السودانيون تحت القصف.. استمرار المعارك وسقوط ضحايا مدنيين   

16 أبريل 2023

تواصلت في العاصمة الخرطوم ومناطق متفرقة من أنحاء السودان الاشتباكات الدامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لليوم الثاني على التوالي، ارتفعت معها حصيلة الضحايا من المدنيين وسط تراجع مخيف في الأوضاع الإنسانية للمواطنين في ظل عدم وجود ممرات آمنة للوصول الى المرافق الصحية والخدمات الإنسانية المختلفة، بينما يعيش عالقون في أماكن المواجهات ظروف مماثلة.

ولم تنام الخرطوم ليلة البارحة، وعاشت رعب أصوات الرصاص وتحليق الطائرات الحربية في أجوائها والذي قصف عدة مواقع بينها موقع للدعم السريع بمنطقة الرس المصري جنوب الخرطوم.

 واحتدمت اشتباكات بالأسلحة الثقيلة فجر الأحد شمالي مدينة أمدرمان، وأعلن الجيش السوداني السيطرة على أكبر قاعدة عسكرية للدعم السريع في كرري (جبل سركاب) والاستيلاء على كل عتادها، الشيء الذي لم تنفيه قوات الدعم السريع.

كما شهدت منطقة وسط الخرطوم ومحيط القصر الرئاسي ووزارة الدفاع مواجهات عنيفة، واظهرت صورا حريق في بناية القوات البحرية بالقيادة العامة للجيش بالخرطوم، وفي المساء احترق مستودعا لوقود الطائرات في مطار الخرطوم الدولي وغطت سحب الدخان سماء العاصمة لتزيد من حالة الذعر، وفق شهود.

ونقل شهود لـ(عاين) تجدد الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع في عواصم ولايات شمال وغرب وجنوب دارفور يوم الاحد مع هدوء نسبي يحدث من حين لآخر، بينما فرضت القوات المسلحة طوق على مطار وقاعدة مروي شمالي السودان الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع من اجل استعادته.

هدنة لم تصمد

وفي منتصف يوم الأحد، أعلن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع موافقتها على مقترح من الأمم المتحدة عبر بعثتها الدائمة في الخرطوم لوقف إطلاق النار وفتح ممرات آمنة لأغراض إنسانية وإجلاء مدنيين عالقين لمدة 3 ساعات، من الساعة 16:00 الى 19:00 مع تأكيد كل واحد منهم على حقه في الرد حال تعرضه لأي هجوم خلال فترة الهدنة، لكن أصوات الرصاص ظلت تسمع في أنحاء متفرقة من العاصمة طوال ساعات التهدئة.

ومع ذلك تم إجلاء نحو 450 طفلا كانوا عالقين داخل مدرسة كمبوني المجاورة للقصر الرئاسي بالخرطوم لمدة يومين عاشوا خلالها أوضاع قاسية بعد نفاد طعامهم، كما غادر عشرات الصحفيين والإعلاميين ومراسلي صحف وقناة فضائية عالمية كانوا عالقين في بناية “العمارة الكويتية” ووكالة “سونا” للأنباء القريبتين من القصر وقيادة الجيش طوال ساعات الاشتباكات الحالية الى منازلهم.

وأحصت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان 56 قتيلا من المدنيين في العاصمة الخرطوم والولايات واصابة 595 آخرين، وتحدثت في تعميم صحفي اطلعت عليه (عاين) عن عشرات الوفيات والاصابات وسط العسكريين الذين عولج بعضهم في المستشفيات النظامية واخرين لم تتمكن من حصرهم.

وحثت لجنة الأطباء الأطراف المتقاتلة على تغليب صوت العقل والوقف الفوري لإطلاق النار العبثي والذي راح ضحيته أبرياء مدنيون عزل، وفتح ممرات آمنة لإجلاء والمحتجزين والعالقين والجرحى لإسعافه، كما ناشدت المنظمات الإنسانية والهيئات الصحية الدولية والإقليمية بتقديم العون وتوفير الإمداد الطبي لجميع المستشفيات والمرافق الصحية في الخرطوم وأماكن الاشتباكات في الولايات.

وتحكمت حرب الميديا لليوم الثاني على مجريات الأحداث في السودان، فكلما زعم طرف سيطرته على مواقع استراتيجية سارع الأخر بنفيه، ففي وقت مبكر الأحد أعلنت قوات الدعم السريع تمكنها من اسقاط طائرة حربية تتبع للجيش وسيطرتها على مقر القوات البحرية بقيادة القوات المسلحة، الشيء الذي نفته الأخيرة بشدة

وبثت قوات الدعم السريع عبر منصاتها الرقمية فيديوها تؤكد احكام سيطرتها على القصر الرئاسي بالخرطوم، ومباني الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وعدد من القواعد التي تخص الجيش، وفعلت القوات المسلحة الشيء نفسه في سياق حرب المعلومات.

فيما أظهر مقطع فيديو مصور اللواء الصادق سيد والعميد عثمان عوض الله وهما وسط قوات الجيش السوداني في وحدة المظلات بعد تحريرهما من قبضة قوات الدعم السريع التي كانت تحتجزهما في قاعدة جبل سركاب في كرري شمالي مدينة أم درمان منذ 4 سنوات، على خلفية فض الاعتصام السلمي أمام قيادة القوات المسلحة في الخرطوم.

واعتقل قائد الدعم السريع الفريق حمدان دقلو، جنرالي الجيش الصادق سيد وعثمان عوض شديدا الولاء لنظام الاخوان المسلمين واللذين كانا منتدبين في قواته، بعد أن اتهمهما بالتورط في جر القوات لارتكاب مجزرة ضد المتظاهرين في الاعتصام السلمي أمام قيادة القوات المسلحة والتي راح ضحيتها أكثر من 200 قتيل ونحو 1000 جريح.

قلق دولي

ويوم الأحد، أعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي عن قلقهم العميق إزاء الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وما خلفته من خسائر في الأرواح والجرحى بما في ذلك المدنيين.

وحث أعضاء مجلس الأمن الأطراف على الوقف الفوري للأعمال القتالية وإعادة الهدوء، ودعوهم الى العودة الى الحوار لحل الازمة الحالية في السودان، كما شددوا على أهمية الحفاظ على وصول المساعدات الإنسانية وضمان سلامة موظفي الأمم المتحدة، وجددوا على التزامهم بوحدة جمهورية السودان وسيادتها واستقلاليتها وسلامتها الإقليمية.

بدوره، أعرب رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس عن إدانته لاستهداف المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، وذلك على خلفية مقتل 3 من موظفي برنامج الغذاء العالمي في اشتباكات اندلع بمنطقة كبكابية بولاية شمال دارفور يوم أمس السبت، أثناء قيامهم بواجبهم، وقال “المدنيون والعاملون في المجال الإنساني ليس هدفاً”.

“أشعر بالانزعاج الشديد من التقارير التي تفيد بأن مقذوفات أصابت منشآت الأمم المتحدة ومبان إنسانية أخرى، ونهب مباني الأمم المتحدة وغيرها من المباني الإنسانية في عدة مواقع في دارفور. تُخل أعمال العنف المتكررة بعمليات توزيع المساعدة المنقذة للحياة ويجب أن تنتهي” يضيف فولكر.

من جهته، دعا تحالف الحرية والتغيير- المجلس المركزي- الجيش والدعم السريع إلى وقف المواجهات العسكرية والعودة لطاولة التفاوض لحل القضايا العالقة.

وقال التحالف في بيان اليوم، انه يدعو قيادتي الجيش والدعم السريع لتحكيم صوت الحكمة ووقف المواجهات العسكرية فورًا والعودة لطاولات التفاوض. وأشار إلى أن القضايا العالقة لا يمكن حلها عبر الحرب، حيث إن الخيار الأفضل للبلاد يتطلب معالجتها سلميًا عبر الحلول السياسية.

وكان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان صرح لقناة الجزيرة أمس السبت، إن قوات الدعم السريع هي التي بدأت الهجوم ولفت إلى أن القوات المسلحة لن تسمح بتكوين قوات موازية لها.

بينما وصف قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو قائد الجيش السوداني بالكاذب وقال إن قوة من الجيش فاجئت قواته بهجوم واسع في العاصمة السودانية. وبدأت التوترات العميقة بين الجيش والدعم السريع الثلاثاء الماضي حينما وصلت قوات من الدعم السريع إلى منطقة مروي شمال السودان وتمركزت قرب المطار الرئيسي ورفضت دعوات وسطاء لمغادرة المنطقة حسب اشتراطات البرهان.