون للعيش المشترك وتنظيم حياتهم جماعياً وإقامة المطابخ الجماعية التي يحصلون منها على وجباتهم دون وضع اعتبار للوضع المادي ما قبل الحرب التي أصبح الجميع سواسية في ظلها، وأنه لم يكن يتوقع مطلقاً ما حدث من تحولات جراء الحرب.

مجموعات جديدة وثروات طائلة:

وفي مقابل من فقدوا أعمالهم وممتلكاتهم ظهرت في المشهد مجموعات جديدة بدا عليها الثراء، ويحكي مهند عبد المجيد، وهو يعيش في إحدى مناطق الحرب التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع جنوبي الخرطوم، أن عدداً من الشباب في منطقتهم التحقوا بقوات الدعم السريع، وبعد استيلاء الدعم السريع على معسكر اليرموك ومعسكر الاحتياطي المركزي، آلت الأوضاع إليها في مناطق جنوب الخرطوم، وبعدها هجر أغلبية التجار متاجرهم ونزحوا، وأصبح الوضع ملائماً لظهور مجموعات جديدة امتلكت أعمالاً، وتضم تلك المجموعات شباباً التحقوا بالدعم السريع، وأقاموا مخازن للمواد الغذائية مثل (الدقيق، العدس والأرز). ونتيجة التجارة في تلك المواد التي تنهب من المخازن التي هجرها ملاكها الأصليون، أصبح أولئك الشباب من أصحاب الثروات المقدرة، ونوه بأن بعضهم غادر السودان بعد أن جمع من الأموال ما يمكن أن يعيشه في الخارج- بحيب عبد المجيد الذي تحدث لـ(عاين).

مناطق واسعة في ولاية الخرطوم الخاضعة للدعم السريع، أصبحت الكثير من الأسواق فيها تحت سيطرة تجار جدد استولوا على المحلات التجارية

ونتيجة لاجتياح الدعم السريع مناطق واسعة في ولاية الخرطوم، ومنها جنوبها أصبحت الكثير من الأسواق فيها تحت سيطرة تجار جدد استولوا على المحلات التجارية، دون أن تكون لهم تراخيص في السابق، ويستقبل هؤلاء التجار الجدد البضائع المنهوبة من مناطق أو ولايات قريبة مثل (الجزيرة) التي نهبت بضائعها، ووصلت على سبيل المثال إلى أسواق أحياء (الكلاكلة ومايو) في جنوب الخرطوم.

منزل مهجور في مدينة ام درمان

وذكر المواطن عمر صالح لـ(عاين)، أنه يعرف شخصاً لم يكن يملك في السابق أية أعمال، وبعد الحرب استغل ظروفها، وتحول إلى صاحب أموال نتيجة العمل في السوق حيث امتلك محلاً لبيع المواد التموينية بالجملة.

تغيير التركيبة السكانية:

وفي موازاة من اضطروا لمغادرة ديارهم تشهد مناطق في جنوب الخرطوم تقع تحت سيطرة الدعم السريع، سكن الكثير من الأسر التي ينتمي أفراد منها للدعم السريع في منازل المواطنين الذين هجروها تحت وطأة ظروف الحرب، وبدأت علاقات جديدة تنشأ بين السكان الجدد وبعض القدامى، وبدأ البعض يتحدثون عن التغييرات المتعلقة بتركيبة السكان وإمكانية التوسع في ذلك مع استمرار الحرب وإطالة أمدها وانتهاكاتها ما يجبر الموجودين حالياً على المغادرة وإحلال آخرين مكانهم.

وتفتح التحولات التي حدثت اقتصادياً واجتماعياً المجال أمام المختصين للمزيد من الدراسات والوقوف على التدابير المطلوبة لرد الظلم وجبر الضرر، وإجراء المعالجات اللازمة، بجانب مسألة المساءلة والمحاسبة.

الأسماء الواردة في التقرير مستعارة بطلب من اجرينا معهم المقابلات

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *