“ورطة الحرب”.. هل بات صدام جنرالات الجيش السوداني وشيكاً؟
28 أبريل 2023
في الوقت الذي تدور فيه المعارك حول مقراته، لم يحدد الجيش السوداني موقفا عما إذا كان قائده الفريق أول عبد الفتاح البرهان سيتوجه إلى طاولة المفاوضات لإنهاء القتال أم لا؟
وفور صدور تصريحات وزير خارجية جنوب السودان الأربعاء، والتي أكد خلالها موافقة قائد الجيش السوداني على لقاء الجنرال حميدتي بترتيبات من سلفاكير ميارديت رئيس جنوب السودان سارعت وزارة الخارجية السودانية الى “نفي مشدد” بعدم وجود اتجاه للتفاوض مع الدعم السريع ووصفتها بالميليشيا المتمردة وطالبتها بالاستسلام.
تباين الموقف في الجيش
موقف الجيش لم يصدر بشكل رسمي الساعات الماضية لكن البيان الذي صدر الثلاثاء تحدث عن وساطة الإيقاد التي قد تضم وساطة جنوب السودان دون أن يوضح عما اذا كانت القوات السودانية ستوافق على التهدئة والذهاب الى المحادثات والجلوس على طاولة واحدة مع الجنرال حميدتي بعد أسبوع من القتال والتلاسن بين الجانبين.
ويقول المحلل السياسي أحمد مختار، إن السودان على مفترق الطرق ما بين دعوات التهدئة والحل السلمي وما بين اعادة عقارب الساعة الى الوراء بالإفراج عن قيادات الصف الأول من النظام البائد وأبرزهم علي عثمان النائب الأول للبشير وأحمد هارون رئيس المؤتمر الوطني قبل أيام من سقوط الحزب الحاكم في 2019.
يرى مختار، في مقابلة مع (عاين)، أن بقاء هذه القيادات خارج سجن كوبر المركزي قد يبدل مجرى المعادلة السياسية والعسكرية… والحديث عن اضطرار السلطات العسكرية للإفراج عنهم “ذر للرماد على العيون “.
ويواجه البرهان قائد الجيش وهو رجل يفضل الانحناء الى العاصفة في بعض الأوقات ويتحاشى الصدام مع المجتمع الدولي، ضغوطا من الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة للذهاب الى التهدئة ووقف القتال واللجوء الى الحل السلمي.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أنه تحدث هاتفيا مع قائد الجيش والجنرال دقلو وحثهم على الحل السلمي ووقف القتال فورا في السودان والانخراط في حوار بناء عبر الاتحاد الأفريقي.
تيارات ترفض التفاوض
ورغم نقل البرهان تعهدات لسلفاكير ميارديت حسب إعلان الخارجية الجنوب سودانية الأربعاء فاجأت وزارة الخارجية السودانية الأطراف الدبلوماسية في جوبا بعدم وجود أي قبول للتفاوض مع الدعم السريع في جنوب السودان أو أي مكان آخر .
وقالت الخارجية السودانية في بيان اليوم الخميس، إن قوات الدعم السريع يجب أن “تستلم أو تفنى” في بيان شديد اللهجة اعتبره الخبير الدبلوماسي أحمد حسين معبرا عن تيارات متشددة داخل الجيش وربما مقربة من النظام البائد أو يعبر عن الجيش الذي يضم قيادات عسكرية تعتقد أن هذه الحرب فرصة لانهاء الجنرال حميدتي وشقيقه حتى وإن بقيت هذه القوات تحت إمرة الجيش كما يرغبون.
تدخل أممي
ويقول الخبير الدبلوماسي، إن السودان مهدد بالاقتراب من تدخلات الأمم المتحدة تحت البند السابع بسبب عجز الجيش من حماية المدنيين في أكثر من خمسة ولايات سودانية.
خبير دبلوماسي: السودان مهدد بالاقتراب من تدخلات الأمم المتحدة تحت البند السابع بسبب عجز الجيش من حماية المدنيين في أكثر من خمسة ولايات
ويضيف بالقول :”من المبكر الحكم على المجتمع الدولي بالفشل في إيقاف حرب السودان لأن هناك تحركات أميركية جادة لدفع الطرفين إلى التهدئة وابتدرتها بأربعة هُدنات تعتبر ناجحة حسب معايير الوضع في السودان “.
بينما يقول الباحث السياسي مازن الأمين، إن الجيش ربما يشهد انقساما على مستوى الموقف من التفاوض مع الجنرال حميدتي لذلك يواجه البرهان صعوبة في بلورة موقف موحد سيما في ظل الحديث عن تأثير رموز نظام البائد على بعض جنرالات الجيش.
ويرى الأمين، أن الجيش أجبر على خوض هذا القتال من مجموعات مقربة من حزب المؤتمر الوطني لذلك على ما يبدو يجد الجيش صعوبة في تبني موقف حول مصير الحرب التي قد تأتي خصما عليه بسبب سياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها حميدتي.
ويعتقد مازن الأمين، أن هذه الحرب التي يخوضها الجيش ضد الدعم السريع قد تستنزفه باعتبار أن الجنرال حميدتي ليس لديه ما يخسره وفي ذات الوقت فأن عدم رغبة تيار داخل الجيش في التفاوض قد يمنح حميدتي مكاسب جديدة وسلطة سياسية في ذات الوقت.
ومنذ نحو 12 يوما يخوض الجيش معارك ضد الدعم السريع داخل العاصمة السودانية وفجر الصراع تدميرا للعديد من المنشآت الصحية والخدمية والحكومية ومنازل بعض السكان ودفع الآلاف للنزوح الى الولايات ودول الجوار مثل تشاد ومصر وجنوب السودان وإثيوبيا.
التأثير الدولي
ويقول الباحث السياسي، مازن الأمين، إن مستقبل الصراع المسلح في السودان مرهون أيضا بالتأثير الدولي وقال لـ(عاين)، “إنه من المبكر الحديث عن التفاوض لأن المجتمع الدولي لم يتدخل بالشكل المطلوب وقد يتحول السودان الى ساحة صراع دولي خاصة بسبب السباق الأمريكي الروسي نحو أفريقيا وساحل البحر الأحمر”.
وأردف :” تدفق امدادات السلاح الى قوات حميدتي قد تغير من طبيعة الصراع وتجعل الحرب مستمرة إلى حين تحسين موقفه وبالتالي الذهاب الى التفاوض مع شروط جديدة و قد يندم الجيش لاحقا على رفض التفاوض المطروح حاليا”.
وتابع: “الآن بإمكان الجيش الخروج بمكاسب كبيرة إذا تفاوض مع حميدتي لأن مبررات الجيش الموحد تجد مساندة سياسية من المدنيين لكن مع استدامة الحرب فإن هذه المعادلة قد تضعف وتكون الكفة في غير صالح الجيش وفي ذات الوقت فإن التأثير السياسي على القوات المسلحة من بعض الأطراف السياسية قد تعرقل الجهود السلمية “.
محلل سياسي: البرهان رغم ميوله نحو التفاوض لكنه يتعرض لضغوط وربما التهديد من بعض الجنرالات لذلك هناك تضارب في موقف الجيش من التفاوض أو دعوات التهدئة.
بالمقابل يقول المحلل السياسي أحمد مختار، إن البرهان رغم ميوله نحو التفاوض لكنه يتعرض لضغوط وربما التهديد من بعض الجنرالات لذلك هناك تضارب في موقف الجيش من التفاوض أو دعوات التهدئة وحتى الهدنة.
وأضاف :”بعض الجنرالات في الجيش والذين يمكن وصفهم بالصقور يعتقدون أنه يمكن سحق الدعم السريع أو القضاء عسكريا على الجنرالين الشقيقين على الأقل لكن بعد 12 يوما من القتال في قلب العاصمة السودانية فإن الأمر ليس سهلا “.
وكانت مجلة فورين بوليسي قالت أن الولايات المتحدة تصيغ عقوبات قد تطال جنرالات الجيش والدعم السريع حال رفضهما الحل السلمي وإيقاف القتال في السودان.
ويرى الخبير الدبلوماسي أحمد حسين، أن السيناريوهات في السودان باتت أكثر انفتاحا قبل الحرب إما بعزل البرهان من قبل “صقور الجيش” وهم جنرالات يرفضون التفاوض، أو انتصار البرهان على هذه المجموعة وفي ذات الوقت فإن مخاطر قد تفتعلها قيادات حزب المؤتمر الوطني الذين غادروا السجون قد تعرقل جهود الحل السلمي لأن أنصار حزب البشير يعتقدون أن هذه الحرب وإنهاء الدعم السريع السانحة الوحيدة لاعادتهم الى السلطة.
ويقول حسين إن أنصار حزب البشير منقسمون أيضا، هناك تيارات داخل الإسلاميين لا يفضلون العودة الى السلطة عبر انقلاب عسكري ويتطلعون إلى مراجعات سياسية. بينما هناك تيارات متشددة تعتقد أن القوى المدنية لا تملك شعبية تذكر ويجب الاستمرار في محاولة العودة الى الحكم حتى ولو بالعنف وهذا ربما ما يحدث حاليا.
ويحاول الجيش احراز تقدم عسكري بالعاصمة السودانية واليومين الماضيين جرى استخدام الطائرات الحربية في ضرب مواقع تتجمع فيها قوات الدعم السريع بعضها في مناطق مأهولة بالسكان.
مستقبل البرهان
ويقول الخبير العسكري حسن إدريس، إن الجيش لا يمكنه الذهاب الى طاولة التفاوض على الأقل في الوقت الراهن قبل “إعادة التموضع” في مقرات القصر الجمهوري ومطار الخرطوم وأجزاء من محيط القيادة العامة ومواقع استراتيجية في بعض مناطق العاصمة.
ويضيف :” لن يوافق الجيش على التفاوض مع دقلو قبل إخراج قوات الدعم السريع من العاصمة السودانية على أقل تقدير وهناك تيار داخل القوات المسلحة ترفض مجرد المساومة مع الدعم السريع في الوقت الراهن “.
خبير عسكري: البرهان لديه الرغبة في إنهاء القتال سريعا في العاصمة واستعادة مسار العملية السياسية لأنه يعلم تماما أن أي خيار آخر قد يطيح به.
ويرى الخبير العسكري في مقابلة مع (عاين)، أن الحرب في العاصمة السودانية لها حسابات دقيقة في بعض الأحيان مثل تدمير البنية التحتية والجيش أمام خيارين إما الانتصار على الدعم السريع على الأقل في العاصمة أو الذهاب الى التفاوض تجنبا لتدمير البنية التحتية خشية اتساع رقعة الحرب الى ولايات أخرى وتحولها الى حرب أهلية.
وقتل أكثر من 430 من المدنيين خلال 12يوما من القتال بين الجيش والدعم السريع في العاصمة السودانية وولاية شمال كردفان ومدينتي نيالا والفاشر والجنينة فيما بقيت غالبية الولايات بمعزل عن القتال
ويقول الخبير العسكري حسن إدريس، إنه من الناحية الاستراتيجية لا يفضل الجيش اطالة أمد الحرب في العاصمة السودانية لذلك فإن منهج القتال قد يكون مختلفا خلال الأيام القادمة من خلال اعتماد الجيش على خطة “كسر ترسانة الدعم السريع ” وهذا ما قد حققه الى حد ما حتى الآن بفعل تفوقه بسلاح الطيران والمدرعات.
وأضاف :”الحرب في السودان من الصعب التكهن بها أين وكيف ستنتهي والبرهان لديه الرغبة في إنهاء القتال سريعا في العاصمة واستعادة مسار العملية السياسية لأنه يعلم تماما أن أي خيار آخر قد يطيح به لاحقا فور انتهاء هذه المعركة اي أن مستقبل البرهان مرهون بالتفاوض أكثر من الانتصار العسكري وسحق الدعم السريع “.