رسوم باهظة تُبدد أحلام الطلاب على عتبات الجامعات السودانية

12 يناير 2023

لثلاثة أشهر ماضية، كانت الآمال العريضة تملأ حياة “محمد عبدالرحيم” وعائلته بعد حصوله على نسبة معتبرة في إمتحانات الشهادة الثانوية السودانية أهلته للالتحاق بكلية الهندسة جامعة الخرطوم في منافسة القبول العام، محققاً حلم ظل يراوده منذ طفولته.

فرحة النجاح لم تدم طويلاً على هذه العائلة بعدما إصطدمت برسوم دراسية عالية واجبة السداد وضعتها الجامعة على محمد وزملائه تصل إلى 580 ألف جنيه في السنة الواحدة، وهي مبالغ تفوق طاقة عائلته، الأمر الذي جعل أحلام الصبا لهذا الطالب تتبخر على العتبة الأولى من مباني جامعة الخرطوم.

يجسد محمد عبدالرحيم، واقع حوالي 4 الآف طالب وطالبة تم قبولهم في جامعة الخرطوم، ولم يتمكنوا من دفع الرسوم الدراسية حتى الآن وبذلك لم يتم تقييد أسمائهم لهذا العام الدراسي، وفق عضو في تجمع طلابي مناهض لقرار زيادة الرسوم تحدث مع (عاين)، قائلا: أن “هذه الوضعية تجعل مستقبل هؤلاء الطلاب في مخاطر حقيقية“.

وقادت تكتلات طلابية خلال الأيام القليلة الماضية، حراك مناهض لزيادات الرسوم الدراسية التي فرضتها جامعات الخرطوم، و السودان للعلوم والتكنولوجيا، ودنقلا على الطلاب الجدد الذين جرى قبولهم هذا العام، والتي وصلت 1000% عن العام السابق في بعض الكليات، وذلك من خلال وقفات ومسيرات احتجاجية مستمرة بغرض الضغط على إدارات الجامعات للتراجع عن القرار.

في المقابل، لم تُظهر الجامعات المعنية أي نوع من التجاوب مع الحراك المناهض ومضت في تنفيذ قرار الزيادة، وبحسب مصدر تحدث مع (عاين) فإن جامعة الخرطوم أغلقت باب التسجيل منذ الثلاثاء الماضي بعد إنتهاء مهلة أسبوع كانت قد منحتها للطلاب الجدد، كما قررت بدء الدراسة إعتباراً من يوم الأحد الماضي 8 يناير، مع تشكيل لجنة للنظر في حالات الطلاب الذين لم يكملوا تسجيلهم بشكل فردي.

طلاب في جامعة الخرطوم

بحسب مصادر (عاين)، فإن وزارة المالية السودانية خفضت الدعم الموجه للجامعات الحكومية من 250 مليون جنيه إلى 50 مليون جنيه لكل جامعة في العام، وأعطت الجامعات الضوء الأخضر لزيادة إيراداتها عبر زيادة الرسوم وغيرها من الموارد لتغطية نفقاتها واحتياجاتها بما في ذلك الفصل الأول (مرتبات) العاملين، والتنمية والتسيير وغيرها من المصروفات.

واعتبر خبراء واقتصاديين وتربويين تحدثت إليهم (عاين)، أن خطوة زيادة الرسوم الجامعية تعكس مدى تنصل الدولة عن مسؤولياتها تجاه أهم خدمة اجتماعية تقدم للمواطن، وجعل التعليم مثل السلعة (تسليع التعليم) خاضعة لسياسة رفع الدعم الحارقة، رغم أن مجانية هذه الخدمة هي السائدة في كل العالم، لافتين إلى أن الإجراء يحدث ربكة وشلل في التعليم العالي.

صدمة كبيرة

يقول محمد عبدالرحيم، الذي تم قبوله في كلية الهندسة قسم التعدين جامعة الخرطوم،  خلال مقابلة مع (عاين)، إنه لم يكن يتوقع أن تكون الرسوم الدراسية بهذا الحجم، ويضيف: “كانت صدمة كبيرة، فأنا مررت برحلة معاناة في الصف الثالث ثانوي من أجل تحقيق حُلمي والدخول إلى جامعة الخرطوم وقد أفلحت في ذلك”.

طالب: صُدمت برسوم تصل إلى 550 ألف جنيه وعائلتي ليس بمقدورها دفع المبلغ 

وتابع: “عندما تم قبولي أتيت للجامعة وكان تصوري أن الرسوم ستكون في الحدود المعقولة، ولكن صُدمت بأرقام هائلة تصل 550 ألف جنيه، .. عائلتي لا تستطيع دفع هذه المبالغ، لأن والدي عامل يكسب رزقه يوما بيوم، وبالكاد يغطي احتياجاتنا المنزلية، فليس بمقدورنا مطلقاً توفير هذه الرسوم والأرقام الكبيرة.. اذا كانت 60 الفاً  مثل العام الماضي لسعينا في سدادها”.

وزاد عبد الرحيم: “نحن ضد هذه الزيادات الخرافية والتي لم نقدر عليها لذلك منذ أول يوم أعلنت مقاطعتي لعملية التسجيل في الجامعة والانخراط في الحراك المناهض للرسوم مع زملائي المتضررين والمتضامنين، وسنستمر في مقاومة قرار الزيادة حتى إلغاءه”.

زيادة غير قانونية

عضو اللجنة المشتركة لمناهضة قرار زيادة الرسوم الدراسية الجامعية عمار أحمد، شدد بأن زيادة الرسوم على الطلاب الجدد بلغ 1000% وهي ليست قانونية وغير منطقية، لأن معيار دخول الطلاب للجامعة هو الدرجة والتحصيل الأكاديمي وليس على أساس طبقي أو مادي مرتبط بشرائح ذات دخل عالي او محدود.

لجنة طلابية مُناهضة للرسوم: 80% من الطلاب المقبولين للجامعات عاجزين عن دفع الرسوم

وقال أحمد في مقابلة مع (عاين)، إن حوالي 4 آلاف طالب وطالبة تم قبولهم هذا العام في جامعة الخرطوم متأثرين بقرار زيادة الرسوم،  هذا إضافة الى عدد مقدر في جامعة السودان يجري إحصائه، ونحن سنواصل التصعيد حتى يتم إلغائها،  فالآن 80% من الطلاب عاجزين عن دفع الرسوم التي هي أكبر من طاقتهم”.

وتابع “طلبنا من وزير التعليم العالي عقد إجتماع مشترك بين ممثلي الطلاب وإدارات الجامعات، لكنه جلس إلى أي طرف على حده، وتعهد لنا الوزير بعدم حرمان أي طالب من الدراسة بسبب عجزه عن دفع الرسوم، لكن هذا الحل لم يكن مرضٍ أو مقنع لنا لأن إدارات الجامعات طبقت قرار الزيادة بالفعل”.

وأردف عمار، أن “القبول العام أصلاً على نفقة الدولة وبه حوالي 80% من طلاب الجامعة فلا نقبل أي زيادة على رسومه من حيث المبدأ، وقد لمسنا تقبل بعض إدارات الجامعات للحوار ولكنها متعنتة ومصرة على تطبيق الزيادة، ونحن في تنسيقية طلاب جامعة الخرطوم سنواصل حراكنا المناهض لهذه الزيادات الكبيرة من خلال المسيرات والوقفات الإحتجاجية أمام جامعة الخرطوم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

مناهضة الطلاب لقرار زيادة الرسوم الدراسية

وإعتبر عمار،  أن ما يدور بشأن فصل أي طالب لم يسدد الرسوم مخالف للوائح، وهو في تقديره مجرد تخويف لأولياء الأمور، فـ اللوائح تنص على تمديد فترة التسجيل أسبوع بعد انتهائها ومن ثم تظل مفتوحة ولا يفقد الطالب مقعده إلا بعد مضي عام دراسي كامل دون أن يسجل”.

حق انساني

الزيادات الخرافية في الرسوم الدراسية كانت مفاجئة حتى للعاملين في قطاع التعليم العالي نظراً لأرقامها العالية، وهنا يشير عضو تجمع أساتذة الجامعات السودانية، البروفسيور مهدي شكاك، إلى أنه لم يكن يتوقع فرض هذه المبالغ التي ستدفع الشرائح الضعيفة إلى الإحجام عن التعليم وتركه لصالح الإحتياجات الحياتية الأخرى مما ينضوي على ذلك ظلم كبير لحرمان شخص من حق إنساني أصيل.

أستاذ جامعي: مؤسف أن يصبح التعليم مثل السلع يخضع لسياسة رفع الدعم

وقال شكاك في مقابلة مع (عاين): “من المؤسف أن يصبح التعليم مثل السلع يخضع لسياسة رفع الدعم، فوزارة المالية رفعت يدها وتركت الأمر لإدارات الجامعات التي فرضت رسوم بطريقة عشوائية وعدم وضوح، فكان الأجدى للجامعات أن تعد تقارير تحدد تكلفة أي طالب، ووضع الرسوم بناء على التكلفة ومن ثم مطالبة وزارة المالية بتحمل جزء منها”.

وأضاف: “هذا القضية ستخلق عدم إستقرار جديد في الجامعات التي عانت كثيراً خلال السنوات الماضية مع أزمة كورونا وغيرها مما أدى لتراكم الدُفع، من خلال مزيد من الإضرابات والاحتجاجات التي لا تصب في مصلحة العملية التعليمية”.

في مقابل ذلك، يقول مزمل الطيب وهو أستاذ جامعي، في مقابلة مع (عاين): إن “زيادة الرسوم سلاح ذو حدين، فسوف تكون عبء ثقيل جداً على الأسر الضعيفة، لكن عند النظر للموضوع من زاوية أخرى سيعيدنا إلى الإضرابات التي نفذها أساتذة الجامعات التي استمرت أكثر من شهرين بسبب معاناتهم من ضعف الرواتب والمخصصات والبيئة والمكاتب والبنى التحتية”.

وأشار الطيب، إلى أن تلك الأزمة تعالجت عبر إتفاق بين وزارة التعليم العالي ولجنة أساتذة الجامعات، يقضي برفع الإضراب نظير زيادة المرتبات. وقد التزمت وزارة المالية بالزيارة بينما التزمت الجامعات بأن تزيد إيراداتها مما دفعها لزيادة الرسوم الدراسية للمقبولين الجدد، وزيادة رسوم الشهادات والتسجيل للطلاب القدامى نظير تغطية التكاليف الإضافية الناجمة عن رفع الأجور.

ويرى الأستاذ الجامعي، أن تكاليف التشغيل عالية في الجامعات فالمعامل بحاجة إلى مواد تستورد بالعملات الحرة، مما يستوجب الحصول على إيرادات، فهذه الزيادة ربما تؤثر على بعض المواطنين من الطبقات الضعيفة وليس جميعهم، كما سيحد من اندفاع بعض الفئات المجتمعية غير المقتدرة نحو الجامعات.

وقال الطيب: “من الممكن تلافي آثار القرار بدعم الطلاب من الفئات الضعيفة عبر صندوق دعم الطلاب كما كان في السابق بمبالغ نقدية لتخفيف العبء، أيضاً من خلال فتح منح لغير القادرين، أو إلغاء الزيادات وعودة إضراب أساتذة الجامعات”.

تنصل عن المسؤوليات

وفي هذا الصدد، يرى الخبير الإقتصادي محمد شيخون، أن زيارة الرسوم في بعض الجامعات السودانية ستشكل عبء كبير على أسر مستوى دخلها لا يفي بالحاجات الضرورية ويفاقم المعاناة المعيشية القائمة أصلاً في السودان.

ويقول شيخون في مقابلة مع (عاين): “الزيادة نتاج من ناحية إلى أن الدراسة الجامعية مكلفة وتحتاج إلى تمويل وهي كسائر الخدمات التي يحتاج إليها المواطن السوداني، تتأثر بالارتفاع العام في معدل الأسعار، وتطلع العاملين في هذا القطاع إلى أن تكون دخولهم النقدية متكافئة بقدر نسبي مع إرتفاع الأسعار”.

طلاب جامعيون داخل قاعة دراسية

ويعود شيخون لتأكيد أن المشكلة الأساسية هي دور الدولة في دعم التعليم، فمجانية التعليم هي الشيء السائد، فلا ينبغي إلقاء هذا العبء على المواطن وما حدث أمر يدعو للأسف الشديد . ويستغرب الخبير الاقتصادي أن تلقي الدولة جميع مسؤولياتها على المواطن”.

وأضاف “لا توجد حكومة في السودان، فقط سلطة إنقلاب ألقت بكامل أعباء المعيشة على المواطن، فهذه السلطة الإنقلابية تبالغ في أمرين، أولها تبالغ في الهجمة على الجباية، والثاني هو أن هذه الأموال التي تُجبى تُنفق على المليشيات التي لا توجد منها أدنى مصلحة للمواطن للإنفاق عليها من جيبه”.

وتابع شيخون: “زيادة رسوم الجامعات لا تنفصل عن معاناة الأسر السودانية في كل مناحي حياتها خاصة الصحة والتعليم التي تفاقمت فيها المأساة بعد أن تهربت الدولة من مسؤولياتها تماما من أهم الخدمات الإجتماعية، فالنتيجة الحتمية سيكون هناك ارتباك في التعليم العالي وإضرابات ممتدة”.