السودان: الآلاف يغادرون العاصمة وتعزيزات عسكرية في أطراف المدينة   

19 أبريل 2023

لليوم الخامس توالياً، تحتدم مواجهات دامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع دون توقف، وسط تحشيد عسكري من الطرفين على أطراف العاصمة.

وزادت حدة القتال في العاصمة من ارتفاع حصيلة الضحايا من المدنيين، مع تدهور الوضع الإنساني بشكل مريع خاصة العاصمة الخرطوم التي بدأ سكانها عمليات نزوح جماعي نحو الأقاليم التي تشهد هدوءً نسبياً.

ولم تستطع هدنة ثانية أعلنها الجيش والدعم السريع الأربعاء، لمدة 24 ساعة استجابة لنداءات دولية ومحلية لأغراض إنسانية، الصمود أمام الرغبة الجامحة لطرفي الحرب في تحقيق انتصار خاطف، فتبددت آمال وقف إطلاق النار من الساعة الأولى تحت زخات الرصاص ودوي الطائرات والمدافع ليتصاعد معها عداد القتلى والجرحى من المدنيين. 

وتقول اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء السودانية إن “174 شخصاً من المدنيين قتلوا منذ بداية الحرب الجارية وإصابة 1041 آخرين”، بينما أكد مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس غيبريسوس أن 270 شخصاً على الأقل قتلوا وجرح 2600 آخرين منذ بداية القتال بين الجيش والدعم السريع السبت الماضي، وفق ما نقلت وكالة “أسوشيتد برس” الأربعاء.

جثث في العراء

هذا ليس كل عدد الضحايا، فهناك جثث منتشرة في الشوارع لم يتسن الوصول إليها وحصرها، وبحسب شهود تحدثوا مع (عاين) فإن عدد من الجثامين ملقاة على طرق رئيسية بوسط الخرطوم رأوها اثناء خروجهم من أماكن كانوا عالقين فيها.

وأفاد شهود، أن الطريق القومي من صينية مربع (13) شرق النيل وحتى العيلفون ملئ برتل من السيارات العسكرية محترقة ومدمرة تماماً وجثامين في العراء، كما شاهدوا افراد من قوات الدعم السريع يقومون بعمليات تفتيش دقيق للعربات العابرة بهذا الطريق.

وأعلنت وزارة الداخلية السودانية يوم الأربعاء تشكيل غرفة طوارئ مهمتها إنقاذ الجرحى وإجلاء الجثث الملقاة على الشوارع ووضعها في المشارح المتاحة في العاصمة الخرطوم.

جثث الضحايا ملقاة على الطرقات: الصورة من مواقع التواصل الاجتماعي

وعلى الأرض ما تزال المعارك محتدمة في محيط القيادة العامة، مع انتشار واسع لقوات الدعم السريع في منطقة وسط الخرطوم، وحي المطار والخرطوم 2 وضاحية بري، بينما يتركز الجيش في الجزء الشمالي لقيادته حتى نفق جامعة الخرطوم، وموقف جاكسون للمواصلات قبالة جسر النيل الأبيض “الفتيحاب”، وفق ما نقله شهود لـ(عاين).

ويعيش سكان المناطق المجاورة لقيادة الجيش حالة من الهلع، حيث تتعرض منازلهم لقصف مستمر بالدانات والرصاص الذي يخطئ هدفه، وبحسب شاهد من (عاين) فإن مئات العائلات اضطرت لمغادرة منازلها المجاورة لمنطقة الاشتباكات (الديم، الخرطوم 2)، الى الاحياء جنوبي العاصمة مثل جبرة وغيرها لكونها آمنة نسبياً.

ويجابه مواطنو العاصمة الخرطوم خطر الموت بالرصاص والجوع بعد بروز حالة من الندرة في بعض المواد التموينية ونقص حاد في مياه الشرب، ويشكو سكان بحري وبعض أحياء أمدرمان من قطوعات في الإمداد المائي على مدار 5 أيام ماضية، ووصل سعر برميل المياه 15 ألف جنيه في منطقة الكدرو شمالي العاصمة.

ولم تكن الأحوال الصحية أحسن حالاً فقد وصلت الى مرحلة مريعة من التدهور بسبب المواجهات العسكرية المتواصلة، وبحسب اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، فإن 39 مستشفى من أصل 59 مستشفى في العاصمة والولايات توقف عن العمل وخرجت من الخدمة تماماً، من بينها 9 مستشفيات تعرضت للقصف و16 تم اخلاؤها قسرياً.

نقص حاد في مياه الشرب بعدد من احياء الخرطوم: الصورة من صفحة المصور فائز ابوبكر على موقع فيس بوك

بدورها، أكدت وزارة الصحة السودانية في بيان اطلعت عليه (عاين) خروج 16 مستشفى في ولاية الخرطوم عن الخدمة، محذرة من انهيار كامل في القطاع الصحي العام والخاص إذا استمرت الاشتباكات العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع.

نزوح كبير

بدأت آلاف العائلات السفر من الخرطوم الى الولايات السودانية المختلفة لا سيما وسط وشمال البلاد عبر الموانئ البرية التي وصلوها بصعوبة في ظل احتدام المواجهات العسكرية، كما استغل البعض مركباتهم الخاصة في الفرار من العاصمة. وبحسب شهود فإن الميناء البري جنوبي العاصمة والسوق الشعبي ام درمان وعدد من محطات المواصلات امتلأت بالمسافرين وسط ارتفاع جنوني في أسعار التذاكر.

ونقل مراسل لـ(عاين) صورة مأساوية للسكان وهم يغامرون بأرجلهم ويحملون عتادهم في رؤوسهم وآخرين على مركبات تحت زخات الرصاص ودوي المدافع بغرض الوصول الى الميناء البري -أكبر محطة للسفريات الداخلية بالعاصمة ويقع جنوبي مدينة الخرطوم- من أجل المغادرة للولايات بعد اشتموا رائحة الموت.

 ويروي “بمجرد التوجه جنوباً من الخرطوم والدخول في حدود ولاية الجزيرة تجد سيطرة كاملة لقوات الدعم السريع على الأرض فقد أقاموا نقاطا للتفتيش دون التعرض للعابرين، وأيضاً استولوا على عمارات ومنازل على امتداد الطريق من المدينة الرياضية وحتى منطقة الباقير جنوب العاصمة واستخدموها كمقرات لهم”.

مواطنون يغادرون الخرطوم: الصورة من مواقع التواصل الاجتماعي

ويضيف: “أمام المنازل التي تم الاستيلاء عليها تقف سيارات قوات الدعم السريع من نوع سيارات عليها أنواع مختلفة من الأسلحة، كما رأيت عربات أخرى بنية اللون وعليها مدافع مثل التي كنا نشاهدها في الحرب الليبية”.

وتابع: “لم نلحظ أي وجود للجيش السوداني على امتداد الطريق من الخرطوم وحتى الباقير، يبدو ان الدعم السريع سيطر على الفرقة الأولى مشاة التابعة للجيش، كما وجدنا نقطة العبور الرئيسية الفاصلة بين ولايتي الخرطوم والجزيرة مدمرة تماما وهناك اعمال نهب، وايضا نحو 8 دبابات محترقة ربما قصفها الجيش بالطائرات بعد أن خسرها في المعركة”.

ولايات ملتهبة 

لم تكن الولايات أحسن حالاً من الخرطوم، بدورها تأثرت بالاشتباكات العنيفة التي دارت بين الجيش وقوات الدعم السريع والتي خلف أوضاع إنسانية سيئة. ونقل مراسل (عاين) من ولاية جنوب دارفور، بأن معظم احياء مدينة نيالا تعاني انقطاع في المياه والكهرباء وانعدام في المواد التموينية خاصة الدقيق والسكر والخضروات، وذلك بسبب توقف حركة النقل جراء اغلاق الطرق وشح الوقود”.

ويضيف “توقفت كل مستشفيات القطاع الخاص والمراكز الصحية عدا مشافي نيالا التعليمي والشرطة والسلاح الطبي والتي تعاني بدورها من نقص الكوادر الطبية وشح ادوية الطواري والأدوية الحيوية، وذلك بحسب ما أفادت به مدير عام وزارة الصحة بولاية جنوب دارفور الدكتورة رحاب علقم”.

وتابع “تسببت المواجهات المسلحة في مقتل 31 شخصاً من المدنيين وإصابة 300 اخرين، وحرق سوق الغلال والتوابل وفق ما حصلنا عليه من وزارة الصحة الولائية”.

فيما تعاني ولاية شمال دارفور ذات التراجع في الأوضاع الإنسانية، وبحسب مصادر طبية فإن مستشفى الفاشر امتلأت بالمرضى والجرحى وسط نقص حاد في الكوادر الطبية والأدوية.

وبدأت التوترات العميقة بين الجيش والدعم السريع الأسبوع الماضي حينما وصلت قوات من الدعم السريع إلى منطقة مروي شمال السودان وتمركزت قرب المطار الرئيسي ورفضت دعوات وسطاء لمغادرة المنطقة حسب اشتراطات البرهان.