حـرب الســودان إلـى أيـن؟
عاين- 15 أغسطس 2023
تدخل الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شهرها الخامس دون أن تلوح في الأفق أي بوادر لاحتواء الصراع، بينما تستمر تكاليفه الباهظة على المدنيين الذين تراجع وضعهم الإنساني في مختلف مناحيه وارتفع عدد الضحايا وسطهم.
ودبت حالة من اليأس العام في المشهد السوداني بعد فشل العديد من المبادرات الإقليمية والدولية في إحداث تقارب بين طرفي الحرب والتوصل الى وقف دائم لإطلاق النار، وسط مخاوف من سيناريوهات مرعبة أقلها انزلاق البلاد في أتون حرب أهلية شاملة.
وتكشف 4 أشهر من القتال الضاري في السودان تضارب ملحوظ في تعاطي الفاعلين الدوليين و الإقليميين مع الأزمة السودانية مع خلال تعدد الوساطات والمبادرات وهو ما قاد الى تطاول أمد الصراع، وفق خبير دبلوماسي.
وتمكنت المبادرة الأمريكية السعودية التي تجري منذ اندلاع الحرب من جمع ممثلي الجيش وقوات الدعم السريع في مدينة جدة والتوصل إلى عدد من اتفاقيات التهدئة لكنها لم تصمد أمام رغبة بائنة لطرفي القتال في حسم المعركة عسكرياً الشيء الذي عطل مساعي الوقف الشامل لإطلاق النار.
وبالتوازي مع ذلك تجري مبادرة أخرى بواسطة الهيئة الحكومية للتنمية في افريقيا “ايغاد” وهي مسنودة من الاتحاد الأفريقي، بجانب مبادرة دول جوار السودان تتزعمها دولة مصر، لكن تبدو الوساطة السعودية – الأمريكية الأقرب لتحقيق اختراق في أزمة الحرب السودانية وذلك وفق ما افاد به القيادي في تحالف الحرية والتغيير -بابكر فيصل- والذي تحدث مؤخراً أن المحادثات قطعت شوطاً بعيدا وتبقت فقط نقاط محدودة.
تحسين موقف
ورغم احتدام المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم إلا أن وتيرة التقدم نحو المواقع الاستراتيجية للسيطرة عليها انخفضت بشكل ملحوظ باستثناء مناوشات بمحيط سلاح المدرعات جنوبي الخرطوم وأخرى حول سلاح المهندسين في مدينة أمدرمان فضلاً عن اشتباكات داخل الأحياء السكنية وقصف مدفعي متبادل.
وتمثل الأعمال العسكرية الأخيرة بالنسبة الى أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري محمد أحمد شقيلة، محاولات لتحسين الموقف التفاوضي في أي محادثات قادمة أكثر من كونها تحركات فعلية تهدف للسيطرة على المواقع والحسم العسكري للصراع الجاري منذ منتصف أبريل الماضي.
ويقول شقيلة في مقابلة مع (عاين):”الوضع في السودان بعد أربعة أشهر من القتال بات معقداً ومرتبكاً ويستعصي التكهن بمآلاته، لكن الأقرب من واقع المعطيات الماثلة هو المضي نحو مزيد من العنف وما يتبعه من تراجع في الأوضاع الإنسانية، فلم تظهر أي بوادر للحل في ظل تزايد حدة الاحتقان والتشظي في الداخل، وتضارب مصالح الفاعلين الدوليين والإقليميين في الملف السوداني”.
لكن النظرة المتشائمة من شقيلة يقابلها المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ برأي متفائل، ويقول “المشهد يبدو في ظاهره عدم وجود حلول في الأفق، غير أن مسألة دخول الحرب في شهرها الخامس يفتح الباب فعلياً للوصول الى حلول لأن الطرفين لن يستطيعا الاستمرار في قتال أبدى فكل طرف كان يتوقع أن يحسم الحرب خلال فترة زمنية وجيزة”.
ويضيف أبو الجوخ في مقابلة مع (عاين): “مع تطاول الأمد يمكن أن يفلت الصراع من الطرفين الحاليين ويتحول إلى حرب أهلية شاملة يكون أطرافها أكثر من الجيش والدعم السريع، لذلك فإن المعطيات الراهنة ستدفع الطرفين للبحث جدياً عن حلول، ومن الواضح أن مفاوضات جدة حققت اختراق كبير فيما يتصل بالإجراءات والتدابير الخاصة بوقف إطلاق نار لفترة زمنية معينة يمهد لوقف دائم”.
واندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في يوم 15 أبريل الماضي، وخلفت نحو 2800 قتيل من المدنيين وجرح الآلاف، وفرار 2.8 مليون شخص، لجأ 600 ألف الى دول مجاورة خاصة مصر وتشاد، وذلك وفق حصيلة حديثة لمنظمة الهجرة الدولية.
سيناريو مرجح
ويقول ماهر أبو الجوخ وهو كذلك أحد الفاعلين في تحالف الحرية والتغيير- المجلس المركزي- إن “سيناريو إنهاء الحرب هو الراجح لأنه لا يمكن أن تستمر بشكلها العبثي، رغم محاولات فلول نظام الإخوان المسلمين لتغذيتها وتحويلها إلى حرب أهلية شاملة من خلال استقطاب عنصري وتصرفات عنترية ورعناء في كل الأقاليم السودانية خاصة دارفور، ولكن هذه الممارسات سترتد عليهم وسينتهي الصراع المسلح في البلاد”.
ويرى ماهر، أن المسار السياسي الذي تقوده تنسيقية القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري مع الأطراف المختلفة وأصحاب مبادرات الحل سيكون له مردود إيجابي على مساعي وقف الحرب كونه يهيئ المشهد العسكري باتجاه وقف إطلاق النار الدائم، وقد يبدو الموقف جامداً لكن هناك تحركات فعلية لوضع حد لهذا القتال”.
خبير عسكري: الأطراف المتقاتلة تؤجل الحسم لضمان القواعد خلال فترة ما بعد الصراع
وتتراجع الأوضاع الإنسانية في مختلف النواحي في السودان بعد 4 أشهر من القتال المستمر بين الجيش والدعم السريع تجلت في نقص الغذاء إثر توقف مصادر دخل المواطنين والقطاعات الإنتاجية، الى جانب توقف 72% من المستشفيات في البلاد وهو ما خلف أوضاع صحية كارثية ووضع حياة آلاف المرضى على حافة الموت.
الحرب انتهت
وليس ببعيد من ذلك، يعتقد الخبير العسكري عميد ركن متقاعد د. خالد محمد عبيد الله أن الحرب انتهت بالفعل لكن الأطراف تؤجل الحسم لضمان القواعد خلال فترة ما بعد الصراع، في حين يدفع الشعب السوداني فاتورة باهظة من فقر وموت ونزوح جراء استمرار القتال.
وشبه عبيد الله الذي تحدث لـ(عاين) الحرب الجارية في بلاده بالمسلسل الدرامي الذي يرغب مخرجه في إنتاج جزء ثاني منه، فبالتالي يختار مشهد وتوقيت مناسب لختام الجزء الأول يمكنه مما خطط له، لذلك يعتبر خيار انهاء الحرب بعملية تفاوضية عبر منبر مدينة جدة السعودية هو المرجح.
ويقول:”دعوة المجتمع الدولي ودعمه لمنبر جدة تخالف توقعات السياسيين التي كان تصب في اتجاه مسار مجلس الأمن الدولي ووضع البلاد تحت الوصاية الدولية بموجب البند السابع، فالذهاب إلى جدة بات بيد قوات الدعم السريع لتنفيذ اشتراطات الجيش والخاصة بالخروج من المنازل والمرافق العامة ولا شيء غير ذلك”.
من جهته، توقع أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية د. صلاح الدومة حدوث إنهاك لطرفي الحرب خلال مدى قريب من الآن يكون معينا لمساعي وقف القتال الدائر في البلاد.
ويقول الدومة في مقابلة مع (عاين):”يسعى أنصار النظام البائد إلى تأجيج الصراع المسلح وجر البلاد نحو حرب أهلية شاملة، ولكن لن ينجح هذا المخطط وستمضي الأوضاع الى حل سياسي برعاية دولية وإقليمية يكون أساسه الاتفاق الإطاري الذي تم إبرامه قبل اندلاع الحرب”.
مسارات الحل
لم يكن التركيز على منبر جدة والجهود الإقليمية الأخرى لحل الأزمة السودانية سوى محاولة لتجنب “الفيتو” الروسي داخل مجلس الأمن، حيث حذرت موسكو صراحة مما أسمته “التدخل الخارجي في الشأن السوداني” مما قاد إلى فشل المجلس في تبني موقف موحد تجاه حرب الخرطوم كغيره من القضايا الدولية.
“التحرك الدولي عبر مجلس الأمن تجاه الحرب في السودان واجه تعقيدات ملموسة وضحت منذ الجلسات التي عقدت فور اندلاع القتال، فمن الواضح أن روسيا تحاول عرقلة أي إجراءات تؤدي الى وقف الحرب فهي تعتقد أن ذلك يمكنها من لعب دور في القارة الإفريقية”. يقول المحلل السياسي، ماهر أبو الجوخ لـ(عاين).
ويضيف: “هناك تحولات ملموسة تشير الى إمكانية معالجة القضايا الأفريقية بعيدا عن مجلس الأمن الدولي وتعقيداته (الفيتو الروسي- الصيني) من خلال تكتلات إقليمية مفوضة من الاتحاد ومجلس السلم الافريقيين مثلما يحدث الآن مع قضية الانقلاب العسكري في النيجر”.
وحسب تقديره أن هذا التعقيد الدولي هو سبب ضعف التحرك الأممي في الأزمة السودانية مما قاد الى تحرك مواز من الاتحاد الأفريقي والإيجاد ودول الجوار السوداني إلى جانب المبادرة الأمريكية السعودية الشيء الذي يشير إلى أن الحل سيكون بأيادٍ افريقية إقليمية وسند دولي من الولايات المتحدة لذلك لن تحتاج الى قرار من مجلس الأمن الدولي.
تضارب المصالح
بدوره لم يمكن التحرك بعيداً عن ردهات مجلس الأمن الدولي طريقا معبدا يؤدى إلى حلول سريعة لأزمة الحرب في السودان، فقد أنتج العديد من المبادرات والوساطات التي يتبنى اصاحبها مواقف متباينة تجاه الصراع في الخرطوم ولم يتسن نجاحها حتى الآن.
أكاديمي: مبادرات الحل في السودان لم تستطيع إدراك الأزمة وفهمها بالشكل الصحيح لذلك تتكرر المحاولات من أبواب ومداخل مختلفة.
ويشير أستاذ الدراسات الدبلوماسية عبد الرحمن أبو خريس، إلى أن تعدد المبادرات المطروحة لمعالجة الحرب في السودان يعكس تضارب مصالح القوى الدولية والإقليمية، فكل طرف يسعى لتمثيل مصالحه من خلال إقامة منبر تفاوضي جديد ويظهر ذلك في تحركات مصر عبر دول الجوار، ومجموعة الإيقاد والاتحاد الأفريقي من ناحية أخرى فضلاً عن الجهود الأمريكية السعودية.
ويقول أبو خريس، في مقابلة مع (عاين):”التعدد يعني في قراءة أخرى فشل مساعي الحل حيث تتعطل مبادرة وتنشأ أخرى، وهو ما يشير الى أن كل المبادرات لم تستطيع إدراك الأزمة وفهمها بالشكل الصحيح لذلك تتكرر المحاولات من أبواب ومداخل مختلفة”.
لكن صراع المصالح بين القوى الإقليمية والدولية بالنسبة للأكاديمي السوداني يبدو أكثر وضوحا من خلال التعاطي المتخبط مع الأزمة في بلاده، ويشير الى أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى الى تحجيم النفوذ الروسي في أفريقيا وتعتبر السودان بوابتها لذلك، بينما يجري صراع إقليمي بين الإمارات والسعودية وتركيا حول الملف السوداني والجميع يسعى لأن تكون أجندته حاضرة حتى يستفيد من الموارد الطبيعية الرخيصة بهذا البلد عقب استقراره.
محلل سياسي: تقاطع المصالح الدولية والإقليمية يضع البلاد أمام سيناريوهات مفتوحة أقلها الانزلاق نحو حرب أهلية شاملة، ووقتها لن تتبق أي مصالح تتقاسمها.
ويرى أبو خريس، ضرورة بناء جبهة مدنية واسعة موحدة ومتماسكة تعمل على فرض اجندة تضمن المصالح الوطنية من خلال حل سوداني – سوداني على طاولة خارجية. وتشظي القوى السياسية يساهم في إطالة أمد الحرب، بينما تشكل وحدتها ضغط على العسكريين لوقف الحرب.
لكن المحلل السياسي محمد أحمد شقيلة، يرى أن حل أزمة الحرب في السودان يتطلب تحولات كبيرة في المواقف الحالية للفاعلين الدوليين والإقليميين وتعديل نهج سباق المصالح الذي يتبعونه، وإلا سوف يستمر الصراع بتداعياته المدمرة و يضع البلاد أمام سيناريوهات مفتوحة أقلها الانزلاق نحو حرب أهلية شاملة، ووقتها لن تتبق أي مصالح تتقاسمها.